الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظة نقدية ل-كشف حساب مؤقت – مصر- من بحث -جلبير الاشقر- المعمق والرائع : الشعب يريد بحث جذرى فى الانتفاضة العربية

سعيد علام
اعلامى مصرى وكاتب مستقل.

(Saeid Allam)

2017 / 5 / 17
مواضيع وابحاث سياسية






ملاحظة نقدية لـ"كشف حساب مؤقت – مصر"
من بحث "جلبير الاشقر" المعمق والرائع :



الشعب يريد
بحث جذرى فى الانتفاضة العربية



سعيد علام
القاهرة، الاربعاء 17/5/2017


قدم الاستاذ "جلبير الاشقر" الباحث المرموق، (1) هذا البحث المعمق الرائع، عن الانتفاضة العربية، تحت عنوان مميز، مستلهماً من الشعار الابرز للانتفاضة العربية: "الشعب يريد" بحث جذرى فى الانتفاضة العربية .. نشرتها مترجمة الى العربية، دار الساقى، (2) عام 2013 عن ترجمة للاستاذ عمر الشافعى بالتعاون مع الكاتب،(3)

يتناول البحث بشكل علمى ممنهج وموثق، يجمع بشكل تفاعلى، ما بين الصحافة الاستقصائية الرصينة، - النادرة عربياً – وبين التحليل العلمى العميق، - النادر عربياً ايضاً - لنجد بين أيدينا، بحثاً شديد المتعة والافادة معاً. ينقسم الكتاب الى 6 فصول، ويقع فى 382 صفحة.(4)


ملاحظة نقدية لـ"كشف حساب مؤقت – مصر"، نآمل ان تكون من اجل، المزيد من المتعة والافادة، المتوفرتان بوفرة فى البحث:


فى الفصل الخامس من الكتاب، المعنون "كشوفات حساب مؤقتة للانتفاضة العربية"، يصنف الاشقر الانقلابات العسكرية الى اربعة انواع، "صقلاً" – حسب تعبير الباحث - للنوعان الرئيسيان اللذان حددهما "صامويل هنتنغتون" فى كتابه الاشهر "صدام الحضارات"، والذى ميز فيه نوعين اساسيين من الانقلابات العسكرية، الاول، الانقلابات التى تحقق اختراقاً للنظام السياسى وتفضى الى تحولات اجتماعية هامة، على طريق التحديث فى معظم الاحيان، واطلق عليها "انقلابات الاختراق"، اما النوع الثانى، ذلك الذى يجعل فيه العسكريون من انفسهم بموجبها حراساً للنظام القائم بغية وقف سيرورة تجذر التغيير، واطلق عليها "انقلابات الفيتو".

ووفقاً لـ"صقل" الباحث، فقد قسم التصنيف السابق، التصنيف البالغ العمومية، على حد وصف الاشقر، قسمه الى اربعة انواع:

النوع الاول، انقلابات ثورية، ترمى الى تغير النظام السياسى جذرياً، وتسمى نفسها "ثورة" (مثل مصر 52).
النوع الثانى، انقلابات اصلاحية، ترمى الى اصلاح اوتصحيح النظام القائم دون قطيعة جذرية (مثل الجزائر 65).
النوع الثالث، انقلابات محافظة، تأتى كرد فعل على عدم الاستقرار السياسى، وترمى الى الحفاظ على النظام القائم، او اعادته خلال فترات انتقالية (مثل موريتانيا).
اما النوع الرابع، انقلابات رجعية، ترمى الى قمع حركة حاملة لتغيير جذرى وصلتالى السلطة او هى فى الطريق للوصول اليها (مثل الجزائر 92).(5)

ويضيف الاشقر: "وقد خشى بعض الناس ان تحفز الانتفاضتان فى تونس ومصر، وهذه الاخيرة بالاخص، الى انقلابات عسكرية رجعية. وعوضاً عن ذلك، شهد كلً من البلدين انقلاباً محافظاً بتواطئ غربى.". (انتهى الاشقر من تأليف هذا الكتاب فى اكتوبر 2012).


"نقطة خارج السياق" .. !

على العكس من السياق العام للبحث، الذى يتسم بالمعمق والدقة العلمية، يذكر الاستاذ الاشقر فى ص 188من نفس الفصل "الخامس"، تحت عنوان فرعى: "كشف حساب مؤقت – مصر."، يذكر، ولكن بشكل عرضى خاطف، نقطة تاريخية مفصلية فى تاريخ مصر، والمنطقة العربية عموماً، وعلى ارتباط عضوى بالانتفاضة المصرية، احد ابرز عناصر البحث، حيث يقول: " .. ولما كان السادات مناصراً لنزع هيمنة الدولة على الاقتصاد .."،(6) ولا يزيد كلمة واحدة!، مجرد جملة واحدة مختصرة، دونما اى تحليل، لهذه اللحظة المفصلية، شديدة الاهمية، والتى مثلت لحظة كاشفة فى توضيح الاسباب العميقة فى تغير "تحول" نهج سلطة يوليو 52 بعد الهزيمة المزلة لنظام عبد الناصر فى 67، وهو النهج "المعدل" الذى استمر ليس فقط حتى انتفاضة 25 يناير 2011 - احدى ابرز موضوعات البحث - وانما لما بعدها، حتى الان، وفى المستقبل المنظور، ليتجلى هذا التغير "التحول" فى نهج سلطة يوليو 52 الممتدة، وباشكال اكثر وضوحا، فى المراحل الاحقةً!، .. فلم يبحث البحث فى الاسئلة الاساسية المرتبطة بالموضوع .. فمثلاً، لم يبحث فى السؤال الرئيسى، لماذا كان السادات مناصراً لنزع هيمنة الدولة على الاقتصاد ؟! .. والذى تتفرع منه عدة اسئلة فرعية، مثل، لماذا اختار عبد الناصر السادات بالذات، نائباً له، دونً عن كل اعضاء مجلس قيادة الثورة؟! .. ولماذا فى هذا التوقيت بالذات، اختار السادات نائباً له ؟! .. وما علاقة كل ذلك بالانتفاضة المصرية فى يناير 2011، احدى ابرز نماذج هذا البحث ؟!


وفى محاولة للاجابة عن بعض من هذه الاسئلة الموضوعية، نشير سريعاً للنقاط التالية:

1- الشئ لزوم الشئ .. !

بعد هزيمة 67 واعتراف عبد الناصر بأسرائيل – بقبوله مبادرة روجرز، وموافقته على القرار 242 – استوعب عبد الناصر لهزمية 67 القاسية، واحتلال جزء من اراضى الدولة المصرية، وهو ما عنى هزمة للايدلوجية القومية الشيفونية الشعبوية، لذا عندها اصبح لزاماً قلب الدفة فى الاتجاه المعاكس، لذا تم اختيار السادات بالذات، وفى هذا التوقيت بالذات!، ليقلب الدفة من الاتحاد السوفيتى ذو نهج سيطرة الدولة على الاقتصاد، الى الولايات المتحدة الامريكية ذات نهج الاقتصاد الحر، وهو ما يعنى مصرياً، قلب نهج الدولة المصرية، من السيطرة على الاقتصاد، الى الاقتصاد الحر، الذى كان فى طبعته المصرية، الانفتاح الاقتصادى "السداح مداح"، فدائماً "الشئ لزوم الشئ".


2- "ان لم تستطع ان نحضر الجبل لمحمد، فلتحضر محمد للجبل" .. !

بعكس ما يدعى القومجيين، من ان السادات قد انقلب على نهج عبد الناصر، وكما يحلو لهم ترديد العبارة البليغة، ولكن المضللة، بأن: "السادات قد سار على طريق عبد الناصر بأستيكة"، على العكس من ذلك كله، فان وقائع التاريخ تقول بعكس ذلك، حيث اختار عبد الناصر، السادات نائباً له وهو فى كامل وعيه، وبالتأكيد "لم يشربه السادات حاجة اصفرة!"، وكان عبد الناصر على علم تام بتوجهات السادات وتكوينه، بعد ان عرفه عبد الناصر معرفة وثيقة لاكثر من ربع قرن!، والا اتهمنا عبد الناصر بفقدان العقل والادراكً!، ولكن الدرس الذى "شربه" عبد الناصر بعد الهزيمة "الفاجعة" فى 67، هو المفسر الحقيقى والوحيد لاختيار عبد الناصر للسادات، من بين جميع رفقاء "مجلس قيادة الثورة"، وبالفعل قام السادات بما لم يكن من الممكن الهروب منه، وفقاً لطبيعة وسمعة نظام عبد الناصر الشعبوية، ووفقاً للسياق "الازمة" الذى بدأه عبد الناصر بالاعتراف باسرائيل، بل والاعتراف – على لسان السادات – بان "99% من اوراق اللعبة فى يد امريكا!"، ومن بعدها اعلانه عن ان "حرب 73 آخر الحروب!"، ومن ثم توقيع اتفاقية كامب ديفيد، المقيدة السيادة على سيناء، انها دروس هزيمة 67 المرة!.(7)


3- الشمولية / الديكتاتورية / الشعبوية .. !

ان الخلل البنيوى للنظام الناصرى، والذى تمثل فى الطبيعة الشمولية للنظام، من ناحية، وديكتاتورية "الزعيم" عبد الناصر، من الناحية الاخرى، فى نسق واحد مع، الشعبوية تحت راية القومية الشيفونية، واللذان شكلا نموذجاً "رائداً" فى المنطقة العربية، ذلك فى سياق صراع النظام الناصرى فى معركة التنمية والتحرر، وصراعه مع عدو متربص به، متمثلاً الاسلام الاصولى، ممثلاً بشكل رئيسى فى تنظيم جماعة الاخوان المسلمين، وتفريعاتها، العدو التاريخى اللدود لتنظيم الضباط الاحرار،(8) لقد ادى التفاعل بين هذا الصراع وذاك، فى تفاعله مع الخلل البنيوى للنظام، ادى الى ان جعل من نظام عبد الناصر متناقضاً – موضوعياً – مع ما يدعيه، من كونه نظام يعلن انه يعمل لصالح الشعب، فى حين انه ظل فى نفس الوقت يستبعد هذا الشعب نفسه، ويحرمه من اى مبادرات او تنظيمات مستقلة، ويقهر قواه الفاعلة، يساراً ويميناً!، وهى احدى السمات الجوهرية للانظمة الشمولية الديكتاتورية، وفى الحالة المصرية الشعبوية تحت راية القومية الشيفونية. امام هذه الازمة التاريخية المركبة للنظام، واستفحالها بالهزيمة المرة فى 67، والتجربة الحاضرة فى الازهان لاحتلال الارض "سيناء"، وشروط عودتها المقيدة وفقاً لاتفاقية كامب ديفيد، امام هذه الازمة الضاغطة، كان "الهروب الى الامام، هو الحل"، الى امريكا والاقتصاد الحر، والتخلى عن كل "الاحلام المشروعة" قبل 67، فى الاستقلال الحقيقى، المؤسس على تنمية حقيقية، وهو الطريق الذى اوصل الى انتفاضة يناير 2011 فى مصر.


صحيح ان الاشقر قد اشار فى مستهل الفصل الخامس الى ان التحليل سيكون موجزاً، نتيجة لقيد مزدوج، نتيجة لمقتضيات النشر، ورغبة الباحث فى المساهمة فى النقاش الجارى فى سياق الانتفاضة ذاتها، الا ان هذه الرغبة ذاتها كانت تستدعى، ضمن اسباب اخرى، عدم اهمال تحليل هذه اللحظة التاريخية المفصلية فى تاريخ مصر المعاصر والمرتبطة ارتباطاً عضوياً بالانتفاضة المصرية، وكذا بمستقبلها، وما لها من تداعيات على الانتفاضة العربية عموماً، وبمستقبلها.



ان قراءة هذا البحث الشيق، بما يحمله من متعة وفائدة عظيمتان، تجعل من هذا الكتاب ، واحد من اهم المصادر الاساسية لفهم الزلزال الذى شهده "الفضاء الناطق بالعربية"، وفقاً للتعبير العلمى الموفق للمؤلف، بدءاً من يناير 2011 والذى لم تكتمل فصوله بعد. ، والذى لابد من ان تكتمل فصوله الناقصة فى المستقبل، والاهم، فى سياق الاستمتاع بهذا الابداع العلمى الدقيق، الا وهو، استشراف هذا المستقبل.





سعيد علام
إعلامى وكاتب مستقل
[email protected]
http://www.facebook.com/saeid.allam
http://twitter.com/saeidallam





المصادر:

(1) جلبير الاشقر، كاتب وباحث لبناني، أستاذ في معهد الدراسات الشرقية والأفريقية (SOAS) في جامعة لندن. غادر لبنان سنة 1983 إلى أوروبا حيث عمل أستاذاً في جامعة باريس الثامنة، ومن ثم باحثاً في مركز مارك بلوك في برلين. له العديد من المؤلّفات والبحوث وقد صدرت كتبه في 15 لغة. https://en.wikipedia.org/wiki/Gilbert_Achcar
(2) دار الساقى، تأسّست مكتبة الساقي في لندن في العام 1979 ، وكانت أوّل مكتبة عربية في المملكة المتحدة. وفي العام 1982 أسست فرعا للكتب باللغة الإنكليزية المعنية بالشرق الأوسط. شهدت السنة التالية انطلاقة النشر بالإنكليزية. بدأت الساقي النشر بالعربية عام 1987، وذلك بفضل علاقتها المتينة مع قرائها ومع الناشرين الآخرين في لندن.
في العام 1991 تأسست "دار الساقي" في بيروت وأضحت بمثابة المؤسّسة التي أخذت على عاتقها مهمّة الترويج للحداثة الفكرية، ولنهضة الثقافة العربية.
http://www.daralsaqi.com/content/%D9%86%D8%A8%D8%B0%D8%A9-%D8%B9%D9%86-%D8%AF%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%82%D9%8A
(3) الشعب يريد، بحث جذرى فى الانتفاضة العربية – جلبير الاشقر
https://www.4shared.com/office/4s20m1afce/________.html
(4) المصدر السابق ص 4، 5
(5) المصدر السابق ص 182 ، 183
(6) المصدر السابق ص 188
(7) السيسى يواجه، "تقليد يوليوالمقدس"! – سعيد علام.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=535459
(8) الصراع على السلطة الدينية فى مصر! – سعيد علام.
http://www.civicegypt.org/?p=72682








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة