الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخطاب الطائفي.. من القمقم إلى العلن

طيب تيزيني

2017 / 5 / 15
مواضيع وابحاث سياسية



دخل الخطاب الطائفي مرحلة جديدة من ظهوره وعلنيته وإصراره فيما يتصل بسوريا، ناهيك عن العراق. يحدث ذلك اليوم مع إشهار ذلك الخطاب علناً وبوضوح حاسم، معلناً دخول العالم العربي، في بعض أقطاره في مرحلة التقسيم مجدداً، بعد أن كان ظهر في القرن التاسع عشر ملغماً بأحد تجلياته الشهيرة والممثل بمشروع سايكس بيكو، وهذا ما يجعل الأمر يبدو كأنه استعادة جديدة للمشروع الاستعماري الغربي. وبطبيعة الحال، سوف يترتب علينا والحال كذلك محو المشروع العربي النهضوي التوحيدي من ذاكرتنا التاريخية من طرف، والوصول أخيراً إلى الهدف الطائفي والتقسيمي الذي كان قد راح يظهر على مدى قرن من الزمن بمثابته مشروعاً استعمارياً زائفاً ومستحيلاً في الأفق التاريخي.

فمع استمرار الأزمة الخطيرة السورية، واتساع دائرة الصراع الهمجي في بلدان عربية، وظهور أحوال الدمار والجوع والتهجير والموت الفاحش فيها، راحت ملامح جديدة من «موت قادم قريب» للوطن العربي تحت وقع السلاح، وظهور الاستبداد والفساد، مع ذلك كله راح البعض في الغرب يبشر بوصول الدائرة العربية إلى نهايتها الوجودية التاريخية، ومن ثم في صلب هذه الحال الشنيعة راح البعض يبشر ببلوغ التاريخ العربي ما يقترب من نهايته.

أما ما يتصل بسوريا فقد راح الأمر يظهر، وكأن تلك التحولات الداخلية والخارجية العالمية العولمية، «خيانة» للتاريخ والحضارة ومشاريع النهوض، ذلك لأن الأمر راح يبدو كأنه خارج المعقول أن يحدث لسوريا إياها - ومعها بلدان عربية أخرى - ذلك الخرق التاريخي، حين يأتي من يأتي ليقول: إن مهمتنا - ونحن نمثل مليشيا العصائب العراقية الشيعية - تكمن في السيطرة على العراق وسوريا. إنها نزعة خارجة عن العلاقات الطبيعية بين الدول والشعوب، ناهيك عن أن الحديث هنا يتعلق بدول عربية أولاً، وعن علاقات جوار متاخمة لبعضها ثانياً، وعن دول تختلف في الطوائف الدينية، بقدر أو بآخر ثالثاً، ونضيف إلى ذلك أن هذا يحدث في مرحلة أصبح «داعش» فيها مهيئاً لتقلد مقاليد الحكم. والأمر يستفحل ويأخذ طابعاً إجرامياً، بالمقاييس الدولية، حين يتصل بظاهرة أخرى لجأ إليها الاستعماريون ودعاة الأصول الأثنولوجية والطائفية، فتعبر عن نفسها في الجريمة العظمى، التي تفصح عن نفسها في إرغام طائفة أو طوائف دينية على الهجرة القسرية من وطنهم، الذي يعيشون فيه، إلى مناطق أخرى ذوات هويات طائفية دينية أخرى في بلد أو آخر، معبرين بذلك عن مطامع طائفية استعمارية. وقد حدث شيء من ذلك في التاريخ الحديث بين تيارات عرقية مختلفة، واستمر ذلك حتى أوقات ليست بعيدة، مع تأسيس نزعات استعمارية طائفية من الشرق والغرب.

ما يحدث الآن في قسم من العالم العربي المنكوب، أشبه بحالة جديدة من التأكيد على الطائفية، بصور فاضحة، وعلى نحو يقف جنباً إلى جنب مع النزعة الاستعمارية والطائفية الشيعية الإيرانية. في هذا المجال اذكر ما صرح به السيد نصرالله، حين وقف أمام التلفاز، ليعلن بوضوح فاضح مؤسف: لقد دخلنا إلى سوريا بصفة محاربين، لندافع عن مقداستنا فيها، وقد كان لي رد على السيد حسن، أيضاً من على التلفاز، لقد ساءلته: مَن دافع عن هذه المقدسات في سوريا طوال ألف وأربعة عام، أي منذ أوائل الإسلام؟ أليس هؤلاء السوريين؟ وهل حدث ما يدعو إلى الإساءة والأسى لذلك؟

ما كنت أتوقع ذلك من نصر الله، وللأسف أن هذا الذي حدث يعبر عن واقعة رثة في بنيتها الفكرية، غالباً ما استخدمت بغير حق من قِبل دعاة الطائفية والعنصرية. إن الإمساك بسهم الطائفية في الحقل الإسلامي يمثل رهاناً خاسراً، خصوصاً أن نصر الله يعرف سوريا والسوريين في احترامهم العميق والمبدئي لعقائد الشعوب وتراثاتها الدينية، ويعرف أن الصراع الطائفي يُفضي إلى الانتحار الذاتي، كما يُعيق آفاق التقدم لدى الشعوب، كل الشعوب، ومنها الشعب الإيراني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE