الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فاضت كؤوسُها فكفّ الشرِّ أو الطوفان

محمد بن زكري

2017 / 5 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


ما حدث هو تفاهم (ما) بين قوتيْ صراع - متعدد القوى و المستويات ، و متداخل حلقات المصالح - من أجل الفوز بأكبر نصيب ممكن من غنائم السلطة و المال ، و كلا القوتين لا تمثلان الإرادة - الجامعة - للشعب الليبي ، و لا تستمدان منه شرعية تمثيله سياسيا أو التعبير عن مصالحه الحقيقية المادية و المعنوية ؛ فهما ليستا غير قوتيْ أمر واقع ، أفرزته و فرضته ظروف انهيار دولة هشة ، نخرها الفساد و أرهقها الاستبداد ، و أجهز عليها عامِلا التدخل العسكري الخارجي و فوضى السلاح المحلية ، و هما : 1) قوة البنية الاجتماعية / الاقتصادية لمجتمع ما قبل نشوء الدولة الحديثة ، أي قوة تأثير التشكيلة القبلية للمجتمع المتخلف ، بعلاقاتها الأبوية البدائية ، التي يقوم على حراسة هيكلها و يتزعمها من يسمونهم بالوجهاء و الأعيان ، و هم طبقة الملاك (ملاك الأرض الفلاحية و قطعان الماشية و راس المال التجاري) ، و يمثلها في لقاء أبوظبي الجنرال خليفة حفتر ، بصفته الرسمية ، المكتسبة من تكليف البرلمان . 2) قوة تقاطع المصالح الاقتصادية ، بين الشركات متعددة الجنسية ، التي تمثلها حكومات الدول الراسمالية الغربية ، و تحميها القوة العسكرية لحلف الناتو ، و بين طبقة الراسمالية الطفيلية - غير المنتجة - و الراسمالية التابعة ، من الكومبرادور (الوكلاء التجاريين للشركات الأجنبية) و مليونيرات السطو على المال العام (أثرياء الفساد المالي و الإداري) و المضاربين بمختلف فئاتهم ، و يمثلها رجل الأعمال فائز السراج ، بصفته الرسمية ، المكتسبة من اتفاق الصخيرات .
أزمة أخلاق
و بصرف النظر عن كل المآخذ و التحفظات المسجلة على الحوار ، من حيث المبدأ و الأطراف و المسار و المخرجات و المحتوى المعيب ديمقراطيا لنص الاتفاق . و بصرف النظر عن الملابسات المحيطة بكيفية تشكيل المجلس الرئاسي ، و علامات الاستفهام - الكبيرة - المثارة حول هوية القوى و ماهية المصالح الحيوية ، الواقعة في أساس الترشيح لعضوية و رئاسة المجلس الرئاسي ؛ فإن الاتفاق السياسي الليبي الموقع في الصخيرات بتاريخ 17 ديسمبر 2015 ، قد بات أمرا واقعا (جملة و تفصيلا) ؛ ملزما لطرفي توقيعه ، بإنفاذ الأحكام المنصوص عليها في بنوده و ملاحقه ، و هو ملزم بنفس القدر للأطراف المنبثقة عنه ، و خاصة بعد اعتماده من قبل البرلمان بتاريخ 25 يناير 2016 ، في جلسة صحيحة الانعقاد كاملة النصاب القانوني .
و من ثم فإنه علاوة على عوامل : تواضع حصيلة الثقافة الديمقراطية ، و عدم كفاية نضج التجربة و الوعي .. عدا لدى القلة من الممارسين و المتخصصين ، و قصور خبرة إدارة شؤون الدولة ، و تأثير الضغوط القبلية ، و تغليب المصالح الشخصية ، و تراجع مفاهيم الوطنية و المسؤولية و النزاهة ، و تدني مستوى الأداء ؛ فإن الطابع العام الغالب على ممارسات البرلمان و المجلس الرئاسي و المجلس الأعلى للدولة ، هو الصدور عن (أزمة أخلاق) مستحكمة ، قادت الحراك السياسي للأطراف ذات العلاقة كافة ، في تعاطيها مع استحقاقات الاتفاق السياسي الليبي :
- مجلس النواب) فقد عمد فريق من أعضاء مجلس النواب إلى تعطيل انعقاد الجلسات ، بل ذهب بهم استحكام أزمة الأخلاق إلى منع انعقادها باستخدام القوة و التهديد باستخدامها ، إخلالا بأبسط مبادئ الديمقراطية النيابية . و عمد فريق آخر من الأعضاء إلى الامتناع عن حضور الجلسات ، و بلغ بهم استحكام أزمة الأخلاق درجة أخذ موقف طفولي ، بمقاطعة جلسات البرلمان إلى أن يُرد لهم اعتبارهم المعنوي .. صونا لكرامتهم الشخصية ، ضاربين بكرامة و اعتبار ستة ملايين مواطن ليبي عرض الشارع . و مضى رئيس مجلس النواب و كتلته النيابية الجهوية - قبلية المرجعية - في المماطلة و عرقلة تعديل الإعلان الدستوري و التصويت على حكومة الوفاق الوطني ، خلافا لمقتضى الاتفاق السياسي ، بغية الدفع بلا شرعية قرارات حكومة الوفاق ، بالرغم من أن مجلس النواب نفسه ، يعتبر منتهي الولاية ، و منعدم الشرعية خارج إطار الاتفاق السياسي .
- مجلس الدولة) و من جانبهم عمد فريق من أعضاء المؤتمر الوطني العام (أغلبية يقودها عبد الرحمن السويحلي) ، مدفوعين بفعل استحكام أزمة الأخلاق ، إلى الالتفاف على الاتفاق السياسي (ملحق 3 / مادة 1) ، و إلغاء اختصاص مجلس النواب ، فيما يخص آلية تعديل الإعلان الدستوري (مادة 65 و الملحق 4) ، وصولا إلى تشكيل المجلس الأعلى للدولة ، و فرض وجوده كأمر واقع ، بالمخالفة لمقتضى نصوص الاتفاق السياسي ، المنشئ له ؛ في حين ذهب فريق آخر من أعضاء المؤتمر الوطني العام (أقلية يقودها رئيس المؤتمر نوري بوسهمين) ، إلى عدم الاعتراف بمشروعية اتفاق الصخيرات أصلا ، بحجة بطلان تمثيل المؤتمر الوطني العام في توقيع الاتفاق السياسي . و تتمثل أزمة الأخلاق هنا في كون المؤتمر جسما منزوع الشرعية الديمقراطية و منتهي الولاية أساسا .
- المجلس الرئاسي) رغم كونه المؤسسة الأشد تنافيا (منشأيّاً) مع شكل و محتوى العملية الديمقراطية ، المبنية على نتائج إحصاء الأصوات في صناديق الاقتراع . و رغم كونه المؤسسة الأكثر افتقادا للشرعية - بكل مفاهيمها - من بين المؤسسات الثلاث ، المنبثقة عن الاتفاق السياسي الليبي (اتفاق الصخيرات) . فإن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق ، ذهب بعيدا في الاستبداد بالسلطة ؛ متجاوزا كل الضوابط المنظمة لعمله (ماد1/ فقرة 3) ، و قافزا فوق كل صلاحياته في ممارسة الاختصاصات المسندة إليه و إلى حكومته (مادة 8 و مادة 9) بموجب اتفاق الصخيرات ، و متجاهلا كونه - أصلا - سلطة تنفيذية ذات طبيعة انتقالية ، تحكمها محدودية فترة الولاية ، فليس لها من ثم حق اتخاذ قرارات مصيرية تمتد آثارها - اقتصاديا و اجتماعيا و سياسيا - لسنين و ربما لأجيال قادمة (بصرف النظر عن عدم نيل حكومته الموافقة البرلمانية) ؛ حتى إن أزمة الأخلاق ، تبلغ من التضخم حد الاستبدادية الفجة ، في الممارسة السياسية للمجلس الرئاسي ، و أقصى درجة من غلو التسلط و التغول السلطوي ، على نحو ما أقدم عليه من قرصنة اختصاصات المؤسسة الوطنية للنفط ، و عدم امتثاله لأحكام القضاء الليبي . و المجلس الرئاسي إنما يفعل كل ذلك - منقلبا على الاتفاق السياسي - سعيا وراء ضمان أكبر نصيب من الثروة (كأفراد و كطبقة راسمالية من الكومبرادور) ، إستقواءً على شركاء السلطة المحليين بالدعم الأجنبي (الدول الغربية صاحبة المصالح) ، و احتماء من غضب الشعب الليبي المُفقَر و المُجوّع و المغلوب على أمره ، بسلاح الميليشيات .
فقدان الشرعية
غنيٌّ عن البيان أنه ما من شرعية لأيٍّ من أطراف الصراع الفوضوي الدموي - و اللاأخلاقي - على السلطة في ليبيا . فمجلس النواب انتهت ولايته اعتبارا من 20 أكتوبر 2015 . كما انتهت فترة تمديده التعسفي لنفسه (بجلسة 5/10/2015) كي يبقى في السلطة ، حتى نهاية أبريل 2016 . على أنه عاد فيما بعد ليعلن - شفهيا - بقاءه في السلطة ، كأمر واقع ، حتى تاريخ انتخاب سلطة تشريعية جديدة ، وفقا للدستور الدائم ! (و ربما كان ذلك تحوطا لفرضية تشكيل مجلس حكم عسكري مؤقت) ، هذا .. بصرف النظر عن مسألة بطلان انتخابه ، و اعتبار وجوده في حكم العدم دستوريا ، وفقا لما قضت به المحكمة العليا بتاريخ 6 نوفمبر 2014 ، في الطعن الدستوري رقم (17 لسنة 61 ق) .
أما المؤتمر الوطني العام ، فقد انتهت ولايته اعتبارا من 7 فبراير 2014 ، و بانعقاد أول جلسة للبرلمان في 4 أغسطس 2014 ، لم تعد للمؤتمر أية صفة تمثيلية نيابية نهائيا ؛ غير أنه فيما يبدو من تطور الأحداث لاحقا ، كان قبل ذلك قد احتاط مبكرا للاحتفاظ بالسلطة ، فصوت - في جلسة بتاريخ 23 ديسمبر2013 - بالتمديد لنفسه في السلطة ، حتى آخر 2014 ؛ و من ثم فقد عمد المؤتمر أولا إلى اختلاق الذرائع الشكلية (الواهية) لعدم نقل مهام السلطة التشريعية إلى مجلس النواب ، الذي أفرزته عملية انتخابية (وُصفت بالنزاهة) ، أشرف عليها المؤتمر الوطني العام نفسه ، بعد أن سن قانونها الانتخابي و شكل لجنتها العليا . و عمد ثانيا إلى الطعن في دستورية انتخاب البرلمان لدى المحكمة العليا (!) ، انتهاءً إلى تدبير عملية (فجر ليبيا) و حرب أغسطس 2014 ، التي أفرخت الأزمة الليبية .. بكل تداعياتها الكارثية . أما المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق ، المنبثق عن اتفاق الصخيرات ، فهو ليس غير ناتج من نواتج الأزمة الليبية المدولة ، التي تدار - كما يدار المجلس الرئاسي - من عواصم الدول الغربية ، بالريموت كونترول .
و عليه فإن كل أطراف الأزمة الليبية ، هي أطراف مغتصبة للسلطة ، بحكم فرض الأمر الواقع ، و تُعتبر أطرافا منتحلة للصفة ، و ليس لها من شرعية ، خارج إطار اتفاق الصخيرات ، حيث إنها تكتسب شرعيتها فقط من الاتفاق السياسي ، وفقا لما نص عليه في المادة 12 بالصيغة التالية : " تستمد كافة المؤسسات المنصوص عليها في الاتفاق السياسي الليبي شرعيتها من الإعلان الدستوري وتعديله الملحق بهذا الاتفاق ، بعد إقراره واعتماده كاملا وتوقيعه ودخوله حيز التنفيذ . وفي حال اقتضى الأمر إجراء تعديل لاحق للإعلان الدستوري يمس الاتفاق أو أحد المؤسسات المنبثقة عنه بشكل مباشر أو غير مباشر ، يلتزم مجلس النواب ومجلس الدولة بالتوافق فيما بينهم على صيغة هذا التعديل على أن يتم إقراره نهائياً ، دون تعديل ، من مجلس النواب وفقاً للآلية الواردة بالإعلان الدستوري " . و هو ما لم يحدث ، نظرا لعدم التزام الأطراف كافة بمقتضى الاتفاق السياسي ، و إخلالهم المتعمد بتنفيذ بنوده ، بدءً من المبادئ الحاكمة ، و انتهاء إلى الملحق رقم 6 بشأن الترتيبات الأمنية .
حفتر و السراج
و من حيث إن لقاء أبوظبي ، الذي حققت به دولة الإمارات ما لم يفلح غيرها في تحقيقه ، بالجمع بين خليفة حفتر و فائز السراج (بصفتيهما) ؛ فما هو إذن وزن الرجلين (أو تجاوزا : الزعيمين !) و موقعهما في سياق مساعي حل أزمة صراعٍ على السلطة ، هو في جانب منه انعكاس لـ (أزمة أخلاق) كما سلفت الإشارة ؟ و هل يمكن للتوافق - بما يعنيه من تقديم التنازلات المتبادلة - بينهما و بصفتيهما ، أن يُلزم بنتائجه طرفيْ اتفاق الصخيرات ، المتمثلين حصراً في مجلس النواب و المؤتمر الوطني العام ؟ و إلى أي حد ستتوفر لتوافق قوتيْ سلطة الأمر الواقع ، فرصةُ نجاحٍ ، لم تتوفر لتنفيذ اتفاق ملزِم لطرفيْ حوار دام أكثر من سنة ، وصولا إلى احتفالية التوقيع عليه في الصخيرات ، برعاية الأمم المتحدة ؟
للإجابة على مثل هذه التساؤلات ، يلزم أولا توفر معلومات كافية حول المواضيع أو القضايا ، التي تناولتها المباحثات ، و النتائج التي خلصت إليها ، و خارطة الطريق المتفق عليها لوضع التفاهمات موضع التنفيذ . و ينبغي ثانيا تقييم الموقف التفاوضي في لقاء أبوظبي ، من خلال قراءة استطلاعية في شخصيتي الرجلين و موقعهما من تطور الأحداث و القوى التي يمثلانها على الأرض . فأما عن القضايا موضوع التباحث و ما تم الانتهاء إليه من (تفاهمات) ، و إذ لوحظ أنه لم يصدر بيان مشترك عن اللقاء ، فكذلك لم يصدر في شأنه بيان (رسمي) باسم السيد المشير قائد عام القوات المسلحة العربية الليبية (كما يدعوه إعلام عملية الكرامة) ، في حين صدر بيان رسمي عن السيد رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني ، أشار إلى التأكيد على عدد من القضايا ، بصيغة إنشائية تتسع لمختلف التأولات و التفاسير ، و لا تقول شيئا محددا ذا بال . أما فيما يخص موقعيْ الشخصيتين من الأزمة الليبية ، و الإمكانات الخاصة التي قد تؤهل صاحبها للتأثير ، و بمنأى عن أي لبس قد يُفهم منه ممالأة هذا أو التحامل على ذاك ؛ فإنه تكفي الإشارة إلى أن (المشير) خليفة حفتر ، ليس شخصا طارئا على مسرح الأحداث ، و أنه صاحب مبادرة و مشروع معلنين (بصرف النظر عن محتواهما) ، و أنه صنع هويته و اختار دوره ، و لم يصنعه أو يأتي به أحد ، و أنه يملك أن يتخذ القرار (و يأمر فيطاع) ، و أنه كصاحب مبادرة و مشروع لاستعادة الدولة من حالة الفوضى ، يحظى بتأييد قاعدة شعبية و اجتماعية واسعة ، و خاصة في الشرق الليبي . فيما نجد أنه قبل اتفاق الصخيرات ، لم يكن اسم السيد فائز السراج معروفا خارج دائرة العلاقات الاجتماعية التقليدية - بطرابلس - و كرجل أعمال . و مع حفظ الاحترام لشخصه كمواطن ليبي ، لم يكن لفائز السراج أي حضور سابق كناشط سياسي أو كمناضل وطني ، قبل أن تأتي به (قدرة قادر) من الظل ، لتنصبه رئيسا للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني ، في منتجع الصخيرات ! على أنه رغم الدعم و التأييد غير المحدودين ، من قبل الدول الغربية الراسمالية الكبرى - بقيادةٍ خلفيةٍ أميركية - لسلطة المجلس الرئاسي و للسراج شخصيا ، فإنه ظل عاجزا عن الفعل ، مشتت الحركة بين ضغوط المصالح الخاصة لثلاث قوى تتناهش غنائم الحرب الفبرائرية ، هي : الميليشيات المسلحة الإسلامية و الجهوية المسيطرة على الأرض ، و الكومبرادور المسيطرون على مفاصل الاقتصاد (التجاري) .. في الداخل ، و حكومات الغرب الراسمالي (ممثلة الكارتلات و التروستات و الشركات العابرة للقوميات) .. من الخارج ؛ الأمر الذي طبع أداءه السياسي بتناقض مطلق مع مصالح الأغلبية الساحقة (المسحوقة) من الشعب الليبي ، وصل إلى درجة الفوضى الاقتصادية و الإفقار المنظم للمواطن الليبي محدود الدخل ، فضلا عن تغوّل الميليشيات على الدولة و السلطة السياسية ، و خروجها عن سيطرة المجلس الرئاسي و حكومته ، حتى إن فائز السراج - باعتباره رئيسا لمجلس رئاسة حكومة الوفاق - لم يكن يوما و لن يكون سوى واجهة و أداة لسلطة الميليشيات و القوى المحلية و الخارجية التي تمثلها الميليشيات على الأرض في العاصمة طرابلس .
بين معطيات الواقع المحلي و تجاذب المصالح الخارجية
لقد بدا لقاء أبوظبي بين حفتر و السراج - و لن يختلف عنه أي لقاء آخر مماثل - و كأنما هو لقاء محادثات بين رئيسيْ دولتين ! ذهب كل منهما إليه ، و هو يملك من الصلاحيات و الإمكانات ، دستوريا و واقعيا أن (يحل و يربط) ، باسم دولته ، و بتفويض من شعبه ! الأمر الذي لا رصيد له في بنك الحقيقة . ففضلا عن أنه ليس لأي شخصين - كائنين من كانا - أن يقررا وحدهما في الأزمة الليبية شديدة التعقيد . فإنه لا حفتر يملك ذلك ؛ سواء (1) بما استقطبه حول مبادرته من تأييد قوى اجتماعية تقليدية ، ذات بعد قبلي ضعيف الارتباط بفكرة الأمة الليبية و الوطن الليبي الموحد و مفهوم المواطنة ، و قوى سياسية ليبرالية التوجه ، لكنها مشدودة - براغماتيا - بحبل سُري إلى ماضٍ جهوي الشكل و المحتوى ، من مخلفات الحرب العالمية الثانية . أم (2) بقيادته لقوات مسلحة مخترقة في بنيتها الهيكلية و في عقيدتها القتالية الوطنية ، من قِبل تشكيلات شبه عسكرية ، تنتمي أيديولوجيا للتيار السلفي المدخلي المتشدد إسلاميا ، لا يختلف في شيء - إلا شكليا - عن باقي الجماعات الإسلامية التكفيرية ، التي لا تقاتل بعقيدة وطنية ، فهي لا تؤمن بفكرة الوطن القومي أصلا ، و تعتبر الديمقراطية بدعة كفرية ، بل تقاتل بمنظور (جهادي) ، مضطرة للقتال تحت قيادة وليّ الأمر (بَرّاً كان أو فاجرا) ، حاملة معها مشروعها الخاص ، بما يتضمنه من أسلمة الدولة - خطوة خطوة - و أسلمة الجيش الوطني النظامي نفسه ، وصولا إلى إقامة دكتاتورية دولة (إمارة) دينية ظلامية ، و انتهاء إلى هدف قيام دولة (الخلافة) الإسلامية ، على أساس مبدأ الحاكمية ، التي يستتب فيها الأمر - لأهل الحق - بإنفاذ أحكام الشريعة ، لتحقيق كلمة الله في الأرض . و ذلك انتكاسا بالتاريخ من القرن الواحد و العشرين إلى القرن السابع ..
و لا السراج يملك أن يكون له موقف حاسم أو رأي مستقل ، في شأن الأزمة الليبية ؛ و ذلك سواء (1) بمعزل عما تمليه عليه إرادة الدولة الموازية ، التي تهيمن عليها الميليشيات (السلطة العليا) ، من خلال إحكام قبضتها التسلطية على العاصمة طرابلس ، بقوة السلاح الخارج عن السيطرة و الخارج عن القانون ، فالميليشيات طرف أساسي في الأزمة ، بكل مراحلها ، و بكل تداعياتها و آثارها . و لقد رأينا مدى التطابق التام بين بيانات كتائب الميليشيات و مجالسها العسكرية و بيانات المجلس الرئاسي ، في استهدافها بالحرب الإعلامية لعملية الكرامة و لحفتر شخصيا ، حتى إن رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني ، لم يتوان - 15 أبريل 2017 - عن توقيع بيان ، أمهره باسمه الثلاثي ، يطلب فيه من المجتمع الدولي " سرعة التدخل لإيقاف المستهترين بأمن البلد (!) و استقراره (!) و سلامة مواطنيه " . و المقصود هو ما حصل من استهداف قوات عملية الكرامة ، لسرايا الدفاع عن بنغازي (المتحصنة بقاعدة تمنهنت) ، التي تعتبرها القيادة العامة للجيش (جماعات إرهابية) ، بينما يعتبرها المجلس الرئاسي (ثوارا و قوة حماية) ، و لقد تأكد مؤخرا و بكل الوضوح ، مدى التطابق التام بين الميليشيات (السلطة العليا) و بين المجلس الرئاسي ، في موقف الرفض - المتشنج - من تصريح المفوض بمهام وزير الخارجية في حكومة الوفاق (9 مايو 2017) ، بأن المشير حفتر هو " قائد عام الجيش و لا غبار على ذلك " . أم (2) بمعزل عن تدخل و إملاءات الدول الغربية ، التي تضع كل ثقلها وراء المجلس الرئاسي ، إلى درجة فرضه على الواقع السياسي الليبي ، حتى بالمخالفة لمقتضى اتفاق الصخيرات ، الذي كان للغرب يد طائلة في صنعه ؛ فالدعم غير المحدود ، الذي توليه حكومات الدول الغربية للمجلس الرئاسي و لحكومة فائز السراج ، ليس مجانيا .. و هو أبعد ما يكون عن الحيادية و النزاهة ، كما أنه ليس تعاطفا مع الشعب الليبي المُفقَر و المُجوَّع . فالغرب الراسمالي ، لم يكن يوما في كل تاريخه ، غير قوة هيمنة و استغلال ، تحركها المصالح الاقتصادية البحتة . و من ثم فلم يكن مفاجئا (كمؤشر) ما قالته المؤسسة الوطنية للنفط ، من أن قرار المجلس الرئاسي رقم 270 لسنة 2017 ، أدى إلى رفض شركة فنترسهال تنفيذ شروط التعاقد التي وافقت عليها في سنة 2010 ، و أن القرار المذكور " قد صيغ ليسمح لشركة فنترسهال بالتهرب من التزاماتها " ، و أن المجلس الرئاسي " انحاز إلى جانب شركة فنترسهال ضد المؤسسة " ، ما نتج عنه فقدان ليبيا ربع مليار دولار شهريا . و لم يكن مفاجئا غداة لقاء أبوظبي ، أن يسارع وزيرا خارجية كل من بريطانيا و إيطاليا ، للقيام بزيارة طرابلس - و قد تخلف وزير خارجية فرنسا لانشغال بلاده بالانتخابات الرئاسية - و في الحين سارعت المفوضة السامية للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوربي فيديريكا موغيريني ، إلى مهاتفة السراج ؛ ليعبروا جميعا عن تجديد الدعم الغربي للمجلس الرئاسي ، حتى إن وزير الخارجية الإيطالي لم يتحرج من القول : " نحن نريد أن نقدم الدعم الكامل والشرعي لحكومة (رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية فائز السراج) ، والتي ندعمها ماديا أيضا " ، و بحسب المكتب الإعلامي لرئيس المجلس الرئاسي ، جدد وزير الخارجية البريطاني " دعم بريطانيا الكامل لرئيس المجلس الرئاسي ولحكومة الوفاق الوطني " . و الغرب بهذا الاندفاع المحموم ، في تجديد و تأكيد تبنيه و دعمه المطلق لاتفاق الصخيرات ، بوصفه الإطار الوحيد لحل الأزمة الليبية سياسيا ، تحت غطاء قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2259 ، فهو إنما يفعل ذلك لأن ليبيا ليست دولة فقيرة كالصومال أو كاليمن ، و تكاليف إعادة إعمار ما دمرته طائرات حلف الناتو و حروب الميليشيات ، تقدر بمئات المليارات .
أفق و احتمالات الخروج من الأزمة
فإلى أي مدي يمكن الخروج سريعا من المستنقع الآسن و الموحل ، الذي تتخبط فيه ليبيا ، منذ ما يربو عن ثلاث سنوات من الصراع - اللا وطني و اللا ديمقراطي و اللا أخلاقي - على السلطة (كوسيلة مضمونة للإثراء السهل و السريع في ظروف التخلف الاجتماعي و تفشي الفساد و الإفلات من العقاب) ؟ . هنا يقدم اتفاق الصخيرات - فيما لو كان قد وضع موضع التنفيذ - آلية للتوافق على تعديله ، حيث ينعقد اختصاص التعديل (توافقيا) لمجلس النواب و المجلس الأعلى للدولة ، دون سواهما ؛ الأمر الذي يتعذر معه الآن - واقعيا و قانونا - الأخذ بمقترح مجموعة القاهرة لتعديل اتفاق الصخيرات ، و إلا لوجب إعادة النظر في كل أبواب و مواد و بنود الاتفاق . فضلا عن استبعاد كتلة المؤتمر الوطني العام الرافضة أساسا لمخرجات اتفاق الصخيرات ، و ما يستتبعه ذلك من احتمالات المواجهة (المسلحة) ، بين القوات و الميليشيات المنضوية تحت عباءة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق و القوات و الميليشيات الداعمة لحكومة الإنقاذ الوطني .
و مع وجوب الإشارة إلى أنه ليس أسوأ - و لا أكثر وقاحة - مما رشح (تسريبا) .. فيما لو صح ذلك ، من تفاهم حفتر و السراج في لقاء أبوظبي ، على إعادة تشكيل المجلس الرئاسي ، محاصصة بين عقيلة صالح و خليفة حفتر و فائز السراج . فإنه لابد من لفت نظر الأطراف كافة ، إلى أن الاتفاق السياسي الليبي ، الموقع يوم 17 ديسمبر 2015 ، في منتجع الصخيرات المغربي ؛ بكل مخرجاته ، و بكل ما نتج عنه ؛ تنتهي كل مفاعيله في 17 ديسمبر من العام الجاري 2017 ، حتى لو صحت النية لدى أطراف الصراع على إخراجه من الثلاجة . فبحلول ذلك التاريخ (17/12/2017) ، تنتهي صلاحية استعمال اتفاق الصخيرات (المجمد) ، و تسقط تماما و نهائيا كل الدعاوى و التبريرات و التخريجات ، التي يتلطى وراءها مغتصبو السلطة ، بقوة فرض الأمر الواقع : (المؤتمر الوطني العام ، و مجلس النواب ، و المجلس الأعلى للدولة ، و حكومات الغويل و الثني و السراج) . و إنه لمن قبيل الاستهتار المخل باستحقاق و شرف تحمل المسؤولية ، كما أنه من قبيل الاستخفاف بالعقول ، ما دعا إليه برلمان طبرق ، من إجراء انتخابات رئاسية و برلمانية (مبكرة !!!) قبل شهر فبراير 2018 ، و ما قيل عن اتفاق حفتر و السراج ، على عقد انتخابات رئاسية و برلمانية في شهر مارس من العام 2018 ؛ ذلك أنه فضلا عن انتهاء (صلاحية) الاتفاق السياسي اعتبارا من 17 ديسمبر 2017 ، و مع ضلوع جميع الأطراف - ذات العلاقة - في إبطال استحقاقات تنفيذ الاتفاق السياسي ، بمختلف الذرائع و التحايلات ، على مدى ثلاثة أرباع مدة سريانه . فإنه من العبث و إضاعة الوقت و الجهد و الفرص الجادة لحل الأزمة ، أن يهرب الأفرقاء إلى الأمام ، فيحاولون بعث اتفاق الصخيرات الميت من العدم ، و تفعيله خلال ربع المدة المتبقي من عمره الافتراضي / القانوني ، المحدد بسنتين كحد أقصى .
و إن الحقيقة التي لا سبيل إلى تجاهلها أو محاولة القفز من فوقها ، هي أن اتفاق الصخيرات - المعيب - لم يعد قائما ، منذ أن عطله البرلمان ، و مِن ثم تحايل عليه المجلس الأعلى للدولة ، و وضعه المجلس الرئاسي على الرف (حتى لا أقول في سلة المهملات) . و لأن الاتفاق السياسي المسطر على الورق ، قد تجاوزه الواقع السياسي القائم على الأرض . و لأنه ليس لأي طرف من أطراف تنازع الشرعية (المنعدمة) و الصراع (الدامي) على السلطة ، الممثَّلة سياسيا في حكومات الأمر الواقع الثلاث ، أن يحسم النتيجة لصالحه . و لأن الأوضاع المعيشية لأغلبية الشعب الليبي ، قد تدهورت إلى ما تحت مسـتوى خط الفقر المعياري ، جراء الصراع الدائر (بالأصالة و بالوكالة) بين أطراف الأزمة ، و لم تعد لدى الناس طاقة إضافية لتحمل مزيد من مآسي الفاقة و الجوع و فقدان الكرامة و انحسار الأمل بالخلاص .. و قد نفذ صبرهم على سفه حكام ليبيا الجدد ؛ فإن لم يعد ثمة فائض من الوقت ، قبل مواجهة الواقع بشجاعة كما هو ، و الاعتراف بأن اتفاق الصخيرات قد طواه الزمن . و من ثم يبرز خيار الذهاب فورا إلى إجماع كل أطراف الأزمة ، على ضرورة تجاوز كل الخلافات و الأحقاد (التي يغذيها قِصر النظر و تحكم الأهواء و الارتهان لمختلف الأجندات) ، وذلك بأن يبادر كل من : مجلس النواب ، و المجلس الأعلى للدولة ، و ما تبقى من المؤتمر الوطني العام ، إلى تحكيم العقل ، و تغليب المصلحة العليا للوطن ، و فك الارتباط مع كل الأطراف الخارجية ؛ للالتقاء على حل عاجل (ليبي / ليبي .. محض) للخروج من الأزمة . لكن ذلك يتطلب قدرا كبيرا من شجاعة الاعتراف بالأخطاء ، و درجة عليا من الوطنية و الشعور بالمسؤولية التاريخية ، و لا يقوى عليه إلا رجال المواقف الصعبة ..
و بافتراض توفر الحد الأدنى من هذه الاشتراطات ، و ضمانا لـ (نزاهة) الانتقال إلى بداية جديدة سليمة ، لمشروع بناء الدولة الليبية ؛ دولةً للديمقراطية ، و المساواة ، و العدالة الاجتماعية / الاقتصادية (عدالة توزيع ثروة المجتمع بين أبنائه الأفراد) ، و تكافؤ الفرص ، و ضمان الحقوق المدنية على قاعدة المواطَنة ، و حرية الرأي و التعبير و الضمير . فلعل النقاط التالي طرحها ، تجد قبولا (لدى الأطراف كافة) للبناء عليها ، من أجل حل توافقي للخروج من الأزمة ، و هي بالترتيب :
1) تجاوز اتفاق الصخيرات ، و الذهاب إلى انتخابات عامة (متزامنة) ، لإنتاج مجلس نواب و رئيس للدولة .
2) عدم الترشح للانتخابات البرلمانية أو الرئاسية ، و عدم الترشيح لشغل أي منصب وزاري ، مرة واحدة ، و لمدة أول فترة برلمانية و رئاسية (4 سنوات) قادمة . و ذلك لكل من : أعضاء البرلمان ، و أعضاء المجلس الأعلى للدولة ، و أعضاء المؤتمر الوطني العام المعارضين لاتفاق الصخيرات ، و أعضاء المجلس الرئاسي ، و أعضاء حكومات الغويل و الثني و السراج . (و هذا شرط أساسي ، برسم النزاهة ، غير قابل للالتفاف عليه) .
3) يبقى الوضع على ما هو عليه مؤقتا ، و تستمر كل سلطات الأمر الواقع الحالية : (المؤتمر ، و البرلمان ، و الأعلى ، و الرئاسي) ، إلى حين إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية و الرئاسية .
4) يتم تشكيل حكومة (تصريف أعمال) ، من بين وزراء حكومات الأمر الواقع الثلاث الحالية ، يُرشح أعضاؤها لمهامهم من قِبل رؤساء حكومات الإنقاذ و المؤقتة و الوفاق ، بمعيار كفاءة الأداء ، و تكون برئيس و نائبين للرئيس ، على أساس التوافق أو التناوب النصف شهري بين الثني و الغويل و السراج (رؤساء الحكومات الحالية) .
5) تكون مهمة حكومة تصريف الأعمال ، الإشراف على إجراء انتخابات برلمانية و رئاسية ، استرشادا بالمبادئ الحاكمة في الإعلان الدستوري . على أن تنظم الانتخابات و تعلن نتائجها النهائية قبل منتصف شهر نوفمبر 2017 .
6) يصار إلى نقل كل الصلاحيات التشريعية و التنفيذية إلى مجلس النواب و الرئيس المنتخبيْن ، خلال موعد أقصاه نهاية شهر نوفمبر 2017 ، و تسلم حكومة تصريف الأعمال مهام الإدارة التنفيذية إلى مجلس وزراء (قد يكون مؤقتا) ، يتعين تشكيله قبل منتصف ديسمبر 2017 .
7) يتم خلال الربع الأول من سنة 2018 ، تنظيم نقاش عام واسع ، يشارك فيه كل أطياف الشعب الليبي ، لإعادة صياغة مشروع الدستور الجديد (مادة .. مادة) ، بما يلبي و يضمن أفضل شروط التعبير عن الحقوق الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية و المدنية ، العامة و الخاصة ، للجماعات و الأفراد ، في القرن الواحد و العشرين . (انتهت نقاط الاقتراح) .
فهل هذا مستحيل يا حكام ليبيا الجدد ؟ أم أن مصالحكم الشخصية ، و أهواءكم الأنانية ، و ما تعودتم عليه (مما ليس لكم حق التمتع به دون سائر الليبيين) من رفاه العيش ، و الرواتب الخيالية و الامتيازات الخاصة - فضلا عما قررتموه لأنفسكم من معاشات تقاعدية فاحشة - ستَحُول دون قبولكم بهذا المقترَح ، للخروج بالوطن و الشعب من الأزمة المركبة ، التي تعصف بالشعب و الوطن ، من جرّاء صراعكم على السلطة ؟ و مهما يكون من أمركم ، فإنه لم يبق أمامكم من الوقت غير أشهر معدودات ، تكفي لإنقاذ البلاد و العباد و إنقاذ أنفسكم ، أما بعدها فلا يبقى سوى خيارين اثنين : فإما أن يتوحد الجيش تحت عقيدة عسكرية وطنية ، لا ولاء فيها لغير الوطن ، ليتحرك تلبية لنداءات الشعب المتكررة ، فيضعكم جميعا بذمة النيابة العامة و القضاء ، و إلا فإنه الطوفان الجارف الذي يمتد و لا يرتد : ثورة شعبية حقيقية (ليست كهذه التي ركبتم ظهرها) ، ثورة الجياع و المحرومين الستة ملايين ، ثورة الشعب الليبي المنكوب .. التي ستنطلق ساحقة ماحقة ، مدججة بالعنف الثوري و الحقد المقدس ، و التي ستفرز قياداتها الوطنية الواعية .. لتصحيح مسار حركة التاريخ فوق هذه الأرض ، التي نذكّركم أنّ اسمها ليبيا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احمد النشيط يصرح عن ا?ول راتب حصل عليه ????


.. تطور لافت.. الجيش الأوكراني يعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسي




.. أهم ردود الفعل الدولية حول -الرد الإسرائيلي- على الهجوم الإي


.. -حسبنا الله في كل من خذلنا-.. نازح فلسطين يقول إن الاحتلال ت




.. بالخريطة التفاعلية.. كل ما تريد معرفته عن قصف أصفهان وما حدث