الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يمكن التفكير بدون اللغة ، الكلمات ؟

رمضان عيسى

2017 / 5 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



منذ الطفولة يتكون وعي الإنسان على أساس الكلمات , اللغة . ذلك لأنه بواسطتها يجري التعبير عن أفكارنا . وفي سياق هذه العملية ينشا تدريجيا شيء ما لا يتميز به غير الإنسان ، ينشأ الوعي البشري ، ان الوعي هو مجموع الرغبات والارادة والمشاعر والأفكار واللغة والتفكير . إن الفكرة وثيقة الصلة والارتباط بالنطق البشري , وفصلْ التفكير عن الكلمات ، عن النطق البشري هو شيء مستحيل . إن وحدة عضوية لا تنفصم عراها تقوم بين اللغة والتفكير . وقد أكد إنجلز أن ظهور النطق المفصل الواضح , قد ساعد على إضطراد التطور للدماغ البشري .
لما كانت الحاجة والعمل هو الذي شكل الإنسان وعلاقاته الاجتماعية , فهو قد هيأ المناخ لخلق مخ الإنسان وإثراء إدراكه . وفي هذا السياق أيضا نشأ الكلام تدريجيا عبر عمليات التحسن والتطور المستمر للحنجرة وأعضاء الفم وفي تزايد القدرة على النطق بأصوات متتابعة ومختلفة الدلالات . وهكذا نشأ الكلام الواضح , أي اللغة كوسيلة لتبادل الأفكار, ووسيلة للتفاهم بين الأفراد , وغلاف مادي للتفكير !!!.
وهذا يعني أنه لا يمكن للوعي أن يكون خارج المجتمع . كما لا يمكن أن يكون خارجه أيضا النطق , اللغة . إن النطق المفصل الواضح , اللغة , تنشأ بوصفها ضرورة , وسيلة لتبادل الأفكار , وسيلة للتعامل بين الناس . في الكلمات فقط تصبح الفكرة واقعية . فطالما هي في رأس الإنسان تكون ميتة , مستحيلة المنال بالنسبة للناس الآخرين .
ولذا أشار ماركس إلى أن اللغة هي الواقع المباشر للفكر .وهذا يعني أنه لا وجود للتفكير بغير الغلاف اللغوي , وحتى عندما لا نعبر عن أفكارنا بصوت مسموع ,أي نفكر فقط في أنفسنا ـ كما يقال ـ نغلف أيضا هذه الأفكار بغلاف من الكلمات , بغلاف لغوي .
وبفضل اللغة لا تتشكل ولا تُصاغ الأفكار فحسب وإنما تنتقل إلى الأفراد الآخرين. وعن طريق الكتابة تنتقل من جيل إلى جيل آخر. وبدون الكلمات لا يمكن التعبير عن الفكر المجرد !!!
كيف ؟ لو طلب شخص أن تُحضر له " كاستا " أو " جردولا " ، فتسأله ما هي هذه ال" كاستا " وما هي هذه ال " جردولا " ؟ فهي كلمات لا تدل على أشياء موجودة في الواقع !!
أما لو طلب منك أحد أو تُحضر له كوباً من الشاي ، أو قلم ، فهذا طبيعي ، فلديك معرفة بهذه الكلمات ومعانيها ومدلولاتها في الواقع !!
من المعروف أن اللغة هي التي تعبر عن الرغبات والعواطف ، وهي أداة التواصل بين الناس الذين لديهم توافق دلالي ، أي هناك توافق بين أفراد المجتمع على ما تدل عليه كل كلمة يتعاملون بها ، وتم هذا عن طريق التسلسل التعليمي من جيل الى جيل .
فلا تصور لعالم آخر دون تكون اللغة ، أي دون وجود انسان يتكلم !!!
لم يوجد إنسان متكامل كما نراه اليوم منذ البداية ، وانما وُجد كائن أقرب الى الوحشية منه الى الانسانية ، وقد بدأ تكون الشكل الانساني مع انتصاب حركي لكائن ، ومع انتصابه الحركي ارتفعت حنجرته وامتدت حباله الصوتية وأصبح لديها القدرة على احداث أصوات متمايزة حسب الأحداث التي يمر بها هذا الكائن أثناء سعيه للحصول على الغذاء ولتلافي مواطن الخطر . وشيئا فشيئا تطور هذا التمايز في الأصوات الى نشوء أصوات منطوقة معبرة عن أحداث ، ومع تمايز الأصوات وتخصصها في التعبير عن انعكاسات لواقع المُعاش ، نشأت اللغة وخزن المفاهيم والتصورات عن الواقع في الدماغ . ومع ظهور اللغة أصبح من الممكن القول أن إنسان قد ظهر على سطح الأرض يتميز عن باقي الكائنات الحية بامتلاكه اللغة . فاللغة هي التي جعلتنا بشرا .
ومع تعدد المجموعات البشرية واختلاف بيئاتها وظروف حياتها وطريقتها في الحصول على الغذاء ، تعددت اللغات والمسميات والتصورات للعالم المحيط ومع تطور عمل الدماغ بدأت تظهر تصورات جزئية أو مشوهة للواقع ومع امتزاج هذه التصورات مع الأحلام ، بدأ التصور لوجود عالم آخر خيالي يوازي عالم الواقع ، وهذا ما أُطلق عليه مملكة السماء ، ومملكة السماء هذه هي قوى خارقة يخافها الانسان ، لهذا عبدها وأرضاها بالطقوس .
= لهذا لا تصور لعالم آخر دون انسان يتصور ، يتكلم مفاهيم ، كلمات ويتواصل مع آخرين . فلو لم يكن انسان لما وجد أي تصور عن ممالك غير الأرض .
فهل يمكن أن نُفكر بمعزل عن الكلمات ، بمعزل عن الدلالات الموجودة في الواقع ؟
كتب الكاتب " خيال بعيد " تحت عنوان : هل تعرف كيف تمارس الفكر بدون لغة وألفاظ ؟
" الفكر بلا لغة .. لأن اللغة والاصطلاحات صارت اكبر عامل للضلال العقلي في زماننا هذا، فيجب عليك ان تتخذ اسلوب ثوري في الفكر ، وهو الفكر بلا لغة اي تفكر في معاني لا في الفاظ، اي ان تقرر المعاني في نفسك أولا ثم تنظر بعدها للألفاظ وتستعمل المناسب منها في الاشارة الى المعاني التي تقررت في ذهنك مسبقا . نعم الفكر بلا لغة عسير على العقل لشدة الارتباط بين المعنى واللفظ وعسر احضار المعاني في النفس بدون ألفاظ ولكن هذا العسر لا يعني استحالة ذلك بل هو ممكن وسوف تزداد قدرتك عليه بالممارسة "
كيف ؟ " بأن تضع العالم الذي ادركته بحسك الظاهر والباطن امام خيالك ثم تبدأ في اشتقاق المعاني المفردة من البداية بحيث تطابق بين هذه المعاني وبين العالم الذي تمثل لك في خيالك وهو العالم الذي سبق ان شاهدته - يقصد تصورته - بحسك الظاهر والباطن " .
ولكي تصبح لديك المقدرة على هذا ، أي ممارسة الفكر بدون لغة ، بدون كلمات ، يضع الكاتب " خيال بعيد " شروطاً لهذا وهي :
" انه (ممنوع بتاتا ادخال لفظ في عقلك بدون ان يكون مطابق للعالم الذي شاهدته بحسك الظاهر او الباطن او مشاهداتك الباطنة او موجود تم اثبات وجوده بالعقل بدون ان يكون مشاهدا لك بالحس، مثل كلمة (الله ) فنحن لم نشاهده بالحس ولكن العقل اثبت وجوده من خلال مفهوم السببية وذلك لأن معنى كلمة (الله ) هو انه (موجود لم يسبق وجوده عدم ) اي موجود قديم وعند فرقة اخرى معناه (موجود لا يتوقف وجوده على وجود غيره ) او ( واجب وجود ) فإحذف كلمة (الله ) من عقلك وانظر للمعنى واسأل نفسك هل في الوجود (موجود لم يسبق وجوده عدم ) او هل في الوجود (موجود لا يتوقف وجوده على وجود غيره ) ؟؟؟ ومهمة العقل وقتها هو ان يثبت وجود موجود بهذه الصفة ثم اطلق بعدها عليه الاسم الذي تحبه !!"
وهذا يعني أن تُخلق مفاهيم خيالية ، ليس لها دلالات واقعية ، ثم تسترسل فيها الى تكوين شواخص وأحداث ، فيتكون لديك عالم آخر ، خيالي لا تربطه مع العالم الواقعي أي صلة ، وهذا ما قام به المتصوفة ومن هاموا في الصحاري ومعتكفي الكهوف والصوامع !! ، ومن هذا العالم نتجت الأديان وملحقاتها وتصوراتها عن عالم علوي ، عالم خوارقي ، لا يمكن تصور أو اكتناه قدراته الخارقة ضمن التفكير البشري ..
ففي بداية تشكل الوعي البشري تداول الانسان الكثير من المسميات عن آلهة ، ومفاهيم عن عالم السماء ودورها في الظواهر الطبيعية الجارية على سطح الأرض ، من فيضانان وزلازل وبراكين وأعاصير وبرق وأمطار ، وزاد في ذلك لدرجة أنه نسب اليها القدرة على التدخل في حياة الانسان على هذه الأرض ، فتصور أنها وراء مولده وموته ومجريات حياته من فقر وغنى ، وفرح وحزن، وأن لها طلبات لا تفارقه من صحوه الى نومه ، من صلوات وطقوس وأدعية وقرابين يجب على الانسان الامتثال لها لكسب رضى الآلهة ، وتحاشي غضبها !!
******************
== وبطرقة أُخرى ، فإن هذا يضعنا أمام حالتين هما : التجريد المطلق ، والتجريد الانعكاسي !!
فالتجريد المطلق هو مفهوم لا يضم ضمن صوره مفاهيم ، مضاميم من الواقع ، أي ليس له دلالة على أشياء جزئية أو كلية ممكن العثور عليها في الواقع الموضوعي !! ويقع ضمن هذا السياق كل المفاهيم التي يتداولها البعض عن عالم علوي – سماوي – تسكنه جموع غفيرة من الكائنات تحمل صفات خارقة في الحركة والقوة والانسيابية ، وأنها غير خاضعة للتطور أو التغير الزماني !!
أما التجريد الانعكاسي فهو عملية عقلية يقوم بها الدماغ مثل الربط والتمييز والتشكيل لكل ما هو موجود في الواقع من أشياء لها تأثير مباشر أو غير مباشر على أعضاء حواسه .
ولما كان لأشياء الواقع القدرة على التأثير على أعضاء الحواس واحداث انطباعات وصور متعددة بتعدد وتنوع موجودات الواقع ومستوى تأثيرها على صفحة الدماغ البشري لهذا نجده يقوم باطلاق المسميات ، الكلمات ، المفاهيم على ما بحوزته من صور وانعكاسات .
فإذا جمعنا في أدمغتنا مفاهيماً ومصطلحات ومسميات ليس لها مدلولات في الواقع ، فإننا نخرج من خانة الواقع ، الى خانة الخيال ، أي الخرافة ، الاسطورة !! والخرافة هي القصة أو الحدث الذي لا يوجد له مُسوغ عقلي ، أي الحدث الذي لا يفترض وجود دلالات واقعية لحدوثه ، أو امكانية وجود واقعي لشواخصه !!
ونتيجة للتجريد المطلق – الغير ممكن عملياً - أو التشويه لمعطيات الواقع ، ينشأ الخوف من المجهول ، فالخوف ينشأ من الشعور بالعجز وافتقاد القدرة على التصدي ، فمن جانب آخر، نسمع أن بعض النّاس يتكلمون عن الخوف من مسمّيات مثل الغول والغولة والعفريت وابليس والأشباح والقتيل والقرين والجن والشّيطان، وأهورا مزدا، وأُولاهيم وعشتار وايزيس وأُزوريس وزيوس والعجل الذّهبي، وتنين انطاكيّة.
كلّ هذه المسمّيات ليس لها في الواقع المادي دلالات ملموسه يمكن أن تؤثّر تأثيرا مباشرا على الجسم الحي.
فـ ” زيوس ” و” بعل ” وأوزوريس ” و ” إيزيس ” و”أولاهيم ” ويهوه و” العفريت والشّبح الذي يطل علينا من القمر، والشّيطان ، كل هذه مفاهيم ندلل بها على تصوّرات، أشياء مختفية عنّا، تكمن خلف كلّ ما نراه في هذا الكون من كواكب ونجوم، وما نراه في الطبيعة من نظام وجمال، وما يواجهنا من أحداث محزنة. ولأنّها مجهولة لدينا، لذا فهي سرّ من الأسرار، لهذا فإنّ وعينا الخيالي يذهب معها إلى الحد الأقصى من التّضخيم والتفخيم، وهذه الضخامة والفخامة تجعلنا في الجانب الآخر نشعر بالصغار والخوف الذي يوحي لنا بعبادتها وتقديم القرابين لها.
وعن مسألة الخوف من المجهول فقد ورد في كتاب تهذيب الحيوان للجاحظ كيف أن الأعراب كانوا يتخيّلون الجن والغيلان “فإذا استوحش الانسان تمثل له الشيء الصّغير في صورة الكبير، وارتاب، وتفرق ذهنه… فرأى مالا يُرى، وسمع ما لا يُسمَع، وتوهّم على الشيء اليسير الحقير، إنّه عظيم جليل. ثمّ جعلوا ما تصوّر لهم من ذلك شعرا تناشدوه، وأحاديث توارثوها فازدادوا بذلك إيمانا ونشأ عليه النّاشئ، وربّي به الطّفل، فصار أحدهم حين يتوسّط الفيافي، وتشتمل عليه الغيطان في الليالي الحنادس (المظلمة) فعند أوّل وحشة وفزعة، وعند صياح بوم ومجاوبة صدى، فقد رأى كلّ باطل وتوهم كل زور… فعند ذلك يقول : رأيت الغيلان ! وكَلمْت السعلاة ! ثم يتجاوز ذلك إلي أن يقول : قتلتها ! ثم يتجاوز ذلك إلى أن يقول : رافقتها ! ثم يتجاوز ذلك إلي أن يقول : تزوجتها ! ( تهذيب الحيوان للجاحظ – مكتبة الأسرة) – ص 230- 231.
ومثل هذه الخيالات نجد لها مساحة واسعة في وعي الناس في المجتمعات الزراعية والصحراوية ، والتي ينحسر فيها التعليم والتعامل مع المفاهيم العلمية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماريشال: هل تريدون أوروبا إسلامية أم أوروبا أوروبية؟


.. بعد عزم أمريكا فرض عقوبات عليها.. غالانت يعلن دعمه لكتيبه ني




.. عضو الكنيست السابق والحاخام المتطرف يهودا غليك يشارك في اقتح


.. فلسطين.. اقتحامات للمسجد لأقصى في عيد الفصح اليهودي




.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال صبيحة عي