الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اسطنبول : دفء الحب و قسوة العزلة

ماهر رزوق

2017 / 5 / 12
الادب والفن


اسطنبول : دفء الحب و قسوة العزلة



كتبتُ من قبل مقطعاً لطيفاً ، أصفُ فيه مشاعري المتناقضة تجاه هذه المدينة الغريبة ، أودّ أن أنسخهُ هنا ليكون مقدمةً لحديثي عنها :

اسطنبول ... ليست إلا جحيماً بقناعٍ فردوسي ... وحشٌ مفترسٌ بوجهِ حملٍ وديع ... إعصارٌ مدمرٌ يبدو كالنسمة الصيفية الباردة ... إنها الخدعة التي لا تستطيع تفاديها ... أو اتخاذ احتياطات الحذر تجاهها ... إنها الفخ الذي تسقط به رغم علمك المسبق بوجوده ... !!
هذه المدينة تلتهم أيامك بشرهٍ ... و تدعك وحيداً في غرفةٍ باردةٍ ... في حيّ قديم ... !
في كل أيامك تخدع ... خدعة تبدأ في الصباح (بالسيميت : معجنات تركية) ... و تنتهي في المساء بحنين غبي إلى بلدك ...!!
قاتلٌ محترفٌ هي اسطنبول ... تقتلُ بصمتٍ عمرك القصير ... و تسامحها مع أول جلسةٍ تافهةٍ أمام البحر و أول رشفةٍ من كأس شاي ساخن !!

لماذا دفءُ الحبّ ؟ و لماذا قسوةُ العزلة ؟؟

أن تحبّ في اسطنبول يعني أن تعيش حباً لن تنساه أبداً ، فكأن كل شيء في هذه المدينة يتآمر معك ، ليجعلك كازانوفا اللحظة !!
عندما تحب هنا ، تشعر و كأن رائحة العشق تفوح من كل شيء ... من الزهر المبعثر في كل مكان ... من البحر الممتد حتى الأفق ... من نوافذ الحافلات و رطوبة السواحل ... من الأغاني و المسلسلات التركية ... من أبواق البواخر و صفارة قطار الأنفاق ...
أستطيع أن أجزم أن اسطنبول عاصمة العشق بامتياز ، فالعشاق في كل زقاق يتغازلون كالعصافير ، و يحتفلون بحرية لذيذة و قبلات مشروعة ... تشعر بالسعادة لمجرد رؤيتهم ... و تستمتع بضحكاتهم البريئة التي تعلق في الذهن و لا يقهرها همّ أو قلق !!

أما عن قسوة العزلة فيمكن القول : هنا أنت لوحدك تماماً !!
كل ما يتعلق بتفاصيل حياتنا الاجتماعية ، خلعناه في المطارات و المرافئ ... و دخلنا عزلتنا بكامل ارادتنا و اختيارنا !!
عن نفسي عانيت في اسطنبول من عزلة فكريةٍ قاسيةٍ جداً ، فالكتب العربية شحيحة جداً هنا .. ولو توفرت فإنها تكون دائماً دون المستوى المطلوب ... كالروايات الرومنسية و روايات الجريمة فقط !!
حتى على مستوى اللغات الأخرى ... فإن تركيا كلها تعاني من ضوابط شديدة على الأدب و التفكير الحر ، و أكبر دليل على ذلك ... مقاطعة العديد من أعمال أورهان باموق (الحائز على جائزة نوبل للآداب) ، بحجة أنه كاتب علماني و لاديني ... كذلك إليف شافاق التي رفعت عليها دعوى ، بحجة التهجم على السيادة الوطنية التركية في روايتها المشهورة (لقيطة اسطنبول) ...

نعود إلى العزلة الاجتماعية التي فرضها علينا واقع اختلاف اللغة و تجمع العرب في أماكن محددة ، جعلتهم ينشؤون مشاريعهم الخاصة و علاقاتهم الخاصة و ينعزلون عن المجتمع التركي ...
كذلك توفر أعمال للعرب بلغتهم العربية أو باللغة الانكليزية (التي يتقنها أغلب العرب) في شركات تركية أو عربية أو عالمية ...
يضاف إلى ذلك طبعاً ، الانغلاق المحكم للمجتمع التركي و عدم رغبته بالانفتاح على العالم ... فأعياده مختلفة (بغض النظر عن الأعياد الاسلامية) ... طريقة تعامله مع الأمور مختلفة و جامدة أحياناً ، لدرجة تشعر فيها أن التغيير قد يعتبر جريمة في تركيا !!
قلة اطّلاعه على المجتمعات الأخرى ولو حتى على الانترنت ... فقد سألني أحد الأتراك يوماً : إن كان لدينا بطيخ أحمر في سوريا !!؟
فأجبته بأن لدينا بطيخاً أحمر و أزرق أيضاً ... فبُهر و قال كلمتهم الشهيرة : هالله هالله !!
كل هذه الأسباب و أسباب أخرى لا تحضرني الآن ، أدت إلى عزلة العرب القاسية في اسطنبول ، رغم جمال و عذوبة هذه المدينة و طيبة قلب سكانها و حبهم لفعل الخير و مساعدة الآخر ...
رغم الحب الدافئ الذي يكسر برودة الشتاء الطويل و يتغلب أحيانا على الحنين المرير إلى أوطاننا المنكوبة !!


MAHER RAZOUK








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في