الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد التناقض

محمد عادل زكي

2017 / 5 / 12
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


حينما نتدبر الحياة من حولنا بجميع ظاهرياتها، بما تتضمنه من ظاهريات النشاط الاقتصادي، سنجد أنها نتاج تناقض في صيرورة دائمة. الخير والشر. الحياة والموت. النور والظلام. الموجب والسالب. الفعل ورد الفعل. العلم والجهل. الإنتاج والاستهلاك، ... إلخ، كلها أطراف متناقضة. وكل طرفين من أطراف التناقض يمثلان في ذاتهما، معاً، وحدة واحدة؛ فوجود أحد أطراف التناقض يستلزم بالضرورة وجود الطرف الآخر؛ فكل طرف يفقد شرط وجوده إذا انعدم الطَّرف الآخر الذي يناقضه. فلا حياة بلا موت. ولا نور بغير ظلام. ولا إنتاج بدون استهلاك... إلخ. ومن خلال هذا التناقض تستمر الحياة وتأخذ في التطور. وحينما يتوقف التناقض تتوقف الحياة ويسود الموت. ولقد عبر ابن خلدون وباقتدار شديد عن قانون التناقض بقوله:
"ومن الغلط الخفي في التاريخ الذهول عن تبدل الأحوال في الأمم والأجيال بتبدل الأعصار ومرور الأيام وهو داء شديد الخفاء إذ لا يقع إلا بعد أحقاب متطاولة فلا يكاد يتفطن له إلا الآحاد من أهل الخليقة والسبب الشائع في تبدل الأحوال والعوائد أن عوائد كل جيل تابعة لعوائد سلطانه كما يقال في الأمثال الحكمية الناس على دين الملك وأهل الملك أو السلطان إذ استولوا على الدولة والأمر فلابد من أن يفزعوا إلى عوائد من قبلهم ويأخذوا الكثير منها ولا يغفلون عوائد جيلهم مع ذلك فيقع في عوائد الدولة بعض المخالفة لعوائد الجيل الأول فإذا جاءت دولة أخرى من بعدهم مزجت من عوائدهم وعوائدها وخالفت أيضاً بعض الشيء وكانت للأولى أشد مخالفة ثم لا يزال التدريج في المخالفة حتى ينتهي إلى المباينة بالجملة فما دامت الأمم والأجيال تتعاقب في الملك والسلطان لا تزال المخالفة في العوائد والأحوال واقعة والقياس والمحاكاة للإنسان طبيعة معروفة ومن الغلط غير مأمونة تخرجه مع الذهول والغفلة عن قصده وتعوج به عن مرامه فلربما يسمع السامع كثيراً من أخبار الماضين ولا يتفطن لما وقع من تغير الأحوال وانقلابها فيجريّها لأول وهلة على ما عرف ويقيسها بما شهد وقد يكون الفرق بينهما كثيراً فيقع في مهواة من الغلط".
والتناقض:
- لا يكون دوماً بين أضداد ثابتة،
- كما لا يكون دائماً بنفس الحدة؛
- كما يظل كل طرف من أطراف التناقض طيلة علاقة التناقض محتفظاً بخصائصه الذاتية. محتفظاً بجميع علاقات التناقض بداخله هو ذاته.
- وعليه، لا يعد منهج التناقض أداة تنبؤية للرجم بالغيب.
فهو أولاً، لا يكون دوماً بين أضداد ثابتة، أي لا يكون دائماً بين أقصى مستويات النور وأقصى مستويات الظلام، بل يكون بين درجات من النور ودرجات من الظلام. لا يكون بين أقصى مستويات الانتصار وأقصى مستويات الهزيمة. إنما يكون بين درجات من الانتصار ودرجات من الهزيمة. وهنا تتبدى، ثانياً، درجة الحدة بين أطراف التناقض. وأخيراً، لا يعد قانون التناقض بلّورة سحرية تخبر بالمستقبل. فهو لا يمكنه أن يقطع بمآل التناقض بين طرفين ما للتناقض؛ فمآل التناقض، مثلاً، بين الرأسمال وقوة العمل إنما يتوقف على ظروف التناقض الَّتي تتشكل ابتداءً من مدى هيمنة/ قوة كل طرف من أطراف التناقض، ومدى حدة التناقض ذاته.
قانون التناقض يرشدنا فحسب، حين البحث والتفسير، إلى أطراف التناقض بما يمكنا من فهم الظاهرة، الَّتي برزت نتيجة هذا التناقض، بغية التعامل معها بذكاء وفعالية ابتداءً من الكشف عن القانون الموضوعي الَّذي يحكمها. ولا يتعدى قانون التناقض ذلك كي يحولنا إلى منجمين وعابرين للرؤية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط


.. جيش الاحتلال يعلن إصابة 4 جنود خلال اشتباكات مع مقاومين في ط




.. بيان للحشد الشعبي العراقي: انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو