الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التمييز العنصري في سورية

عزيز برو

2017 / 5 / 19
المجتمع المدني


التمييز العنصري في سورية
عزيز برو

العنصرية تعني الاعتقاد بأن سلالات بشرية معينة لديها عناصر وصفات جسدية او ذهنية تتفوق بها على سلالات بشرية اخرى تفتقد لتلك العناصر والصفات وهذه الافكار قديما تم دعمها بالنصوص الدينية وفي العصر الحالي يتم دعمها من خلال نظريات تلصق بها الصفة العلمية
الاعتقاد بالتفوق العنصري تكّون لدى المجموعات البشرية الاولى واستمر الى يومنا هذا وكان اقسى تعبير للعنصرية هو انقسام المجتمعات القديمة الى طبقتين اجتماعيتين هما طبقة الاحرار وطبقة العبيد , حيث قامت طبقة الاحرار بسن القوانين التي جسدت ذلك التقسيم على شكل ديانات سماوية او قوانين وضعية , استباحت حرية الانسان وكرامته وحتى حقه في الحياة
عرفت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1965 التمييز العنصري بأنه كل تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الجنس، ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها على قدم المساواة في الميدان السياسي أو الميدان الاقتصادي أو الميدان الاجتماعي أو الميدان القضائي أو أي ميدان آخر من الميادين العامة".
فالتمييز العنصرية في اساسه يعتمد على بعض الصفات الجسدية الظاهرة واهمها لون البشرة ((التمييز بين الاحرار والعبيد في امريكا ونظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا سابقا ))الى جانب بعض الصفات الجسدية الاخرى (( التمييز الذي طال الرومانيون (الغجر) في المانيا وكذلك التمييز ضد اليابانيين في امريكا في فترة الحرب العالمية الثانية ))
كما ان التمييز يتجاوز الصفات الجسدية لتطال الثقافات الاخرى المختلفة مثل الشعور بالتفوق الذي يسود لدى الناطقين بلغة محددة اتجاه الناطقين بالغات الاخرى , او المتدينين بدين معين اتجاه المعتقدات الدينية المختلفة


فعلى الجانب الديني
منذ الدولة السومرية القديمة في جنوب العراق كانت الحروب تقوم باسم الالهة وتحت رعاية رجال الدين وفي اغلب الاحيان كانت الجماعات الدينية تقوم بكل الفظائع باسم الدين وتحصل على الترخيص من وكلاء الله على الارض المتمثلين بطبقة رجال الدين الذين كانوا يبررون كل تلك الجرائم بحق الجماعات المهزومة وكانوا يبررون للمنتصر ان يستعبد المهزوم وان يقوم بسلب ماله وسبي نسائه واحيانا ابادتهم
ان الذاكرة الجمعية للشرق الاوسط مليئة بصفحات دامية من الحروب الدينية والطائفية خلقت شرخا فيما بين مكونات المنطقة منها الحروب الصليبية والتي دامت لأكثر من قرن من الزمن وخلفت مئات الالاف من الضحايا ولتشتعل مجددا في ظل الدولة العثمانية حيث ارتكبت الدولة العثمانية جريمة بحق المسيحيين راح ضحيتها حوالي المليون وخمسمئة الف مسيحي من رعاياها,, هذا الى جانب قيام اكثر من 73 حملة ابادة قام بها الحكام المسلمين وطالت اتباع الديانة الازيدية
اما داخل البيت الاسلامي فأن الانقسام بدأ بعد رحيل الرسول و الحرب الطائفية مستمرة منذ ذلك التاريخ فيما بين المسلمين السنة والشيعة والسنة والعلويين والدروز والمراحل التي شهدت استقرارا لم تخلو من صراع كامن يندلع بين الفينة والاخرى
على الجانب القومي
الدول الحديثة في منطقة الشرق الاوسط تم تأسيسها نتيجة اتفاقيات استعمارية لم تراعي الحدود القومية فيما بين القوميات المختلفة في منطقة الشرق الاوسط والانظمة الحاكمة في المنطقة مثل الانظمة العربية والتركية والايرانية لم تعترف بحقوق القوميات الاخرى في هذه الدول مما خلق صراعا اخر في هذه الدول يندلع بين الحين والاخر ويكون كامنا في الفترات التي تسمى فترات استقرار وفي الحقيقة هذه الفترات تكون فترات قمع واضطهاد لا تدوم , وتندلع الاشتباكات مجددا فهناك شعوب مستعمرة تسعى الى التحرير وانظمة غاصبة ترى في هذه الجماعات المنتفضة حركات انفصالية ارهابية
ويقوم كلا الطرفين بنشر افكاره وجمع التأييد لها مما يخلق شعورا عدائيا فيما بين المنتمين الى القومية السائدة او الغالبة و القومية المغلوبة او المستعمرة ويبقى الصراع كامنا وينفجر عندما يجد الظروف المناسبة
التمييز العنصري في سورية
الدولة السورية الحديثة والتي اعلن استقلالها عام 1946 بعد رحيل الفرنسيين لم تعترف دستوريا بكونها دولة متعددة الاعراق والاديان واعتبرت اللغة العربية اللغة الرسمية الوحيدة في سورية وتبنت القوانين المدنية في الكثير من الجوانب وابقت على بعض التشريعات الدينية ويمكننا ان نعتبر التشريعات في سورية في مرحلة انتقالية ما بين قوانين الدولة الاسلامية (العثمانية )والدولة العلمانية (الفرنسية) وشهدت مرحلة 1954 الى 1957 انتخابات ديمقراطية لم تتكرر في تاريخ سورية الحديث
برغم عدم الاعتراف بالكورد والاشوريين – سريان كمكونين من مكونات الشعب السوري في الفترة التي سبقت قيام الجمهورية العربية المتحدة , الا اننا لم نجد اجراءات عنصرية ظاهرة اتجاههم ووصل الكورد والمسيحيين الى اعلى المناصب في الدولة السورية ((وهنا نستشهد بحادثة حصلت عام 1949 اذ قدم احد المسئولين عن الأمن في سورية على اثر جولة قام بها في منطقة الجزيرة تقريرا حذر فيه المسئولين من خطر تجمع الكرد في منطقة واحدة، وانه قد يقض مضاجع الدولة السورية بل الأمة العربية مستقبلا وعندما وقع التقرير في يد رئيس الوزارة آنذاك اصدر أوامره بطرد المسئول المذكور بسبب ما ورد في التقرير من إثارة النعرات القومية وإساءة إلى تلاحم الصف السوري))
وفي الجانب الاجتماعي كانت المرحلة السابقة لمرحلة حكم حزب البعث تشهد بعض الانفتاح فيما بين المكونات فمثلا كانت هناك تحالفات عشائرية كردية عربية تجاوزت الحدود القومية (تحالف الجبور مع التمكة ضد الميرسينية)
كما انه كان هناك حالات مصاهرة قد حصلت بين الكورد والعرب وتضاءلت كثيرا في الفترة اللاحقة بعد استلام حزب البعث للسلطة
حزب البعث العربي الاشتراكي
ينتمي حزب البعث العربي الاشتراكي الى المدرسة الاشتراكية القومية والتي سطع نجمها في اوربا في ثلاثينيات القرن العشرين ((الحركة النازية في المانيا والنمسا والتي كانت تؤمن بالتفوق العرق الاري )) ورغم تراجع هذه الافكار في اوربا وانحسارها بعد انهيار المانيا النازية وخسارتها الحرب امام الحلفاء الا انها استمرت في سورية والعراق متجسدة في فكر حزب البعث العربي الاشتراكي ونظريته القوموية والمطالبة بالوحدة العربية والرافضة لوجود أي قوميات اخرى في هذه البقعة الجغرافية الممتدة من المحيط الاطلسي الى الخليج العربي والتي تحدها شمالا جبال طوروس
تمكن حزب البعث من استلام السلطة في سورية في انقلاب عسكري عام 1963 ليقوم بتثبيت بعض الخطوات العنصرية التي قام بها الانفصاليين لإرضاء المتعصبين من العرب بعد انفصالهم عن الجمهورية العربية المتحدة وكانت اولى هذه الخطوات التي حافظ عليها حزب البعث هي تغيير اسم الوطن السوري من الجمهورية السورية الى الجمهورية العربية السورية وهذا يعتبر انكارا لوجود القوميات الاخرى في سورية مثل الكورد والسريان –اشوريين كذلك فأن البعثيين قاموا بتجريد عشرات الالاف من الكورد من جنسيتهم السورية من خلال تثبيت نتائج الاحصاء الذي جرى في 5/10/1962 في فترة حكم الانفصاليين استمر الحزب في تطبيق سياساته العنصرية من خلال التستر بقانون الاصلاح الزراعي حيث قام بنزع ملكية الاراضي في الشريط الحدودي مع تركيا من مالكيها والذين كانوا في غالبيتهم من الكورد الى جانب عدد من الملاكين السريان اشوريين وحولها الى مزارع للدولة وفي عام 1973- 1974 قام بجلب العرب من محافظتي حلب والرقة ووطنهم في هذه الاراضي من خلال مشروع سمي بمشروع الحزام العربي وكان الهدف منه تحزيم الكورد في منطقة الجزيرة بحزام من المواطنين العرب وقطع اتصالهم مع الكورد في الجانب التركي من الحدود
وتوالت الاجراءات العنصرية بحق المكونات السورية الاخرى من غير العرب وكان اهمها عدم السماح بتدريس غير اللغة العربية (رغم وجود محدود للمدارس السريانية التي اخذت طابعا دينيا وليس قوميا ) وكانت الدوائر الحكومية والمدارس في منطقة الجزيرة تضع لوحات مكتوب عليها (ممنوع التحدث بغير اللغة العربية ) هذا الى جانب طرد عدد كبير من الطلاب الكورد من الجامعات والمعاهد وفصل الكثيرين من الموظفين الكورد تحت بند (خطر على امن الدولة )

تراجعت العلاقات الاجتماعية فيما بين المكونات (القومية ) في سورية مع استلام حزب البعث للسلطة حيث رفع الحزب الشعارات القومية وقام بشحن للجماهير العربية اتجاه القوميات الاخرى وقدم تاريخا مزيفا للمنطقة وخلق مخاوف لدى العرب من الكورد
ظهرت الاحزاب السياسية الكوردية كرد فعل على سياسة الانكار للوجود الكوردي في مرحلة الوحدة مع مصر ومع استلام حزب البعث للحكم وسياسته العنصرية تضاعفت الاعباء على كاهل هذه الاحزاب ولكنها وقعت ايضا فريسة لسياسة رد الفعل والتي تدفع بالمنطقة الى المزيد من التعصب ففي الوقت الذي كان حزب البعث يدعي عروبة اغلب مدن كردستان تركيا وصلت الخرائط الكوردية الى دير الزور وكانت هذه الاحزاب وبعكس مثيلاتها في اجزاء كردستان الاخرى لا تقبل في عضويتها سوى ابناء القومية الكوردية وبقيت مطالبها محصورة بالاعتراف بالوجود الكوردي ولم يكن لها مطالب اقتصادية او اجتماعية تخص المنطقة ككل وكذلك لم يكن لها مطالب بإصلاح سياسي مما دفع الكثيرين الى التساؤل عن الجدوى من وجود هذه الاحزاب واخرين الى القول ان وجود هذه الاحزاب ربما ساهم في زيادة الاضطهاد الموجه اتجاه الكورد وكذلك زيادة الاحتقان فيما بين الكورد والمكونات الاخرى في المنطقة
من ناحية اخرى وفي منتصف الستينيات من القرن الماضي حدثت تحولات جذرية في قيادة حزب البعث وتمكن بعض ابناء الطائفة العلوية من ابعاد ابناء الاغلبية السنية من الحكم من خلال اعتقال العديد من قيادات الجيش واعضاء القيادة القومية لحزب البعث لتنتهي تلك المرحلة باستلام حافظ الاسد للحكم عام 1971
تمكن الاسد من ادارة دفة الحكم في سورية واستغل حرب تشرين لتوجيه الانظار للعدو الخارجي
الا ان الصراع الكامن فيما بين العلويين والسنة لم يكن ليجعل حكمه يحظى بالاستقرار مطولا وظهرت حركة الاخوان المسلمين المدعوة من الانظمة الاقليمية السنية المجاورة ولم تسعف الاسد شعاراته القومية فالانتماء الطائفي في المنطقة اكثر عمقا من الانتماء القومي ولن يمر انقلابه بدون عواقب
استغل الاسد مخاوف المكونات السورية الاخرى من حكم الاسلام السياسي واعتمد على طائفته بالدرجة الاولى وعلى المسيحيين والدروز والاسماعيليين والكورد بدرجة اقل وتمكن من اخماد الحركة المسلحة للإخوان وارتكب العديد من الفظائع في الكثير من المدن السورية مثل حلب ودير الزور ودمشق ولكن كانت حماه هي الشاهد على وحشية نظام الاسد في اخماد هذه الحركة المسلحة .
تبين لنا مما سبق ان هناك صراع دينيا كامنا فيما بين مكونات المجتمع السوري وكذلك هناك قوميات اخرى في سورية الى جانب القومية العربية تسعى الى التحرر وتقرير مصيرها
وبعد هذا السرد التاريخي ننتقل الى تفصيل اسباب التعصب


اسباب التعصب
اولا : في اللغة العربية تعصيب العين يعني ربطها ومنعها من الرؤية واساس الكلمة هو عدم القدرة على رؤية الاخر ومعرفته بشكل جيد فالعصبية هي النظرة المتعالية من قبل الفرد لجماعته و الجهل بالجماعات الاخرى مما يخلق نظرة دونية لها او الخوف من الاخر الذي يجهله
ان الجهل بالأخر المختلف وبثقافته تعتبر من اهم مسببات التعصب سواء كان هذا الاخر مجموعة عرقية او دينية وفي المجتمع السوري ونتيجة للذاكرة التاريخية التي تحتوي على سلسلة طويلة من الحروب الطائفية والدينية , كان هناك انغلاق فيما بين الجماعات الدينية واقتصرت العلاقات على بعض المعاملات الاقتصادية وفي بعض المجالات الخدمية اما النواحي الاجتماعية فقليلا ما نجد استثناءات تقوم بخرق هذا الجدار فيما بين الجماعات الدينية او الطائفية
اما الجماعات العرقية او المجموعات اللغوية فرغم تجاورها الا ان هناك بعض العوائق وربما كانت اللغة في السابق من اهمها الى جانب الخوف المتبادل نتيجة انتشار الافكار المغالية في القومية
ثانيا السلطة الديكتاتورية : يكون لها دور كبير في زرع الشقاق ودفع مكون ما للتعصب وهي بذلك تحافظ على استمرار حكمها وتخلق خوفا متبادلا فيما بين المكونات كما كان حاصلا في سورية والعراق حيث كانت السلطة في الدولتين تنتمي الى مجموعة تعتبر اقلية طائفية بالمقارنة مع الغالبية من الشعب المنتمي الى طائفة اخرى وهذه الاقلية الطائفية تعتبر ان مصيرها مرتبط بمصير السلطة الحاكمة و تقوم بحمايتها خوفا من الاغلبية. فالسلطة الحاكمة تخلق حالة من الاحتقان الطائفي والقومي تجعل الاقلية تخشى من زوال وجودها مع زوال السلطة الحاكمة والحالة السورية الراهنة تعتبر مثال حي على ذلك
من جهة اخرى فأن الاحزاب والحركات السياسية التي تشكلت كرد فعل على فكر السلطة الحاكمة شاركتها في زيادة الشرخ المجتمعي فسياسة رد الفعل احيانا تكون اكثر سوءً من الفعل ذاته والمثال عليها حركة الاخوان المسلمين في سورية وحزب الدعوة في العراق
ثالثا : الصراع الدولي على الارض السورية :
الموقع الجغرافي لسورية والذي يجعلها ممر اجباريا لنقل الغاز من الخليج العربي (الفارسي) الى اوربا الى جانب الثروات الباطنية كمخزون النفط والغاز في منطقة الجزيرة والمكتشف حديثا في الساحل السوري . جعل الصراع يحتدم فيما بين دول الخليج وتركيا واسرائيل من جهة وروسيا وايران والنظام السوري وحليفه حزب الله من جهة اخرى وقام الطرفين بدعم المجموعات التي تعمل ضمن مخططتها والبست صراعها عباءة طائفية في مناطق الساحل والداخل وعرقية في المناطق الكوردية وضخت ملايين الدولارات لتأجيج هذا الصراع ففي الوقت الذي يسعى المعسكر الروسي للحفاظ على احتكارها لسوق الغاز الاوربية وعلى سورية كقاعدة عسكرية على البحر المتوسط يسعى المعسكر الاخر الى فتح طريق امام انابيب الغاز القطرية للوصول الى اوربا وكذلك الحصول على امتياز التنقيب في الساحل السوري ولتبقى امريكا اللاعب الاساسي والذي يحافظ على التوازن فيما بين المعسكرين لتتربع على عرش صادرات الغاز العالمي ولتكون لها الكلمة الفصل في النهاية
كل ذلك كان على حساب دفع مئات الالاف من المقاتلين الاجانب تحت رايات طائفية وعرقية للدخول الى سورية وتحويلها الى ساحة صراع فيما بينها وارتكاب افظع الجرائم مما ساهم بتعميق الشرخ داخل المجتمع السوري بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ الحديث
رابعا : تدني مستوى المعيشي للمواطنين فوفق إحصائيات نشرها النظام السوري (عام 1997) كانت نسبة المواطنين تحت خط الفقر 65% من ابناء محافظة الحسكة وريف حلب ومعروف ان المجتمع السوري ونتيجة للفساد الممنهج من قبل النظام تحول الى اقلية غنية تستحوذ على حصة الاسد من الدخل و اغلبية فقيرة لا تستحوذ على الحاجات الضرورية للعيش الكريم اما الطبقة الوسطى والتي يعول عليها في تحضر المجتمعات ورقيها فتكاد تكون معدومة في سورية
هذا من جهة ومن جهة اخرى فأن هذا الانقسام بين الاغنياء والفقراء اخذ طابعا طائفيا ايضا فخلال فترة حكم عائلة الاسد ظهرت طبقة جديدة من الرأسماليين من ابناء الطائفة العلوية ومن المقريين من العائلة الحاكمة وفي نفس الوقت تحولت الطبقة الوسطى السنية والكوردية الى طبقة فقيرة مع استمرار التعاون بين الطبقة الغنية السنية مع النظام .
انتشار الفقر والظروف الاقتصادية الصعبة التي رافقت فترة حكم البعث ساهمت وبشكل كبير في انخفاض نسبة المتعلمين وتحديدا التعليم الجامعي والدراسات العليا هذا من جهة ومن جهة اخرى فأن المناهج الدراسية المؤد لجة بفكر البعث جعلت الطبقة التي يعول عليها في تغيير الواقع ونشر فكر التعايش وقبول الاخر جعلتهم اكثر تعصبا من الاشخاص الاميين وهذا الامر مازال ظاهرا وبقوة
خامسا : عنصرية الاقليات : وهي بعض الافعال التي تقوم بعض الجماعات العرقية او الدينية الصغيرة والتي تعتبرها الاغلبية تمييز عنصري اتجاهها , وهذا الامر يدفع بالأغلبية الى الرد على هذه الاعمال بإجراءات عنصرية حقيقية فهذه الاعمال هي من مسببات التمييز العنصري اتجاه المجموعة التي مارست بعض الاعمال التي تندرج في مفهومها تحت مسمى الحفاظ على الذات وفي مفهوم المكون الغالب تحت مسمى التمييز العنصري وفي هذا الاطار علينا ان نفرق بين ان يقع الفعل نفسه من الاقلية اتجاه الاغلبية او من الاغلبية اتجاه الاقلية فعندما يكون من الاغلبية فهو تمييز عنصري وعندما يكون من الاقلية فيجب النظر الى الدافع خلف الفعل وعلى اساسه يتم تحديد الفعل هل هو تمييز عنصري او يقع ضمن مفهوم الحفاظ على الذات
اشكال التمييز العنصري
وهنا يجب التفريق بين ما كان يحدث قبل 2011 والتمييز ما بعد هذا التاريخ
التمييز الفردي : وتعني ممارسة العنصرية ضد فرد معين وحرمانه من حقوقه او عدم اعطاء الافراد فرصا متساوية في شتى المجالات منها مثلا في مجال العمل كحرمان شخص ما من القيام ببعض الاعمال او عدم اعطاء الجميع فرصا متساوية للعمل في وظيفة ما بسبب العرق او الجنس او الدين او اللون او أي سبب اخر يندرج تحت بند التمييز العنصري وفي مجال التعليم مثلا حرمان الشخص من التعليم او الانتساب الى المدارس او الجامعات بسبب يندرج تحت بند التمييز العنصري
ففي مجال التعليم في سورية كان الطالب المنتسب الى حزب البعث الحاكم يحظى بفرصة اكبر من زملائه الآخرين في الانتساب الى الكليات المختلفة فكانت الطالب المنتسب الى شبيبة حزب البعث يحصل على درجات اضافية تضاف الى معدله النهائي تؤهله للانتساب الى الجامعة ويكون ذلك على حساب حرمان غيره من الطلبة الغير منتسبين الى الحزب الحاكم , كما ان الطالب المنتسب الى شبيبة حزب البعث كانت فرصه في زيادة المعدل تزداد اذا قام بدورة (عضو عامل)في الحزب
كذلك كان الكورد المجردين من الجنسية( الاجانب ومكتومي القيد ) لا يمنحون وثائق اتمام التعليم الاساسي والثانوي والجامعي وكان الطالب الكوردي الذي صنف مكتوم القيد كان لا يسمح له بالتعليم الجامعي ونشر تعميم من جانب الامن السوري على جميع مؤسسات الدولة ((لا يجوز منح مكتوم القيد أي وثيقة رسمية ))وبالتالي لا يسمح لهم بالانتساب الى الكليات و الجامعات الحكومية والخاصة في سورية
وبالحديث عن مشكلة المجردين من الجنسية الكورد كان هناك بين الكورد ثلاث درجات
1- الكورد المجنسين بالجنسية السورية : هؤلاء يتعرضون للتمييز كونهم لا ينتمون للقومية العربية ولقد تم طرد العديد من الطلبة الكورد المجنسين بالجنسية السورية من الجامعات والمعاهد تحت حجة (خطر على امن الدولة)
2- الكورد المسجلين اجانب : كأن هؤلاء يسمح لهم بالدراسة الجامعية ولكنهم لم يمنحوا شهادات التخرج وبالتالي لم يسمح لهم بالعمل ضمن القطاع العام ولم يسمح لهم كذلك بالتسجيل في النقابات مثل (نقابة الاطباء – المهندسين – المحامين ) والنقابات الخاصة بالعمال او اتحادات الفلاحين وهم الى جانب ذلك ممنوعين من السفر الى خارج القطر ومن حق الملكية
3- الكورد المسجلين مكتومي القيد : كان هؤلاء محرومين من التعليم الجامعي(( باستثناء عدة سنوات سمح لهم بالدراسة الجامعية ولم يمنحوا وثائق التخرج ليعود بعدها النظام الى حرمانهم من التعليم الجامعي)) ولا يمنحون وثائق اتمام التعليم الثانوي او الاساسي وهم كما الكورد المسجلين اجانب لا يسمح لهم بالتسجيل في النقابات ولا العمل في القطاع العام ناهيك عن حرمانهم من السفر الى خارج سورية والدخول الى المشافي العامة وقيادة السيارات والنوم في الفنادق الى جانب حرمانهم من حق الملكية
اما في مجال العمل فالكثير من الوظائف كانت محرمة على ابناء بعض مكونات الشعب السوري وكان ابناء المحافظات الداخلية والساحلية يحظون بفرص افضل للتوظيف في المحافظات الشرقية والشمالية برغم انه لا توجد قوانين تعترف علانية بذلك (( فمثلا وبرغم للأعداد الهائلة للعاطلين عن العمل في محافظة الحسكة كان غالبية العاملين في قطاع البترول في المحافظة من اهالي الساحل والداخل وكذلك رجال الأمن والشرطة والمدراء في الشركات والدوائر الهامة في محافظة الحسكة كانوا من خارج المحافظة فعلى سبيل المثال في مسابقة بتاريخ 9/7/2005م لانتقاء معلمين للتدريس في مدارس محافظة الحسكة , تم رفض الكثير من الطلبات لخريجين من أبناء وبنات المحافظة وتم تعيين 380 مدرساً من خارج المحافظة من أصل 489 مدرس تم تعينهم.
وللسخرية فقبل عدة سنوات قام المسئولون في المؤسسة العامة للحبوب في أيام الحصاد بجلب العتالين من خارج المحافظة وكان لهم الأفضلية للعمل كعتالين على العتالين المحليين))
التمييز الفردي ما بعد الاحداث
بعد اندلاع الاحداث تغير الوضع في سورية واصبح التمييز الفردي اكثر وضوحا وبلغ درجات غاية في العنصرية لدى اغلب المجموعات وصلت الى حد القتل على اساس الانتماء العرقي والديني واستعباد المختلف وسبي النساء و مصادرة الاملاك
التمييز القانوني . وهنا يستعمل القانون لمصلحة مكون معين ويستبعد المكونات الاخرى واذا اعتبرنا الدستور هو القانون الاساسي في الدولة فأن الدستور السوري في المادة الاولى الفقرة الثالثة اعتبر ( الشعب في القطر العربي السوري جزء من الأمة العربية يعمل ويناضل لتحقيق وحدتها الشاملة) وهو بذلك اغلق المجال امام القوميات الاخرى في سورية للمشاركة في الوظائف السيادية في سورية (باستثناء العناصر التي تنكر اصولها القومية ) وكذلك نص الدستور في المادة الثالثة الفقرة الاولى على (دين رئيس الجمهورية الإسلام.) وفي المادة الرابعة التي تنص على (اللغة العربية هي اللغة الرسمية.)وهذا التشريعات الدستورية منافية لقيم المساواة بين مكونات المجتمع السوري القومية والدينية
قانون الاحوال المدنية في سورية مستمد من الشريعة الاسلامية ونرى فيه الكثير من اوجه التمييز ضد المرأة , يطول شرحها هنا (فهي تشمل الكثير من المجالات منها الزواج والطلاق وعقوبة الزنا والارث وووو.....الخ).
اما الاجراءات العنصرية الاخرى التي طالت المكونات الاخرى وتسترت بالقانون فكان منها المرسوم رقم 49 الصادر عام 2008 والذي ينص في المادة الاولى منه على ((لا يجوز إنشاء أو نقل أو تعديل أو اكتساب أي حق عيني عقاري على عقار كائن في منطقة حدودية أو إشغاله عن طريق الاستئجار أو الاستثمار أو بأية طريقة كانت لمدة تزيد على ثلاث سنوات لأسم أو لمنفعة شخص طبيعي أو اعتباري إلا بترخيص مسبق سواء كان العقار مبنياً أم غير مبني واقعاً ضمن المخططات التنظيمية أم خارجها )) وبما ان النظام السوري كان قد اعتبر محافظة الحسكة بكامل مساحتها منطقة حدودية فأن القانون شمل كامل المحافظة وجميع التراخيص او العقود في المحافظة اصبحت بحاجة الى موافقة من وزارة الدفاع وتلك الموافقة لن يحلم بها ابناء المكون الكوردي بذلك توقفت معاملات البيع والشراء والايجار في المحافظة مما تسبب بإضافة اعداد جديدة الى طابور العاطلين عن العمل في المحافظة
التمييز الطبقي
وهذا النوع من التمييز في سورية نشاهده لدى القبائل العربية و بشكل اقل لدى العشائر الكوردية فمثلا القبائل العربية مقسمة الى عدد من العشائر وتكون احدى هذه العشائر تضم عائلة تعتبر عائلة الشيوخ وتتميز عن غيرها من عوائل القبيلة ويكون لها امتيازات اقتصادية واجتماعية و تكون المشيخة متوارثة وكذلك يكون لهذه العائلة مكانة مرموقة تميزها عن باقي افراد القبيلة وعادة هذه العائلة ترفض الزواج بين ابنائها وباقي افراد القبيلة فمثلا في منطقة الجزيرة هناك عائلة العاصي في قبيلة شمر وعائلة العساف في قبيلة طي وعائلة المسلط في قبيلة الجبور هذا الى جانب النظرة الدونية لغيرها من العشائر وخاصة المشكوك في اصولها العرقية اما العشائر الكوردية فما زالت الاسر التي كانت تحمل لقب الاغا تترفع على غيرها من العوائل الكوردية وبخاصة انها كانت عوائل مالكة للأراضي الزراعية وكان افراد العشيرة على الغالب يعملون كفلاحين في اراضي هذه العائلة كذلك اما في المدن فنلاحظ هذا التمايز بين طبقة صغيرة غنية ومتحكمة بالاقتصاد واغلبية من الفقراء وهذا الغناء المتوارث خلق انقساما اجتماعيا خفيا عندما تكون الطبقتين متوحدتين في القومية وفي الدين ويكون اكثر وضوحا عندما لا تكون كذلك
النتائج :
في 15 اذار عام 2011 اندلعت الثورة السورية وانتشرت خلال اسابيع قليلة في مختلف ارجاء الوطن السوري وشارك فيها مختلف مكونات الشعب السوري الدينية والعرقية وكانت المطالب هي تحقيق العدالة والحرية والكرامة لمختلف السوريين ورحيل النظام بكافة رموزه ومرتكزاته وتوقع الكثيرين انتصار الثورة خلال اسابيع او شهور على ابعد تقدير ولكن كانت هذه التقديرات في غير محلها فالنظام القائم في سورية وكذلك القوى الاقليمية والدولية المستفيدة من بقاء النظام الديكتاتوري في سورية تعلم جيدا حجم الصراعات الكامنة في سورية وعملت على اشعالها لتدخل الثورة مرحلة جديدة وتتحول الى حرب اهلية طائفية في الداخل السوري وطائفية عرقية في الشمال والشمال الشرقي وكانت نتيجة هذه الحرب حصيلة كبيرة في الارواح بلغت نصف مليون قتيل الى جانب 12 مليون مهاجر ومئات الالاف من المعتقلين لدى مختلف الجهات ودمار طال البنية التحية الاقتصادية في سورية يقدر ب خمسين مليار دولار ودمار اكبر في العلاقات الانسانية ما بين مكونات المجتمع السوري
انخفاض كبير في مستوى التعليم وظهور جيل جديد لم يتسنى له فرصة التعليم ودخول المدارس
انتشار ظاهرة التسلح وتقلص المجتمع المدني لصالح عسكرة المجتمع وزج عدد كبير من الاطفال في هذه الحرب الاهلية وحملهم للسلاح
انتشار الأيدولوجيات الدينية والقومية المتشددة في اغلب المناطق وتدريس هذه الايديولوجيات في المدارس مما يجعل المشكلة تتفاقم في المستقبل
ما العمل ؟
ليس من السهل الوصول الى مجتمع متسامح يحقق العدالة والكرامة والحرية لجميع افراده والعمل على الوصول الى هذا الهدف يحتاج الى عدة عقود من الزمن وليس من الضروري ان يصل المجتمع السوري الى هذا الهدف بسوية واحدة وانما ستكون هناك مناطق تسبق غيرها وتمتلك مؤهلات وظروف تساعدها بشكل اكبر على تجاوز الحالة الراهنة والانتقال الى مجتمع اكثر تماسكا وتقبلا للأخر المختلف وحتى نحقق هذا الهدف نحتاج الى العديد من الخطوات يكون في مقدمتها
1- ضورة ايقاف الحرب الاهلية الراهنة والعمل على معالجة اثارها وهذا الهدف صعب المنال دون تدخل الاطراف الخارجية لهذا فأن ايقاف الحرب في سورية هو شأن دولي يحتاج الى تفاهمات وتوافقات دولية تحفظ مصالح مختلف الدول وبالتالي تقوم الدول بالضغط على حلفائها في الداخل لإيقاف الحرب في سورية
2- تعويض المتضررين من اثار الحرب واعادة المهجرين الى مناطقهم التي تم تهجيرهم منها.
3- فتح محاكمات عادلة لمتهمين بارتكاب جرائم عنصرية ومنع مرتكبي الجرائم من الافلات من المحاكمة والعقاب
4- وضع دستور عصري يعترف بالوطن السوري كدولة متعددة الاعراق والاديان ويضمن علمانية الدولة ويحقق الفصل التام بين الدين والدولة
5- الغاء القوانين والمراسيم الاستثنائية والتي كانت تؤدي الى التمييز العنصري
6- تحيق المساواة امام القانون واصدار قوانين والتدابير اللازمة لمنع التمييز العنصري ومعاقبة الجهات المخالفة وفق القانون
7- تحقيق المساواة التامة بين المرأة والرجل وسن القوانين التي تحمي المرأة من التمييز وايضا القوانين التي تحمي الطفل
8- العمل على تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية المتساوية في مختلف المناطق وكذلك ضمان المشاركة المتكافئة لجميع المكونات الدينية والعرقية في مختلف المجالات منها الادارة والقضاء والتشريع والعمل على التوزيع العادل للثروة
9- منع اعطاء التراخيص للأحزاب والكيانات التي تدفع باتجاه التمييز العنصري وسحب الترخيص ومعاقبتهم في حال ارتكابها أي خطأ يندرج تحت بند التمييز العنصري
10- تشجيع الحركات والمنظمات التي تسعى الى الاندماج و ازالة التمييز العنصري ومحو اثاره وعقد لقاءات سنوية فيما بين هذه المؤسسات لتقييم العمل السابق والتنسيق فيما بينها للمرحلة اللاحقة
11- تغيير المناهج الدراسية الحالية واضافة مواد اليها تدفع باتجاه الانفتاح على الاخر وقبوله وتخصيص ساعات تربوية لشرح مفاهيم الديمقراطية وحقوق الانسان والتمييز العنصري وضمان مشاركة جميع المكونات في المؤسسة التعليمية وفي وضع المناهج الجديدة وفتح دورات تدريب وتأهيل للكوادر في السلك التعليمي في مجال مكافحة التمييز العنصري واحترام حقوق الانسان
12- اخضاع جميع العاملين في القطاع العام من موظفين اداريين والعاملين في سلك الشرطة والجيش وفي المؤسسة القضائية لدورات في مجال احترام حقوق الانسان والمعايير الديمقراطية ومناهضة التمييز العنصري
13- تشجيع الحوار والمعرفة بالأخر من خلال ندوات جماهيرية وكذلك من خلال الاعلام ووضع خطط سنوية لذلك تخصيص ميزانية لها وكذلك تشجيع المنظمات في مجال المجتمع المدني والمؤسسات الاعلامية في المرحلة الراهنة على ان تضم اعضاء وكوادر من مختلف المكونات لأن ذلك سيقيها من الوقوع في فخ التمييز العنصري





واخيرا علينا ان نسأل انفسنا بين الحين والاخر هل نحن عنصريون ؟
علينا جميعا ان ننتبه لتصرفاتنا وتعاملاتنا الاقتصادية والاجتماعية اليومية وان نسأل انفسنا هل نعامل الجميع بنفس السوية اما نحابي جماعة على حساب جماعة اخرى ؟
سيلاحظ الكثيرين ان تصرفاتهم لا تخلو من عنصرية خفية , رغم ادعائنا بأننا نقف ضد هذه المفاهيم
لهذا علينا ان نقي انفسنا من هذه العنصرية بزيادة معرفتنا للأخر وفتح ثغرات في الجدران التي نحيط مجتمعاتنا بها وان نتفهم مخاوف الاخر وان نعمل على مد جسور الثقة معهم فالملاحظ ان مصير مجتمعاتنا مشترك ولا يمكن لمكون معين ان يرتقي بذاته بعيدا عن المكونات الاخرى ولا سبيل للعبور الى السعادة بمفردنا
... القامشلي 19/4/2017
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزيرة تحصل على شهادات لأسيرات تعرضن لتعذيب الاحتلال.. ما ا


.. كيف يُفهم الفيتو الأمريكي على مشروع قرار يطالب بعضوية كاملة




.. كلمة مندوب فلسطين في الأمم المتحدة عقب الفيتو الأميركي


.. -فيتو- أميركي يفشل جهود عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدة




.. عاجل.. مجلس الأمن الدولي يفشل في منح العضوية الكاملة لفلسطين