الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هؤلاء وأولئك … أكثرُ منّا إيمانًا!

فاطمة ناعوت

2017 / 5 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



عزيزي القارئ، إن كنتَ تظنُّ أن قشرةَ البندق، أهمُّ من ثمرتها التي في قلبِها. فلا تقرأ هذا المقال، فهو ليس لك، بل هو لمن يؤمنُ، مثلي، أن الثمرةَ المعطوبة، لا قيمة لها وإن كانت قشرتُها برّاقةً زاهيةً تسُرُّ الناظرين. هذا المقال لمن يعتقد أن الجوهرَ أولى من المظهر، وأن المضمونَ أهمُّ من الشكل. الكأسُ: مظهرٌ، شكلٌ، وعاء. أما السائلُ داخل الكأس، فهو الجوهرُ، وهو المضمون، وهو الفكرة. ولولا السائل، ما كانت الكأسُ. وإن غاب السائلُ، ما الحاجة إلى كأس؟ هل يروقُ لك كأسٌ من البلّور الثمين، يحمل في قلبِه رشفةَ سُمٍّ زعاف؟! هل تمدُّ له يدك لترتشفه لحُسن الكأس وبريقه؟ أم تكسره، وتلتقط كوبًا بسيطًا يسكنه الشهدُ الشهيُّ والإكسير الطيب؟
عزيزي القارئ الكريم، إن كنتَ تعتبر أن الدينَ، أيَّ دين، هو مجموعةٌ من الطقوس والعادات والأفعال والحركات الجسدية، وفقط، مثل كثيرين ممن لا يتجاوز تدينُهم ممارساتٍ وطقوسًا يؤدّونها في أوقات معلومة، "ولّما يدخل الإيمانُ قلوبهم"؛ فإنما أنت مَن اعتبر أن قشرة البندق أهمُّ من الثمرة. فالإيمان بالله، هو الثمرةُ وهو الإكسيرُ وهو الجوهر، بينما الطقوسُ هي القشرةُ وهي الكأسُ وهي المظهر. وهذا المقال لمن يدركون أن الإيمان هو الغاية، والتدين هو الوسيلة. فإن كنت من عبّاد الوسيلة، وتاركي الغاية، فرجاءً لا تُكملْ المقال، فأنت أولى بالدقائق التي ستنفقها في قرائته. اغتنمها في شيء أفيد. ثم تأمل ما قاله فيك مولانا "جلال الدين الرومي”: “اذْهَبْ، واسْعَ وراء المعنى، يا عابد الصورة”. أما إن كنت تعتقد، مثلي، أن الدينَ، كلَّ دينٍ وأيَّ دينٍ، هو جوهرٌ ورسالةٌ وبِنيةٌ أخلاقية وروحية وسلوكية وتربوية، فهذا المقالُ لك، وأهلا بك على صفحته.
ثمة رجلٌ من أبناء عقيدتي، يذهب لصلاة الجمعة، فقط، حتى لا "ياكل أبناء الحتة وشّه"، ولا يصلّي الصلوات الخمس، لأن أحدًا لا يراه. هذا الرجل بالملايين. وثمة رجلٌ يصليّ الفروض، والسنن، ويصوم، ويُزكّي، ويحج، لكنه لا يجد غضاضة في أن يجمع بين كلّ ما سبق من "عبادات" و"مظاهر" تدين، وبين أن يمارس كل ألوان الفساد في عمله من رشوة، يرشو أو يرتشي، ومن محسوبية، ومن مداهنة لرئيس، وظلم لمرؤوس، ومن تعيين معدومي الكفاءة من ذوي القربى والنسب، وحرمان الكفء الغريب، والتكاسل عن خدمة المواطنين، بدعوى صلاة الظهر، في مواعيد العمل. ثم يخرج من عمله، فلا مانع أن يتحرش بفتاة في الطريق، فهي مستباحةٌ مادامت خارج بيتها، (لماذا لم تقرّ في بيتها؟). ولا مانع أن يُلقي بعلبة السجائر الفارغة في الطريق، فالجميع يفعل "اشمعنى أنا وهي جات عليا؟!". وإن مرّت به فتاةٌ تضع صليبًا، أو راهبةٌ بتول، لا مانع من أن يفزعها صارخًا: "أعوذ بالله"، كأنما صادف شيطانًا رجيمًا. فإن عاد إلى بيته توضأ وصلّى العصر، ثم تفرّغ لزوجته يُقرّعها لأن الملح زاد في الطعام، ولا بأس من كلمة جارحة أو ونظرة مزدرية. بعدها يجلس للتليفزيون سعيدًا، وبعدما يصلي العشاء، ينام قرير العين، وهو موقن من رضا الله ضامنٌ جنّة الخلد لأنه أدى "ما عليه" لله، ومن ثم فعلى الله أن يمنحه ما وعد.
برّر الشيخ "سالم عبد الجليل" موقفه الأخير قائلا: (المسيحيون "كفّارٌ" بالنسبة لي، وأنا "كافرٌ" بالنسبة لهم.) فعلامَ الاستنكار؟".
تلك هي اللعبة اللغوية التي يحاول بها سالم وغيره تخريج كلمة "كافر". فكل طرف كافرٌ بما يؤمن به الطرفُ الآخر. صحيح كتخريج “لغوي”. ولكن ثمة تخريج "اصطلاحي" و"عملي" للكلمة، يتغافلها سالم وشركاه؟! وهنا تختلُّ المعادلة لصالح المسيحيين، للأسف، فيكسبون ونخسر، ويكونون أكثرُ منّا إيمانًا.
فالمسيحيُّ حين يظهر على شاشات فضائياتنا، لا يرمينا بالكفر فيوغرُ صدور أطفالهم ضدّنا. بينما نحن نفعل. المسيحيّ لا يفجّر مساجدنا بدعوى أنها ديار كفر. بينما نحن نفعل. المسيحيُّ لا يستحلُّ دماءنا، فيقتل مسلمينا وهم صائمون يصلّون ساجدين لربنا وربّهم وهو يقول: “الله أكبر". بينما دواعشنا يفعلون. المسيحيون لا يضعون في مناهج التعليم ما يشحن قلوب الأطفال، منذ بُرعميتهم، بأن الطفل المسلم الجالس إلى جواره في الفصل لا يتساوى معه في حقوق المواطنة وحقوق الإنسانية، التي سبقت حقوق الأديان. بينما نحن من نفعل. المسيحيُّ لا يقول أنا مصريٌّ أصيل، أحمل الهوية "القبطية" قبل دخول الإسلامِ مصرَ بستة قرون وأكثر (وهذا حق)، وبالتالي لي حق الترقّي للوظائف العليا، مادمنا دولة مدنية (وتلك حقوقه). المسيحيُّ يقابل إساءاتنا المتكررة له بالغفران والمباركة والمحبة، ويشكرُ المجرم الذي يقتل ابنه أو ابنته قائلا: “باركك اللهُ فأنت أوصلتهم للسماء مبكرًا.” نحن، المسلمين، نردد ليل نهار باللسان فقط: “لكم دينكم ولي دين"، لكن المسيحيين لا يقولونها بألسنهم، بل يطبّقون الآية القرآنية عملا وفعلا وسلوكًا، مثلما يطبّقون الحديث الشريف: "المسلمُ من سلِم الإنسانُ من لسانه ويده"، وبهذا فإن هؤلاء "أكثرُ منّا إسلامًا".
وحين نجح الماليزيون مع مهاتير محمد، في تحويل ماليزيا من دولة متخلفة إلى دولة حضارية، بأن سخّروا جل ميزانية الدولة لصالح التعليم والبحث العلمي، وضاعفوا دخل الفرد، وضاعفوا الاحتياط النقدي، ورفعوا حجم الصادرات بمئات المليارات من الدولار، كانوا أكثر منّا إيمانًا وأكثر طاعة لله، وأكثر تمسكًا بجوهر الثمرة، وإكسير الكأس. أما نحن، فنمارس الطقس، وننسى جوهر الإيمان بالله، الذي هو الهدف الأسمى من ممارسة الطقوس. اللهم أبرأ إليك أن أكون عابدة للصورة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الله الاحد الفرد الصمد لاشريك له ولا ولد
وليد عطعوط ( 2017 / 5 / 17 - 06:42 )

ان احسنتم الظن بالله لاحسنتم العمل
الاسلام حجة على الجميع وليس الانسان هو الحجة
فان فعل الانسان ما يخالف الشرع والدين فالعيب عيب الانسان وليس الدين فالاسلام يحث على العمل والاجتهاد وتأدية الفرائض التى هى اصل الايمان والطاعة لله الآمر بها
فالمسلم الحق هو اتبع دين الحق وكان ظاهره كباطنه ولا نضرب الامثله بالعاصى او الجاهل او الذى ينظر للظاهر دون الباطن فالاسلام قمة فى كل شىء ولكن الانسان من يشوه صورته
ولكن ان اقول ان اترك اسس وقواعد الاسلام لاجل ان قلبى نظيف او لاننى مؤمن بالله ---كيف اكون مؤمن بالله وانا لا اطيع اوامره ؟
وكما ان هناك اناس بهم عيوب فى عقيدتهم هناك ايضا الكثير من الاخرين بهم نفس العلة
يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم
والتقوى فى القرآن تعنى الايمان بالله وملائكته ورسله وكتبه واليوم الاخر والقدر خيره وشره وطاعة الله فيما امر والانتهاء عما نهى عنه الخ
يا ايها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون
نشهد الا لااله الا الله وحده لاشريك له ونشهد ان محمدا عبده ورسوله
صلى الله عليه وسلم


2 - من ثمارهم تعرفونهم
شاكر شكور ( 2017 / 5 / 17 - 08:10 )
أصلاً لا يوجد مصطلح تكفير في الإنجيل لأن عقوبة غير المؤمن متروكة ليوم الحساب ، هذا وعدم اعتراف المسيحية بمن ادعى النبوءة بعد المسيح لا يعني تكفير اتباع ذلك المدعي بل يعني رفض تعاليمه فقط ، هذا ولعدم وجود مبدأ التكفير في الإنجيل لذلك لا يوجد حد العقوبة في الدنيا لأي إنسان ولا توجد اي سلطة سماوية للمسيحي للقيام بوضع حدود معاقبة غير المؤمن ، التكفير في الإسلام يتبعه حد العقوبة وهي قتل الكافر فهذا ما اخفاه الشيخ سالم عبد الجليل حيث وضع الكل في سلة واحدة ظلما وتدليسا، لنترك موضوع التكفير ونأتي الى تصريح هذا الشيخ بقوله بأن الدين المسيحي فاسد ، اليس هذا القول ازدراء للأديان وإثارة للفتنة فأين قانون ازدراء الأديان من تصريحات هذا الشيخ الداعشي ؟ وهل هذا الشيخ احترم بدلته الأزهرية التي تتحتم عليه بث المحبة والسلام بدلا من اثارة االفتنة والبغضاء ؟ الا ينطبق على امثال هذا الشيخ مثل السيدة فاطمة (الثمرةَ المعطوبة ، لا قيمة لها وإن كانت قشرتُها برّاقةً زاهية) ، تحية اجلال وإكبار لقلم السيدة فاطمة ناعوت


3 - قل يا أيها الكافرون, لاأعبد ماتعبدون
عبد الله اغونان ( 2017 / 5 / 17 - 15:50 )

راجعوا كادة كفر ومشتقاتها في كتاب / المعجم المفهرس لألفاظ القران الكريم
بل نزلت سورة خاصة اسمها الكافرون
وفيها تكرار بلاغي مقصود للتأكيد على عدم عبادة واعتقاد مايعتقده المشركون والكافرون
بل تناول القران قصدا وبالاسم تكفير اليهود والنصارى وذكر ذلك مرارا وقرائن تكفيرهم
وفي اليهودية والمسيحية ألفاظ تكفير أما في تصريحات قساوسة ورجال دين فهم يكفرون المسلم ويرونه ضالا بل يرون محمدا من الأنبياء الكذبة
نعرف كلنا هذا ونقره ومن البلادة المجاملات الفارغة
المسيحيون ليسوا ملائكة
يكفي أن نأخذ عينة هنا في موقع الحوار المتمدن لنرى كتابا ومعلقين يقذفون المسلمين بما هو أكثر من الكفر
أما الأسماء فهي معروفة وعناوين مقالاتهم متداولة


4 - تعقيب على تعليق 3
شاكر شكور ( 2017 / 5 / 17 - 19:30 )
إن كنتَ يا اغونان تقصد بتعريف التكفير هو رفض غير التعاليم التي يعتنقها الشخص اي (الكفر بما سواه) ، فهذا التوجه لا ضرر منه سوى كان هذا الفعل صادر عن المسيحية ام من الإسلام ، خطورة التكفير تكمن بترتب الحد على الكافر ، والإسلام الدين الوحيد الذي لا ينتظر قضاء الله في يوم الحساب لأن القرآن يدعوه الى تطبيق الحد على الكافر وهو لا يزال في الدنيا ، لذلك لا يمكن ان يؤتمن الإسلام لأن الكافر به يترتب عليه الحد ، وقد شُرّع القتل على من يترك الإسلام لأن القرآن اعتبر المرتد كافر بموجب سورة التوبة 74 { وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} ، الآن هل فهمت الفرق بين التكفير المسيحي (ان وجد) كتعبير عن حرية الرأي دون الحاق الأذى بأحد وبين تكفير الإسلام بقصد تبرير القتل ؟ رسول الإسلام نفسه اعتمد على اسلوب تكفير الأديان الأخرى بقصد اهدار دم معتنقيها كتبرير لسلب ممتلكاتهم وأخذ السبايا ، فأتهام اليهود كذباً بأنهم قالوا عزير ابن الله كان هذا تبرير لقتلهم وإجلائهم عن جزيرة العرب بحجة الكفر ، فلا تخلط الأوراق يا اغونان لأن التدليس من شيمة الضعفاء


5 - شاكر شكور/ حد الردة ذو مفهوم سياسي
عبد الله اغونان ( 2017 / 5 / 17 - 20:11 )

وثيقة المدينة بين قبائل وبين المسلمين وبين اليهود
استقبال الرسول مسيحيين في المسجد النبوي
ايات قرانية تأمر بعدم الاعتداء على المخالف في الدين ولوكان مشركا
وان أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه
كم عدد من قتلوا بحد الردة في الاسلام ؟
منذ عهد الرسول الى اليوم ؟
طبعا هناك استغلال سياسي لهذا المفهوم عند البعض
حالة اشهار الردة قصد استغلال سياسي أما على المستوى الفردي فالمرتدون كثيرون ولامن يطبق عليهم حد القتل
وهذا الاتهام موجود حتى في اليهودية والمسيحية عند هؤلاء مشهور بالهرطقة وقد طبق على رجال دين وعلماء وقتل بعضهم
في نيجيريا وفي افريقيا الوسطى وفي بورما يطبق حد الكفر قتلا بكل بشاعة على مسلمين ومن طرف مسيحيين وبتحريض رجال دين / تريد أن ندلك على روابط مصورة ؟


6 - المشكلة هي في الثمرة والقشرة معا
مروان سعيد ( 2017 / 5 / 17 - 22:46 )
تحية للاستاذة فاطمة ناعوت الانسانة وتحيتي لجميع البشر
يا ستي المشكلة في الدين الاسلامي لايمكنك ان تعرفي جوهره القران والسنة يقولون لكم دينكم ولي ديني ويقولون ان الله خلقكم شعوب وامم لتتعارفو ويقولون من يتخذ غير دين الاسلام لايقبل منه وبقولون كفر الذين قالوا ان عيسى وامه الاهان من دون الله ويقولون ويقولون دين متناقد لاتعرفي رائسه من رجليه
معقول ان يكون الاههم بهذا التناقد انه يقول سنتعامل معكم بلاحسان مع انكم كفرة ودينكم فاسد اي احسان هذا وباي حق يقول هذا وكان البلاد والعباد تحت امره وهو الغازي القاتل السابي المحتل
انه يتكرم علينا بالعيش في بلادنا انها وقاحة ما بعدها وقاحة
واذا كانت عقيدة المحبة والسلام فاسدة في تفكير المسلم فهو يعترف علنا ان دينه فاسد ولا يصلح للتعامل الانساني وحتى الحيواني لاانه يرفض كل مواثيق البشر من عهود صداقة وحقوق الانسان القائمة على المحبة والاخوة والصداقة وهذا سيجعل كل عاقل يكتشف هذا الدين الاجرامي القاتل لكل خير
واخيرا اختم تعليقي باجمل كلمات التي قالها السيد المسيح
لاتدينوا لكي لاتدانوا وهذا يوضح للذين يقولون المسيحية تكفر الاخرين
ومودتي للجميع

اخر الافلام

.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #


.. خالد الجندي: المساجد تحولت إلى لوحة متناغمة من الإخلاص والدع




.. #shorts yyyuiiooo


.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #




.. يهود #بريطانيا يعتصمون أمام البرلمان في العاصمة #لندن للمطال