الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخطاب (2) في قصيدة -جواب- جميل دويكات

رائد الحواري

2017 / 5 / 14
الادب والفن


الخطاب (2) في قصيدة
"جواب"
جميل دويكات
يكمل الشاعر قصته مع الام التي شاهدها تصارع الزمن وجذع الزيتون، فيرد على ما جاء في رسالتها الحانية بادئا بقوله:
"إلك يمه... تحن روحي
حديثك ملح إجروحي
حديثك هب على قلبي
مسك... عنبر بها روحي
حديثك والله رجعني
إل طفولة وصحبه ومحبه
تغذى الروح... من روحي"
يستخدم الأبن عين طريقة خطاب الأم، فيبدأه "إلك يمه" فهي مخصص لها، فهي من ازال من أمامه الغباش، وكشف له الحقيقة، حقيقة ضياعه العاطفي، لهذا قال "ملح إجروحي" لكنه أيضا فتح أمامه العالم الجميل الذي فقده في الغربة، والذي نجده في هذه الالفاظ "هب، مسك، عنبر، روحي، رجعني، الطفولة، صحبه، محبه، تغذي" كل هذه الالفاظ تؤكد الأثر الكبير الذي تركه خطاب الأم على الأبن، فقد تغيرت مفاهيمه للواقع، بحيث انعكست في كلامه، فالرسالة حولت التعب/ الشقا/ الغربة/ الضياع إلى راحة وفرح وسكينة وحب، فالأثر كان مزدوج، التخلص من الألم وفتح الفرح والسعادة،، كل هذا العطاء جاء عن طريق رسالة الأم/، بما بالنا أن كانت حاضرة بجسدها وروحها؟.
بعد هذه النقلة النوعية في مشاعر الإبن، يأخذ يحدثنا/ عما ترك فيه المكتوب فيقول:
"وصل مكتوبك الغالي
إل تركني أحكي مع حالي
أبوي... وربعي.. وإخوالي
بقوا ذكرى..؟!
إترفرف في السنة مرة؟!
تذوبها إهموم الغربة وإشغالي
مثل حصان ع الطرحة
مدار اليوم طوالي
بدور أيمين وإشمالي"
وكأنه بهذا الحديث يبرر لأمه الخلل الذي حدث، فهو يستخدم لغة المسكين/ الضعيف الذي يتعب ويتألم في الغربة لكي يستجذب عاطفتها، فهي بطبيعتها حنونة، فهو يتحدث بالعقل الباطن، لهذا نجده يستخدم لغة العاطفة التي تفهمها وتتعامل بها الأم.
بعد أن يستملها عاطفيا، ويتأكد أنها اصبحت في صفه، وتفهمت موقفه/ حالته الصعبة التي يعيشها في الغربة، يأخذ في مراضاتها وتطييب خاطرها، مهدئا لها ومؤكدا على أنا ما زال يحن لها ولأهله وللمكان فيقول:
"أنا ما نسيت يا يمه
ومين ينسى هداة البال؟!
وبدلها بعصا الترحال؟!
معاذ الله ... يا يمه
أنا ما إنسيت ميتكم وفيتكم
ونومه عا بيادركم
ولا إنسيتك أيا خيه
ولا جدي ولا بيي
ولا زغلل فظا عيني مصاري من حواليه
هذا التذكير بالمكان، الميه والفيه والبيدر، والناس الأخ والأب والجد، يرضي الأم ويجعلها ترتاح، فعندما بدأ حديثه عن المكان قبل الإنسان أريد به أن يؤكد لها أن مكان الغربة لا يمكن له أن يأخذه/ يبعده عن ماضيه، فهناك الفيه وهنا الحر، وهناك الميه وهنا الظمأ.
ينقلنا الشاعر إلى حديث يجمع فيه بين تعب وهموم الحاضر وفرح وسعادة الماضي، فهو يخاطب الأم وايضا يخاطب نفسه، وكأنه يريد أن يقنع نفسه بأن هناك خلل حدث في مسار حياته، فكيف استبدل الهناء الشقاء، والسعادة بالتعب/ فيقول:
"ولكني بعد زوجة عمر وولاد
وكل شي زاد
همومي إتظاعفات ... تزداد
وصاروا لي بأرظ غربة ...مثل لوتاد
نعم يمه
أنا ما نسيت طابونك
وكراديش الرظا من فوق رظف الواد
ولا معناتنا السمرا ... إل بعد هجرا
فقدت الأهل والأحباب
ولا بنسى خلالينا إللي بعرفها وطن معمور
هي القبلة .. العهد ..ل كتاب
وإلها لا سبيل راجع
بعد ما يكبروا الاولاد"
وهنا يكتشف الأبن الخطأ الذي ويقع فيه، خطأه بحق ذاته قبل أن يكون بحق أمه، بحق أسرته وأولاده قبل أن يكون بحق الكان، الوطن، لهذا نجده يستفيق من السكرة/ الغفوة، ويصحو من جديد، ويريد أن يصحح ما وقع فيه من أخطاء فيقرر:
"عهد يمه ... بعد برهة
أنا راجع .. لديرتنا
تعمرها ... وابنيها
وأسكن في علاليها
وظفرها إبحرخظرة
وأرتع في مغانيها
وشجرها بظلع صدري
وعمر في روابيها"
التقدم من جديد نحو الوطن، المكان، أقرن بالتعمير والحياة الجديدة النضرة، واقرنت العودة بالعمل والبناء، فهي عودة عمل وبناء وليست عودة نوم وخمول.
ولا بد أن نتوقف هنا قليلا، لنتحدث عن علاقة القصيدة بالواقع الفلسطيني بعد "أوسلو" والذي فتح الوطن/ المكان أمام العديد من الأبناء للتقدم من الوطن، لكنهم لم يأتوا/يتقدموا للبناء والتعمير بل للراحة والهناء، لهذا كان ما كان، لهذا نقول بأن الشاعر دائما يسبق عصره، وقرع الخزان قبل الآخرين، فالشاعر في العقل الباطن من خلال هذه القصيدة أراد أن يعري واقعنا وما اقدمنا عليه من انتهاك للوطن بعد "أوسلو" فنحن لم نَعُدْ لنعمل، بل لننام ونهنا، لهذا كانت عودتنا بائسة، وحل كل هذا الخراب في الوطن وفينا.

كتأكيد على هذه الربط بين العودة بعد "أوسلو" وبين عودة الأبن نجد هذه الخاتمة للقصيدة والتي جاء فيها:
"عهد يمه من بكرة
كرم زيتونا الغربي إللي صار أوتاد
ل عد له هيبته ثاني
بعد ما نطرد الاوغاد
وجدلك خلالينا إبشجر وإنخيل من بغداد
نعم يمه
لحطك في جفن عيني مع الكحلة المرواد
أنا والزوجة والأولاد
لحطك في جفن عيني مع الكحلة المرواد"
فالرمز في "كرم زيتونا الغربي" والذي يعني الشق الغربي من فلسطين واضح، ونجد هذا الرمز أيضا من خلال "وإنخيل من بغداد" فالفلسطيني كان يعلق الآمال على العراق كقوة عربية مؤثرة لتخليصه من الاحتلال.
نذكر بأن هذه القصيدة "الرسالة والجواب" كتبت قبل عام 2007، أي قبل الطوفان العربي الذي أحرق الأخضر واليابس قد حدث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في