الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القارة العجوز والشاب ماكرون

عبدالجواد سيد
كاتب مصرى

(Abdelgawad Sayed)

2017 / 5 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


مازلت القارة العجوز تدهشنا بثباتها ، وتخيب ظن ويل ديورانت عندما قال فى قصة الحضارة ، أن الحضارة الإنسانية مازلت مجرد قشرة ، يختفى تحتها الإنسان البدائى ، الذى سرعان ، وبمجرد غضبة ، ما يخرج القوس والنشاب ، والفأس والبلطة ، ويقتل الآخر بمنتهى البساطة ، فقد تحدت القارة العجوز هذه الفكرة ، وهزمت جلبرت فى هولندا فى أول العام ، ولوبان فى فرنسا فى منتصفه ، وسوف تنصر ميركل قبل نهايته.
ليس أسهل من إستجداء السلطة بإسم الدين والوطن ، خاصة عندما يكون لذلك مبرر ، وليس هناك قارة من القارات تعرضت للإرهاب الإسلامى مثلما تعرضت أوربا ، ومع ذلك فقد ثبتت على مواقفها، وعلى نموذج التعايش بين الثقافات المختلفة ، الذى قدمته للعالم ، على نموذج الحكمة الذى أفرز شاب فى مقتبل العمر مثل ماكرون ، ليكون رئيساً لفرنسا ، الدولة الكبرى ، صانعة التاريخ والحضارة . إن جزء كبير من إنتصار ماكرون ، وكما قال هو نفسه فى خطابه بعد الفوز مباشرة ، كان تعبيراً عن رفض العنصرية والتطرف القومى ، و جزء بالطبع يعود إلى صفاته القيادية التى لاتنكر. ، فالتطرف الدينى والقومى هما أكبر صانعان لشقاء الإنسان فى الأرض ، وليس يعقل ، أن نحاربهما بتطرف مقابل ، ولكن الحكمة أن نحاربهما بقيم أعلى ، فى التعايش بين الناس ، والإخاء والمحبة ، مثل تلك التى تقدمها القارة العجوز ، وتجربة الإتحاد الأوربى التى دافع عنها ماكرون .
فبصرف النظر عن السياسة ، وآرائها المختلفة ، فالحقيقة التاريخية لايمكن رؤيتها إلا فى سياقها الحضارى الأوسع ، وفى هذا السياق ، لايستطيع أحد أن ينكر ، أن وحدة الإنسان ، ووحدة العالم هى الهدف الأكبر للحضارة ، فالتاريخ لايمضى عبثاُ ، وتضحيات البشر ودمائهم وأرواحهم لاتضيع هباءً ، بل هى من أجل غد أفضل ، لكل البشر ، وليس لجنس معين ، أو مكان واحد من العالم ، وقديماً أدرك فلاسفة اليونان هذه الحقيقة قبل أن يضعها العلم الحديث ، الذى أزال الحواجز الجغرافية بين البشر ، موضع التنفيذ.
تقدم أوربا القارة العجوز، النموذج المختلف تماماً للشرق الأوسط ، حيث تحتضن الأولى الناس بكل أعراقهم ودياناتهم ، بينما يقتلهم الشرق الأوسط ، حتى لو كانوا من نفس العرق ، ونفس الديانة ، نموذجان فى غاية التصارع ، رغم أن عمرهما واحد ، وربما يكون حتى الشرق الأوسط سباقاً فى الحضارة ، كما أن الفاصل المكانى بينهما ، لايزيد أيضاً عن بضعة كيلومترات ، ولكن فرق كبير بين حضارة تستطيع نقد الذات، والتقدم إلى الأمام بشكل دائم ، وحضارة لايختلف لديها الماضى عن الحاضر عن المستقبل ، مجرد خرافة وبركة دماء.
إن كل ذلك التفاؤل الذى بعثه فينا إنتصار ماكرون ، لايجب أن ينسينا أن الطريق مازال طويلاً ، حتى تنتصر الوحدة والتعايش على الحرب والصراع إنتصاراً كاملاً ، فى كل العالم ، وبشكل خاص ، فى شرق أوسطنا المتصارع . تحية إلى القارة العجوز ، وإلى إبنها الشاب ماكرون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية و سلام
عبد الرضا حمد جاسم ( 2017 / 5 / 10 - 21:16 )
تفضلت بالقول التالي
تقدم أوربا القارة العجوز، النموذج المختلف تماماً للشرق الأوسط ، حيث تحتضن الأولى الناس بكل أعراقهم ودياناتهم ، بينما يقتلهم الشرق الأوسط ،* انتهى
نعم...لكنها القارة العجوز هي من تفعل ذلك...و ماكرون منهم و احدهم و سيستمر في عهده مجرى الدم


2 - الرد على الأستاذ عبدالرضا حمد الجاسم تعليق رقم 1
عبدالجواد سيد ( 2017 / 5 / 10 - 21:43 )
كيف تفعل القارة العجوز ذلك ، وهى تحتضن ملايين اللاجئين السوريين وغيرهم من لاجئ العالم، كم مليون مسلم لايجد القوت ولاالحرية فى بلاده يعيش فى القارة العجوز ويحمل جنسيتها ويتزوج من بناتها بلاحسب ولانسب ولاخرافات شرق أوسطية ؟

اخر الافلام

.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن


.. الشرطة الفرنسية تعتقل شخصا اقتحم قنصلية إيران بباريس




.. جيش الاحتلال يقصف مربعا سكنيا في منطقة الدعوة شمال مخيم النص


.. مسعف يفاجأ باستشهاد طفله برصاص الاحتلال في طولكرم




.. قوات الاحتلال تعتقل شبانا من مخيم نور شمس شرق طولكرم