الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


افول الماركسية - الايديولوجيات : من 1968 حتى اليوم (12)

موسى راكان موسى

2017 / 5 / 12
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية




(( تحريفية )) الحزب الشيوعي الإيطالي (ص 65ـ69) :


إن الطريقة التي بها عالجنا و عرضنا ، منذ الصفحات الأولى ، بعض تطورات الايديولوجية ، قد تقود إلى سوء الفهم أو التقدير . لقد أشرنا بالخصوص إلى الموضوعات و المبادرات التي سادت أوساط اليسار الجديد . لقد كان ذلك برأينا حتميا . إذ أن هذا اليسار الجديد كان بالفعل ، وسط جو الهيمنة التي كانت للماركسية خلال هذه السنوات ، و بدون شك المنطقة الأكثر حساسية و الأكثر تقبلا للتوترات الايديولوجية الكبرى . و لكن سيكون من أكبر الأخطاء التي لا تغتفر لو حسبنا أن الحزب الشيوعي الإيطالي كان غريبا عن هذه التطورات . لقد كان دوما حاضرا ، من خلال مشاركة نشطة و قلقة ، خصوصا فيما يتعلق بقطاعاته الأكثر إنخراطا في الماركسية . إن (( الثورة الثقافية )) الصينية ، و الحركة الطلابية ، و النضالات العمالية التي تلتها ، و الطريقة الجديدة التي كانت فيها الحركات الاجتماعية النابعة من القاعدة تحاول أن تجد لها تعبيرا سياسيا ، كل هذه الأمور ، لم تثر عقول روسانا روساندا و لوتشيو ماغري و ألدو ناتولي فقط ، و إنما أثارت أيضا عقول أنغراو ، و ترنتين ، و أوكشيتو ، و ألف واحد غيرهم . إن الاختلافات التي كانت موجودة دون شك على صعيد التكيك السياسي ، كانت تضمحل ، و أحيانا تتبخر على صعيد الأفكار .


من جهة أخرى ، و لأسباب بيّنة تتعلق بالحسابات السياسية ، فإن الحزب الشيوعي الإيطالي لم يختر أبدا خط التصلب و الإنغلاق و العزلة تجاه ذلك الفوران الايديولوجي الكبير الجاري وسط أقصى اليسار . و خلال هذا العقد ، كان خط الحزب حول هذه النقطة عرضة لتصحيحات متواصلة . لقد قام الحزب و قد فوجئ بالإنفجار غير المتوقع 1968 (و هو كان يقف مواقف الحذر و عدم الفهم تجاه ثورة الشبيبة) بإجراء تعديلات مناسبة سريعا ، و مباشرة . لقد استقبل لانغو في إجتماع خاص سكالزوني و بقية قادة الحركة الذين كانوا متهمين قبل بضعة أشهر بالتمرد البورجوازي الصغير . كما أن محاولة ملاحقة (( النمر )) لكي يتم لاحقا إمتطاؤه ، كانت إهتماما ثابتا لم يتم أبدا التخلي عنه . و حتى بعد طرد (( لاما )) من جامعة روما خلال شتاء 1977 فإن الجهود (( لإستيعاب )) القسم الأكبر من الحركة ، (و ذلك بعزل الفئات المتطرفة) تواصلت بدأب لم يتغير .


لقد كان لهذا الخط على الأقل نتيجتين : فهو من جهة أولى كان مصدرا لاختلافات داخل المجموعة القيادية حول موضوع تقييم الدورة السياسية التي افتتحت عام 1968 . و هو من جهة أخرى شجع ابتلاع الحزب لعدد كبير من الموضوعات الايديولوجية التي صيغت في الخارج (حتى لو كان ذلك أحيانا بطرائق محصورة ببعض قطاعات الطلاب أو المثقفين ، و تقريبا دائما بأشكال أقل (( سهولة )) من الأصلية) . و هكذا فإنه ليس من قبيل الصدف أن عددا كبيرا من ممثلي و قياديي نضالات الشبيبة قد جرت (( إعادة استيعابهم )) من قبل الحزب .


لقد ساهمت هذه الحالة (كما سنرى) في إدامة تناقضات في الحزب لم تكن على كل حال غريبة عن تاريخه . و بعد غزو تشيكوسلوفاكيا عام 1968 ضاعفت من إنخراطها في السير بإتجاه (( التحول نحو الاشتراكية )) مع الإلتزام الكامل بمبادئ الديمقراطية و (( بالضمانات )) الدستورية . لقد حظيت هذه السياسة بدفع جديد بعد الإنقلاب التشيلي و النهاية المأساوية لأليندي ..


و في نفس الوقت فإن الأحداث المتعلقة (( بالإنشقاق )) السوفياتي (و هو (( إنشقاق )) مثقفين أساسا ، من قوميات مضطهدة و من اليهود) قد بدت و كأنها تسارع أكثر في دفع هذه العملية . إن الجزء الأول من كتاب سولجنستين (( أرخبيل الغولاغ )) قد نُشر في إيطاليا عام 1974 . إن هذا العمل الطويل النفس ، كان أول جردة حساب تأريخية نجحت في إعادة رسم نظام المعسكرات و القمع الجماعي بالأشكال و الأحجام الهائلة التي عرفها في الإتحاد السوفياتي ، ليس فقط أيام ستالين و لكن أيضا قبله و في أيام (( الثورة )) . إن نظام (( العمل الإجباري )) على مستوى عدة ملايين من البشر ، كان يبدو من خلال تحليل سولجنستين (الغني جدا بالأسماء و التواريخ و الوقائع) ليس (( كإنحراف مأساوي ، و إنما كعنصر تأسيسي ، عضوي ، في المجتمع السوفياتي )) .و في نفس الوقت فإن الروايات و الأخبار و الشهادات شبه اليومية التي كانت تصل إلى الغرب من عالم (( المنشقين )) ، إما بطريقة غير مباشرة و إما بطريقة مباشرة بواسطة الضحايا أنفسهم ، كانت تقدم التأكيد على أنه حتى و لو كان ذلك بنسب أقل أو محصورة أكثر مما كان أيام ستالين ، فإن نظام المعسكرات و النظام الأحدث (( للمستشفيات النفسية )) ، كانت تشكل مؤسسات أساسية و دائمة للمجتمع (( الجديد )) . و وسط هذه المجموعة من الأحداث ، فإنه ليس فقط التفكير النقدي تجاه الإتحاد السوفياتي قد بدأ يزداد أهمية داخل الحزب الشيوعي الإيطالي ، و إنما أيضا إلتزامه في قبول و إحترام الديمقراطية السياسية التمثيلية (المؤسسة على قاعدة تعدد الأحزاب ، و التغيير في الحكومات ، و مبدأ الأكثرية الخ ...) في مرحلة الإنتقال و بناء الاشتراكية .


لقد بدا الوضع يتسارع بين صيف و خريف 1976 . و بدت التصريحات المشتركة بين برلنغوير و كاريو أولا ثم برلنغوير و مارشيه ، و كأنها مقدمة لمرحلة مراجعة جرى دفعها إلى الحد الأقصى .. إن الإعتراف غير المشروط (( بالتعددية )) و بكل الحريات (( المدنية )) و (( السياسية )) كعناصر لا غنى عنها للتعبير عن (( الإجماع )) و لتشكيل (( الإرادة السياسية )) ، حتى في مرحلة الاشتراكية ، كان يُحاصر نقاطا رئيسية ليس فقط في اللينينية و إنما أيضا في الماركسية ذاتها . إن (( الحريات الشكلية )) (التي كانت تبدو في تحليل ماركس (( كغطاء )) نقي هدفه ستر و إخفاء الاستغلال و اللا مساواة الفعلية) كان يُنظر إليها هنا على إنها مبادئ و شروط أساسية لا يمكن إطلاقا في غيابها الحديث عن الاشتراكية . و كان التأكيد على هذه الأمور أكثر خطورة لا سيما و أنه يطال (حتى و لو بشكل غير مباشر) الإتحاد السوفياتي حيث كان مؤكدا أن بعض هذه الشروط غير مطبق . و مع ذلك فإن سياق عملية (( المراجعة )) قد وصل في تلك الفترة بالذات إلى نهايته أو حدوده التي أعطت الإنطباع بأنها غير قابلة للتجاوز . إن (( الشيوعية الأوروبية )) ، المولودة حديثا قد ماتت قبل أن تخرج من المهد . حتى و بالضبط في الوقت الذي كانت فيه العلاقات متوترة مع الإتحاد السوفياتي ، بدأت للحزب الشيوعي الفرنسي ، و أيضا الإيطالي ، مرحلة التقارب مع السوفيات . إن (( التعددية )) التي كانت قد أُكتشفت حديثا ، قد أُعيدت إلى تحت عباءة (( الهيمنة )) كما أن الإعتراف بالحريات (( الشكلية )) قد اضطر للتكيف و تقاسم وجوده مع إعادة التأكيد على صحة اللينينية ، (( و نظريتها في الثورة )) و هي (أي النظرية اللينينية في الثورة) كانت تسحب منها (أي من الحريات الشكلية) كل قيمة و اعتبار .


و ليس من إختصاصنا نحن أن نشير هنا إلى الأسباب السياسية (التي بالإمكان طبعا تخمينها) التي فرضت هذا التوقف المفاجئ ، و في حالات كثيرة تغييرا تاما في الموقف . غير أن ما ظهر على الصعيد الايديولوجي قد كان له إلى حد ما مغزى كبيرا . إن الخط الجديد الذي صاغه برلنغوير و الذي كان يتمحور (على الرغم من تناقضاته و تذبذباته) حول الموضوعة المركزية المتعلقة بالإعتراف بالديمقراطية السياسية و بالتعددية ، بدا في أحيان كثيرة و كأنه معلق في الهواء و عاجز عن إختراق عمق جسم الحزب ... لم يكن ينقص هذه الموضوعة (كما كان ذلك متوقعا بالطبع) إنخراط و تفهم القطاعات الأكثر بدائية و الأكثر تخلفا في القاعدة ، فقط ، (و هي قطاعات كانت و لا تزال مجمدة عند حدود عبادة العقائد القديمة و الأساطير القديمة التي كانت قد أدخلت في وعيهم طوال عقود سابقة) ، و إنما كان ينقصها أساسا دعم حقيقي و مساهمة جدية في حقل الصياغة الايديولوجية و الثقافية . لقد بدا و كأن قسما كبيرا من المثقفين و المؤدلجين يرفض في الواقع تأييد و تعميق (( الخط الجديد )) ، و شرح مضامينه و نتائجه . و هم حين قبلوا بوضع يدهم في هذا الأمر ، فإن ذلك كان فقط لإعادة (( الجديد )) إلى (( القديم )) ، و للبرهنة (و لو كان ثمن ذلك سفسطات و تحليلات منفرة) بأن العقيدة القديمة لا زالت صامدة و إنها لا زالت اليوم و كما كانت في الماضي ، واقفة تتحدى .


لقد كان ذلك دليل جديد على كم كان تورط الحزب الشيوعي الإيطالي في مرحلة ما بعد 1968 عميقا ، على صعيد الوقائع كما على صعيد الأفكار . إن العاصفة الايديولوجية التي كان محورها أوساط اليسار الجديد ، قد حاصرت و جرّت في الحقيقة قسما كبيرا من اليسار التاريخي . و لم يكن مفاجئا أن نلحظ أنه في ختام العملية ، كان الجناح الأكثر ايديولوجية و الأكثر جشعا لصياغة (( مشاريع )) ، سيصطف أساسا حول مواقف أنغراو الذي آمن أكثر من اي شخص آخر بحداثة و تجديد و طاقات 1968 الثورية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري