الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فقاعات ورم نينوى

حسين محمد العنگود

2017 / 5 / 17
الارهاب, الحرب والسلام


استطاع البغدادي زعيم تنظيم الدولة (داعش) ،ان يقفز بمجتمعات عريضة من الناس الى الوراء نحو اربعة عشر قرنا على الأقل ـــ بواسطة عنف شرس، لم يشهد له التاريخ مثيلا ،معززا قفزته تلك بنصوص عقائدية لاتقبل الجدل او النقاش على الاقل من وجهة نظر اتباعه ـــ من لحظات رخاء طويلة ،الى لحظات تجريب قسوة الحياة والتنفيذ الاعمى للطقوس !فهل تستطيع السلطة في العراق اعادة الناس بقفزة واحدة الى القرن الواحد والعشرين ،او عهود الرخاء المعاصرة، باقل التكاليف الممكنه ،واعني بالتكاليف ،الانفس والدماء والاعتبارات الانسانية الاخرى،.لااظن ذلك ،فالبغدادي نفذ ارادته التي يزعم انها جاءت عبر نداء من (السماء )،مكبدا البلاد والعباد تكاليف كثيرة، فيما لايختلف الامر ابدا عن النمط الذي تنتهجه بعض الفصائل السياسية والعسكرية في العراق لاعادة الناس الى الحياة او حضيرتها ،من حيث الاعتقاد بالنداء( السماوي) الموجّه، فكلاهما، الارهاب وتلك الفاصائل المقصودة، يسعيان وفقا لدوافع عقائدية لتحقيق مآربهما المعلنة ،وان كانت هذه المآرب مضمرة لدى الفصائل السياسية والعسكرية العراقية تحديدا
عندما نقول ، بعض الفصائل السياسية والعسكرية العراقية ،نعني بذلك كل القوى المعلنة والخفية التي تبسط نفوذها على القرار الامني في العراق ،والتي دفعت البلد الى محرقة بدات توزع سعيرها في جميع الاتجاهات ،دون اي أشارة تعد بانطفائها قريبا،وعندما نقول ،بعض الفصائل السياسية والعسكرية تحديدا فهذا يعني اننا ننوي فصل المخلصين عن الاشرار ،اذ لايمكننا ابدا انكار التضحيات الجسيمة للشرفاء من ابنائنا في القوات المسلحة بكافة اصنافها.وعندما (مرة ثالثة) نؤكد دائما على الاشارة الى مواضع الخطر فهذا لايعني اننا نرغب بالجلوس في الضفة الاخرى بقدر مايعني قلقنا الستراتيجي من الانشغال بوصف التوحش واهمال اللذين يدفعون الناس بشكل يومي باتجاه منطقة التوحش هذه مخلفين لنا كوارث مخيفة يعدنا بها المستقبل القريب،ذلك اننا ايها الناس ،نعوم جميعا في بركة آسنة اسمها اعادة تدوير الازمات دون اشارة واحدة تدل على اننا نرغب بالنجاة! فهل تريد الدولة فعلا انهاء هذه الازمة ام ان هناك شيئا لاندركه فعلا.هل نحن جادون في محاربة الارهاب واقتلاعه من جذوره؟ ام انها تحلم بانقراض الخصوم السياسيين تحت ذريعة هذه الحرب!ان الكثير من الدلائل التي لم تقتنصها عدسات الاعلام (المحلّي تحديدا)تشير الى خلاف ذلك ،وانه لشيء بديهي ان الكثير من الذي يجلسون في غرفهم الخاصة ويكتبون عن الازمة - دون ان يعرفوا شيئا عن الحرب ومخيمات النزوح المليونية وخراب المدن الكبيرة باستثناء مايسمعونه من الاعلام المقنن - لايعرفون شيئا عن الناس ألابرياء الذين يتم اعتقالهم يوميا بتبريرات واهنة او اختطافهم ورمي جثثهم او اطلاق سراحهم مقابل فديات تصل الى عشرات الالاف من الدولارات،ولايعرفون ايضا كمية الانفس البريئةالتي تقضي بسبب ضربة جوية لهدف تافة،او عدد الابرياء الذين يعدمهم التنظيم المتطرف وهم في طريقهم الى الهرب ،او عدد الذين يموتون يوميا بسبب انعدام الغذاء والدواء والكثير من قصص الموت اليومية التي لايذكرها الاعلام ولاتسجلها دوائر البيانات الحكومية المختصة بالوفيات.ااؤلئك الذي يمكثون على الجانب الاخر من المتراس، نالت الانعكاسات السلبية على الصعيد الاقتصادي منهم ،ولم يبق في حوزتهم غذاءا ولاشرابا ولادواء، وهم يتساقطون صرعى تدريجيا تحت الشمس، وبعيدا عن كاميرات الاعلام المحلي والعالمي، كانما تريد الحكومة ان تقول لهم ماقيل اثناء الحرب ضد الالبيجيين (اقتلوهم جميعاوالله يعرف عباده الصالحين)

أننا نعرف هذا ونتابعه بشكل يومي ،ونعرف ايضا ان هناك مسار خاطيء يسلكه القائمين على الاعلام المحلي وهو احد الاسباب التي تغذي العنف بشكل دائم بل وتتجه به لانتاج كوارث اخرى لانشك ابدا في حصولها.
لقد تحدثنا في موضوعنا السابق (الموصل،المعركة الانشطارية التي اريد لها ان لاتنتهي ) عن الاسباب التي تظافرت لانتاج العنف وتغذيته ،الا اننا لابد ان نعرج قليلا للتذكير او اضافة مالم يتاح لنا ذكره ،على اعتبار اننا لانتحدث عن آلأرشادات الواجب اتباعها لزراعة البطاطا مثلا ،اننا نتحدث عن موضوع يشغل العالم المعاصر باكمله ويربك الكوكب الذي نعيش عليه جميعا!اذن لابد لنا من ضم هذا السبب الى قائمة الاسباب الكامنة وراء نمو الارهاب.
لقد اضاف الفشل في الاداء الحكومي على كافة الصعد، مزيدا من القوة والتاييد الى العنف ،فعندما يفشل الاجراء العقابي في القضاء على المشكلة فان ذلك دليل واضح على وجود خلل كبير يجب الاسراع في معالجته،لايتعلق الامر بمنظومة العقاب ،بل في الاسباب التي دفعت القائمين على المشكلة الى التمادي دون اي خشية من العقاب،فهنا تحديدا تتظافر اسباب كثيرة لتقليل مخاطر الخوف من العقاب لدى الانسان اهمها الشعور بالغبن وهشاشة القانون وغياب العدالة ، ذلك ان العصا وحدها لايمكن ان تقوم الاعوجاج ان لم يرافق ذلك اصلاحات وتعويضات وتقوية الانصاف في القضايا المجتمعية عامة.ان الأرهابيون كانو يجبرون اقارب الضحايا على التهليل والتصفيق لقوانين الحد التي يتم تنفيذها على (المخطئين) كما يسمونهم ،وذلك لحقن انفسهم المحبطه ببعض القوة التي تغذيها شرعنة الناس لافعالهم عبرتأييدها كما يعتقدون،وطبق نفس الدرس بحماس من لدن بعض الفصائل المنضوية تحت غطاء حكومي لاجل كسب ولاء العامة، مستغلين عواطف الجماهير التي تكبدت الدماء والاموال ،على هذا النحو يتم بالفعل انتاج وحشية بربرية خالصة في الدناءة ،وهذا مايحصل!فالكثير من القادة المحليّون تم ترسيخ مفهوم الامن الوطني للحكومة في عقولهم اكثر من التطرق ال مفهوم حماية المدنيين من شراسة القنابل ،اذا كان ثمة تطرق للمفهوم الاخير اصلا

ان حربنا الحالية ضد الارهاب ،تعوم في فضاء الكارثة دون الاقتراب منها ،تعوم في مداراتها دون ملامستها ،الجميع يعرف ويتحوط ويحاذر ،يغلفنا جميعا خجل الاعتراف باننا لم نفكر لحظة واحدة بقراءة الحدث الكارثي الذي حل بنا ،ومحاكمة المسببين كأول اجراء يمكننا من نصر حقيقي واكيد ،لاجل تجنب اعادة تدوير الوضع السائد قبل التاسع من حزيران 2014،وكان يجدر التحدث عنها بصوت عال، والمطالبة بالتحقيق العلني الشفاف، للتخفيف من الغليان الشعبي وتحقيق العدالة التي لايمكن انتاج اي استقرار دونها على الاطلاق، بغض النظر عن حزمة الانتصارات التي يحققها المقاتلون،وما تزايد العنف وتوسع مساحته الا صدى لاخطاء متراكمة ومتزايدة.لقد وعد العبادي كثيرا عبر خطابات الاربعاء الاسبوعية بمحاسبة المخالفين والمقصرين واللذين يستعدون المواطنين الآمنين، وان كان يتحاشى التسميات ،الا ان الرجل لم يف بوعده، ولابد من الاعتراف، اننا جميعا نعرف مساحة نفوذ الرجل، لذلك كل ماعينا قوله له بصدد هذا ،ان عليه ان يناى عن قطع التزامات يصعب الوفاء بها،ذلك لان من العسير هضم فكرة ان يخلف رئيس حكومة وعده لاكثر من مرة ،على الاقل من وجهة نظر العالم الذي يراقب الملف العراقي بدقة بالغة،.وبماأن الاعلام الحكومي قد اتخذ انماطا من السلوك الذي يؤدي الى احراز نصر مقنّع، فقد تضاعف تأثير الكوارث اليومية على الجماهيروالمقاتلين، بفعل عامل الصدمة ،لأن اغراق الجماهير بالوهم هو سلوك فاشل، لاسيما ان العالم ،وبفعل التقنيات ،قد هيأ لكل فرد القدرة على معرفة مايدور في اقصى نقطة من الكوكب دون الاستعانة بوكالات الانباء.
ليس معيبا ابدا ان نتصارح مع جمهورنا الذي يتكبد دماءا عزيزة يوميا،وليس معيبا ان نخبر الجندي بامكانيات العدو،ولابد لنا من ان نعرف الاخر لكي نشتبك معه ببراعة، ولدينا امثلة كثيرة عن الاحباطات التي استولت على اخواننا واعزائنا المقاتلين في الجبهات ،وهم يتفاجأون بتسلل مجاميع صغيرة من الارهابيين الى ثكناتهم في الليالي المظلمة، وانقضاضهم عليهم دون ان تخبرهم عناصر الاستخبارات بوجود عدو قريب يجب الهجوم عليه او التحوط منه ،بل انهم خضعوا لموجة الاعلام المقنن الذي يخبرهم بشكل دائم بانقراض العدو ،مما كبدنا ويكبدنا المزيد من الدماء العزيزة بفعل هذه الاستهانة بأمكانيات الخصوم ،في كتاب فن الحرب يوصي صن تشو المحاربين باتباع تعاليم تتسم بالحكمة البالغة والضرافة اذ يقول( بان يبدا ردنا على الصراع من المعرفة بانفسنا وبالاخر ويقول في الفصل الثالث من التعاليم معرفة الاخر ومعرفة النفس في مئة معركة مامن خطر،عدم معرفة الاخر ومعرفة النفس انتصار لقاء هزيمه عدم معرفة الاخر وعدم معرفة النفس هزيمة مؤكدة في كل معركة)*1
لنا ان نعلن ان النصر حليفنا ،ولكن القول اننا سنحقق السلام الطويل، فهذا خطأ فادح لايستند الى رؤى رشيدة بل ان جزءا كبيرا من اسباب الهزيمة هوالرأي الذي يتحدث عن الاهمال المتعمد بطريقة ساخرة،هنا لابد من الاشارة ايضا الى مخاطر الخطاب المتشنج ومماينتجه من غذاء خصب لنمو النقمة،ولازلت اتذكر صديقا الكترونيا افتراضيا كان يمتهن قرض الشعر كما تقول معلومات حسابه الالكتروني، لكنه كان يحشو منشوراته بخليط من المفردات التحريضية البغيضة ،وهو يقشر الكلمات من الحياء فيصنع منها نصوصا مفخخة، مما دفعني للقول يوما - على هامش جلسة حوارية تتحدث عن مخاطر الخطاب المحتقن وتأثيره على الناس- ان فلان الفلاني عبر كل خطاب يضخ للتنظيمات المتطرفة عشرة مقاتلين اشداء كانوا قبل قراءة منشوراته بشر اسوياء ابرياء من عامة الناس.كما لايفوتني القول ان من اهم المخاطر ايضا والتي لاينتبه اليها الكثير من عامة الناس واولي الامر هم نسب شرف النصر الى اسماء معينة تخضع للمناطقية مما يولد شعورا بالاسف لدى قادة اكفاء قاتلو ا سنين طويلة وتكبدوا ضحايا من اهليهم وقد خسروا كل شيء قبل ان تعزلهم الحكومة عن مناصبهم بتبريرات واهية وقوانين معلبة تتم صياغتها وفقا للاهواء ويكتبها بعض الفتيان في كافتريا مجلس النواب

،ولابد لي ايضا ان اتطرق الى الحديث الذي دار بيني وبين حشد من الاصدقاء الباحثين في شؤون العنف،من مناطق مختلفة من العراق في اللحظة التي تم تسمية معركة استعادة الموصل ب(قادمون يانينوى ) بالاخص عبر اعلام التحالف الوطني ،آنذاك شعرت بالاحباط والاسف الشديدين على استنساخ نفس الشعار الذي تم رفعه في ساحات التظاهر في الانبار ،والذي حسب اعتقادي وكما وضحت للاصدقاء آنذاك، جاء الان كرد واضح وصريح على اؤلئك المتظاهرين تحديدا ! ان واجب الدولة لاينحسر في ترسيخ القانون فحسب بل في توفير جو مناسب لتداوله وتطبيقه وان التنظيمات المتطرفة والعنف الذي تمتهنه لن تتمكنا من الظهور مجددا ان تم تطبيق العدالة وكنس العقد والتراكمات التي ادت الى نشوئها وتوسعها،ولان ذلك لازال خارج خطط الدولة،فمن المتوقع بعد انتهاء هذه الحوادث، ظهور خصم جديد ،لاشك انه سيكون اكثر شراسة وفتكا ، كفقاعات ناتجة عن ورم نينوى او كنتيجة حتمية لمعركة اريد لها ان لاتنتهي !

بغض النظر عن كمية التضحيات التي نتكبدها يوميا في الحرب ضد الارهاب ،وبغض النظر ع ن كمية ألسواد التي ترتديه امهاتنا وشقيقاتنا يوميا بفعل هذه الحرب،وبغض النظر عن صدق النوايا التي تدفعنا للمواجهة حتى اخر نفس ،الا ان كل ذلك لايمنعنا من الاعتراف ان الحرب على الارهاب تشكل موضع أغراء للسلطة والقائمين عليها وبالاخص الذين ينوؤون تحت اثقال من الفساد ،وانّ ّاغراءالثمار المتوقعة من الحرب على الارهاب دفع نوايا السلطة مسافة ابعد حين فسرت ذلك الاغراء على ضوء النتائج التالية،تشتيت الانتباه عن المظالم التي كانت سببا مهما لالتحاق الكثير من المواطنين الذي كانوا صالحين الى حقل الارهاب،تشتيت الانتباه عن الانتهاكات التي تنتهجها (بعض)فصائل الجيش والشرطة او الفصائل الشعبية المنضوية تحتها،تقديم وعود زائفة بالامان لتضبيب العيون،النيل من المنافسين في الانتخابات ،واشياء اخرى ،ومع هذه الحزمة المريبة تحطم الاحساس الشعبي المتراكم بالمناعة ضد الخطر،واصبحنا جميعا كما لو اننا عالقين في الجبهة بسبب سوء التقدير.


المراجع:
[1] فن الحرب، صن تشو ،ترجمة كامل يوسف حسين،المجمع الثقافي ،ابو ظبي،2005









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عودة على النشرة الخاصة حول المراسم الرسمية لإيقاد شعلة أولمب


.. إسرائيل تتعهد بالرد على الهجوم الإيراني غير المسبوق وسط دعوا




.. بتشريعين منفصلين.. مباحثات أميركية لمساعدة أوكرانيا وإسرائيل


.. لماذا لا يغير هشام ماجد من مظهره الخارجي في أعمالة الفنية؟#ك




.. خارجية الأردن تستدعي السفير الإيراني للاحتجاج على تصريحات تش