الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الزمار الاعمى الذي رأى كل شيء

عبد السلام الزغيبي

2017 / 5 / 11
الادب والفن



الزمار الاعمى الذي رأى كل شيء

عبد السلام الزغيبي

يتصف العرس في ليبيا بطقوس خاصة تميزه عن بقية الأعراس في الدول العربية الأخرى رغم اختصار مدته من اسبوع إلى ثلاثة أيام تتضمن الموروث الحضاري الذي انتقل إلى الأبناء من الأجداد.

ﺍﻟﻌﺭﺱ الليبي، ليس ﻤﻨﺎﺴﺒﺔ ﺨﺎﺼـﺔ ﺒﺄﻫـل ﺍﻟﻌـﺭﻴﺱ والعروس، ﻭﺇﻨﻤﺎ ﻫﻭ مناسبة يشارك فيها كل الناس من العائلة والاقارب والاصدقاء والمعاراف والجيران.

ووفقاً لما جرت عليه العادة قديماً، تكثر خلال العرس الزغاريد ويطول في لياليه السهر وتلتئم النسوة من الأهل والأقارب حول العروس وأهلها.

المظاهر التقليدية للعرس الليبي، لا تقتصر فقط على حضور فرقة «الغناء»الشعبية، وعادة ما يحتفل الرجال بمفردهم فيما يسمى بالعراسة، التي يحييها احد المطربين الشعبيين، بحضور اهل العريس واصحابه واقاربه، أما ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ فيحتلفن في ﻤﻜﺎﻥ اخر.

وبحسب التقاليد الليبية، التي تمنع اختلاط الرجال بالنساء في الافراح والأتراح ، كانت نسوة البيت والاقارب والجيران يحيون العرس بانفسهم ..ثم تطور الامر، باستدعاء مغنية شعبية لاحياء الفرح للنساء وجل الحضور هن من نساء العائلة والاقارب والاصدقاء والجيران.

في سبعينيات القرن الماضي، كانت توجد في بنغازي مطربتان مشهورتان إحداهن تدعى ( الوردة)، والاخرى أسمها ( مارينا)، تتنافسان على سوق الغناء في الافراح الشعبية،. وفي نهاية المطاف ،كانت الغلبة لصالح (الوردة)، التي تسيدت عرش سوق الغناء، وأخذت تفرض شروطها، وكانت عائلات بنغازي العريقة ، لا تعتبر العرس عرساً إن لم تحيه ( الوردة)، كما كانت العائلات تتسابق وتبحث عن من يتوسط لها لتحصّل موافقة (الوردة)، لاحياء العرس، ووصل الامر إلى أن يتم تغيير موعد ليلة الدخلة من يوم الخميس (كما اعتاد أهل بنغازي) الى يوم الأحد .. حتى يتناسب مع جدول مطربة الافراح الاولى.

وكسبت المغنية الشعبية الكثير من الأموال، وقامت ببناء عمارة كبيرة، وكانت لها سيارة فارهة في ذلك الوقت وسمي موديل السيارة باسمها!..

وكان للمطربة فرقة مكونة من ضاربة دف( درباكة)، و زمار ، من الرجال ، وكان من ضمن شروط،اهل العريس او العروس أن يكون الزمار عادة أعمى،( كفيف البصر)، يلبس نظارات سوداء على عينيه، حتى لا يتمكن من رؤية النساء بملابسهم المتحررة بعض الشيء..

وفي الاحوال العادية، يكون للمغنية وفرقتها، سائق معه سيارة، يتم استئجاره من اجل توصيل الفرقة من والى بيت العرس..

في حكايتنا هنا، التي وقعت احداثها في سبعينيات القرن العشرين، ان المغنية الشعبية حضرت لاحياء فرح ،وكان من المفروض ان يصاحبها ويكون برفقتها الزمار الاعمى ( الكفيف)، كما جرت العادة، لكن هذا الزمار اصيب بنوبة برد شديدة مفاجاة ، وعلى اعتبار ان هذا الزمار لا بد أن يصحب المطربة الشعبية المشهورة،اينما حلت،لم يكن أمامها لانقاذ الموقف الا الاستعانة برجل آخر

وكان العرس مقاما عند سطح بيت عائلة من اقاربنا، وابدعت المغنية الشعبية، وصالت وجالت، واطربت الحضور بأغانيها الشعبية المميزة، مصحوبة بزغاريد النسوة ورقصهن وتصفيقهن. احيت المطربة المحبوبة، الفرح، وانتهى الحفل وحان موعد المغادرة في ساعات الصباح الاولى، بعد أن تسلمت بقية المبلغ المالي المتفق عليه مسبقا.. انتظرت المغنية ، وقد انهكها التعب، وصول سائق التاكسي دون جدوى، وكان الوقت متاخرا، فعرض عليها صاحب الفرح توصيلهم بسيارته الخاصة . رفضت العرض، ثم أستقر الامر بتكليف احد اقارب العروس بتوصيل الفرقة.

ركبت المغنية الشعبية، والدرباكة في المقعد الخلفي للسيارة، وركب الزمار الاعمى (المزيف) في المقعد الامامي بجانب السائق، وبحركة غير مقصودة وبصورة مفاجئة، نزع الزمار( المفترض انه أعمى)، النظارات السوداء من عينيه، ليمسح عرقه. وكانت المفأجاة الكبرى التي أذهلت السائق، وهي أن الزمار الاعمى ( لم يكن أعمى )!!، وأنه بصير، وأن كان لديه ضعف نظر

وجد قريب العروس نفسه في حيرة هل يذيع السر على الجميع؟ أم يكتفي بفقط بابلاغ قريبه صاحب الفرح؟ أم يغض النظر عن الموضوع وكان الامر لايعنيه من قريب أو بعيد...

وبعد تفكير، وصل الى قناعة بينه وبين نفسه، ان الزمار المزيف اراد انقاذ الموقف، وهو مجرد شخص يريد ان يعيش بدلا من أن يتسول . وهو مجرد عازف ليس له أي ذنب ، ارتدى زي الأعمى مع نظارة كنظارة الملحن المصري سيد مكاوي، أو فقي الجامع، ليؤدي الدور على أكمل وجه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما


.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا




.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما


.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في




.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة