الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإصلاح الأجتماعي الحقيقي يبدأ من إصلاح المحرك الديني فيه.

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 5 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في مجتمع مثل المجتمع الإسلامي عام والعربي خاص حيث يطغى الفعل الديني فيه على كافة المحركات المعرفية الفاعلة والمؤثرة والمهينة عليه، لا بد أن نبدأ في عملية هدم وتصحيح مسارات التدين والثورة على هذا الطغيان الأعتباطي فيه، فليس من المعقول أننا نعيش في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين وما زلنا نتصارع على أحداث وقضايا حدث قبل أربعة عشر قرنا، أقول أحداث وتأريخ وشخصيات قدمت ما عندها بمستوى ما كانت تؤمن به وتجسده في واقع محدود ومرهون بثقافة وظرف قيمي حاكم، لو كنت مرجعا دينيا أو رجل دين يملك قرارا مطاعا لأعلنت عن حقيقة هامة وأساسية أمام الناس وبكل وضوح، أن دينكم اليوم ليس دين الله الذي أنزله على نبيه، بل هي تراكمات صراع وتنازع فقهي يعتمد المغالبة والتنافس السلطوي على رقاب المسلمين، وما علينا إلا أن ننتفض وننفض عنها هذا التراكم الفج للوصول إلى المنبع الأول تاركين خلفنا هذا الموروث الثقيل للتاريخ لمحاكمته وإدانته.
الدين اليوم وفي كل الأزمان حقيقية معرفية مؤكدة ولا ننكر ولا نستكر وجودها، كما لا ننكر أن تحول الدين إلى ظاهرة يومية وتفصيلية في حياتنا دون أن يستطيع فعل ذات الأثر الأول الذي نقل مجتمع الجاهلية من حال إلى حال، يعني أننا لم نؤمن به ولم نتقيد بتعاليمه كما نزلت،فكل أنتقادنا الموضوعي لبعض رجالات الدين ومظاهر التدين الزائف لا يعني أبدا أننا نحارب الدين أو نسعى لتجريد الحياة من ركن معنوي أساسي فيه، بل الهدف في كل الحالات تصحيح مسار الدين ليكون أداة لتهذيب العقل وإصلاح مجتمع عاث فيه البعض فسادا وتشويها، فمن لا يغير واقعه وهو يعلم ويقر بحاجة التجديد والتصحيح فهو غير مخلص لنفسه ودينيه ويستلذ بالفساد ويتحجج بأنه غير قادر على مقاومة الشر وهو مأمور بذلك يقر على نفسه بالنفاق والأزدواجية.
أصبح الناس اليوم يخلطون بين الدين كفكر مجرد غايته أصلاح وضع الإنسان والأرتقاء به لإنسانيته التي كرمها الله وجعلها معيارا لصدقية التدين، وبين مواضيع تأريخ المتدينين وفعلهم وإنفعالهم ونتائج ما حدث على الواقع من وقائع وجعلوا كل ذلك بمثابة أستبدال وتماثل على قاعدة (هذا من هذا)، مصيبتنا اليوم كمسلمين متدينين ظاهرا أننا نهتم ونعتني ونقدس بالتواريخ والحوادث والولادات والوفيات والذكريات التأريخية ونزعم أننا نتدين بدين الله، الدين عبرة للأحياء ومنهج للبقاء وليس له علاقة بمن ولد أو مات إلا من زاوية الفهم والإدراك والبحث عن الأسباب والمسببات فقط، بل كل ما يريده الدين منا ولنا أن نصلح حالنا على الطريق الذي يستشرف منه الخير والحق وأن نتعارف كأمم وشعوب وقبائل، ونستعمر الأرض بالخير ونعيش الإصلاح الأجتماعي والفكري والحضاري واقعا وفكرا، لقد نجح الكهنوت مرة أخرى في أن يصرفنا عن الحقيقية الناصعة ليرسلنا إلى وحل الأوهام والتخاريف والخزعبلات ليثبت أنه هو الدين والدين هو ولا شيء سواه ونحن في غفلة معرضون.
أي عقل نمتلك وأي إدراك وفهم هو من يقودنا للتقوقع على واقع مات ومضى محملا بكل ما جاد به حاله، لا يمكننا أبدا إصلاح التاريخ وتغيير معادلاته التي حدثت، ولكن بالتأكيد أننا نملك الفرصة الآن لتغيير الواقع وإصلاح المسارات المعرفية والمحركات الدافعة فيه، وهذا لا يمكن أن يحدث وما زلنا متشبثين بقوة بما كان لا بما يكون، العالم من حولنا يسري بقوة نحو المستقبل ويعيش حالات التجدد والتغيير والتحول وصناعة المستحيل، ونحن على عكس كل سنن التاريخ وقوانين الوجود مصرين على تحكيم تأريخنا وماضينا في وجودنا، هذا الحال شبيه تماما بمن يظن أن الموتى لهم فرصة ثانية للعودة للحياة وأننا ملزمون أن نسلم لهؤلاء المبعثوين من أجداثهم قدرنا وقدرتنا، نحن نضحك على أنفسنا ونضحك على عقولنا إن أمنا بذلك وفعلناه كما نفعله اليوم وأمس.
اليوم نحن نبحث عن خلاصنا ونبحث عن طريق حقيقي يقودنا لنور المستقبل ولكن دون أن نترك بالضرورة ديننا الذي نؤمن به، هذه الإشكالية التي يظن البعض أنها مستحيلة أو على الأقل صعبة جدا، أقول لا مستحيل أمام عقل الإنسان ولا صعب عليه أمر لو عزم على أتخاذ قرار التغيير، المسألة بكل وضوح هي أن نمتلك قليلا من الشجاعة لأن ننقد وننتقد الركيزة الأهم في ثبات وديمومة الحالة، وهي ثقل المؤسسة الدينية المترهلة والعاجزة عن أبتكار الحلول والطرائق العملية للتجديد، علينا مواجهة هذه المؤسسة التقليدية المعششة بقداستها المزعومة وبعزمتها المسطحة في عقولنا، فهم كأي مؤسسة أجتماعية بحاجة للتطور وبحاجة للتجديد وبحاجة لأن تقدم مشروعها الذي ينصر الإنسان لا أن ينصر الإرث التأريخي على حساب المجتمع والدين كي لا تشعر بأنها في موضع الخلل والأهتزاز.
الطريق الوحيد اليوم أمامنا هو مقاومة التخلف ومراجعة قواعد الدين الأصلية وإدراك أن رجل الدين حاله حال بقية البشر ليس معصوما عن الخطأ وليس معصوما عن التحجر والأنانية، رجل الدين ومؤسسته البالية التي لا تؤمن بالإنسان حرا لا تؤمن بالله أصلا وبدينه وترى نفسها أنها الرب الذي منه تستنبط وتستقرأ الأحكام وإاليه وإليها الحكم في تقدير ذلك وتقيمة، هذه المؤسسة وهذا الرجل لا يمكنهم أبدا أن ينجزا ذلك الفتح الذي جاء به الدين يوم كان طازجا طريا إنسانيا من غير واسطة ومن غير مؤسسة، دين الله الذي هو خطاب للعاقل على أن يستزيد تعقلا وتفهما لوجوده، وما الفروض والطقوس والمناسك إلا وسائل تهذيبية تساعد على تنقية الروح والعقل الإنساني لبلوغ مرحلة الإصلاح والتصالح مع أهداف الله من خلقه.
بدون الثورة الأجتماعية التصحيحية لدور الدين في الحياة وكيفية التوفيق بين متطلباته الأساسية ومتطلبات الوجود الحياتية الملحة، لا يمكننا أن ننتقل لعالم المستقبل ونسترد إنسانيتنا المستلبة من عبودية المعبد وخضوعنا التام والتقليدي التسليمي له، الإصلاح الأجتماعي اليوم ضرورة حتمية وشرط أول لعملية التغيير لا بد منها على أي حال، ولا بد من أن نؤمن أن الدين أصلا هو من يدعوننا للإصلاح والفوز والتحول الجذري، وهذا الواقع المنشود عقليا ووجدانيا لا يتم دون أن نتصدى لمسألة الإصلاح الديني، أولا لمسئوليته الخاصة عن حالة التخلف والمراوحة والعجز عن أتخاذ القرار الحاسم بالأنتقال إلى مجتمع الإنسان المؤمن بل إنسان المعبد المقهور والمسلوب إرادته بالفتاوى والأراء الفقهية والعقائدية المتضاربة، وثانيا ليثبت لنفسه أن الإيمان بالدين الحقيقي لا ينافي الإيمان بالمستقبل ودور العقل في قيادة عمليات التجديد والتطوير والتصحيح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز


.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب




.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل


.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت




.. #shorts - Baqarah-53