الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عَبْد الله زَكَريَّا! (صَفحَةٌ مَنْسيَّة مِن كِتَابِ الإِسْلامِ السِّياسِي فِي السُّودَان)

كمال الجزولي

2017 / 5 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


(1)
كان، وما يزال، وربَّما سيظلُّ هنالك، لزمن طويل، رنينٌ آسرٌ لاسم (عبد الله زكريا)، وغموض شديد الخصوصيَّة كلما جاء الحديث على ذكر شخصيَّته، أو تطرَّق لوقائع السِّياسة السُّودانيَّة القريبة، وبالأخص لوقائعها المتَّصلة بليبيا، وبالقذافي الذي لطالما روَّجـت الشَّـائعات أن (كتابـه الأخضـر)، بمـا يحـويه مـن روابط تنظـيريَّة جمَّــة بيـن (الإسـلام) و(الإشـتراكيَّة)، ليس من تأليفه، بل من وضع (عبد الله)، لولا أن نفى الأخير ذلك بنفسه، ضمن الحوار الشَّائق، المتدفِّق، والأحدث معه، والذي نستند إليه، هنا، في ما اجتزأنا منه، اتفقنا أو اختلفنا حوله، حيث استنطقته، مؤخَّراً، الصَّحفيَّة النَّابهة ثناء عابدين، مشيرة إلى أن ضيقاً شديداً كان ينتابها كلما اضطره شاغل ما لقطع استرساله (آخر لحظة؛ 29 ـ 30 أبريل 2017م).
لكن مدعاة الاستغراب، حقَّاً، أن استنطاقات الرَّجل، على أهميَّته، مقارنة بأضرابه، تكاد تُحسب على أصابع اليدين، سواء مسموعة/مرئيَّة أو مقروءة، ولذا فالقليلون جدَّاً من السُّودانيين من يمكنهم أن يفيدوا عنه بأكثر من حفنة كلمات متقاطعة!
وربَّما لم يُتح للكثيرين أن يعلموا، قبل إفصاحاته الأخيرة، أنه من مواليد الفاشر التي درس المرحلة الأوليَّة فيها، والوسطى بالدويم، والثَّانوي بحنتوب التي تعرَّف فيها على رفاق دربه مِمَّن صاروا، لاحقاً، من السِّياسيين الأكثر تأثيراً، ثم درس الجُّغرافيا بجامعة الخرطوم، قبل أن يلتحق بجامعة لندن.

(2)
لـم يكـن لـ (عـبد الله)، الذي يدير الآن مركزاً للدِّراسات الأفريقيَّة بضاحية الرِّياض بالخرطوم، أدنى اهتمام بالسِّياسة حتَّى أواخر الثَّانوي، حيث عرض عليه صديقه بابكر كرَّار، مؤسِّس (الحركة الإسلاميَّة/لاحقاً حركة التَّحرُّر الإسلامي)، الانضمام إليها، وكانت ناشطة من داخل (الجمعيَّة الدِّينيَّة) بحنتوب. لكنه رفض في البداية، لاعتقاده بأنها تنظيم لجماعـة (الأخـوان المسـلمين) الذين ينعتهـم بـ (الرجعيين الاستعماريين)، ولا يرغب في الانتماء إليهم البتَّة، لأنهم يقرنون الاشتراكيَّة بالإلحاد ضربة لازب، بينما يرى هو أنها من صميم الإسلام. غير أن بابكر الذي لمس في طبيعته ميلاً اشتراكيَّاً إسلاميَّاً ثوريَّاً، وقد يكون حتَّى متطرفاً، اجتهد في إقناعه بأن توجُّه الحركة يناسبه، إذ لا علاقة لها بجماعة (الأخوان). وبالفعل، عندما استبان أمرها، انخرط في صفوفها، بل وكُلف، وهو، بعد، في الجَّامعة، بمناقشة عبد البديع صقر وعبد العزيز كامل، (الأخوين) المصريين اللذين جاءا إلى السُّودان، مبعوثين من مكتب إرشاد تنظيم (الأخوان) المصري، وهما يحتقبان طلبين إلى الحركة السُّودانيَّة، أوَّلهما أن تندمج في تنظيم (الأخوان) المصري، وثانيهما أن تعمل لأن يجري التَّصـويت، في الاسـتفتاء الذي كان يُزمـع تنظيمـه آنذاك، لصـالح الوحـدة مع مصـر. فانطلق (عبد الله) يشرح لهما، من صلاة المغرب إلى صلاة الصُّبح، أن الحركة السُّودانيَّة تناهض الاتِّحاد مع مصر الإقطاعيَّة، وأن التنظيم المصري فاشل، ولن ينجح في حكم مصر! فما كان منهما إلا أن أخذا، من فورهما، يُحذِّران الطلاب منه، باعتباره دسيسة شيوعيَّة!
قاد (عبد الله) وبابكـر تيَّاراً يعمـل على الارتفاع بالطـرح السِّياسي الإسلامي إلى مستوى الطرح الثَّوري الاشتراكي، حسب رؤيتهما، والنأي به عن أيديولوجيَّة (الأخوان) الغربيَّة الرَّأسماليَّة البرلمانيَّة الحزبيَّة، الخطرة، برأيهما، على الإسلام، والتي تؤسِّس لتحالف أخواني أوربي أمريكي، بينما الإسلام، من وجهة نظرهما، اشتراكـي، بـل إن نظـامـه الاقتصـادي مـا بعـد ماركسـيٍّ. وعلى حين لم يوضِّـح (عبد الله) سبب تغييرهما اسم الحركة إلى (الجَّماعة الإسلاميَّة)، روى كيف أن بابكر كتب دستورها، وأنهما حملاه إلى اسماعيل العتباني لينشره في (الرأي العام)، فإذا بمانشيت الصَّحيفة، في اليوم التَّالي، يصف (الجَّماعة) بأنها (شيوعيوإسـلام)، فسارت عليها التَّسمية لاحقاً! وبعد (العدوان الثُّلاثي) أعلنا تحالفهما مع عبد الناصر، بينما كان (الأخوان) ضدَّه. أمَّا التَّسـمية الأخيرة لتنظيمهما بـ (الحزب الاشتراكي الإسلامي) فيفسِّرها (عبد الله) بأنَّهما اصطدما، عقب ثورة أكتوبر 1964م، بشرط (وزارة الدَّاخليَّة) أن يحمل اسم التنظيم كلمة (حزب) كي يحصل على تصديق بإصدار صحيفة خاصَّة به، فاضطرا لتغيير الاسم. ثمَّ اطلعا، بعد سنوات من ذلك، على (الكتاب الأخضر)، فقرَّ لديهما أن أفكاره مقتبسة من القرآن الكريم (!) وهكذا عمل هو، بعد وفاة بابكر، على تأسيس (حركـة اللجـان الثَّوريَّة) فـي السُّـودان، فالثَّورة الليبيَّة (ناصريَّة) وهم (ناصريون)، والقذافـي، برأي (عبد الله)، أدخل إضافـة مهمَّة، إذ لم يكتف بتنظيم (الاتِّحاد الاشتراكي) النَّاصري، وإنَّما (طوَّر) نظام (المؤتمرات الشَّعبيَّة)؛ فضلاً عن أن (عبد الله) لم ير فرقاً بين (الجَّماعة الإسلاميَّة) و(الكتاب الأخضر)! وهو، عنده، بمثابة المرشد لتطبيق الاشتراكيَّة التي لم تطبَّق، بزعمه، ولا في الاتِّحاد السُّوفييتي نفسه، لذا يقول إن هذا الكتاب سيبقى صالحاً إلى يوم القيامة (!) وإنه يمثل مستقبل الإنسانيَّة (!) أمَّا تطبيق نظام (المؤتمرات) في السُّودان عام 1992م، فيقـول إنه لم يتوقَّع له النجاح، أو قبول الشَّعب به. ومع ذلك نجح، حسب وصفه، بدرجة كبيرة، لولا تخوُّف التُّرابي، وشعوره بخطره على سلطـته، مِمَّا ألجأه لإرجاع الأحـزاب، وســنِّ قانـون (التَّـوالي). وأمـا الزَّعم بأنه هو كاتب (الكتاب الأخضر) فتلك، في رأيه، (شوفينيَّة سودانيَّة) ربَّما تأتَّت من كونه شرح الكتاب في الصُّحف الليبيَّة، فأمـر القذافي قيادات الدَّولة بقـراءة شرحه.

(3)
ويقول (عبد الله) إن علاقته، كمفكر، بالقذَّافي بدأت عندما تولى مهمَّة نقل (الجَّبهة الوطنيَّة) المعادية لنميري إلى طرابلس، فسافر إليها في ديسمبر 1972م، بينما الخلاف متفاقم بين النِّميري والقذافي بسبب إرسال الأخير طائرات لعيدي أمين أرجعها النِّميري. وفي طرابلس اجـتمع بالقيادة الليبيَّة، فبدأت علاقته الشَّخصيَّة بالقذافي، وانفتحت جميع الأبواب لانتقال (الجَّبهة الوطنيَّة) إلى هناك. ويؤكِّد أن صلته بتلك القيادات ما زالت مستمرَّة، حتَّى بعد تشـتُّتها حـول العـالم إثـر مقـتل القذافي!

(4)
أمَّا عـن انقـلاب 25 مايـو 1969م فيقـول إن نميري كان صديقه منذ (حنتوب الثَّانويَّة). وأنه زاره، بتاريخ 14 ، 15 مايو، في جبيت، حيث خططا للانقلاب، سويَّاً، من الألف إلى الياء، لكنهما حدَّدا تاريخه في ديسمبر (!) لأن انتخابات رئاسة الجُّمهوريَّة التي سيتنافس فيها الأزهري والإمام الهادي كان محدَّداً لها يناير، وكان الاتحاديون يتسـلحون من مصـر، والأنصـار من إثيوبيا، فتجمَّعت نذر حرب أهليَّة!
وأمَّا عن اقتحام (الجَّبهـة الوطـنيَّة) للخرطوم، في 2 يوليو 1976م، بقـوَّات تدرَّبت في ليبيا، لذا أسـماهـم إعـلام النِّميـري (مرتزقـة)، فيؤكـد (عـبد الله) أنَّهم سودانيون أقحاح، وأن غالبيَّتهم مثقفون مدربون، من كوادر الأنصار و(الأخوان)، فمن مصلحة النِّظام تسميتهم (مرتزقة). ولكن كانت هناك أخطاء، إذ كان متفقاً على إجراءات لم تُستوف، وأنه، حتَّى الآن، لا يعـرف سبباً لذلك التَّقصير!

(5)
وبعـد، (عـبد الله زكريا) صفحة مهمَلة، تماماً، في كتاب الإسلام السِّياسي السُّوداني. وبدون استكمالها سيبقى أيُّ درس على هذا الصَّعيد ناقصاً.

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تظاهرات في جامعات أميركية على وقع الحرب في غزة | #مراسلو_سكا


.. طلبوا منه ماء فأحضر لهم طعاما.. غزي يقدم الطعام لصحفيين




.. اختتام اليوم الثاني من محاكمة ترمب بشأن قضية تزوير مستندات م


.. مجلس الشيوخ الأميركي يقر مساعدات بـ95 مليار دولار لإسرائيل و




.. شقيقة زعيم كوريا الشمالية: سنبني قوة عسكرية ساحقة