الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رشيد ... سيرةٌ غريبة لشخصٍ إستثنائي

امين يونس

2017 / 5 / 11
الادب والفن


لم يَكُن " رشيد " مُجّرَد فردٍ من عائلة عادِية في العمادية ، بل كان الإبن البكر ل " سعيد سماييل آغا " ، أحد الوجوه المعروفة في المنطقة . صحيح ان سعيد آغا ، لا يمتلك تلك الصفات التقليدية الشائِعة للآغوات ، من قَبيل الشَراسة والبطش ومُمارسة الظُلم على الفلاحين أو الإعتداء على الفُقراء أو حتى القيام بالسلب والنهب ، ولا يحمل معهُ عصاً ليضرب بها الخَدَم والتابعين ، ولم يكُن لهُ أيضاً ، بخلاف الآغوات الآخرين عشرات من الأبناء وأولاد العَم والأقرباء ، المُسلحين بالبنادِق والخناجِر والمُستعدين لتنفيذ أوامرهِ ... لكنهُ ، أي سعيد آغا ،على أية حال ، صاحب أراضٍ شاسعة ولا سّيما في منطقة سرسنك وأنحاءها . أما كيفَ أصبحَ مالِكاً لِكُل تلك الأراضي ، فتلك مسألة مُعّقَدة نوعاً ما .. وتعود بنا ، إلى محاولة تفسير ، كيفية " إمتلاك " الشيوخ والآغوات ، عموماً ، الأراضي والقُرى والبساتين والمزارِع . فغالبية هؤلاء ، لم يرثوا هذه الأطيان الشاسعة ، من آباءهم او أجدادهم .. بل على الأغلب ، هي نِتاج مُكافآت كانَتْ تُقدِمها السلطات العثمانية ، مُقابِل تقديم هؤلاء الأشخاص ل ( خدمات ) للدولة العثمانية ولا سيما ، تجنيد الشباب للمشاركة في الحروب أو إستيفاء الضرائب من الفلاحين بالقُوة ، حيث كانتْ الجندرمة والسلطات الرسمية ، عاجزة بوسائلها التقليدية ، عن القيام بِمثل هذه المهمات في تلك المناطِق . ومن الطبيعي ، حين تعطي الدولة ، عشرين دونماً ، مثلاً ، للشخص الفلاني ، مقابل خدماتهِ ، فأنهُ يستولي على أربعين بدلاً من العشرين ، ويفرض هيبته بِقوة السلاح ، على الفلاحين العاملين في تلك الأراضي ، ويستحصل على النسبة الأعلى من المحاصيل .
عودةً إلى سعيد آغا .. فمن المُمكن أن يكون سماييل آغا أو أبيه ، قد حصلا على تلك الأراضي من الدولة العثمانية ، في القرن التاسع عشر ، وورثها سعيد آغا . ومن الحكايات الطريفة التي تُروى عن سعيد آغا ، الذي كانَ شهيراً بِحُبهِ البالغ للحم الغنم .. أن أحد الفلاحين المسيحيين من قرية " با ده رَشكى " القريبة من سرسنك والعائدة ملكيتها للآغا ، جاءهَ يوماً بهديةٍ عبارة عن كمية من لحم الظأن الطازج ، فأهداه الآغا بالمُقابِل ، الأرض التي يزرعها ! . وإنتشرتْ الحكاية ، فتعّودَ العديد من الفلاحين من باده رَشكى ، ان يجلبوا للآغا ، خروفاً سميناً أو " علي شيش " ، علَ وعسى أن يتنازل عن بستانٍ أو مزرعةٍ .. وبالفعل كانَ يحدث ذلك أحياناً حسب مزاجه ! .
...............
في ليلة 30 حزيران على 1 تموز من سنة 1919 ، وحين كان حاكم العمادية ، البريطاني ( المستر كاردن ) والإداري ( المستر ثورب ) ، وطبيبٌ إنكليزي ، والكولونيل ( مكدونالد ) وستة ضُباط بريطانيين آخرين أحدهم برُتبة مُقَدَم [ وهؤلاء هم الفريق البريطاني الذي كان يحكم ويدير العمادية آنذاك تحت أُمرة المستر كاردن ]... عندما كانوا غارقين في النوم ، على سطح بناية السَراي ، وحيث كانتْ هنالك سِرية من الحُراس من قوات " الليفي " وهُم في غالبيتهم من المسيحيين المحليين ولا سَيما التياريين ، من المفروض ان تقوم بحراستهم ... فأن بعض المتمردين من أهالي العمادية ، وبالإتفاق مع حارسَين من الليفي من أهالي العمادية المُسلمين ، قاموا بإغتيال الحاكم كاردن والضباط الأنكليز الآخرين والطبيب ، وكذلك عناصر الليفي الذين حاولوا المقاومة . وقاموا بعدها بنهب القاصة التي كانتْ تحتوي على رواتب الموظفين والعسكريين ، وهربوا بعد ذلك إلى الجبال القريبة من العمادية ومن ثُم إلى القُرى الكردية في الجانب التُركي .
كانتْ العملية كبيرة بمقياس ذلك الزمن ، ووصلتْ أصداءها إلى ما وراء البحار .. فسارِعَ ( ليجمان ) الحاكم العام في الموصل إلى توجيه قوات بريطانية وبمساندة طائرات حربية ، الى منطقة العمادية مروراً بسواره توكا وبامرني ، وسيطرَ على العمادية خلال إسبوعَين ، وقام بإعدام بعض أقارب المشتركين في الإغتيال وتعليق جثثهم في قرية بيباد .
..............
في هذهِ الأيام بالذات ، كانَ " رشيد " الذي لم يكُن قد بَلَغَ السادسة عشر من عمره بَعد ، قد خرجَ وبمعيتهِ " حَسو الخادِم " ، إلى الجبال القريبة ، للتمتُع بالطبيعة الرائِعة وسط الغابات ، وعلى أمل إصطياد القبج وكذلك فُرصة اللقاء ببعض الصبايا الجميلات اللاتي يجمعن الأعشاب عادةً ... حيث كانَ رشيد مُدّلَلاً من قِبَل والده سعيد آغا ولا يرفض لهُ طلباً . كان الناس يصعدون إلى الجبال ويبقون لأيام وأسابيع وينامون في الكهوف عادةً . في طريق عودته ، سمع رشيد من بعضهم بأن الضباط الإنكليز في العمادية قُتِلوا ، وأن جيشاً من البريطانيين وقوات الليفي ، إحتلَ المنطقة وهُم يبحثون عن الجُناة الهاربين . فمكث رشيد والخادم حسو ، في قريةٍ قريبة من العمادية ، وبَقوا عدة أيام . لكن كما يبدو فأن أحدهم وشى بهما لدى الإنكليز ، فإلقِيَ القبضُ عليهما مِنْ قِبَل قوات الليفي وجئ بهما الى العمادية ، وكان الحاكم البريطاني الجديد ، لديهِ تعليمات صارمة ، بالقبض على المشتركين بالعملية أو المتعاونين معهم وإنزال أقصى عقوبة بهم ، لكي يكونوا عبرةً لكُل مَنْ تسّوِل لهُ نفسه ، التمرُد ضد الإنكليز. ولم تنفع توسلات سعيد آغا وحلفانه بأن ولده رشيد برئ ، وكانَ ذاهباً إلى الجبال للصيد لا أكثَر ... وقالَ لهم بأنه ما زالَ مُراهقاً وليس لهُ علاقة بالمتمردين ... واُتُهِمَ بأنهُ وخادمه حسو من المتعاونين مع الذين إغتالوا الضباط الإنكليز . فخصصوا شُرطِيَين لأخذهما قابِضَين إلى الموصل لمحاكمتهما ونيل العِقاب ، وكان أحد الشُرطيَين مسيحياً والآخَر مُسلِماً .
. وبالفعل فقد تحركتْ القافلة الصغيرة المتكونة من شرطيين مُسّلَحين وحصانِيهما المُحّمَلين ببعض المُؤن ، والمُتهمَين رشيد إبن سعيد آغا وخادمه حسو ، بقيودٍ مُحكَمة في أيديهما . كان الطريق من العماديةِ إلى الموصل يستغرقُ عدة أيام . عند وصولهم إلى مشارِف قرية " ساركى " القريبة من سوارة توكا ، في ظهيرةِ أحد الأيام ، وعند نبع الماء ، طلبَ رشيد أن يفكوا قيده ، لكي يتوظأ ويُصّلي .. وكان الشرطيان أيضاً بِحاجة إلى إستراحة .. وكان رشيد قد إتفقَ مع خادمهِ ، بأنهُ سوف يخطُف بُندقية أحد الشُرطيَين في حين يثُب هو على الآخَر . وبالفعل شاغَلَهُم رشيد وتظاهَرَ بأنهُ وقفَ للصلاة ، فإطمئنَ الشُرطيان وتوجها إلى العَين ليغتسلا ويشربا الماء .
بِكُل شعور " رشيد " بالظُلم وأنهُ يُساق إلى مصيرٍ مجهول وعقوبةٍ قاسية لايستحقها ، وغضبه المُتراكِم وإندفاع وتهّورالشباب .. بقفزةٍ واحدة وصلَ إلى سلاح أحد الشُرطيَين ، وفي الحال أزال الأمان وسحب الأقسام مُوّجها البُندقية إلى الشُرطيين ... اللذَينِ بهتا مِنْ هَول المُفاجأة ... إلا أن أحدهما أسرعَ بالفِرار قاصداً المنحدر القريب الكثيف الأشجار ، في حين قفزَ حسو الخادم على الثاني مُحاولاً بطحه أرضاً ... أطلقَ رشيد النار على الشرطي الهارِب ، لكنهُ لم يصبه وتوارى عن الأنظار ، فلقمَ طلقةً ثانية .. وأثناءها إستطاعَ الشرطي الآخَر التخلُص من قبضة حسو الخادم وحاول الفِرار ، لكن رشيد القريب ، أرداهُ بطلقةٍ من بندقيته أصابَتْهُ في الرأس فقُتِلَ على الفَور .
حسو الخادِم ، لم يكُن أساساً ذو عقلٍ سليم ، فجَعَلَتْهُ الحادِثةَ مُرتبِكاً ولا يعرف كيفية التصرُف ، كانَ ينفع للخدمة وهو صبورٌ ومُخلِص ، لكنهُ ليسَ ذي جدوى كبيرة في مثل هذهِ المواقِف ... ورشيد نفسهُ كانَ فتىً بلا تجارُب ولم يسبُق لهُ المرور بحالاتٍ خطيرة ، فكيفَ بِقتلِ شرطي عائدٍ لحكومة الإنكليز ؟ بل شرطيٍ أثناء تأديته الواجب وفوق ذلك الإستيلاء على سلاحه ؟ يعرف رشيد ان عقوبة ذلك ، هي الإعدام لا مَحالة ... لكن على أية حال ، لم يكُن مُستبعداَ أن يُعدَم أيضاً بتهمته المزعومة حول تعاونه مع قاتلي الضُباط الإنكليز ... أدركَ رشيد بأنهُ ينبغي مغادرة المكان فوراً ، لاسيما وأن الشرطي الهارب ورغم أنهُ بلا سِلاح ، إلا أن إحتمال وصوله إلى قريةٍ كبيرة ونجاحه في التبليغ عن الحادثة سريعاً ، سيشكل خطورة كبيرة عليهِ . من حُسن الحَظ ، فأن خُرج أحد الحصانَين كانَ لا يزالُ عامِراً بالخُبز والراشي والدِبس ، فأكلا هو وحسو الخادم .. وبعد ان أفرغا جيوب الشرطي المسيحي القتيل ، من قليلٍ من المال وبعض التبغ وقداحة نفطية أخذها رشيد ، وإنتزعَ حسو الخادم حذاء القتيل وإنبسطتْ أساريره حين إكتشف بان الحذاء مُناسبٌ لقدميهِ ... سَحبا الجثةَ إلى ما يشبه الحفرة وأهالا عليها بعض الحشائِش والأغصان والحجارة ، ثُم أسرعا بأخذ الحصانَين والبندقيتَين والعِتاد وتوجَها جنوباً ، حيثُ ترائى لرشيد ، بأن هنالك قرية على سفح الجبل ، رُبما إذا أسرعا ، فيصلانها عند غروب الشمس .
أوشكَ الظلامُ أن ينسدِل حين إقتربا من مشارِف القرية .. لكن رشيد لم يكًن يعرف أي قرية تلك ومن أي عشيرةٍ هُم .. وهل يتواجدُ فيها مُصادفةً شرطة الإنكليز وهل سمعوا بالحادثة أم لا ... وفيما هو حائِرٌ لا يعرفُ ماذا يفعل .. وإذا بهِ يسمع نهيقَ حمارٍ ، إلتفتَ فرأى رجلاً عجوزاً يقودُ حماراً مُحّمَلاً بالحطب متوجهاً نحوهما قائلاً : السلامُ عليكم ! . شّدَ رشيد يده القابضةَ على البندقية بصورةٍ لا إرادية ورَدَ بإرتباك : وعليك السلام يا عَم . قال العجوز : يبدو أنكما غريبان ، تفضّلا لنذهب إلى القرية لتكونا ضيوفي .
إطمأنَ رشيد قليلاً ، بعد أن تبادلَ الحديث مع الرجل ، وأخبرهُ أنهُ إبن سعيد سماييل آغا وهذا الذي معهُ خادمه حسو ، فقالَ الرجل أنهُ يعرف والده وأنه رآه مرةً قبل سنين . بعد أن إستقر بهم المقام في منزل العجوز ، شربَ رشيد الشاي ودخنَ سيكارةً من تبغ الشرطي الذي قتلهُ ... وسألَ العجوز عن كبير القرية ، وطلبَ منهُ أن يرافقه إلى منزله ، لأنهُ يريد ان يتحدث إليهِ في شأنٍ ضروري .
قٌبيل العشاء ، كانوا على عتبة منزل الحاج صالح ، الذي رّحبَ بهم بحرارة ، وكان بضعة أفرادٍ جالسين في الديوان .. أخبرهم العجوز ، بأن هذا الشاب هو رشيد إبن سعيد سماييل آغا من العمادية ، ويريده في مسألةٍ مُستعجلة .. طلبَ الحاج من الجالسين أن يتركوهم لوحدهم ، فقاموا على الفَور . فحكى رشيد قصته من الألف إلى الياء .. فتعجبَ حجي صالح من هذا الفتى الصغير وكيف إستطاع القيام بذلك ، مُنّوِهاً بأنهُ حَسَناً فعلَ بقتله الشرطي المسيحي وليس المُسلِم . أجابَ رشيد : لم أتعمَد ذلك ، لقد أطلقتُ النار على الآخر أولاً لكنهُ إختفى بين الأشجار . قالَ الحجي : على أية حال ، ان المسيحي خنزيرٌ كافِر !! .
ثم صارحهُ بأنهُ لن يستطيع إبقاءه في القرية ، لأنها قريبة من مكان وقوع الحادث ، وهو لن يتمكن من حمايته .. فّكَر قليلاً ثم قال : .. قتلك للشرطي ، يثبت عليك التهمة الأولى أيضاً .. قضيتك كبيرة والإنكليز لايرحمون ... قد يكون " محمود آغا " هو الوحيد الذي يمكنه مساعدتك . هل تعرفه ؟ هل بإمكانك الذهاب إلى منطقته ؟ أجابَ رشيد : والله ياعَم ، لا أعرفهُ ولا أعرف الطريق إليهِ أيضاً . قال الحاج الطَيِب : حسناً يا بُنَي ، أستطيع أن أرسلَ معك شخصاً حاذِقاً يوصلك ... لكن بِشَرط ، أن تتنازل لي عن حصانٍ وبُندقية ! . وافقَ رشيد بدون تردُد .
في الصباح الباكر ، توجهَ رشيد مع الدليل ، إلى منطقة نفوذ محمود آغا . بعد ليلتَين وصلوا إلى مشارِف قريةٍ على سفح الجبل ، فأشار الدليل بيدهِ : هذا هو المكان المنشود . ومهمتي إنتهتْ ، تستطيع الذهاب أنت وخادمك إلى أي منزلٍ وهُم سوف يدلونكم على ديوان الآغا . وأنا سوف أرجع إلى قريتي ... ثم على إستحياء : هل تتكرم بإعطائي قداحتك النفطية ، فأنا أحتاجها دوماً ، وأنتَ ذاهبٌ إلى الآغا ولن تحتاج القداحة هناك ! . فقدمها لهُ رشيد . ودعهما الدليل وعادَ من حيث أتى .
لم يحتَج رشيد إلى كثيرٍ من الوقت ، للإهتداء إلى الآغا ... فلم يكُد يقترب من أولى البيوت الطينية ، حتى خرج رجُلان مُسلحان وبنادقهما في أيديهما .. سّلمَ عليهما رشيد ، فرّدا السلام .. وقالَ لهما : أنا ضيف وأريد لقاء محمود آغا شخصياً . قالَ أحدهما : أهلاً وسهلاً .. تفضَل معنا إلى منزلنا ، إسترِح قليلاً وكُل لُقمة ، حتى نبلغه .
بعد حوالي الساعة ، ذهبوا إلى مضيف الآغا . رحّبَ بهما وتفاجأ بهذا الضيف صغير السن : تفضل ياولدي أنا محمود آغا . مَنْ أنتَ وماذا تُريد ؟ فّقّصَ عليهِ رشيد حكايته منذ ذهابه إلى جبل مَتين مقابِل العمادية هو وخادمه حسو ، ولغاية وصوله إلى ديوان الآغا .. وكان حسو قد قاطعهُ قائلاً : لقد قتلنا الشرطي المسيحي وليس المُسلِم ! . أوقفهُ رشيد بإشارةٍ من يده . وقالَ للآغا : هذهِ حكايتي أيها الكبير .. وأنا دخيلكم ، فهل تقبلني ؟
سألهُ الآغا : كَم تبلغ من العُمر . قالَ رشيد : حوالي ستة عشر عاماً . تمّعنَ فيهِ الآغا مَلِياً ، وفّكرَ في نفسه : شابٌ صغير ، ومّرَ في مثل هذه المِحَن ، وتجرأ أن يخطف سلاح شرطي ويقتله .. واللهِ أنهُ ليسَ شيئاً عادياً ، فإذا رعيته وقمتُ بحمايتهِ ، فمن المُحتَمَل أن يصبح واحداً مِنْ أفضل رجالي الذين يمكنني الإعتماد عليهِ ... وعلى أية حال .. لأبقيه عندي فترة ، وأجربه وأمتحنه ، فإذا لم يعجبني أوإذا خّيبَ ظنّي ، أسّلمهُ وأحصل على مكافأةٍ أيضاً !! .
قال الآغا لرشيد : من هذهِ اللحظة ، أنتَ في حمايتي ! .
..........................
بعد بضعة أسابيع ، كانتْ سرية من قوات الليفي تحت أمرة ضابطٍ بريطاني ، تقوم بتمشيط قُرى المنطقة ، وألقتْ القبض على حجي صالح نتيجة إخبارية ، وبعد أن أهانَتْهُ أمام أهل القرية وأخذتْ منه الحصان والبندقية ، إعترفَ بأنهُ نصحَ رشيد بالذهاب عند محمود آغا . نالَ الدليلُ أيضاً قسطهُ من البهدلة والتعذيب .. لكنهُ حمدَ الله أنهم لم يأخذوا منهُ القداحة النفطية ! .
.......................
في البدايةِ ، أنكرَ محمود آغا وجود المتهم رشيد عنده .. لكن بعد أن أطلَعهُ مندوب الإنكليز ، كيف ان حجي صالح والدليل إعترفوا بما لديهم من معلومات كاملة . قالَ لهُ الآغا : .. نعم أنهُ عندي وهو تحت حمايتي ، ولن اُسّلمه .. وسأجابِه أي قوةٍ تأتي لأخذهِ ! . نقل المندوب كلام الآغا إلى المسؤولين الإنكليز .. وبدورهم كتبوا تقريراً إلى رؤسائهم بّينوا فيهِ ، الوضع على الأرض ، وأن المنطقة التي تحت نفوذ محمود آغا ، في الوقت الحالي ، وعِرة وصعب السيطرة عليها ، لاسيما وتحت يده مسلحين كثيرين .. إضافةً إلى ان الآغا من المتعاونين مع السلطات عموماً كما كان كذلك مع السلطة العثمانية السابقة .. ولهذا فهُم يقترحون تأجيل البَتْ في مسألة رشيد في الوقت الحالي ، إلى ان تتبدل الأوضاع .. وأثناء ذلك يستمر الضغط على الآغا من خلال تبليغ معاونيه الذين يراجعون الجهات الرسمية في الموصل بين الحين والحين ، بضرورة تسليم المتهم الهارب .
.....................
مّرتْ الأشهُر والسنوات .. وتشكلتْ الدولة العراقية الملكية الجديدة تحت الإنتداب البريطاني ، وتبدلتْ أمورٌ وتغيرتْ ظروف .. لكن رشيد بقي مطلوباً من الناحية الرسمية ، على الرغم من أن المُلاحقة قد خّفَتْ عملياً . وخلال هذه السنوات القليلة ، توطدتْ ثِقة الآغا برشيد وأثبتَ رشيد من خلال مواقِف عديدة ، شجاعته وإقدامه وإخلاصه للآغا .. وكان ذلك شيئاً مَنطِقياً ، فلولا محمود آغا ، لربما كانَ رشيد مشنوقاً منذ زَمَن . فهوَ مُقتنِعٌ بأنهُ مَدينٌ للآغا بحياته . وفوق ذلك ، قامَ الآغا بتزويج رشيد ، من إحدى قريباته ، فإستقرَ هُناك وأصبحَ تدريجياً من البارزين في ديوان الآغا رغم صغر سّنه . رُزِقَ رشيد بأولادٍ وبنات ، وتطبعَ تدريجياً بطبائع محيطه الجديد ، رغم إحتفاظه بلقبه : رشيد آميدي . عاش رشيد حتى إقترب من الثمانين . إثنان من أبناءه ، أصبحوا من رجالات محيطهم الجديد ، الأشداء وتزوجوا وبقوا هناك إلى أن توفوا قبل سنوات.. والآخَران عادا إلى العمادية في شبابهما المُبكِر .
...................
رشيد إبن سعيد سماييل آغا ... عاشَ حياةً غير تقليدية ، فشاءتْ الأقدار والظروف ، أن يُتهَمَ في شبابه المُبكِر ، بتهمةٍ ثقيلة ، باطلة ، ثُمَ تورطَ بجريمة قتل الشرطي الذي كانَ يأخذهُ قابِضاً إلى الموصل ، وإستجار بمحمود آغا ، وإستقر هناك نهائياً ، بعيداً عن والديهِ وأخيه عبد الرحمن وأخواته ومرابع طفولته .اُقتُلِعَ من بلدتهِ وأهله وأصدقاءه ، وعاش في محيطٍ غريب ، وتطبعَ بطبائعهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رائع
حسين علوان حسين ( 2017 / 5 / 12 - 12:35 )
الأستاذ الفاضل أمين يونس المحترم
رائع !
أتحفونا بالمزيد من قصص الأبطال الأكراد ، لطفا ً .
أعتزازي و حبي و تقديري .

اخر الافلام

.. أشرف زكي: أشرف عبد الغفور كان من رموز الفن في مصر والعالم ا


.. المخرج خالد جلال: الفنان أشرف عبد الغفور كان واحدا من أفضل ا




.. شريف منير يروج لشخصيته في فيلم السرب قبل عرضه 1 مايو


.. حفل تا?بين ا?شرف عبد الغفور في المركز القومي بالمسرح




.. في ذكرى رحيله الـ 20 ..الفنان محمود مرسي أحد العلامات البار