الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن المحاماة أتكلم

قحطان محمد صالح الهيتي

2017 / 5 / 17
دراسات وابحاث قانونية


مهنة المحاماة مهنة جليلة لها قدسيتها ورسالتها السامية. وهي مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة، فالمحامي شريك للقاضي في الوصول إلى الحكم بالعدل، لأن كلا ً منهما يبحث عن الحقيقة وهدفهما واحد عظيم، هو إقامة العدالة، وإعلاء كلمة الحق في المجتمع.
-
ويجب على المحامي سلوك مختلف الطرق التي رسمها القانون للوصول الى استعادة الحق الى أصحابه، وهو بهذا نصير للحق إذ أنه لا ينتصر للظالم أو المجرم مقابل ما يتقاضى من اجور.
-
ويجب أن يكون المحامي حســن السمعة، يتمتع باحترام الناس بما يليق برفعة وسمو المهنة التي يمارسها على وفق ضوابط السلوك المهني.
-
ويخضع كل محام أخلّ بواجب من واجبات المهنة او تصرف تصرفا ً يحط من قدرها او قام بعمل يمس كرامتها، او خالف حكما ً من أحكام قانون المحاماة الى المحاكمة التأديبية.
-
وليس أصل المحاماة أن تبنى على الكذب والتزوير بل هي مهنة أساسها الصدق والأمانة وهدفها إيصال الحق إلى صاحبه؛ فهي وكالة في الدعوى والإجابة، ويجب على المحامي أن ينظر في القضية وأن يدرس محتوياتها؛ فإن رأى أن الحق مع موكله دافع عنه وانتصر للحق، وإن رأى أن الحق في غير جانب موكله لزمه بيان ذلك له، ونصحه بترك الدعوى وردَّ الحقوق إلى أهلها.
-
والأصل الشرعي في المحاماة هو الدفاع عن الناس بالحق وتجنب الباطل استنادا الى قوله تعالى: {وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً} [ال نساء107]، وقوله تعالى (ولا تكن للخائنين خصيما) وقال صلى الله عليه وسلم:" من خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع".
-
بعد هذا العرض البسيط عن ماهية مهنة المحاماة وواجبات المحامي والأصل الشرعي لها، نود أن نبين بأن مهنة المحاماة كأية مهنة أخرى فيها من الأعضاء من يسئ اليها، ولكن إساءة التصرف وعدم الالتزام بقواعد السلوك المهني من قبل المحامي ودور المحامي في إحقاق الحق وإزهاق الباطل مؤثر في الحياة العامة للناس، فهو مسؤول أمام الناس كافة عن تصرفاته التي تضعه في الكثير من الأحيان في موقع لا يحسد عليه إذا تبين أن غايته تبرر وسيلته في الدفاع عن المجرم أو المتهم من أجل الحصول على المال.
-
ما يدور اليوم في أروقة المحاكم وفي المجالس الخاصة وفي الشارع من أحاديث حول جواز توكل المحامي في دعاوى الدفاع عن (الدواعش)، وهل يجوز هذا أم لا يجوز؟
-
وللإجابة عن هذا التساؤل نود أن نقول: إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأغلب دساتير الدول ومنها الدستور العراقي كفلت حق التقاضي وأكدت على أن حق الدفاع مقدس ومكفول في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة، وأن على المحكمة أن تنتدب محامياً للدفاع عن المتهم بجناية أو جنحة لمن ليس له محامٍ يدافع عنه وعلى نفقة الدولة.
-
فمن حق أي متهم أن يوكل محاميا، ومن حق أي محامٍ أن يتوكل في الدفاع عن أي متهم ولا يوجد ما يمنع المحامي من الناحيتين الدستورية والقانونية من التوكل للدفاع عن المتهمين بالانتماء الى عصابات داعش الإرهابية، ولكن هل تتفق وجهة النظر هذه مع واقعنا الاجتماعي؟ وهل يقتنع ذوو الضحايا والمتضررون من العمليات الإرهابية بهذه المبادئ الدستورية والقانونية؟ بل هل تقتنع الغالبية من الناس بوجهة النظر هذه، وتقرُّ بشرعية ومشروعية الدفاع عن الإرهابين؟
-
أنا شخصيا أجيب بلا، وأجيب على من يدعي بحق المتهم بالدفاع عن نفسه، بأن الدستور أوجب على المحكمة أن تنتدب محاميا للدفاع عن أي متهم مقابل أجور تتحملها خزينة الدولة، فعلينا إذن أن نترك المحكمة تنتدب المحامين للمتهمين وأن يؤدي المحامي المنتدب واجبه على وفق ما قرره القانون.
-
ولأن ذوي المتهم الداعشي، ومن خلفه في تنظيمه الإرهابي من يريدون تبرئة عنصرهم المتهم من جريمته الإرهابية ليعود أميرا ومقاتلا مرة أخرى؛ فإنهم يبحثون عن أية وسيلة للوصول الى غايتهم ومنها البحث عن محامٍ يحقق لهم هذه الغاية مهما كانت المبالغ التي يطالب بها هذا المحامي.
-
ولأن مثل هكذا محامٍ يسعى الى المال بعيدا عن المبادئ ونظرة المجتمع فإنه يتقبل عروض ذوي المجرمين الدواعش ويغالي في طلبه دفاتر وأوراق . ومن أجل قبض أجور اتعابه فأنه يبحث عن أية وسيلة توصله الى تبرئة موكله أو الإفراج عنه، فيلجأ الى الاتفاق مع من يعنيهم الأمر من السلطات التحقيقية للتعاون معه في إنجاز مهمته على حساب الحق والحقيقة. وخير ما يقدمه لهم في سبيل ذلك هو الرشوة، فيكون في هذه الحالة (رائشا).
-
إن تصرف المحامي بهذا الشكل سيغير النظرة الحقيقية لمهنة المحاماة وسيقلبها من مهنة جليلة الى مهنة ذليلة، ومن مهنة مقدسة الى مهنة محتقرة مهانة. ومن مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة الى مهنة تنصر الظالم وتزهق حق المظلوم.
-
واود ان ابين حقيقة دامغة وهي ان المتهم بالارهاب امام موقفين، فأما البراءة من التهمة المسندة اليه والافراج عنه ، وأما إحالته الى المحكمة المختصة لينال جزاءه العادل فما الذي يمكن ان يقدمه له المحامي سوى التنسيق بين من لهم شأن بالموضوع للالتفاف على القانون؟
-
فما علينا إلا أن نقف بوجه كل من يريد أن يشوه الوجه الحقيقي لمهنة المحاماة من المحامين الساعين الى الغنى دون أن ننسى بأن من حق المحامي التوكل عن أي متهم. كما علينا ألا ننسى ضحايا من ندافع عنهم وألا نبخس الشهداء دماءهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزيرة تحصل على شهادات لأسيرات تعرضن لتعذيب الاحتلال.. ما ا


.. كيف يُفهم الفيتو الأمريكي على مشروع قرار يطالب بعضوية كاملة




.. كلمة مندوب فلسطين في الأمم المتحدة عقب الفيتو الأميركي


.. -فيتو- أميركي يفشل جهود عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدة




.. عاجل.. مجلس الأمن الدولي يفشل في منح العضوية الكاملة لفلسطين