الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفلسفة في درس التربية الإسلامية

أحمد عصيد

2017 / 5 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لأول مرة في تاريخ المدرسة العمومية المغربية، نجد مقررا دراسيا يطعن علنيا وبشكل مباشر في مادة دراسية أخرى مقررة في النظام التربوي الوطني، حيث عمد مؤلفو كتاب "منار التربية الإسلامية" للسنة الأولى للتعليم الثانوي التأهيلي، إلى تعمد المساس بمادة الفلسفة بأسلوب لا تربوي، بل ولا أخلاقي أيضا، بالنظر إلى الطريقة التحايلية التي تم بها زرع نصوص من عصور الانحطاط والتخلف، في بنية الدرس، دون أي مبرر بيداغوجي معقول.
نعود إلى الموضوع بعد أن سمعنا رئيس الحكومة السابق يقحم نفسه بشكل مخالف لمنطق الدولة وفلسفة المدرسة الحديثة، حيث قام بعنجهيته المعروفة بمساءلة رئيس الحكومة الحالي عن قرار وزارة التربية الوطنية القاضي بالتراجع عن تلك المضامين المسيئة للفلسفة، نزولا عند رغبة أساتذتها، فرئيس الحكومة السابق الذي يبدو مصرا على أن يجعل الناس يتحدثون عنه ـ لأنه يخشى النسيان ـ لا يبدو متحمسا لإنصاف هذه المادة التي عانت على مدى عقود من ظلم السلطة وظلم المجتمع، حيث اعتبر القرار ”بمثابة لعب بالنار في قطاع حساس فيه الآلاف من الأساتذة، ويضم ما لا يقل عن سبعة ملايين تلميذ، ناهيك عن أسر هؤلاء التلاميذ”. وهذا معناه أن كل هؤلاء الذين يتحدث عنهم الرئيس السابق ، يريدون أن تكون أم العلوم هي "أس السفه والانحلال، ومادة الحيرة والضلال، ومثار الزيغ والزندقة "، وهذا ضرب من الهذيان لا يمكن قبوله.
إن المواد التي تطعن في التفكير العقلاني العلمي والفلسفي بشكل أقرب إلى الجهل منه إلى العلم، مع نسبة تلك الآراء الغريبة إلى "علماء " مسلمين حتى تحظى بثقة التلاميذ وتقع منهم موقع القبول والتسليم، وإنّ وضع النص الغريب المشار إليه في نشاط تعلمي يحمل عنوان: "أحصل وأكتسب"، وهو نشاط يتعلق بما ينبغي أن يبقى في ذهن التلميذ كمكتسب تربوي، إن هذا كله إنما يعبر عن نفس انتقامي عُرف به فقهاء التشدّد ضدّ نسق العلوم العقلية، وهو ما كان له أثر بالغ على الحضارة الإسلامية، وأدى، بجانب أسباب أخرى، إلى تخلف المسلمين قرونا طويلة.
لنعد إلى جوهر الموضوع، لماذا سعى أساتذة التربية الدينية إلى إقحام مضامين لا علمية ولا تربوية ضدّ الفلسفة في درس التربية الإسلامية ؟
إن الاختلاف الجوهري بين مادتي الفلسفة والتربية الإسلامية إنما يتمثل في أن التربية الإسلامية تهدف إلى صنع أفراد مؤمنين وأعضاء في "جماعة المسلمين"، أي إلى جعل التلاميذ مؤمنين بالدين الإسلامي مصدقين بنصوصه وممارسين لشعائره، ولهذا يستعمل هذا الدرس أبسط الوسائل التقليدية المعتادة في فضاءات التعليم الديني التقليدي، والتي منها أسلوب "الترهيب والترغيب" وأخبار الغزوات والحروب الأولى ضد "الكفار" و"المشركين"، حيث ينطلق الدرس منذ السنوات الأولى من التعليم الابتدائي بالتمييز بين المؤمن و"الكافر"، كما يتضمن أخبار المعجزات والخوارق التي تستوجب الإيمان والتسليم الروحي لا المناقشة والفحص والتحليل أو النقد.
بينما لا يهدف درس الفلسفة إلى أكثر من دفع التلميذ إلى التفكير وطرح الأسئلة حول وجوده ومحيطه وقضايا مجتمعه وواقعه الإنساني، إنه لا يقدّم أية أجوبة جاهزة أو أية وصفة مسبقة، وعندما يقدم مواقف وآراء الفلاسفة فإنما يقدمها في إطار نسبي على أنها مواقف مختلفة حسب الرأي والمذهب والاتجاه الفلسفي، وليست معتقدات نهائية على التلاميذ اعتناقها.
يتضح من هذا التمييز بأنّ درس التربية الإسلامية في حقيقته يخالف أسس وفلسفة المدرسة الحديثة، التي هي محايدة في موضوع المعتقد، حيث يعمل النظام التربوي الحديث على تكوين مواطنين وجعلهم قادرين على الاختيار الحرّ لاتجاههم في الحياة عند بلوغهم سنّ الرشد، وتحمّل مسؤولية اختيارهم، مع إمدادهم خلال ذلك بكل الوسائل التي تؤهلهم للتفكير السليم والعمل والانتاج وخدمة بلدهم في إطار التضامن المواطن مع غيرهم في مجتمع يطبعه الاختلاف والتنوع، وقيم العيش المشترك، كما يقوم على مبدأي الحرية والمساواة بين الجميع، وهو ما يهدف إليه درس الفلسفة الذي يرمي إلى جعل التلميذ يقوم بمهارات القراءة والمقارنة والتحليل والتفكيك والنقد والتركيب، وهي مهارات عقلية تمثل أدوات ناجعة للتفكر السليم على التلميذ أن يتسلح بها ليس لمواجهة الامتحان فقط، بل لمواجهة الحياة كذلك، حتى تكون له شخصية قائمة الذات مستقلة وتتصف بالقدرة على المبادرة.
يفسر هذا الاختلاف بين الدرسين لماذا يتحامل بعض أساتذة التربية الإسلامية على الفلسفة، (وخاصة مؤلفو كتاب "منار التربية الإسلامية" الذي يعد بحق نشازا في هذا المضمار) ولا يستسيغون وجودها في النظام التربوي، أو في أحسن الحالات يطمحون إلى احتوائها وإخراجها من حيادها لجعلها ملحقة بمادتهم، حتى تعمل على تسويق الدين والترويج له والتبشير به عوض دفع التلاميذ إلى التفكير وطرح الأسئلة الدافعة إلى البحث والمحفزة عليه.
لقد كان هدف الدرس المعني كما يبدو من عنوانه "الإيمان والفلسفة" هو دفع التلميذ إلى الاقتناع بأن الفلسفة لا تساعد على ترسيخ الإيمان الديني، وأن المرجع في هذا الإيمان ينبغي أن يكون هو الدين ونصوصه وفقهاؤه، كما لو أن الإيمان صيغة واحدة وقالب وحيد، وفي هذا الإطار وجب التأكيد على ما يلي:
إن قيمة الفلسفة ليست في مدى خدمتها للإيمان أو لدين من الأديان، لأنها مجال مستقل تماما عن العقائد، والمرجع فيه للعقل لا للعواطف الروحية والوجدانية، وحتى إذا أفضت بصاحبها إلى الاعتقاد في وجود قوة ميتافيزيقية وراء الموجودات الطبيعية والكونية (كما هو شأن العديد من الفلاسفة المثاليين) فلن يكون ذلك عن طريق دين من الأديان، ولهذا لا يمكن أن تقوم الفلسفة بالترويج لأية عقيدة كانت، كما ليس من دورها الدعاية للإيديولوجيات السياسية والاجتماعية، بينما تحدد "التربية الإسلامية" وظيفتها المقدسة في إقناع التلاميذ بضرورة الإيمان بالدين الإسلامي تحديدا والاعتقاد بأن نصوصه أحكام من عند الله على البشر تطبيقها على الأرض (مع العلم أن الدولة لا تطبق الكثير جدا من هذه الأحكام التي ارتبطت بسياقات سابقة لم تعد موجودة). ليس هذا فقط بل إنّ الدرس المذكور يسعى بطرق مختلفة إلى إقناع التلاميذ بفساد المعتقدات الأخرى والمذاهب الفكرية والسياسية جميعها لكي يتم تقديم الإسلام كما لو أنه بديل مطلق ومرجعية وحيدة ممكنة، وهذا بصيغة ما تكريس لـ"الفكر الأوحد" بطريقة ماحقة لا تخلو من تعسف، وصناعة للتطرف الذي تزعم الدولة أنها تحاربه، إضافة إلى ما يتم اقترافه خلال ذلك من أخطاء معرفية فادحة لا حصر لها، وخاصة في حق العلوم والنظريات العقلانية.
لهذه الأسباب لم يتوقع أحد أن يجد في يوم ما درسا في كتاب التربية الإسلامية يتحدّث عن الفلسفة، حيث يشبه الأمر إسناد مهمة إقرار حقوق المرأة لسلفيين متشدّدين، أو إسناد تدبير اللغة العربية للجنة من الفرنكوفونيين، أو تكليف قوميين عرب بموضوع الأمازيغية، حيث في مثل هذه الحالات تتغلب روح الانتقام وتصفية الحسابات على روح العمل الأكاديمي الموضوعي، وهذا ما يفسر كيف أورد كتاب "منار التربية الإسلامية" درسا حول الفلسفة يعكس هذا النفس الانتقامي البعيد عن الهاجس التربوي والبيداغوجي، وعن التوجيهات التي أرستها وزارة التربية الوطنية.
غير أنّ مشاكل مقرر "منار التربية الإسلامية" لا تقف عند حدّ التهجم على الفلسفة، بل ارتكب مؤلفو هذا المقرر أخطاء معرفية لا حصر لها، ووقعوا في لخبطة غريبة تنم عن اضطراب في الفكر لا ينبغي أن ينعكس على عقول التلاميذ، ولهذا ارتأينا أن نخصص بعض مقالات أخرى لمضامين هذه الكتب الغريبة عن الأهداف التربوية المسطرة في المرجعيات الرسمية للدولة.
هامش لا بد منه:
بصفتي رئيسا سابقا للجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة، أحيي عاليا جهود الجمعية بكل أعضائها ونضالهم من أجل رفع الحيف عن هذه المادة، كما أحيي الروح التربوية لمدرسي التربية الإسلامية الذين تضامنوا مع أساتذة الفلسفة، وقوفا بجانب الحق وضدّ الغلو والتطرف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الفلسفة نقيض الدين
عبد الله اغونان ( 2017 / 5 / 15 - 21:20 )

الدين وحي في العقائد والعبادات والمعاملات والغيبيات وهو وحي بمانزل على الرسول ولايخضع للعقول الانسانية المختلفة
فلم نعرف الله والرسول والشريعة والغيبيات انطلاقا من عقولنا القاصرة بل من الرسول ومانزل من كتب سماوية وأهمها بالنسبة الينا القران المقدس والحديث النبوي الصحيح وذلك مانسميه التربية الاسلامية - أي تعريف المتعلم المسلم بحقائق دينه من مصادرها
القران المقدس
الحديث النبوي
اجتهاد الفقهاء العدول
القياس
والمصالح المرسلة
وغيرها من القواعد الفقهية والتي نص عليها فقهاءمسلمون ومنهم ابن رشد نفسه في كتابه
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
في القران المقدس منهج البحث في الفكر
الاية 7 من سورة الأنعام
هو الذي أنزل عليك الكتاب منه ايات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ماتشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم يقولون امنا به كل من عند ربنا وما يذكر الا أولو الألباب//صدق الله العظيم
والفلسفة ليست علما بل هي فلسفات تتعدد بتعدد الفلاسفة أنفسهم وجل منطلقاتها وثنية يونانية وعند ابن خلدون في مقدمته / فصل في بطلانها


2 - هذا هو الافتخار بالجهل
CaMARADE SARFATI ( 2017 / 5 / 16 - 11:54 )
من يحارب الفلسفة، ويعتبرها مخالفة لعقيدته إنسان جاهل أو يتعمد نشر الجهل لحاجة في نفسه. فالفلسفة هي قاطرة العلوم وبها يتقدم الفكر الإنساني وباقي العلوم الدقيقة منها والأدبية. إن الفلسفة هي التنظير، وتبتدأ حيث تتوقف التجارب. إذن الفلسفة هي تعتمد على التفكير، والتأمل، وهذا ما يجعل الإنسان إنساناً. أما الفكر الديني فيُبطل نشاط العقل، ويدعوا للإيمان دون تفكير وتمعّن فيما سيؤمن به الإنسان. أ لا يقول أصحاب الفكر الديني أن العقل كصهوة جواد يوصلك إلى باب السلطان، لكن لا يدخل معك عليه؟؟؟ وهذا يعني لتصل إلى حقيقة الإله لا بدك لك أن تتخلى عن التفكير، وتؤمن به من غير أي نشاط للعقل البشري. هذا الفكر المتحجر هو الذي خلق السلفيين، والدواعش، وحاملي الأحزمة الناسفة، وهو الذي يجعل مجتمعاتنا متخلفة.


3 - والدين نقيض المنطق
مدحت محمد بسلاما ( 2017 / 5 / 16 - 11:56 )
يريدون حشو عقولنا وتطويعها وغسلها بهراء التناقضات الواردة في كتب مكدّسة بالهراء والزيف وكل ذلك دفاعا ليس عن دين يحترم الإنسان وكرامته وحريّته بل عن دين يبغون من خلاله استعباد العباد وترويضهم بالتهديد والترغيب والسيف البتّار وثقافة الحقد والغضب والموت. يمنعوننا عن التفكير وممارسة العقلنة والإطلاع على أفكار الفلاسفة خوفا من أن تفجّر في عقولنا نشوة التحرّر والإعتماد على الذات . هل الذي أتى بكتاب -كريم-، هل استوحاه من أفكار
إلهية أو شيطانيّة، وهل من فرق في القرآن بين الله والشيطان أم أنهما وجهان لعملة واحدة؟
افضل التحيّات للكاتب التنويري أحمد عصيد الذي لا يأبى لقوى الشرّ والظلامية ويواصل طريقه لفضح أساليبها الشيطانية وتهديداتها المتواصلة. ولكن الفاصل في النهاية هو العقل والفكر والمنطق وليس عبودية الدين وفساد تربيته. ا ...


4 - اذا أرونا ثمار عقولكم
عبد الله اغونان ( 2017 / 5 / 16 - 13:59 )

يعتدون بالعقل ولايستعملونه في الواقع
بل يجنحون الى الخيال والادعاء والتجريد والتبجح
يهتمون بالمجردات والمثاليات وينعزلون في أبراج وكتب وعلم لاينفع الى درجة أن الفلسفة صارت قرين البعد عن الواقع خطاب المهوسين يعترض الواقعيون على مثل هؤلاء
بلاااااااش فلسفة
أين عقولكم في الطب والصناعة والزراعة والتجارة والاختراع ونتطيم المجتمع
ماذا أفادنا ابن رشد و ابن سينا والفارابي وحتى علماء الكلام من المعتزلة ؟ا
لفقيه واحد يتكلم في الأخلاق والوقف والزكاة خير من المتفلسفين كلهم
كيف أوفق بين أرسطو وأفلاطون
بل كيف أوفق بين ابن رشد الفقيه شارح ناقل خرافات اليونان ؟
المفكرون الاسلامين الغير المستلبين أجمعوا على تفاهة الفلسفة
الامام الغزالي حجة الاسلام الذي قصم ظهرهم بكتابه // تهافت الفلسفة //فكفرهم في ثلاث مسائل وبدعهم في عشرين مسألة
شيخ الاسلام ابن تيمية في كتابه //نقض المنطق
وابن خلدون في مقدمته /فصل في ابطال الفلسفة وذم منتحلها
جل العرب قدماء ومحدثين ليس لهم انتاج فلسفي بل هم شراح وتلاميذ ونقلة من اليونان وحتى من فلاسفة الغرب
نموذج ابن رشد والجابري مجرد نساخ وشراح من النوع الرديئ
انه اللاعقل


5 - القومية الموروثة تسقط خلف الإسلام الأممي الإنساني
حيضر حكيم ( 2017 / 5 / 16 - 15:32 )
تقدمية الإسلام الأممي الإنساني

عبر عنها أغونان بدون ادعاء