الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دامداماران [14] الصابئة المندائية

وديع العبيدي

2017 / 5 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وديع العبيدي
دامداماران [14]

توطئة..
ليست الحنيفية عقيدة او منظومة دينية مستقلة، وانما هي منهج نسكي زهدي في العبادة بحسب الروح، والسلوك بحسب الضرورة، وكان لها وجودها في مختلف الديانات تحت عنوان الزهد والتصوف والاعتدال. أما الديانات التي عرفتها الجزيرة العربية قبل الاسلام، فيمكن تقسيمها وفق هيكلية جغرافية الى خطين رئيسين: شرق الفرات وغربه.
وتعرف منطقة شرق الفرات بشمال نجد او وادي الرافدين، حيث توطنت حضارات سومر وبابل واشور وعيلام، بينما منطقة غرب الفرات هي بلاد الشام الكبرى او شرق المتوسط، وهي مركز التجارة الدولية بين الشرق والغرب، والجنوب والشمال، ومنطقى العبور بين وادي النيل ووادي الرافدين.
وقد عرف غرب الفرات الديانات القديمة، التي تبلورت منها ديانات العصر الوسيط لاحقا. وابرز تلك الديانات العابرة للزمن، هي الصابئة المندائية والمجوسية. أما الديانات اليهودية والنصرانية، فأنها ستتوطن في بلاد الشام/ غرب الفرات، قبل ان تنتشر في الارض، وتصعد نحو اوربا على يد قسطنطين في القرن الثالث الميلادي.
في منتصف القرن الثالث ستولد مدينة بابل على يد حمورابي الاموري، وستجمع ارث سومر واكد، وتبلغ الذروة الحصارية والمعرفية في العالم القديم التييستمر اشعاعها حوالي العشرين قرنا، حيث يأفل مجدها مع غزو كورش الفارسي، وبدء تحول المركزية الحضارية والامبراطورية غربا.
افول بابل، كان افولا للديانة والعقائد والفلسفات البابلية التي تتوزع اثارها وعناصرها في عدد من الجماعات الدينية والاثينية التي تجد نفسها فخضم منافسة ساخنة او باردة، تنتهي بها للهجرة والارتحال خارج المركوية البابلية، الت ستكون طرفا تابعا للمركزيات الجديدة، قبل عوتها للبروز بعد عشرة قرون من خلال الاميرطورية العباسية.
ولا غرو.. ان نجد في كا ما يدعى بالديانات الكتابية والعقائد السماوية، سمات وملامح الديانة البابلية القائمة على فكرة التوحيد، ومرجعية السماء والنور/ الأعلى، ووسائط النجوم والملائكة ومرجعية الماء والتراب كمادة للحية والخليقة، وهو ما يشكل مادة الفصول التالية.

سادسا: الصابئة المندائية..

الصابئة او المندائية/ (الصابئة المندائية): هي عقيدة توحيدية قديمة، ينسبها البعض الى [آدم أو شيث أو أخنوخ]، الذي هو (ادريس) الشخص السابع في تسلسل الاباء، وأول من ارتفع الى السماء ولم يحضره الموت [وسار اخنوخ مع الله، ثم توارى من الوجود، لأن الله نقله اليه]-(تك 5: 21- 24).
ويعتبر يوحنا المعمدان من اخر انبيائهم ومجدد عقيدتهم/(لو 3: 2). ويذكر ان يوحنا المعمدان الذي كان زمنه في ايام يسوع الجليلي، هو من الاحياء الابدين، [ها أنا مرسل اليكم ايليا النبي قبل مجيء يوم قضاء الربّ]- (ملاخي 4: 5). ويوحنا/ يحيى هو ىخر الانبياء قبل تجسّد الكلمة، او قبل يوم الغضب بالتعبير الكتابي.
وعندما تساءل التلاميذ عن نبوءة ملاخي قال لهم اليسوع: [ان الشريعة والانبياء تنبأوا جميعا، حتى ظهور يوحنا. وإن شئتم ان تصدقوا، فأن يوحنا هذا، هو ايليا الذي كان رجوعه منتظرا. ومن له أذنان، فليسمع!]- (متى 11: 13- 15).
والصابئة بذلك هم من الموحّدين، بل من أوائل الموحّدين، والصحيح في نسبة التوحيد الى [ابراهيم (أو) اخناتون] ان هؤلاء منهم وليس العكس. ولهم معرفة جيدة بحركة النجوم والافلاك التي بلغت ذروتها في حضارة بابل، وهي موطنهم الاصلي، قبل توزعهم الى ميسان وحرّان ومصر والهند غيرها.
وهم يصفون النجوم والملائكة بالعقول الحالة فيها، وأنها تتولى تدبير أمور العالم وتنفذ مشيئة الله. ومن معتقدهم ان للنفس اربع فضائل أو طبائع. وأن العذاب في الجحيم ليس ابديا، وانما لغرض التطهير والتطهر تنتقل بعده للسماء.
ولهم ثلاث صلوات يومية، مع طلوع الشمس/ الفجر، ومع زوال الشمس/ الظهر، ومع غروبها/ المساء. وتتكون صلاة الصابئة من ركعات وسجدات وأدعية محفوظة. كما يصومون ثلاثة صيامات في العام، الاول ثلاثون يوما، والثاني تسعة ايام، والثالث سبعة ايام.
ويلتزمون تقديم القرابين والاضحية، ولكنما لا يتناولون منها شيئا، وانما يحرقونها كما هو في التقليد التوراتي الاصلي. ومن خصائصهم عدم تناولهم بعض الاطعمة النباتية والحيوانية كالثوم والبقول والقطان. وكان قدماؤهم يبجلون اهرامات الجيزة الثلاثة في مصر، ميعتقدين انها قبور [شيث وولديه: ادريس وصابي].
ولهم الى جانب (الزبور) كتاب باللغة الارامية يقال له (كتاب شيث)، وربما هو [كنزا ربا] المعروف اليوم. ومن ابرز طقوسهم (العماد) او (الغطاس) لكنهم يختلفون عن اليهودية والمسيحية بأنه لا يكون مرة واحدة للحصول على المسحة – عند اليهود-، أو الروح القدس – عند اتباع المسيح-، وانما لغرض المحاظة على الطهارة. كالغسل عند الحنيفية، او الوضوء في الاسلام. وهم يهتمون بطهارة الجسد التي يشتركون فيها مع الهندوس والاسلام.
وما يزالون لليوم في مواطنهم الاصلية بين جنوب العراق وايران وشمال سوريا، وفي المهجر يتركزون في السويد واستراليا. ويبلغ عدد المتبقين منهم في العراق اليوم حوالي ستين ألفا. وهم قوم مسالمون، في غاية التهذيب، ولم يذكر التاريخ انهم كانوا طرفا او سببا في خلاف او ازمة، مقارنة بغيرهم، وظروف عدم الاستقرار في الشرق الاوسط.
ونظرا لميلهم للسلام وتكتمهم وانطوائهم على انفسهم في امور العقيدة، اتهمهم البعض بالغنوصية والباطنية، ورموا بعبادة النجوم والكواكب او العمل بالسحر.
وقد ذكر القرآن الصابئين، في سورة (البقرة 62) بعد اليهود والنصارى: [ان الذين امنوا، والذين هادوا، والنصارى والصابئين، من امن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا، فلهم اجرهم عند ربهم، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون]. ويلحظ منه، ان مقومات الايمان الاساسية هي ثلاثة: [التوحيد والايمان بالاخرة والعمل الصالح].
وجاء ذكرهم وسطاً بين اليهود والنصارى في كل من سورة (المائدة 69): [ان الذين امنوا والذين هادوا، والصابئون"*" والنصارى، من امن بالله واليوم الاخر، وعمل صالحا، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون]، وفي سورة (الحج 17): [ان الذين امنوا والذين هادوا، والصابئين والنصارى والمجوس، والذين اشركوا ان الله يفصل بينهم يوم القيامة، ان الله على كل شيء شهيد].
وقد ربط الأخبار العرب بين هؤلاء الصابئة المذكورين في القرآن وبين صابئة حرّان وصابئة العراق، وجعلوهم طائفتين في الأصل: طائفة هم صابئة حنفاء وهم في نظرهم أصحاب ابراهيم ممن كان بحرّان ومن كان على دعوته، وصابئة مشركون وهم من فسدوا من الصابئة فأشركوا واعتقدوا بالكواكب. بينما اعتبر غيرهم ان صابئة حران تأثروا بالروم واختلطت عقيدتهم بالغنوصية والاصنام. وهم على العموم، يحكمون على الظواهر بدل النصوص، وياخذون بالنقل بدل العقل.

ومن آثارهم (الحنيفية) التي نسبها الاسلام –تقليدا لليهود- الى ابراهيم، والتي من اثارها الزهد والتطهر الدائم وارتداء الثياب البيضاء اضافة الى نبذهم العنف وميلهم للحكمة. ومن أثارها ايضا ولع سكان الجزيرة بالنجوم واتخاذ بعضها الهة جعلوا لها رموزا وثنية على الارض كاللات والعزى ومناة والشعرى من مسميات النجوم، يستهدون بها في مسيرهم والتقويم الهجري هو تقويم قمري يتبع حركة الابراج والنجوم.
وقد كانت (مكة) من مراكز الصابئة العريقة ذات يوم، و(الكعبة) من مراكز عبادتهم الاصلية، قبل ان يختلط الامر، وتمتلئ بالاوثان. وكان لعقيدتهم انتشار غير قليل بين سكان شبه الجزيرة قبل استفحال امر اليهودية والنصرانية فيها.
وقد اطلق على (الاحناف) و(الصابئة) نفس النعت: (صبأ، صابئ) بمعنى مخالفة القوم في معتقدهم. وهو يشير ايضا الى عمق القواسم المشتركة بين الحنيفية والمندائية، ليس من الظاهر الجسداني، والنسبة لابراهيم، وانما الالترمات الخلقية السامية والعبادة الروحية الصافية من دنس النفس والمادة والجسد.
ولعله يوحنا نفسه القائل في هذا الصدد: [اثمروا ثمارا تليق بالتوبة، ولا تقولوا في انفسكم: لنا ابراهيم ابأ!. فأني اقول لكم، ان الله قادر ان يطلع من هذه الحجارة اولادا لابراهيم!]- (لو 3: 8)
ويكفي الصابئة المندائية، انها لم تكن طرفا او سببا، في خلاف او عنف عبر الزمن. وانها ارتضت احتمال الظلم والخسارة الدنيوية ، والمحافظة على نقاوة اليد والقلب والنفس، من اجل المجد الاخروي: [اولئك لا خوف عليهم، ولاهم يحزنون]!.
وهي خلاف سواها، لا تعنى بالتبشير، ولا تتنافس بالكم، ولم تعن ان تكون ديانة عالمية او قومية او تتبن خطابا سياسيا، او يكون لها مشروع امبراطوري للسيادة على العالم. ولو كان ثمة لما يزل، معنى للدين والحياة الروحية، فهو في غير الديانات السياسية القومية والعالمية.


التسمية:
ان معلومات الكتاب عن المندائيين –في العموم- هي غير دقيقة ولا يدعمها سند من اثار الجماعة الكتابية، او رموزها الدينية البارزة، وانما هي ملاحظات خارجية سطحية، او نقل عن العوام. فضلا عن انغلاق الجماعة على نفسها، وعدم افصاحها باسرار معتقداتها للملأ.
وتعددية مسمياتهم وطرق التعريف بهم، يحيل الى قدمهم تاريخيا، واشكالوية ظروف التاريخ التي اكتنفتهم من حيث الزمان والمكان، وما ارتفق بها من عوامل وظروف. يضاف لذلك صعوبة فهم عقيدتهم القائمة على الرموز والاشارات، رغم طابع البساطة التي تكتنف حياتهم وطقوسهم.
يضاف لكل ذلك امتناع اهل العقيدة، عن الحديث عن انفسهم والتعريف بها، مما جعل اكثر الكلام والمكتوب من قبل مخالفيهم، ومنه اطلاق تلك المسميات عليهم من خارج. ولعله لا توجد بين كثرة المسميات المتداولة عنهم، تسمية واحدة، نابعة من ذاتهم. وهنا نحاول استقراء بعض ما يتعلق بتسمياتهم..
يقال: صابئة، مندائيون، صابئة مندائيون، صابئة حرانيون، ناصورائيون، ربيّون، ربانيون، عباد النور، عرفانيون، معمدانيون/ مغطسون..
الصابئة نسبة الى (صباؤوت) الملائكة أو (الجنود السماويين). وهي تسميتهم القديمة واشهر ما عرفوا به حتى عهد قريب.
وفي لغة اليمن والعربية: (صبأ)= خالف قومه في معتقده. وفي الموارد الاسلامية تفسر لفظة صبأ بمعنى خرج من شيء إلى شيء، وخرج من دين إلى دين غيره. ويفهم منه ان لفظة الصابئة ليست من اهل العقيدة، وانما اطلقت عليهم من قبل المجتمع المحيط بهم، وهم هنا العرب.
وكلمة الصابئة إنما مشتقة من الجذر (صبا) والذي يعني باللغة المندائية اصطبغ، غط أو غطس في الماء وهي من أهم شعائرهم الدينية وبذلك يكون معنى الصابئة أي المصطبغين بنور الحق والتوحيد والإيمان.
يقول البعض أن كلمة صابئة جاءت من جذر الكلمة الارامي المندائي (صبا) أي بمعنى (تعمد، اصطبغ، غط ،غطس) وهي تطابق أهم شعيرة دينية لديهم وهو طقس (مصبتا – الصباغة – التعميد) = كلمة صابئي تعني (المصطبغ أو المتعمد).. اما كلمة (مندائي) فهي اشتقاق من جذر الكلمة الارامي المندائي (مندا) بمعنى: المعرفة أو العلم، وبالتالي تعني المندائي (العارف أو العالم بوجود الخالق الاوحد).
في حين يرجع اللغويون العرب كلمة الصابئة إلى جذر الفعل العربي (صبأ) المهموز، وتعني خرج وغير حالته. وبينهم خلاف حاد حول اصل الكلمة: أهو (عربي) من –صبأ-، أم (ارامي) من –صبأ-، وهي تعطي معنى كلمة الصابئي أيضا. أي الذي خرج من دين الضلالة واتحد بدين الحق.
فمن الممكن جدا ان هذه الكلمة كانت تعبر عن فترة من التاريخ عندما كان الناس يتركون (يصبأوون) عن ديانتهم الوثنية، ويدخلون الدين المندائي الموحد، أو الذين دعوا بالاحناف. وبما ان المندائيين ولغتهم ليسوا عربا، اخذ العرب هذه التسمية لتكون صفة مميزة لهم، أضافة إلى ان هذه التسمية قديمة.
على العموم اتفق أغلبية الباحثين والمستشرقين على ان كلمة صابي أو صابئي جاءت من الجذر الارامي وليس العربي للكلمة أي الصابغة أو المتعمدين أو السابحة. والأخيرة اقترحها عباس محمود العقاد [1889- 1946م]، في كتابه (إبراهيم أبو الانبياء)، جاعلا سببها كثرة الاغتسال في شعائرهم (أي الصابئة المندائيين) وملازمتهم شواطئ الأنهار من اجل ذلك. وذهب المستشرق نولدكه [1836- 1930م] إلى ان كلمة صابئة مشتقة من صبّ الماء.
وفي كتب الصابئة المقدسة عدة أسماء في وصف الصابئة، منها: (الكوشطيون): تعني الصابئة اصحاب الحق أو دعاة الحق الصابئي [(كشطا) = (حق)]؛ (الناصورائيون): تعني (الموحدون)؛ (الداي) و(المندائيون): وهي صفة بمعنى العارفون بوجود الله؛ (اليحياويون): نسبة إلى النبي يحيى؛ (الآدميون): نسبة إلى النبي آدم؛ (المغتسلة)، (المصطبغون)، (المتنورون)، (اصحاب الزي الأبيض). وفي اوربا يعرفون باسم [Johannes] نسبة الى يوحنا المعمدان. ويلحظ ان كافة هاته المسميات تعتمد الظاهر والثياب الخارجية او ظاهرة الاعتسال والطهارة.

مندائية:
اما التسمية التي يصف بها اتباع يوحنا انفسهم، فهي: (المندائيين) واسم عقيدتهم (المندائية)، وذلك اشتقاقا من (مندي) وهو مكان محدد في الماء، يتخذه رجل الدين المندائي موضعا للتغطيس، فهو بمثابة (المعبد) او (بيت المندي). والمندائي ايضا: العارف بوجود الله. والمعبد المندي يكون رأسه تجاه الشمال، ومدخله في جهة الجنوب، بحيث يستقبل الداخل الشمال بنظره، وهو جهة المحراب. ويكون المندي على الجهة اليمنى من النهر الجاري، ويرتبط بالنهر بقناة داخلية. ويوضع على امعبد من الخارج لواء، يدعى راية يوحنا. اما ضفة النهر فتدعى بلغتهم الارامية: (يَرْدْنه)، ومنها (اردن) اسم النهر الذي يصب في البحر الميت حيث كان يوحنا (يعمّد) في اول سنوات الميلاد، وحيث كانت مغاور الأسينين/ جماعة قمران التي كشف النقاب عن اثارهم عام (1956م).

لغتهم..
اللغة الآرامية بلهجتها الشرقية، وهي إحدى اللغات السامية المشهورة في الزمن القديم، أي اللغة البابلية التي هي خليط السومرية والاكدية، وهي إلى السريانية اقرب من غيرها. ويعتقد المندائيون إن لغتهم هي التي تكلم بها ادم –ابو البشر-.
ويعتبر دين الصابئة واحد من أقدم الأديان، حيث يؤمنون بان كتابهم المقدس ((الكنزاربا)) يتضمن الصحف الاولى التي نزلت على آدم ويسمى ايضا (سيدرا ادم) .
وقد اختلف المؤرخون في أصل الصابئة المندائيين ونشأة دينهم ومصادره الأولى اذ يؤمنون بالله الواحد الأحد، كذلك يؤمنون بالنبي ادم عليه السلام وشيت وسام بن نوح وإبراهيم الخليل وأخيرا بالنبي يحيى بن زكريا (يوحنا المعمدان ) وهو اخر انبيائهم.
ويتجه الصابئة المندائيون في صلاتهم وفي ممارسة شعائرهم الدينية نحو جهة الشمال وذلك لإيمانهم بان عالم الأنوار في هذا المكان المقدس من الاكوان. أما في صلاتهم فيعتقدون إن ادم كان يصلي سبع صلوات في اليوم، واستمرت عندهم هذه الصلاة حتى ظهور النبي يحيى الذي جعلها ثلاث مرات.

التوطن..
وقد كانوا منتشرين في بلاد الرافدين وفلسطين، ولا يزال اكبر تركزهم في العراق، ويطلق عليهم في اللهجة العراقية: (الصبّة). كما يوجد الصابئة في الأحواز.
وهناك من يربط بينهم وبين النبي إبراهيم الخليل، الذي عاش في مدينة اور السومرية ـ مدينة الهة القمر إنانا ـ منتصف الالف الثالث قبل الميلاد، وكان إبراهيم أول من نبذ الاصنام ودعا لرب واحد عظيم القدرة اطلق عليه السومريون اسم [ لوگـال ـ ديمير ـ آن ـ كي ـ آ ] ملك الهة ما هو فوق وما هو تحت [ رب السماوات والأرض]. آمن الصابئة المندائيون بتعاليم إبراهيم واحتفظوا بصحفه، ومارسوا طقوس التعميد التي سنها لهم واستمروا عليها إلى يومنا هذا. وقد هاجر قسم منهم مع النبي إبراهيم إلى حران والقسم الآخر بقي في العراق، وقد عرفـوا فيما بعد بـ [ ناصورايي اد كوشطا ]= اي حراس العهد الذين أسسوا بيوت النور والحكمة [أي ـ كاشونمال ] ـ بيت مندا أو (بيت المعرفة) فيما بعد ـ على ضفاف الأنهار في وادي الرافدين لعبادة مار اد ربوثا (الله ـ رب العظمة)، واتخذوا من الشمال (اباثر) الذي دعاه السومريون (نيبورو) قبلة لهم لوجود عالم النور (الجنة).
كما ارتبطت طقوسهم وبخاصة طقوس الصباغة/ (مصبتا)، بمياه الرافدين فاعتبروا نهريها: [ادگـلات و پـورانون= (دجلة والفرات)] انهارا مقدسة تطهر الارواح والاجساد، فاصطبغوا في مياهها كي تنال نفوسهم النقاء والبهاء، الذي يغمر [آلما د نهورا= (عالم النور)] الذي اليه يعودون. –[في سفر التكوين التوراتي اعتبرت]دجلة/(حداقل) والفرات من انهار شرقي جنة عدن-(اك2: 14)]-.
ورد مفهوم الاغتسال والصباغة في العديد من النصوص المسمـارية، وهو دليل إلى تأثر الاديان العراقية منذ حضارات اكد وبابل وسومر واشور، بالديانة المندائية، واحد الادلة القاطعة على كون الديانة المندائية أقدم الاديان التوحيدية. ويعتبر الصابئة آدم، شيث، ادريس، نوح، سام بن نوح، يحيى بن زكريا، من انبياء الله العارفين بتعاليم الدين الصابئي، وقد أمر الله آدم بتعليم هذا الدين لذريته لينشروه من بعده.
وعند دخول سعد بن ابي وقاص للعراق كان الصابئة المندائيون من سكانه، وقد وعدهم بالامن والآمان.

اللاهوت المندائي..
أن الله الحي العظيم أنبعث من ذاته وبأمره وكلمته تكونت جميع المخلوقات والملائكة التي تمجده وتسبحه في عالمها النوراني، كذلك بأمره تم خلق آدم وحواء من صلصال عارفين بتعاليم الدين الصابئي. والفقرة الاخيرة تقابل ما ورد في سفر التكوين التوراتي (تك 2: 19): [وكان الرب الاله قد جبل من التراب كل وحوش البرية وطيور الفضاء، واحضرها الى ادم ليرى بأي اسماء يدعوها. فصار كل اسم اطلقه ادم على مخلوق حي، اسما له.]، كما ترد الاشارة اليها في القرآن: (البقرة 31، 33). والصابئ المنداءي يوحد الخالق فهو الحي الأزلي وقد خلق الملائكة لكي يأتمرون بإمرة ووكل كل ملاك وظيفة وهم ملائكة صالحين والملائكة كثيرون والرئيسيين منهم عددهم 360 ملاك
والبسملة معروفة عند المندائيين، بها يبتدئون ويستفتحون في كل شيء، وهي تكتب باللغة المندائية: [بْشو ميهون اد هيي ربي]، وتعني (باسم الحي العظيم) أو تعني (باسم الله الحي الازلي). تبدأ بوث : آيات كتب الصابئة بهذه البسمله: (باسم الحيّ العظيم)، وتنتهي بوث : آيات الصابئة المندائيون المقدسة بـ[الهيي زاكن] اي (الله الحي المزكي).
والديانة الصابئة تدعو للإيمان بالله ووحدانيته مطلقاً، لاشريك له، واحد أحـد. وله من الأسماء والصفات عندهم مطلقة، ومن جملة أسمائه الحسنى، والتي لاتحصى ولا تـُعـَـد عندهم (الحي العظيم، الحي الأزلي، المزكي، المهيمن، الرحيم، الغفور حيث جاء في كتاب الصابئة المقدس جنزا ربا : باسم الحي العظيم : *هو الحي العظيم، البصير القدير العليم، العزيز الحكيم * هو الأزلي القديم، الغريب عن أكوان النور، الغني عن أكوان النور *هو القول والسمع والبصر، الشفاء والظفر، والقوة والثبات، مسرة القلب، وغفران الخطايا).
الشهادة المئدائية: (شهادة النبي آدم):
[ابْـشـوميهون اد هيي ربي * اكّـا هـَـيّي اكـّـا ماري اكـّـا مـنـدا اد هـَييّ * اكّـا بـاثــَـر انـْـهـورا * ابـْسَـهـْـدوثـا اد هـَـيّي * وابـْـسَـهـْدوثـا اد مَـلـْـكا راما ربـّـا إد انهـورا * * إلاهـا ربـّا اد مِـن نـافـْـشي أفـْـرَشْ * اد لا بـاطِـلْ ولا مُـبـْـطِــل اشـْــمَـخْ يا هــَيّـي، ماري، مـندا اد هـَيي * وهيي زَكن] = [باسم الحيّ العظيم * مَـوجـود الحيّ * مـَوجُـود الـرَّب * مَـوجـود عـارف الـحَـيـاة، بـِـشـَـهـادة الحَـيّ * بـِـشـَـهـادة ملك النور السامي * * الله الحيّ الازلي الـَّـذي تــَـكـَّـون مـِـن نـَـفـْـسِــه * الذي لا بـاطل ولا شيء مـُبـطِـل لاسْـمـَـه * جل جلالك يا الله * جل جلالك يا رَّبي * جل جلالك يا عارف الحياة * والحيّ المُزكي].

عقيدتهم..
يعتقد الصابئة بأن شريعتهم الموحدة، تتميز بعنصري العمومية والشمول، فيما يختص ويتعلق بأحكامها الشرعية المتنوعة، والتي عالجت جميع جوانب وجود الإنسان على أرض الزوال (تيبل)؛ ودخلت مفاهيمها في كل تفاصيل حياة الإنسان، ورسمت لهذا الإنسان نهجه ومنهجيته فيها، فتميزت هذه الشريعة بوقوفها من خلال نصوصها على مفردات حياة الإنسان الصابئي، فاستوعبت أبعادها، وشخـصّـت تـَـطورّها وأدركت تكاليفها، ودخلت في تفاصيلها، فهي شريعة الله الحي القيوّم، وشريعة أول أنبيائه (آدم وشيتـل ونوح وسام بن نوح وإدريس ويحيى) مباركة أسمائهم أجمعين. وعندهم إن الإنسان الصابئي المؤمن التقي يدرك تماماً، أن (القـوة الغيـبيّـة) هي التي تحدد سلوكه وتصرفاته، ويعلم أيضاً أن أي إنسان مؤمن ضمن الإطار العام لهذا الكون الواسع وضمن شريعته السماوية.
اركان العقيدة المندائية..
وتقوم اركان اللعقيدة المندائية على التوحيد بالحي الأزلي واحد أحد (سهدوثا ادهيي) ، والصباغة والتطهر (مصبتا وطماشا) ، الوضوء والصلاة (ارشاما وابراخا) ، الصوم (صوما) ، الصدقة والزكاة (زدقا ).
هاته الأركان الخمسة الاساسية هي:
(1) الشهادة والتوحيد (سهدوثا اد هيي) وهي الاعتراف بالحي العظيم [(هيي ربي)= خالق الكون، واحد أحد، لاشريك لأحد بسلطانه. (اكـــا هيي اكـــا ماري اكــا مندا اد هـيـّـي)= الحي مـوجــود، الله مـوجـود، عـارف الحياة موجـود. (آب هـــاد بنان هــــاد)= الله واحـد، الله أحـَـد.
فقد ورد في كتابهم المقدس (كنزا ربا) ما يلي (لا أب لك، ولا مولود كائن قبلك، ولا أخ يقاسمك الملكوت، ولاتؤام يشاركك الملكوت، ولا تمتزج، ولا تتجزأ، ولا انفصام في موطنك، جميل وقوي العالم الذي تسكنه)
لقد حارَبَ الدين الصابئي الشِرك مطلقاً، والشِرك كما هو ثابت، وفسره المختصون اقتران عبادة الله بعبادة غيره من أصنام أو أشجار أو حيوان أو قبور أو كواكب ونجوم، أو قوى طبـيعيّة، أو الزعم والأدعاء بأنّ لله الحـّي المزكّى أب أو أخ أو بنـين وبـنات: [ليس له أب يكبره سنا ً وما من أحد قبله كان قد أصبح الأول في ولادته وليس له أخ... لا شريك له بملكه ولا منازع له في عرشه وسلطانه.] وكذلك : * لتشبهون لشوبا وتريش، ولا تشابا الشامش، وسيرا منهرانا إد هازن إلما منطول هازن زيوا، لا وديلون هو هنيلا إتهبلون : لآ تسبحّوا للكواكب والأبراج، ولا تسبحّوا للشمس والقمر المنورّين هذا العالم فإنه هو الذي وهبها النور * لاتحسرا رؤوسكم وتسجدوا للشيطان الفاني الرجيم ولا تهبوه رحمة. = لا تكبشون ريشيكون ولا تسجدون لشطانا رجيما نافلا وتهبولا رهما].
(2) التوحيد في الدين الصابئي الحنيف، يعني أن الله مسبح اسمه مَحَـل عبادتنا، ومَحل طاعتنا وولاءنا له، هو [ ذات واحدة ] لا شريك لها في قدرتها وقرارها وقضاءها، وهو الذي يصرّف أمورنا كيف ما يشاء، لذلك يجب أن يكون انتسابنا لديننا الصابئي الحنيف، متأتياً من خلال قناعتنا وإيماننا بقدسيته، والتصديق بخالقه الحّي القيوم الواحد الأحد: [الله الرب العلي سبحانه هو ملك الأنوار العلي لكل العوالم = ألاها ربا راما وشبيها ولكلهن الميا هو ملكا راما إد نهورا * الذي كله نور، كله تقن، كله حياة، كله حق، كله رحمة، كلـّه غفران، كله بصر، كله حسن وجمال، كله معرفة وجلاء وعلم، كل أسمائه جلال ووقار = اد كلا نهورا، اد كلا تقنا، إد كلا هيا، اد كلا كشطا، اد كلا رهمتا، اد كلا هيلسا وتيابا، وكلا اينا وهزوا، وكلا فارسونا شبيها اد شفرا، وكلا افرشوتا ويادويا وجلواتا كلا شوما اقارا].
والـتوحيد كما هو ثابت في كل الأديان السماوية عقيدة، ولا تكون عقيدة عند الإنسان الصابئي، إلاّ إذا آمن بتوحيد الله الحّي القيوّم في كل شيء، وهذا ما ذكرته الكتب الصابئية في مجمل نصوصها بـسم الـحـي الـعـظـيـم: [هو الحي العظيم، البصير القدير العليم، العزيز الحكيم * هو الأزلي القديم، الغريب عن أكوان النور، الغني عن أكوان النور * هو القول والسمع والبصر، الشفاء والظـفر، القوة والثبات * هو الحي العظيم، مسرة القلب وغفران الخطايا * يا رب الأكوان جميعاً..مسبّح أنت مباركٌ، ممجدٌ، معظمٌ، موقّرٌ، قيـّوم * العظيم السامي. ملك النور السامي * الحنان التوّاب الرؤوف الرحيم. الحي العظيم * لا حد لبهائه. ولا مدى لضيائه * المنتشرة قوته. العظيمة قدرته * هو العظيم الذّي لا يرى ولا يـُـحَـد، لا شريك له في سلطانه، ولا صاحب في صولجانه * من يتكل عليه فلن يخيب، ومن يسبّح باسمه فلن يستريب، ومن يسأله فهو السميع المجيب * ما كان لأنه ما كان، ولا يكون لأنه لا يكون * خالد فوق الأكوان * لا موت يدنو منه ولا بطلان.. * الأول منذ الأزل. خالق كل شيء].
(3) الصباغة (مصبتا) يعتبر من أهم أركان الديانة الصابئية واسمهم مرتبط بهذا الطقس وهو فرض عين واجب على الصابئي ويرمز للارتباط الروحي بين العالم المادي والروحي والتقرب من الله. والمصبتا : الصباغـَة، كما هو ثابت في شريعتنا الصابئية الغراء هي طقس الدخول من العالم السفلي إلى العالم العلوي (عالم النور) ولا نميل، بل ننفي قول من ذهب إلى القول، كونها، أو من أنها تعني غسل الذنوب، حيث أن نبي الله ورسوله يوهانا موصبانا قـَـد صـُبـِغ َ أو اصطبغ وقد انقضى من عمره (ثلاثون يوماً)، وقد أقيمت أو جرت مثل هذه الصباغة للكثير من أطفال الصابئة. قال الله الحي القيوم مسبح اسمه في كتابه الكريم كنزا ربا : الكنز العظيم مبارك اسمه
باسم الحي العظيم: [اصبغوا نفوسكم بالصبغة الحية التي أنزلها عليكم ربكم من أكوان النور، والتي اصطبغ بها كل الكاملين المؤمنين.* من وسم بوسم الحي، وذكر اسم ملك النور عليه، ثم ثبت وتمسّـك بصبغته وعمل صالحاً، فلن يؤخّره يوم الحساب مؤخـّـر. * و يجب أن يتم في المياه الجارية والحية لأنه يرمز للحياة والنور الرباني. وللإنسان حرية تكرار الصباغة متى يشاء حيث يمارس في أيام الآحاد والمناسبات الدينية وعند الولادة والزواج أو عند تكريس رجل دين جديد.].
وقد استمد المسيحيون طقس الصباغة، ويسمونة التعميد من الصباغة الصابئية. و قد حافظ طقس الصباغة على أصوله القديمة حيث يعتقد المسيحيون بأنه هو نفسه الذي ناله يسوع بن مريم (المسيح) عند صباغتة من قبل (يهانا الصابغ) بالدين الصابئي، (يحيى بن زكريا) باللغة العربية والإسلام و(يوحنا المعمدان بالدين المسيحي.
باسم الحي العظيم: [آدم أبو البشر يتكلم* أنـا آدم... هيبلزيوا كان لي نصيرا، ونجاني من العالم الدنيوي* كل رسم يعود إلى النور، له في الجسم نفس الرسم الذي يعود للظلام * والذي لا يـُـرسـَـم بـرسم العالم الدنيوي * لا يثبت ولا يقوم ولا يقترب من المصبتا (الصباغة) السماوية * ولا يـُـرسم برسم الحياة].
وفي كتاب القلستا نقف على النص التالي : [هذه هي الصباغة (المصبتا) * التي صَبـَـغَ بها هيبل زيوا آدم، الإنسان الأول * حينما قام آدم... انتبه... سأل عن الخالق العظيم ثم قال * وصلت هدفي بعون هيبلزيوا].
أن معظم الصابئية كانوا يسكنون قرب النهر، وبينهم وبين النهر مسافة لاتتعدى الأمتار، ومن باب تحصيل الحاصل يذهب الصابئي إلى النهر للقيام بالاستحمام، بالوضوء، الطماشا، بعد رجوعه من خارج بيته، غسل أواني البيت، غسل ملابسه، وهناك (سوراً : بوثا) خاصة بـ(الطماشا): [ابشـومـَـيـهـون إد هـَـيّـي رَبـّي أنـا أثـبـن بـهـيـلا وهـيـلي يـَـردنـَـا إيـلاوي أشـري أيثي أنهت الـيـردنـا اصـطـبـا قـبـل دخـيـا وروشـما (الملواشا) وسـطـلـي زيـوا أتـرس بـريـشـي إكـلـيـلا روازي إشـما إد هـَـيّي واشـمـا إد مـنـدا إد هـَـيـّـي مـَدخـَر إلـي أنـا (الـملواشا) صـبـيـنـا ابـمَصبـتا إد بـهـرام ربّـا بـروربي مـصـفـتـي تـنـاطـري وتـسـق لـريـش].
[بسم الحي العظيم أسأل القـوة تنعشني قـوّة الماء الجـاري لتأتي إليّ، لقد ارتسمت في الماء الجاري تحت سطحها وقبلت العلامة الطاهرة لقد لبست أردية النور ووضعت على رأسي إكليلاً متألقاً إنا (الاسم الديني) المصبوغ بصباغة بهرام الكبير إله القدرة صباغتي سَـتحرسني ويرفعـني إلى الأعلى].
(خلاصة: الصباغة): أو ما يدعى ب(مصبتا) باللغة المندائية. ولقد جاءت تسمية الصابئة من جذر هذه الكلمة لغة ومفهوما، تعني الارتماس والتطهر بالماء الجاري كما اوضحنا اعلاه وهذا الطقس يعتبر عماد الديانة المندائية وركنها الأساسي، وهو فرض واجب على الإنسان ليكون صابئياً. والصباغة لديهم تجري في المياه الجارية الحية وجوبا، لانه يرمز إلى الحياة والنور الرباني. وطقس التعميد المندائي محتفظ إلى الآن باصوله القديمة، وهو نفسه الذي نال المسيح به التعميد على يد النبي يحيى بن زكريا (يوحنا المعمدان) مباركة اسمائهم
تهدق الصباغة في نظرهم للخلاص والتوبة ولغسل الذنوب والخطايا القصدية وغير القصدية، وللتقرب من الرب أيضا. وهو ياخذ نفس مفهوم الحج عند المسلمين. ويستفاد من التعميد لديهم في حالات النزولية الطقسية لرجال الدين.. وعند الولادة والزواج وعند تكريس رجل دين جديد، وان هذا الطقس يكرر عدة مرات للإنسان ووقتما يشاء، وذلك في ايام الاحاد أو في المناسبات الدينية، وهو خلاف التعميد المسيحي الذي يجري مرة واحدة فقط.
(4) الصلاة (ابراخا) وهي فرض واجب على كل فرد مؤمن يؤدى ثلاث مرات يوميا (صباحا وظهرا وعصرا) وغايته التقرب من الله. ورد في كتابهم المقدس [و أمرناكم أن اسمعوا صوت الرب في قيامكم وقعودكم وذهابكم ومجيئكم وفي ضجعتكم وراحتكم وفي جميع الأعمال التي تعملون].
ويختلف الصابئة عن غيرهم من الأديان بعدم وجود صلاة جماعية. وقبل تأدية الصلاة على الصابئي أن يقوم بالرشاما (الوضوء) والتي تتكون من 13 فرضا حـَـسب ترتـيبها أي بالـتـَـسَـلـْـسـُـل، كما هو مُـبـَيـّـن في أدناه: [1 ـ الــْـرخــْصـَــــة 2 ـ غـَـسـل الـيـَـديـن 3 ـ غـَـسـل الــوجــه 4 ـ رشـم : إرتِــسـام جبهة الوجه [ الجبين ] 5 ـ غـَـسـل الأذنـيـن 6 ـ غـَـسْــل الأنـــف 7 ـ تـثـَـبيت الـْـرشــم [ الإرتِـسام ] وطرد النجاسة 8 ـ غــَسـل الـْـفــَــــم 9 ـ غــَسل الركبتـيـن 10 ـ غـَـسل الـساقـيـن 11 ـ وضـع الــيـَــديـن في الـمـاء 12 ـ غـَـسل الـقدمَـيـن 13 ـ يتم غسل أعضاء الجسم الرئيسية في الماء الجاري].
فـَرض الـتـَرتيب والوضوء عند المسلمين يشابه إلى حد ما وضوء الصابئة، حيث يرافق ذلك ترتيل بعض المقاطع الدينية الصغيرة. فمثلا عند غسل الفم يتم ترتيل (ليمتلئ فمي بالصلوات والتسبيحات) أو عند غسل الأذنين (أذناي تصغيان لأقوال الحي). والصلاة : هي عـِماد الدين الصابئي القويم، الذي لا يقوم إلاّ بقيامها. وهي من أول الواجبات من العبادات التي كلف الله الحي المزكى بها الإنسان الصابئي. وقد أمر الله الهيّي ربّـي مسبح اسمه الصابئة بالقيام بها والمحافـَـظة عليها. بسم الحي العظيم: [مع انفلاق الفجر تـنهضون * وإلى الصلاة تـتوجهون * وثانية في الظهر تـصلـّـون * ثم صلاة الغـروب * فبالصلاة تـتطهر القلوب * وبها تغـفـر الذنوب. علمهم الصلاة تقيمونها مُسبحّـين لملك النور السامي ثلاث مرات في النهار ومرتـّـين في الليل].
أنواع وأوقـات الصلاة : للصلاة أوقاتا مّـحـَـددة يجب على الصابئي أن يـُـؤديّـها فيها ولا يجوز له شرعاً تأخيرها، وقد بين الله الحي القيوم ذلك في محكم كتابه كـنزا ربـّـا : (الكنز العظيم): [بسم الحي العظيم: عـَـلـّـمهم الصلاة في أوقاتِـها، وعلـّـمهم التسبيح * وليعلموا أن كل صلاة تـتأخـّـر عن ميقاتها، تبقى عند باب بيت الحي، لا تصعد حتى يفتح بابُ أباثـر العظيم * فإذا فـُـتحت، صعـدت منها الصلاة * إن الذين لا يـُـقـيمُون الصلاة في أوقاتها سـَـيـُسـْـألون في بيت أباثـر].
1 ـ صلاة الصُـبح : من انفلاق الفجر وحتى طلوع الشمس
2ـ صلاة الـظهـر : يبتدئ من زوال الشمس عن وسط السماء.
3ـ صلاة الـعـصر: قبل غـروب الشمس.
ولا يجوز الجـَمع بين صلاة وأخرى في وقت واحد، أو القيام بالصلاة التي [ سَهـا ] الصابئي، القيام بها في وقـتِـها الـمُحـَـدّد. ويمكن الاطلاع على كتاب الصلاة الصابئية الإلكتروني على موقع نداء الحق الصابئي والمرفق بالربط ادناه. الصدقة (زدقا) ويشترط فيها السر وعدم الإعلان عنها لأن في ذلك إفساد لثوابها وهي من أخلاق المؤمن وواجباته اتجاه أخيه الإنسان. حيث جاء في كتابهم {أعطوا الصدقات للفقراء واشبعوا الجائعين واسقوا الظمآن واكسوا العراة لان من يعطي يستلم ومن يقرض يرجع له القرض} كما جاء أيضا { إن وهبتم صدقة أيها المؤمنون، فلا تجاهروا إن وهبتم بيمينكم فلا تخبروا شمالكم، وإن وهبتم بشمالكم فلا تخبروا يمينكم كل من وهبة صدقة وتحدث عنها كافر لا ثواب له}.
(خلاصة: الصلاة): وتدعى بالمندائية (براخا) وتعني المباركة أو التبريكات. وهي لديهم نفس مفهوم الأديان الأخرى بالنسبة للصلاة وهي التقرب للذات العليا الله سبحانه وتعالى. حيث ورد في كتابهم المقدسة مايلي ((وامرناكم ان اسمعوا صوت الرب في قيامكم وقعودكم وذهابكم ومجيئكم وفي ضجعتكم وراحتكم وفي جميع الأعمال التي تعملون)
والصلاة لديهم فرض واجب على الفرد المؤمن، يجب تاديته ثلاث مرات يوميا (صباحا-ظهرا-عصرا)، وتسبق الصلاة طقس صغير يقام بالماء الجاري يدعى (الرشاما – الرسامة) وهو يقوم مقام الوضوء عند المسلمين، وهو عبارة عن غسل الاعضاء الرئيسية في الإنسان والحواس، بالماء الجاري مع ترتيل مقطع ديني صغير، مثلا عند غسل الفم يقول المصلي (ليمتلئ فمي بالصلوات والتسبيحات) وعند غسل الاذن (اذناي تصغيان لاقوال الحي) وهكذا البقية إلى اخره
(5) الصيام في الدين الصابئي عـِبادة، وهي الركن الخامس في ديننا الصابئي القويم، لقد شـَـرّع الله الحي القيوم الصيام، ليهذّب (النفس : النشماثا) عند الإنسان الصابئي، فعلى الصابئي أن يحذر من الأعمال التي تخدش هذا الصوم من قبل نفسه، حتى يتحقق الغرض والهدف من الصيام. بسم الحي العظيم [أيها المؤمنون بي، صوموا الصوم الكبير، صوم القـلب والعـقـل والضمـيـر * لِـتـَـصُم عـيونكم، وأفواهكم، وأيديكم.. لا تغـمز ولا تـَـلمز * لا تـنظـروا إلى الشّـر ولا تـَـفـعـلوه * والباطل لا تسمعوه * ولا تنصتوا خلف الأبواب * ونزهوا أفواهكم عن الكذب * والزيف لا تقربوه * أمسكوا قلوبكم عن الضغينة والحسد والتفرقة * أمسكوا أيديكم عن القتل والسرقة * أمسكوا أجسادكم عن معاشرة أزواج غيركم، فـتلك هي النار المحرقة * أمسكوا ركبكم عن السجود للشيطان وللأصنام الزيف * أمسكوا أرجـلكم عن السير إلى ما ليس لكم * إنه الصوم الكبير فلا تكسروه حتى * تفارقوا هذه الدنيا].
أما الصوم أو الصيام (صوم ربـّـا) عن (تناول الأطعمة والأشربة) في ديانتنا الصابئية الموحـدة، فهو مقصورا على عدم تناول اللحوم، والامتناع عن تناولها مقيـّدا بأيام محددة ومسماة، ومذكورة، وعددها ثلاثة وثلاثون يوما، موزعة على أيام السنة، وهي تسبق أعيادنا الدينية أو تكون بعـدها، وطلق عليها المبطلات، وهناك من يصنفها بمبطلات خفيفة، ومبطلات ثقيلة، وموزعـّـة بالشكل التالي : 1 ـ شهر شباط الصابئي : (أول ستوا) : خمسة عشرة يوما صيام، بعد العيد الكبير (عيد رأس السنة الصابئية : عيد الكراص) 2 ـ شهـر آدار الصابئي (ميصاي ستوا) : يوم واحـد صيام 3 ـ شهـر نيسـان الصابئي (اخـير ستوا) لايوجد فيه يوم مبـَطـّـل 4 ـ شهـر أيـار الصابئي (أول بهار) : أربعة أيام ضيام قبل العيد الصغير 5 ـ شهـر (ميصاي بهار : سيوان) : لايـوجد فيه يوم مبطـّـل 6 ـ شهـر تـمـّـوز الصابئي : (آخـر بهـار) : ثلاثة أيـّـام صيام 7 ـ شهـر آب الصابئي : (أول گيطا) : لايوجـد فيه يوم مبطـّـل 8 ـ شهـر أيلول الصابئي : (ميصاي گـيطا) خمسة أيام صيام، قـبل عيـد الخليقـة (بـَـنـجا) 9 ـ شهـر تشرين الصابئي (آخـر گيـطا) : يوم واحـد صيام بعـد الـعيد 10 ـ شـهر مشروان : (أوّل بـايز) : لايـوجـد فيه يوم مبطـّـل 11 ـ شهـر كانون الصابئي (ميصاي بايز) يوم واحـد، بعد عيد (اد دهبا اد مانا : عيد صباغة النور) 12 ـ شـهـر (طابيت : أخير بايز) يومان صيام، قبل العيد الكبير
الصوم الكبير (صوما ربا) وهو الامتناع عن كل الفواحش والمحرمات وكل ما يسيء إلى علاقة الإنسان بربه ويدوم طوال حياة الإنسان. حيث جاء في كتابهم { صوموا الصوم العظيم ولا تقطعوه إلى أن تغادر أجسادكم، صوما صوما كثيرا لا عن مآكل ومشرب هذه الدنيا.. صوموا صوم العقل والقلب والضمير} وهنالك. وهناك تشابه بين ما تقدم في كتابنا المقدس جنزاربـّـا : الكنز العظيم مبارك اسمه، وبين ما جاء في القرآن [إني نذرت للرحمن صوماً]، أي إمساكاً عن الكلام، والمقصود به هنا، الإمساك عن المفطرّات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع النيـّـة.
وفي كتاب كنزا ربا : الكنز العظيم، الصوم إمساك عن القول والفعـل، قلباً وعقلا وضميراً : باسم الحي العظيم [لِـتـَـصُم عـيونكم، وأفواهكم، وأيديكم.. لا تغـمز ولا تـَـلمز * لا تـنظـروا إلى الشّـر ولا تـَـفـعـلوه * الباطل لا تسمعوه * لا تنصتوا خلف الأبواب * نـزهوا أفواهكم عن الكذب * الزيف لا تقربوه * أمسكوا قلوبكم عن الضغينة والحسد والتفرقة * أمسكوا أيديكم عن القتل والسرقة * أمسكوا أجسادكم عن معاشرة أزواج غيركم، فـتلك هي النار المحرقة * أمسكوا ركبكم عن السجود للشيطان وللأصنام الزيف * أمسكوا أرجـلكم عن السير إلى ما ليس لكم].
يتجه الصابئة المندائيون في صلاتهم ولدى ممارستهم لشعائرهم الدينية نحو جهة الشمال لاعتقادهم بأن عالم الأنوار، يقع في ذلك المكان المقدس من الكون، الذي تعرج إليه النفوس في النهاية، لتنعم بالخلود إلى جوار ربها. ويستدل على اتجاه الشمال بواسطة النجم القطبي. والشمال قبلة الصابئة، حيث يعتقدون بعرش الخالق هناك، والجنة موطن الملائكة الصالحين، والصديقين المؤمنين.
ودلائلهم في ذلك، أن منبع الأنهار، ومنها دجلة والفرات من الشمال إلى الجنوب، والشمال اصل للجهات الأربع الجنوب والشرق والغرب، كذلك الريح الهاب أو القادم من جهة، أو صوب الشمال، أنقى وأزكى وأعذب للنفس، تشرح الصدر، وتفرح النفس، عكس الريح التي تقدم من الشرق، والبوصلة يتجه عقربها دائماً نحو الشمال. وجاءت الشريعة الصابئية لتلزم الصابئي بأن يتجه دائماً صوب قبلته الكائنة في عالم النور، (جهة أو صوب الشمال) عند صلاته، ونومه، وإجراء طقوسه الدينية من زواج وذبح (نحـر)، وموته. جاء وصف الجنة (عالم النور) في كتابهم المقدس (كنزا ربا : الكنز العظيم) :
بسم الحي العظيم: [العالم الذي يقف فيه ملك النور، عالم لا زوال فيه، عالم الضياء والنور الذي لا ظلام فيه، عالم اللطف الذي لا عصيان فيه، عالم الصلاح الذي لا اضطراب ولا خلل فيه، عالم الأريج الذي لا رائحة كريهة منه، عالم الحياة الخالدة الذي لا موت وفناء فيه، عالم الحق والإيمان، الذي لا أفك ولا بهتان فيه، عالم التقوى والخير.].
(خلاصة: الصوم): ويسمى بالمندائية (صوما ربا) أي الصيام الكبير. والصيام في مفهوم الصابئة الديني هو الكف والامتناع عن كل مايشين الإنسان وعلاقته مع الرب هيي ربي (مسبح اسمه) واخوانه البشر.. أي الصيام أو الامتناع عن كل الفواحش والمحرمات.
ولديهم أيضا مايدعى بالصيام الصغير.. وما هو إلا تذكرة للإنسان بصيامه الأكبر.. ويتم بالكف عن تناول لحوم الحيوانات وذبحها خلال أيام معينة من السنة يبلغ مجموعها (36) يوم.. لكون أبواب الشر مفتوحة على مصراعيها، فتقوى فيها الشياطين وقوى الشر، لذلك يطلقون عليها أيام مبطلة).
(6) والبعض يضيف اليها:الصدقة: وتسمى بالمندائية زدقا)) وهو من اخلاقيات المؤمن لديهم، وواجباته اتجاه اخيه الإنسان والخلق باسره. وتشترط في الصدقة لديهم ان تعطى بالسر، لان المجاهرة في إعطاء الصدقة تفسد ثوابها. فقد جاء في هذا الموضوع في الكنزا ربا ما يلي (أعطوا الصدقات للفقراء واشبعوا الجائعين واسقوا الظمأن واكسوا العراة.. لان من يعطي يستلم.. ومن يقرض يرجع له القرض). وجاء أيضا في نفس الكتاب، ما يلي (ان وهبتم صدقة ايها المؤمنون، فلا تجاهروا.. ان وهبتم بيمينكم فلا تخبروا شمالكم، وان وهبتم بشمالكم فلا تخبروا يمينكم.. كل من وهب صدقة وتحدث عنها كافر لا ثواب له).

كتب المندائية..
كنزا ربا: وهو كتاب انزل على انبياء الصابئة اي على آدم أول انبيائهم، ثم شيتل بن آدم، ثم نوح، ثم سام بن نوح، ثم يحيى بن زكريا آخر انبيائهم. (كنزا ربا) أي الكنز العظيم مخطوط باللغة المندائية، ويحتوي هذا الكتاب على صحف ادم وشيت وسام (عليهم السلام). ويقع في 600 صفحة وهو بقسمين القسم الأول: من جهة اليمين ويتضمن سفر التكوين وتعاليم (الحي العظيم) والصراع الدائر بين الخير والشر والنور والظلام وكذلك تفاصيل هبوط (النفس) في جسد ادم ويتضمن كذلك تسبيحات للخالق واحكام فقهية ودينية القسم الثاني: من جهة اليسار ويتناول قضايا (النفس) وما يلحقها من عقاب وثواب. إضافة إلى تراتيل وتعاليم ووصايا. ولدى الصابئة المندائيون كتب أخرى مثل كتاب (دراشا اد يهيا) أي تعالم النبي يحيى بن زكريا (). والكتابين انفي الذكر قد ترجموا إلى اللغة العربية في السنة الماضية
يتكون هذا الكتاب الديني المقدس من عدة اجزاء كل جزء منها يسمى كتاب لقد كانت (هذه الأجزاء) تكتب في الماضي، على ورق من البردي على شكل لفافات أو تنقش على صفائح من المعادن كالرصاص. وعندما جُمعِتْ وبوبت لم يراع تسلسل الأحداث ولا تنظيم هذا العلم الهائل بشكل يتناسب وكل حدث سواء نوعيته أو زمانه.
وتنقسم تلك الكتب إلى ثلاثة مجاميع هي: المجموعة الأولى: أجزاء التعاليم الدينية: والتي جاءت بشكل أساس في: 1- الجنزا ربا (الكنز الكبير)؛ 2- دراشا إد يهيا (دروس يحيى)؛ 3- وديوان أباثر (ديوان الملاك أباثر)؛ 4- آلما ريشايا ربا وآلما ريشايا زوطا وفيهما شرح عن العالم الكبير الأول والعالم الصغير الأول؛ 5- وعدد من الدواوين الصغيرة.
المجموعة الثانية: الأجزاء التي تتناول المراسيم والطقوس الدينية من الكنزا المندائي المقدس وتشمل:
1. سيدرا إد نشماثا: (كتاب الأنفس): يُعنى هذا الجزء بشكل رئيس بطقوس مْصبتا (الصباغا)، ومراسيم الزواج، وبعض النصوص تُعنى أيضاً بالمسقتا.
2. القلستا وهو كتاب حول الأدعية والتراتيل والصلوات، الذي يشمل كل ما جاء بتراتيل ونصوص الصباغة الصابئية، وتراتيل، الزواج والمسقتا. وقداها ربا ويعني الصلاة العظيمة أو طلب التوسل العظيم؛ 3- الف وتريسار شيّاله ويتضمن الأخطاء التي يرتكبها رجل الدين، كذلك يتناول في جزء منه التقويم المندائي السنوي، وجزء منه يتحدث عن مراسيم الزواج، طقوس الصباغة والمسقتا.
3. ديوان ملكوتا اليثا، وطراسة تاغا إد شيشلام ربا ويتناولان شرح مراسيم تكريس رجل الدين.
4. ديوان مصبتا إد هيبل-زيوا، وشرح مصبوتا ربا ويتناولان شرح طقوس الصباغة.
5. شرح إد قابين إد شيشلام ربا وهو شرح مراسيم الزواج.
6. شرح بروانايا وهو شرح عما يتم عمله في أيام البروانايا الخمسة "البنجة".
7. شرح طاباهاتا وهو شرح لمراسيم مسقتا الآباء الأولين.
المجموعة الثالثة: أجزاء المعرفة والعلم والتاريخ: وهما أسفر ملواشة أو كتاب تحديد أوقات الشر التي يواجهها الناس والمدن؛ وحران كويثا الذي يستعرض هجرة بعض الناصورائيين. يتضمن (حران كويثا) أيضاً بعض التواريخ للأحداث الفلكية السابقة وكذلك اللاحقة.
رجال الدين في المندائية..
1- الحلالي: ويسمى يسير في الجنازات، ويقيم سنن الذبح للعامة، ولايتزوج إلا بكراً، فإذا تزوج ثيباً سقطت مرتبته ومنع من وظيفته إلا إذا تعمد هو وزوجته 360مرة في ماء النهر الجاري.
2- الترميدة: إذا فقه الحلالي الكتابين المقدَّسين سدره إنشماثا والنياني أي كتابَيْ التعميد والأذكار فإنه يتعمد بالارتماس في الماء الموجود في المندي ويبقى بعدها سبعة أيام مستيقظاً لا تغمض له عين حتى لا يحتلم، ويترقى بعدها هذا الحلالي إلى ترميدة، وتنحصر وظيفته في العقد على البنات الأبكار.
3- الأبيسق: الترميدة الذي يختص في العقد على الأرامل يتحول إلى أبيسق ولا ينتقل من مرتبته هذه.
4- الكنزبرا: الترميدة الفاضل الذي لم يعقد على الثيبات مطلقاً يمكنه أن ينتقل إلى كنزبرا وذلك إذا حفظ كتاب الكنزاربّا فيصبح حينئذٍ مفسراً له، ويجوز له ما لا يجوز لغيره، فلو قتل واحداً من أفراد الطائفة لا يقتص منه لأنه وكيل الرئيس الإلهي عليها.
5- الريش أمه: أي رئيس الأمة، وصاحب الكلمة النافذة فيها ولا يوجد بين صابئة اليوم من بلغ هذه الدرجة لأنها تحتاج إلى علم وفير وقدرة فائقة.
6- الربّاني: وفق هذه الديانة لم يصل إلى هذه الدرجة إلا يحيي بن زكريا عليهما السلام كما أنه لا يجوز أن يوجد شخصان من هذه الدرجة في وقت واحد. والرباني يرتفع ليسكن في عالم الأنوار وينزل ليبلغ طائفته تعاليم الدين ثم يرتفع كرة أخرى إلى عالمه الرباني النوراني.
اعياد المندائية..
-البر ونايا - البنجة - عيد الخليقة العلوي ويقع في آذار وهي ذكرى الخلق وتكوين عوالم النور والأرواح الأثيرية الأولى وفيها تفتح بوابات النور وتنزل الملائكة والأرواح الطاهرة فيعم نورها الأرض لتصبح جزءا من عالم النور. وتعتبر الخمسة (الأيام البيض) أسرار البداية المقدسة وفجر الحياة الأولى التي أوجدها الحي العظيم. وعلى الصعيد الدنيوي فهو يمثل اكتمال النبتة التي تعطي ثمارها في الصيف.
-العيد الكبير – عيد الخليقة المادي.. (دهواربا) وفيه نجدت الكواكب في السماء والشمس والقمر، وجمدت الأرض ويستمر ثلاثة ايام، وتسبقه (الكرصة) اي التجاء المندائيين إلى الانزواء في بيوتهم وعدم الخروج منها لمدة (36) ساعة.. حيث يتقرر خلالها مصير الإنسان وانتصار قوى النور على قوى الظلام والشر - يخرجون بعدها فرحين بهذا الانتصار الكبير.. ويعتبر العيد الكبير بداية السنة المندائية ويقع في شهر تموز من العام.
- ويعقبه مباشرة (عيد شوشيان) يوم واحد وهو ذكرى حلول السلام والمحبة على الأرض.
- العيد الصغير هو عيد الازدهار وموعده في شهر تشرين الثاني من كل عام ويسميه الصابئة المندائيون هيبة الله الصغرى (دهوا هنينة) وهو ذكرى عودة الملاك جبريل وصعوده.. وقد نزل إلى الأرض بأمر الله، ثم عاد إلى السماء مبشرا بازدهار الكروم وانتشار النور واندحار الظلام. وفي المفهوم الدنيوي فيتمثل بنزول القطرة الأولى من المطر وبتكوين النطفة في رحم الام.
- عيد التعميد الذهبي: وهو هبة الله سبحانه وتعالى للملائكة حيث تعمدوا في عالم النور وأهديت لأدم وذريته من بعده.. حيث عمده الملاك جبريل الرسول وأيضا تعمد النبي يحيى(ع) وتوهب فيه الهدايا والعطايا للمحتاجين ويقع في نهاية تشرين الأول من كل عام وكل طفل مولود يجب أن يعمد في هذا اليوم.
تاريخ المندائية..
تاريخ الصابئة المندائية يلفه الغموض من أغلبية جوانبه، وهذا باعتراف الكثير من الباحثين في المجال المندائي. يرجع السبب إلى انزوائهم وانغلاقهم الديني الشديد ومنذ فترات طويلة، وذلك بسبب الاضطهاد الكبير الذي تعرضوا له على فترات متعاقبة فاثروا الانزواء والانغلاق للمحافظة على دينهم وتراثهم. وأيضا إلى ضياع وحرق الكثير من الكتب التي تتحدث عن تاريخهم وتراثهم. على العموم هم يرجعون دينهم إلى نبي الله ادم () ويقولون بان صحفه لا زالت لديهم إلى الآن (وهي من ضمن كتابهم المقدس كنزا ربا – الكنز العظيم).. وهذا الكلام يتفق تقريبا مع ما ورد عند المؤرخين والكتبة العرب القدماء، والذين يرجعون الصابئة إلى اصل قديم جدا.. فمنهم من يرجعهم إلى ادم أو إلى ابنه شيث أو شيتل كما يدعى بالمندائية!!.. فمثلا يرجع ابن الوردي [1292- 1349م] تاريخهم إلى النبي شيت بن آدم والنبي إدريس (هرمس). وفي كتاب الملل والنحل للشهرستاني [1086- 1153م] يقر المؤلف بأن الصابئة يوحدون الله ويؤمنون بتلقي المعرفة العليا بواسطة الروحانيات.
وقد قسم الباحثون في الماضي الصابئة المندائيين إلى قسمين: فمنهم من يرجح الاصل الشرقي للمندائيين (أي من بلاد وادي الرافدين) ومنهم من يرجح الاصل الغربي (أي من فلسطين).. ويبقى الاصل الشرقي للمندائية، الراي الأكثر شيوعا لدى الباحثين.
ان المندائية كانت منتشرة في بلاد وادي الرافدين وأيضا فلسطين قبل المسيحية، أي قبل أكثر من 2000 عام. وللطائفة كتاب تاريخي يسمى (حران كويثا – حران الداخلية أو الجوانية)، يتحدث هذا الكتاب عن الهجرة التي قام بها المندائيون الفلسطينيون من فلسطين-اورشليم (على الأكثر حصلت في القرن الأول الميلادي عند اجتياح القائد الروماني تيطس فلسطين وتدمير هيكل اليهود سنة 70 م) بعد الاضهاد الذي حصل لهم من السلطة الدينية اليهودية والسلطة الزمنية المتمثلة بالحكم الروماني المستعمر لفلسطين انذاك.
وصعد المندائيون الفلسطينيون المهاجرون إلى أعلى بلاد الشام وخاصة إلى (حران)، لان لهم اخوة في الدين. فبقي منهم في حران، والبقية الباقية اثرت النزول إلى وادي الرافدين عن طريق النهرين، وخاصة عن طريق نهر الفرات حسب اعتقادي، ومروا أيضا ب(بصرى – حوران) عاصمة الانباط، للالتقاء والاستقرار أخيرا مع اخوتهم أيضا الصابئة الموجودين في البطائح.. وكانت هذه الهجرة تحت رعاية الملك اردوان (يعتقد بأنه الملك البارثي ارطبانوس الثالث)، حسب ما ذكره الكتاب المندائي التاريخي (حران كويث).
وفي منتصف القرن السابع الميلادي عرفت هذه الطائفة لاول مرة في اوساط الباحثين في أوروبا. وخاصة لقد برع الباحثين الالمان في مجال البحث أو الاهتمام بهذه الطائفة. وقد قام باحث ألماني بترجمة الكتاب المقدس لهذه الطائفة. ولا ينكر جهود الباحثة والمستشرقة الإنكليزية الليدي دراور(E.S. DROWER) [1879- 1972م] التي عاشت ربع قرن في جنوبي العراق، في ازاحة الكثير من الغموض عن معتقدات هذه الطائفة وتاريخها وتراثها الديني. واستطاعت ان تترجم أغلبية الكتب والمخطوطات المندائية إلى الإنكليزية
وللاستاذ حيدر رضا بحث بعنوان (حول اصل الصابئة المندائية)*، نقتطف منه في هذا السياق..
لقد أشار العديد من المؤرخين إلى إن معتقدات الصابئة المندائية برزت لأول مرة في جنوب ما بين النهرين . فقد ذهب هنري لايرد عالم الآثار البريطاني الذي أسهم في الكشف عن الآثار الأشورية إلى أن الدين الآشوري في أيامه المبكرة الأولى وقبل أن تمسه التأثيرات الفارسية وغيرها ( هو امتداد للدين البابلي ) كان صابئي المنحى (1).
ولكننا نرى إن الصابئة المندائية تمتد إلى ما قبل ذلك وبالتحديد إلى العهد السومري، ولدعم هذه النظرية نقوم بمقارنة بين الدين الصابئي والسومري . فكلا الديانتين تعظمان الماء وتضعانه في منزلة عظيمة .
فقد كان في الزمن السومري اله اسمه (آيا) اله المياه وهو يجلس في مقصورة من الماء الجاري. وترى الليدي دراور إن البركة الطقسية ذات العلاقة بـ(آيا) اله المياه كانت تشكل جزءا من العقائد السومرية في (اريدو) المدينة.
وقد بحث الأب (بوروز) (مشاكل من ابسو- روما1932) واستنتج بأنه لم يكن مبزل سوائل كما اقترح سابقا، بل لا بد انه كان حوضا أو بركة، وأشار إلى أن بعض أسماء شعائر(ابسو) في (لاكش) تشير إلى برك متصلة بقنوات أو ما يشابهها.
ان طغيان الماء في الشعائر والطقوس الصابئة المندائية يمثل تمسكا قويا بأصل ديني بعيد يعود إلى العهود السومرية . فيعتقد الصابئة المندائيون إن الإنسان عندما يموت تنقل نفسه إلى العالم الآخر. هناك تحاسب النفس وتوزن أعمالها فإذا كانت الحسنات كثيرة تصعد إلى عالم الأنوار أما إذا كانت السيئات أكثر فانها تذهب إلى (المطراثي) وهي رحلة تمر بها النفس بسبع محطات (عوالم الحساب).
الحالة نفسها نجدها عند السومريين فهم يرون إن الإنسان عندما يموت تذهب روحه إلى العالم الآخر وتجتاز هذه الروح البوابات السبعة ثم تذهب إلى مستقرها في العالم الأسفل. كما إن هناك تقليد ديني مندائي يتضمن إطلاق اسم ديني على الصابئي بالإضافة إلى اسمه المعلن , ويستعمل هذا الاسم في طقس التعميد والمناسبات كالزواج والوفاة وغيرها. وهو يسمى بـ (الملواشة) وهو اسم ديني حيث ينسب الفرد الى امه.
هذا التقليد هو تقليد سومري حيث كان يطلق أسماء على رجال الدين . حيث يعتقد بان ممارسة السحر الأسود أو الضار يسري على الاسم الديني وليس على الاسم المعلن، وكان الكهنة يتحاشون الكشف عن أسمائهم الدينية لكي لايتعرضوا إلى أخطار السحرة والأعداء.
كما وتأتي جذور الصلة بين الديانتين الصابئية المندائية والديانة البابلية هو أن كلا الديانتين تقدسان الشمس باعتبارها قوة للخير .
كذلك فان الديانتين تنزلان الماء منزلة عظيمة فكان سكان مابين النهرين ترى أن الماء يدخل في كل جانب من جوانب حياتهم . وقد ظل سكان بلاد الرافدين يقدسون الماء ويضعونه بمنزلة عظيمة فاعتبروه أداة للتطهير . لقد كان من تقاليد الطقوس اليومية للمعبد البابلي أن يجري غسل تماثيل الآلهة، ورش المعبد بالماء الطاهر.
أما بالنسبة للصابئة المندائيين فالماء هو مصدر الحياة ذاتها. ففي الوضوء أو ما يسمونه بـ(الرشامة) التي تجري عند النهر الجاري يقول المندائيين (أبرخ يرد نه آدميه هيي مشبه ماري كشطة سنخون). وتعني ( تبارك الماء العظيم ماء الحياة سبحان الهي احفظ عهده ) كذلك يقولون في الوضوء (مللين ابملالي اد زيوه وازهي طن بصري دنهور) وتعني (لينطقا بكلام النور وليكن ضميري نقيا مؤمنا بالصلاح). وكذلك يطهر (المندي) سنويا وفق طقوس خاصة بالماء.
ويلتقي الصابئة المندائيون بالبابليين بلباس التعميد الأبيض (الرستة) لدى المندائيين باللباس الأبيض الذي كان يرتدونه الكهنة في بابل. ويحرم المندائيون حلق اللحى وشعر الرأس كذلك البابليون رغم إن عامة الصابئة لا يتقيدون بهذا التحريم اليوم,إلا إن رجال الدين منهم ملزمون تماما بهذا التحريم فهم يتركون لحاهم وشعر رؤوسهم.
أما في حالة الوفاة فيعتقد الصابئة إن نفس الميت لاتصعد إلى السماء إلا بعد مرور ثلاثة أيام على الوفاة وخلال هذه الأيام الثلاثة تظل النفس تحوم ما بين القبر وبيت الميت وبعد الأيام الثلاثة تأخذ سبيلها إلى السماء . نفس الصورة نجدها لدى البابليين. فروح الميت عندهم تبقى تحوم ثلاثة أيام بعد إيداع جثمانه القبر.
يثار هنا تساؤل, هل كان الصابئة المندائيون قد تأثروا بشكل مباشر بأفكار الجماعات البابلية التي كانت تجاورهم, أو أن يكونوا هم ذاتهم من بقايا البابليين وطوروا معتقداتهم من خلال تفاعلهم مع الجماعات اليهودية وغيرها التي كانت تجاورهم, أو أن يكونوا من الجماعات الآرامية التي طورت أفكارها ومعتقداتها بعيدا عن هذه التاثيرات . ويذكر ابن النديم في الفهرست, أنهم من بقايا الجماعات اليهودية التي كانت تقطن جنوب العراق كالحسج. ويقول الثعالبي [961- 1038م] في الصابئة هي ديانة (عاذيموس) الأول، كان في القديم من أعظم الأديان انتشارا في العالم وكان منشأها في العراق وكعبها (حران)، وهي في الأصل دين الكواكب السبعة والبروج ألاثني عشر. اثبت التاريخ أن العرب كانوا يدينون بديانة قريبة الى لصابئة منذ القرون الأولى، وقد اتخذوا الهياكل وسموها البيوت، وجعلوها معابد يقدسونها ويدينون بها. ويدل على ذلك إنهم كانوا يسمون أنفسهم عبيدا لها، كقولهم عبد شمس، وعبد المشتري وغيرها. وفي الحقيقة إن الصابئة المندائيين يرفضون عبادة الكواكب. فعندما نشر المؤرخ عبد الرزاق الحسني [1903- 1997م] كتابا حول الصابئة المندائيين اعتبرهم عبدة كواكب فأثار حفيظة رجال دينهم. فقدم الشيخ دخيل الى بغداد يحمل معه كتابهم المقدس الكنز العظيم(كنزاربا) يتلو منه امام المحكمة بوجود مترجم يترجم أمام الشهود من السفر المقدس نصا يرفض عبادة الكواكب ويظهر انهم يعبدون الله.
تقول الليدي دراور[1879- 1972م]: (في الحقيقة إن الصابئيين لا يعبدون الأجرام السماوية غير إنهم يعتقدون بان النجوم والكواكب تحتوي على مخلوقات حية هي أرواح ثانوية تابعة لأمر ملك النور(ملكا دنهورا) وإنها تتحكم بمصائر البشر، ويصاحب هذه الأرواح الخيرة أضدادها من الأرواح الشريرة ففي فلك الشمس (شامش) ينتصب شامش الخير النافع رمز الخصب والخضرة ومعه الروح الشريرة المهلك(ادوناي) مع أرواح نورانية حارسة أخرى.
فالصابئيون يوجهون دعاءهم للأرواح الخيرة النورانية فقط وليس لتلك التي تخص عالم الظلام. ويقول المندائيان نعيم بدوي [1911- ؟] وغضبان رومي [1905- 1989م] (الصابئيون طائفة عراقية قبل أن تكون أي شي آخر، بل إننا كما نشير طقوسها صلة الحاضر بالماضي البالي الاكدي والنبطي في العراق).
وهنالك من يقول أن الصابئة من سكان فلسطين، وإنهم هاجروا منها بسبب الاضطهاد الذي لحقهم على أيدي المؤسسة اليهودية الرسمية ومن قبل الحكام الرومان.
يبدون ان ثمة علاقة بين الصابئة والاسينيين، وهم طائفة روحانية(صوفية) كانت موجود في فلسطين قبل الميلاد، ويحسبها بعض المؤرخين على اليهود والبعض يعتبرها غير يهودية.
الاسينيون يؤمنون بالفضيلة المطلقة, ويستقبحون الشهوات فهم لا يتزوجون ويتبنون أطفال غيرهم وملكية الجميع مشتركة عندهم ولايتبايعون وإنما يتقارضون قدر حاجتهم ويلبسون الألبسة البيضاء. يلتقي الاسينيون والمندائيون في طقوس التعميد حيث يتعين أن يرتدي الملابس البيضاء ويفعل المندائي الشي ذاته عند التعميد. إذ يرتدي ملابس بيضاء تعرف بـ(الرستة).
كما تلتقي الطائفتان في نظرتهما الثانوية تجاه الظلام والنور والخير والشر وهي ثنائية شاعت بتأثير التعاليم البابلية.
اما بالنسبة للعلاقة بين الصابئة والحسح، وهو موضوع أثاره ابن النديم في كتابه الشهير الفهرست الذي أشار إلى العلاقة بين الصابئة المندائيين والحسح حيث يقول إن (هؤلاء القوم كثيرون بنواحي البطائح- (جنوب العراق): وهم صابئة البطائح يقولون بالاغتسال ويغسلون جميع ما يأكلونه ورئيسهم يعرف بالحسح). ووجد أتباع الحسح في شرق البحر الميت وهي فرقة فلسطينية قريبة الى اليهودية . وقد اتخذت من التعميد ركنا أساسيا في طقوسها الدينية. وكانت دعوتهم تقوم على التمسك بالشريعة اليهودية , وممارسة الختان , والتقيد بأحكام السبت. إن التماثل ما بين الصابئة المندائية وأتباع (الحسح) هو التعميد فكلا الطائفتين تمارس التعميد كتطهير من الخطايا, لكن الطائفتين تختلفان في عدة أمور : فالحسح يلزم بالختان فيما تحرمه المندائية . والأولى تتشدد بالتمسك بيوم السبت فيما الثانية بيوم الأحد ومن وجهة نظري هناك اختلاف كبير بين الصابئة المندائية وطوائف البحر الميت [الاسينيين وأتباع الحسح].
فالثانية هم من الطوائف اليهودية والعلاقة بين اليهود والصابئة عدائية، وخالف الصابئة اليهود في أكثر عقائدهم، فعيدهم الأحد لا السبت، وإذا كان الختان فرضا على اليهود، حرمته العقيدة الصابئية دينيا، وتعد من قام به خارجا عن الدين.
أما خروج موسى من مصر ونجاته من فرعون فهو (نصر يهودي)، ولكنه يمثل (فجيعة ومأتما) عند الصابئة، بسبب غرق المصريين، ونجاة موسى وقومه . ويقيم الصابئة بتلك المناسبة التي يطلقون عليها (عاشورية ) المآدب التأبينية، والفاتحة (لوفاني) على أرواح المصريين الذين غرقوا في البحر الأحمر، حينما كانوا يلاحقون نبي اليهود موسى. (هذا يعني) ان المندائيين كانوا موجودين في مصر ذلك الوقت.
الصابئة الحرانية
سميت بالحرانية نسبة إلى بلدة حران . قال القاضي احمد الشهير المعروف ابن خلكان [1211- 1282م] في كتابه (وفيات الأعيان وإنباء الزمان): إن (حران) مدينة مشهورة في الجزيرة تقع على نهر بلباس احد روافد نهر الفرات وذكر ابن جرير الطبري [839- 923م] في تاريخه أن هاران ابن عم إبراهيم الخليل (ع) وأبو زوجته سارة عمرها أي بناها فسميت باسمه هاران وقيل إن لإبراهيم (ع) أخا اسمه هاران/(تك11: 27)* أبو لوط/(تك11: 31) هو الذي بناها- [تك11: 32، 12: 5].
وذكر قوم أنها أول مدينة بنيت بعد الطوفان وكانت منازل الصابئة وهم الحرانيون نسبة إلى محل سكناهم حران ليس إلا. قال ابن النديم [ت 1047م]: قال أبو يوسف أيشع القطيعي النصراني في كتابه في الكشف عن مذاهب الحرنانيين المعروفين في عصرنا بالصابئة: ( أن المأمون [786- 833م] اجتاز في آخر أيامه بديار مضر يريد بلاد الروم، فتلقاه الناس يدعون له وفيهم جماعة من الحرانيين وكان زيهم إذ ذاك لبس الأقبية وشعورهم طويلة بوفرات كوفرة ثابت بن قرة [836- 901م] جد سنان بن ثابت فأنكر المأمون زيهم وقال لهم من انتم من الذمة؟ فقالوا : نحن الحرانية . قال : أنصارى انتم ؟ قالوا : لا , قال لهم : أفلكم كتاب أم نبي ؟ فجمجموا في القول فقال : فانتم إذن الزنادقة عبدة الأوثان وأصحاب الرأس في أيام الرشيد [766- 809م] والدي، وانتم حلال دماؤكم لا ذمة لكم . فقالوا : نحن نؤدي الجزية . فقال لهم : إنما تؤخذ الجزية ممن خالف الإسلام من أهل الأديان . الذين ذكرهم الله عز وجل في كتابه ولهم كتاب وصالحه المسلمون على ذلك , فانتم لستم من هؤلاء ولا من هؤلاء فاختاروا الآن احد الأمرين : أما أن تنتحلوا دين الإسلام أو دينا آخر من الأديان التي ذكرها الله في كتابه وإلا قتلتكم عن آخركم، فاني قد أنذرتكم إلى أن ارجع من سفرتي هذه!. فان انتم دخلتم الإسلام أو في دين من هذه الأديان التي ذكرها الله في كتابه وإلا أمرت بقتلكم واستئصال شأفتكم ). ورحل المأمون يريد بلد الروم فغيروا زيهم وحلقوا شعورهم وتركوا لبس الأقبية، وتنصر كثير منهم ولبسوا زنانير، وأسلم منهم طائفة، وبقي منهم شرذمة بحالهم وجعلوا يحتالون ويضطربون حتى أنتدب لهم شيخ من أهل حران فقيه. فقال لهم : قد وجدت شيئا تنجون به وتسلمون من القتل . فحملوا إليه مالاً عظيما من -بيت مالهم- أحدثوه منذ أيام الرشيد إلى هذه الغاية، أعدوه إلى النوائب، فقال لهم : إذا رجع المأمون من سفره فقولوا له نحن الصابئون فهذا اسم دين قد ذكره الله جل اسمه في القران فانتحلوه، فانتم تنجون به وقضى إن المأمون توفي في سفرته تلك بالبذنذون. فانتحلوا هذا الاسم منذ ذلك الوقت لأنه لم يكن بحران ونواحيها قوم يسمون بالصابئة .
فلما وصل لهم خبر وفاة المأمون ، ارتد أكثر من كان تنصر منهم ، ورجع إلى الحرانية فطولوا شعورهم حسب ما كان عليه قبل مرور المأمون بهم على أنهم صابئون ومنعهم المسلمون من لبس الأقبية لأنه من لبس أصحاب السلطان. ومن اسلم منهم لم يمكنه الارتداد خوفا من إن يقتل فأقاموا متسترين بالإسلام.
فكانوا يتزوجون بنساء حرانيات ويجعلون الولد الذكر مسلما ، والأنثى حرانيه. وهذه كانت سبيل كل أهل [ترعوز وسلمسبين]: القريتين المشهورتين العظيمتين بالقرب من (حران) أي منذ نحو عشرين سنة . لقد رفض الكثير من المندائيين الاعتراف بان موطنهم الأصلي هو جنوب العراق واعتقادهم أنهم جاءوا من الشمال وقد يكون هذا الرفض وذلك الاعتقاد راجعين إلى سبب ديني، وهو اعتقاد المندائيين بان الشمال موطن الأسلاف الإلهيين وانه مصدر النور والمعرفة... يستقبلونه في صلاتهم ويتوجهون إليه بعد مماتهم وأما الجنوب فهو مصدر الشر والظلام جاء في الكتاب المقدس: (كنزاربا). إن عوالم الظلام تقع في الأرض المنخفضة في الجنوب وأولئك الذين يسكنون في الشمال هم بيض البشرة ... أما أولئك الذين يسكنون في الجنوب فهم سود البشرة ومظهرهم قبيح كالشياطين.
وقال البروفيسور اوليري في سياق حديثه عن صابئة حران : ( إن قصة الحرانيين مع المأمون ماهي إلا محاولة لتفسير كيف أصبح الحرانيون يسمون بالصابئين وهو أسم نعرف الآن أنه لايعود لهم. إن الصابئين الحقيقيين كانوا في الجنوب العربي لا علاقة لهم بحران. إن المندائيين في جنوب العراق أهل معمدي الآباء المسيحيين الأوائل، والكتاب الربانيين الذين حصلوا على اسم ( المتعمدين ) من تطهرهم المستمر المتزمت، كانوا يسمونه بالآرامية (بالصابئين) من أصل الفعل ( صبا- الآرامي ) بمعنى يغطس ويتعمد. وكان المندائيون هؤلاء معرفيين ( غنوصين ) ولم يكن أهل حران معرفيين بل كانت لهم هياكل مكرسة للكواكب مما جعل الخلط بينهم وبين المندائيين ممكنا. ومن المحتمل أن تكون الأفلاطونية الحديثة الحرانية قد امتزجت بالعقائد المعرفية. وقال الأستاذ عباس محمود العقاد [1889- 1946م] عن الصابئيين ( أنهم السابحة من السبح والاستحمام في مياه الأنهار).
وليست العلاقة بين الصابئة المندائيين والحرانيين مجرد تسمية تجمع بينهم . إن هناك فرقا في الدين كبيرا بين صابئة حران والصابئة المندائيين وأورد بعض الاختلافات فيما بينهم : 1ـ اختلافهم في بناء المعابد : يسمي المندائيون معبدهم بـ (المندي ) وهو عبارة عن كوخ من القصب منصوب على شاطئ نهر جار أو نبع ماء جار حي وباب المندي متجه نحو الجنوب ومحرابه نحو الشمال لاعتقادهم انه المكان الذي يحكم فيه على إعمال الناس بالصلاح أو الفساد يوم القيامة. ومعابد المندائية خالية من إي تمثال أو صنم لتعظيمهم الماء الحي الجاري . وفي المندي يمارسون صلواتهم العلنية بعد تعمدهم بالماء الجاري وفيه يعقدون قران زواجهم وفيه يقدمون القرابين في الأعياد.
جاء في كتاب الكنزا ربا : ( كل من صنع تمثالا أو صنما أو جسما ليعبده من دون الله تكتوى شفاهه ويداه بنار حامية ويتمنى الموت ولكن الموت لايدركه ). بينما بنى الحرانية معابدهم الحجرية على الطرز المعمارية للمعابد الوثنية الرومانية وأقاموا فيها هياكل وتماثيل للكواكب السبعة وفيها يمارسون صلواتهم بصورة سرية . 2ـ اختلافهم في الدفن وتوجيه القبور: فالمندائيون تتجه قبورهم شمال – جنوب وللقبر في الأعلى شكل دائري ويوجه الوجه باتجاه الشمال ويضعون في فمه حصاة صغيرة أو قليل من التراب ويدفن مع الميت خاتم العمادة (لرجال الدين). أما الحرانيون فقبورهم تتجه غرب – شرق ويكون الرأس باتجاه الغرب والوجه نحو الأعلى باتجاه الشمال الشرقي ويدفن مع الميت متاعه وثيابه وخاتمه وخواتمهم عليها تماثيل منحوتة على حجارة صغيرة ( ومعظم فصوص الخواتم من العقيق ) ولقبور الحرانية شواهد طويلة على شكل تماثيل. وفي كلا الديانتين المندائية والحرانية لا يظهرون الحزن على الميت . فاللطم والبكاء محرمان.


اعلام المندائية
ثابت بن قرة الحراني [836- 901م]..
ثابت بن قرة بن مروان [(221 هـ/836 م) – (26 صفر 288 هـ/19 فبراير 901 م)] عالم عربي صابئي اشتهر بعمله في الفلك والرياضيات والهندسة والموسيقى. ولد في مدينة حران الشامية، الواقعة على نهر البليخ أحد روافد نهر الفرات، وتقع في تركيا اليوم. عمل في الجامع الكبير في حران ثم انتقل سنة 848 م إلى الرقة وأنشأ بها مدرسة عليا لتعليم الفلك والفلسفة والطب ومن تلاميذه، سنان إبراهيم، ابن اخته البتاني، قرة بن قميطاء، أيوب بن قاسم الرقي، إبراهيم بن زهرون، واسير بن عيسى وغيرهم من الرقة ومنطقة الجزيرة السورية، وانتقل بعدها إلى بغداد. هو أول من توصل لحساب طول السنة الشمسية حيث حددها ب 365 يوما و6 ساعات و9 دقائق و12 ثواني (أي أنه أخطأ بثانيتين فقط)
مؤلفاته: في الرياضيات..
له كتاب في الأعداد المتحابة, كتاب في قطع الأسطوانة، كتاب في أعمال ومسائل إذا وقع خط مستقيم على خطين ومقالة أخرى له في ذلك، كتاب في المثلث القائم الزوايا، كتاب في الشكل القطاع، كتاب في التصرف في أشكال القياس، كتاب في مقدمات إقليدس، كتاب في أشكال إقليدس، كتاب في أشكال المجسطي، كتاب في استخراج المسائل الهندسية، رسالة الحجة المنسوبة إلى سقراط، مقالة في عمل شكل مجس ذي أربع عشرة قاعدة تحيط به كرة معلومة، كتاب في وصف القرص، كتب به إلى الوزير أبي القاسم عبيد اللّه بن سليمان، رسالة في كيف ينبغي أن يسلك إلى نيل المطلوب من المعاني الهندسية، فيها ذكر آثار ظهرت في الجو، وأحوال كانت في الهواء مما رصد بنو موسى وأبو الحسن ثابت بن قرة، ثلاث مقالات، مسائل عيسى بن أسيد لثابت بن قرة وأجوبتها الثابت، المدخل إلى كتاب إقليدس وهو في غاية الجودة، كتاب المدخل إلى المنطق، كتاب في المربع وقطره، كتاب في مساحة الأشكال المسطحة وسائر البسط والأشكال، جوامع كتاب نيقوماخس في الأرثماطيقي، مقالتان، أشكال له في الحيل، جوابه عن مسائل سأله عنها أبو سهل النوبختي، كتاب في قطع المخروط المكافي، كتاب في مساحة الأجسام المكافية، كتاب في أشكال الخطوط التي يمر عليها ظل المقياس، مقالة في الهندسة ألفها لإسماعيل ابن بلبل، جوامع كتاب الأعضاء الآلمة لجالينوس، كتاب في النسبة المؤلفة، رسالة في العدد الوفق، كتاب في مساحة قطع الخطوط، كتاب في آلة الزمر، بالسرياني، مقالة في تصحيح مسائل الجبر بالبراهين الهندسية، إصلاحه للمقالة الأولى من كتاب أبلونيوس في قطع النسب المحدودة، وهذا الكتاب مقالتان أصلح ثابت الأولى إصلاحاً جيداً وشرحها وأوضحها وفسرها والثانية لم يصلحها وهي غير مفهومة، مختصر في علم الهندسة، جوابات له عن عدة مسائل سأل عنها سند بن علي، اختصار القاطيغورياس.
ترجماته..
يجيد ثابت بن قرة عدة لغات منها السريانية والعربية واليونانية وترجم عدة مؤلفات من اليونانية للعربية كأعمال أبولونيوس [262- 190 ق. م.] وارخميدس [287- 212 ق. م.] واقليدس (مواليد 300 ق. م.). قام بتنقيح ترجمات حنين بن إسحاق [810- 873م] حول أعمال اقليدس وبطليموس كالمجسطي والجغرافي لبطليموس كما ترجم اعمال ارخميدس التي اعطى بها وصف للأجسام سباعية الأضلاع التي لم يتم اكتشافها حتى القرن ال20 بعد ان كانت ضائعة.
رثاؤه..
كان مولد ثابت بن قرة في سنة إحدى عشرة ومائتين بحران في يوم الخميس الحادي والعشرين من صفر، وتوفي سنة ثمان وثمانين ومائتين، وله من العمر سبع وسبعون سنة، وقال ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة كانت بين أبي أحمد يحيى بن المنجم النديم، وبين جدي أبي الحسن ثابت بن قرة، رحمه اللّه، مودة أكيدة، ولما مات جدي في سنة ثمان وثمانين ومائتين رثاه أبو أحمد بأبيات هي هذه:

ألا كل شيء ما خلا الّله مائت ومن يغترب يرجى ومن مات فائت
أرى من مضى عنا وخيم عندنا كسفر ثووا أرضاً فسار وبائت
نعينا العلوم الفلسفيات كلها خبا نورها إذ قيل قد مات ثابت
وأصبح أهلوها حيارى لفقده وزال به ركن من العلم ثابت
وكانوا إذا ضلوا هداهم لنهجها خبير بفصل الحكم للحق ناكت
ولما أتاه الموت لمن يغن طبه ولا ناطق مما حواه وصامت
ولا أمتعته بالغنى بغتة الردى ألا رب رزق قابل وهو فائت
فلو أنه يسطاع للموت مدفع لدافعه عنه حماة مصالت
ثقاة من الإخوان يصفون وده وليس لما يقضي به الّله لافت
أبا حسن لا تبعدن وكلنا لهلكك مفجوع له الحزن كابت
أآمل أن تجلى عن الحق شبهة وشخصك مقبور وصوتك خافت
وقد كان يسرو حسن تبيينك العمى وكل قؤول حين تنطق ساكت
كأنك مسؤولاً من البحر غارف ومستبدئاً نطقاً من الصخر ناحت
فلم يتفقدني من العلم واحد هراق إناء العلم بعدك كابت
وكم من محب قد أفدت وإنه لغيرك ممن رام شأوك هافت
عجبت لأرض غيبتك ولم يكن ليثبت فيها مثلك الدهر ثابت
تهذبت حتى لم يكن لك مبغض ولا لك لما اغتالك الموت شامت
وبرزت حتى لم يكن لك دافع عن الفضل إلا كاذب القول باهت
مضى علم العِلم الذي كان مقنعاً فلم يبق إلا مخطئ متهافت


سنان بن ثابت (ت 563هـ/ 975م)..
أبو الحسن ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة (توفي 11 ذو القعدة 365 هـ / 11 يوليو 975 م) طبيب ومؤرخ بغدادي. جمع بين عدد كبير من العلوم الإنسانية والتطبيقية، فكان مؤرخا فيلسوفا وأديبا، كما كان طبيبا وفلكيا ورياضيا، وكانت له بصمات واضحة في تلك العلوم والفنون، بالرغم من أنه لم يحقق قدرا كبيرا من الشهرة.
ولد في أسرة اشتهرت بالعلم والطب، وترعرع في بغداد حاضرة الخلافة العباسية، ومركز العلم آنذاك، كان أبوه سنان طبيبا ماهرا، وقد عينه الوزير أبو عيسى بن الجراح مشرفا على علاج المساجين في سجون الدولة، وتوفير الدواء والرعاية الصحية لهم وخوله إدارة البيمارستانات ببغداد وغيرها. وجده هو ثابت بن قرة الذي برز كواحد من أكبر الأطباء والمترجمين في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي).
عاصر عددا من الخلفاء العباسيين وكانت له مكانه عندهم وممن اتصل بهم من الخلفاء الخليفة الراضي والخليفة المتقي بالله والمستكفي بالله والمطيع. عين مديرا لبيمارستان بغداد فترة طويلة من الزمان.
له كتاب مشهور في التاريخ، أخذ عنه كثير من المؤرخين الذين جاءوا من بعده. سجل في كتابه أحداث العالم الإسلامي في الفترة الممتدة من خلافة المقتدر بالله العباسي عام 295 هـ/908 م وانتهى قبيل وفاته بنحو عامين عام 363 هـ/974 م، وقد جعله ذيلاً على "تاريخ الطبري"، ونسج فيه على منواله، واتبع طريقته في التصنيف. هذا الكتاب مفقود الآن ولم يصلنا منه سوى بعض النقول.
كان ثابت بن سنان يعلم كتب أبقراط وجالينوس، وكان أحمد وعمر ابنا يونس بن أحمد الحراني ممن قرأ عليه كتب جالينوس في بغداد، كما شارك في ترجمة كثير من الكتب الطبية من اللغات السريانية واليونانية وشرحها وإضافة معلومات جديدة إليها. ومن تصانيفه الكثيرة: الذخيرة في علم الطب. كتاب في النبض. كتاب وجع المفاصل والنقرس. كتاب اصناف الأمراض. كتاب في الوقفات التي في السكون الذي بين حركتى الشريان المتضادتين. كتاب في الحصى المتولد في الكلى والمثانة. كتاب في مساءلة الطبيب للمريض. رسالة في الجدرى والحصبة. كتاب الذخيرة. مقالة في صفة كون الجنين.

ابو اسحاق ابراهيم ابن الهلال الصابي [925- 994م]..
ابو إسحاق إبراهيم بن الهلال بن إبراهيم الحراني الصابي [(5 رمضان 313هـ/ 23 نوفمبر 925م) – (12 شوال 384هـ/ 18 نوفمبر 994م)] هو أديب وكاتب وشاعر عاش في العصر العباسي الثاني. ولِد في مدينة بغداد، وفي بغداد نشأ وترعرع على ديانة الصابئة الحرانيين. كان مُقرَّبا من آل بويه، وتولَّى في [349هـ/ 961م] في عهد عزالدولة ديوان الرسائل، وكانت علاقته حينها بعضد الدولة متوترة، فلمَّا تولى عضد الدولة الحكم أمر بسجن أبي إسحاق، وأبقاه في السجن حتى تولَّى الحكم ابنه صمصام الدولة فأفرج عنه. ورغم أنَّه من الصابئة الحرانيين إلا أنَّه كان متسامحاً يؤدِّي شعائر المسلمين، ويكثر من الاستشهاد بالقرآن في مؤلفاته، وكانت تربطه صداقة مع الصاحب بن عباد [945- 995م] والشريف الرضي [969- 1015م] و.من مؤلفاته: ديوان شعره. رسائل الصابي- (مجموع رسائله في ألف ورقة). التاجي- (كتبه في السجن استجابةً لطلب عضد الدولة). رسائل الصابئ والشريف الرضي- (جمع فيها المكاتبات الشعرية والنثرية بينهما). كتاب أخبار بني بويه. كتاب اختيار شعر المهلب.

خلاصة..
ان الصابـئة المندائية هي ديانة بابلية قديمة ذات اصول سومرية، وتترجم عناصر البيئة العراقية الجامعة بين جغرافيا المياه في حوض النهرين الجنوبي، وبين حرارة الصيف والظهيرة التموزية. وقد ورثت من سومر هدوءها ونبذها للعنف، عندما فضلت الانسحاب من المشهد، مع بدء مسلسل العنف في الالف الثالثة قبل الميلاد (3100 ق. م.)، مؤمنة ان (العنف يولد عنفا) و (من اخذ بالسيف فبالسيف يؤخذ). وهو سر ومغزى عنبذ المندائيين للعنف والخصومة. ولعل الاثار الشرقية لدى الهندوس والبوذية وارتباطهم بالمياه والنور والمعرفة، ارتباطا عريقا جامعا بين القطبين.
والمندائية، كما لوحظ، تركت اثارها وبصماتها في كل الديانات الموسومة بالكتابية او السماوية، كل منها بشيء وأكثر. وقد أوردت اسفار العهد القديم اشارة لاعتمادها (كتاب الياثر) من كتب المندائيين. ما يؤكد ارضية مشتركة وقواسم مشتركة، قبل ان تتحول اليهودية الى ديانة عالمية ممتدة في الامبراطوريات النافذة من امبرطوريات بابل واشور وعيلام والفراعنة الى الاغريق والرومان عبورا للعصر الوسيط والحديث (انكلوميركا) الراهنة، مستنفذة تطلعاتها السياسية القومية، ومتوسلة القوى العالمية سلما لها.
المندائية.. ليست ديانة تبشيرية، وليس لها مشروع سياسي، ولا تتطلع لسيطرة وبناء دول وامبراطوريات وتسيير جيوش. فالخلاص فردي، والصلةة بالله امر شخصي جدا، لذلك ايضا لم تعتمد مبدأ الصلاة الجماعية، والتظاهر والاستمكان، وسيلة للدعاية والاعلان. وأن كنت ارى فكرة الصلاة الشخصية والعائلية والميل للاعتكا، من اثار الاضطهادات والظروف السياسية غير الملائمة.
تبقى الملاحظة الرئيسة، سواء في هذا الموضوع او غيره من الكتابات التي تناولت جماعة الصابئة، انها تعلقت بالمظاهر الخارجية، وقشور الاعتقاد والديانة.. وما زالت الامور الروحية والامور اللاهوتية والفلسفية والعلم الرمزية والغيبية خارج التناول.. وبعيدة عن البحث، اسوة بالمراجعات العميقة في المسيحية واليهودية على صعيد عالمي. شاكرا لجميع السابقين الذين استفدت منهم في اعداد هذا الموضوع، ومعتذرا عن أي هفوة او سهو لم افطن اليه!..
ــــــــــــــــــــــــــ
• في نص سورة (المائدة 69) خطا اعرابي ملحوظ، في طريقة معاملة اسم المبتدأ من جملة (انّ) التي تنصب المبتدأ وترفع الخبر، والصحيح ورودها، بنصب (الصابئين)، كما هو الامر في [البقرة 62، والحج 17].
• (حول اصل الصابئة المندائية) للاستاذ حيدر رضا على موقع [www.mesopat.com].
• حول اشارة الطبري [839- 923م]، (هاران) هو اخو ابراهيم-(تك 11: 27)، وليس له عم بهذا الاسم او غيره. وقد مات (هاران لبو لوط) في اور الكلدانيين، ارض اجداده، قبل موت تارح أبيه-(تك 11: 28)
• حول اشارة ابن النديم [ت 1047م] في قصة المأمون [786/ 813- 833م] مع صابئة (حران) يبدو انها موضوعة كما يتضح من تضارب التواريخ، وصعوبة قبول هذا المنطق من المأمون المعروف بسعة المعرفة والفلسفة ويبدو هنا جاهلا بالصابئة وتاريخهم العلمي وليس الديني فحسب. بل كيف يجهل الصابئة انهم صابئة حتى يتفضل عليهم شيخ مسلم بخيط النجاة. والاولى بنا تدقيق الاخباريات وعدم نقلها بغير تدقيق وفحص، واكثرها موضوع ومدسوس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل


.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت




.. #shorts - Baqarah-53


.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن




.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص