الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حتى لا ننخدع : هل جبهة البوليساريو منظمة ثورية واشتراكية ؟

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2017 / 5 / 21
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


لقد خمرنا هذا السؤال ، لان العديد من المنظمات المحسوبة على اليسار ، تخندقت في الدفاع عن هذه الجبهة ، بدعوى أنها منظمة ثورية ، ويقف وراء تأسيسها ، شخصيات ثورية مغربية ، من جيل المقاومة وجيش التحرير المغربيين ، وأنها بذلك ، تمثل التناقض الطبيعي ، والإيديولوجي ، والمفصلي ، مع النظام الكمبرادوري ، الاثوقراطي ، الحاكم في المغرب ، ومن ثم فان المساندة للجبهة ، يجب أن تنطلق من موقع الجبهة ، كمنظمة ثورية واشتراكية ، ومن كونها توظف كأداة ، في تقويض دعائم النظام ، كنظام رجعي فيودالي ، وحان وقت رحليه . بل إن من هذه المنظمات والأحزاب المحسوبة على اليسار طبعا الماركسي المظهر ، من انخرط في تدعيم جبهة البوليساريو ، لأنها أصبحت في عش الجزائر ، بلد الثورة والاشتراكية ، والمليون شهيد ، والمتخندقة الى جانب المعسكر الاشتراكي المنحل ، ونكاية في الاثوقراطية المغربية ، المتخندقة الى جانب النظام الامبريالي الاستعماري والرأسمالي .
يمكن ان نتفهم مثل هذه المواقف المدفوعة بقوة الشعارات الثورية ، لمّا كانت الجبهة مرتبطة بالوحدة الترابية للمغرب ، أي قبل ان تنقلب من منظمة وحدوية ، الى منظمة انفصالية تحتضنها الجزائر وليبيا معمر القدافي ، وحتى تأسيس جمهورية تندوف في سنة 1976 ، من قبل الهواري بومدين ومعمر القدافي .
لكن بعد سنة 1976 ، وبالضبط سنة 1977 التي تم فيها اكتشاف الشعب الصحراوي ، يحق لنا كباحثين وكمثقفين ان نطرح السؤال ، وهو سؤال المرحلة الذي يعري الأشياء ويفضح المستور ، ويفند الشعارات الطنّانة التي لوّكتها العديد من الحركات ، وقطعت معها ، ولترتمي بالكامل في حضن النظام المغربي ، مثلما ارتمت أخرى في أحضان أنظمة عربية على طول الخريطة العربية . هل الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ، هي منظمة ثورية واشتراكية ، ومعادية للأنظمة الرجعية والرأسمالية بمفهوم عام . ومما يشرعن لهذا السؤال ، ترديد انفصاليي الجبهة ، أن سبب رفضهم الارتباط بالمغرب ، هو نفورهم من طبيعة النظام الرجعي الاثوقراطي المغربي ، وان حُبهم للحرية والديمقراطية والمساواة ، والدفاع عن الاشتراكية ، يفرض عليهم رفض الخضوع للنظام ، بل يجبرهم على بناء نظامهم المستقل الديمقراطي تحت اسم " الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية " ، على وزن " الجمهورية العربية الجزائرية الديمقراطية " . واضح إذن الناسخ والمنسوخ .
بكل سهولة ، وأمام فوضى الصّياح باسم المبادئ الديمقراطية المفترى عليها ، يمكن لكل جماعة ، وإن كانت تتعشى من الارتزاق ، أن تتبنى ما طاب لها من الشعارات الثورية الرنانة ، مثل الديمقراطية ، والاشتراكية ، والعدالة الاجتماعية ، والمساواة ، و تتبني حقوق الشعوب ، مثل تقرير المصير ، والثورات ، إلى غير ذلك من السّفسطات التي تُشْربك هواء لا ماء ، وتطعمك الغبار لا الطعام . فهل الجزائر اشتراكية وثورية وديمقراطية ، حتى تكون ربيبتها كذلك ، اشتراكية وثورية وديمقراطية ؟ شيء وحقيقة فاقعة للأعين ، ولا يمكن لعلق سليم ان يثق بها .
تدعي الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ، أنها تهيؤ العدة ، لبناء نظام سياسي ، اشتراكي ، ديمقراطي ، وتقدمي ، وثوري في الصحراء المغربية ، بالأقاليم الجنوبية للمغرب . والى الآن نتساءل ، هل هذا النظام هو جمهورية تندوف التي أسسها الهواري بومدين ومعمر القدافي ، ام هو الجمهورية التي ربما ستسفر عنها نتائج الاستفتاء اذا نظمته الأمم المتحدة ، ورغم ان مجلس الأمن في كل قراراته ، وكذلك الجمعية العامة من خلال تبنيها لتوصية اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار ، لا يحددان مفهوما دقيقا لمصطلح تقرير المصير ، ويتركان لإطراف النزاع ، كامل الحرية في فهم المبدأ ، كل حسب قناعته وثقافته ومصالحه ، وهو ما يلاحظ بشكل واضح في القرار الأخير لمجلس الأمن 2351 . فإلى الآن ، نحن لا نعلم نوع النظام السياسي الجمهوري الذي تتحدث عنه الجبهة ، هل جمهورية تندوف ، أم جمهورية الاستفتاء إذا نظمه مجلس الأمن وقرر بشأنه الصحراويون مصيرهم ؟
وحتى لا نسقط في الفهم الخاطئ لبعض التجارب الثورية ، وفي مقارنة خاطئة بين القضية الوطنية الصحراء المغربية ، وهذه التجارب ، فان الواقع يفرض علينا كمحللين موضوعيين ، نوعا من الحيطة والحذر ، حتى لا نخلط أخماسا في أسداس .
أولا : إن كل القوى الثورية في البلدان التي فرض عليها التقسيم بالقوة ، مثل كوريا ( شمال جنوب ) ، و الفيتنام ( شمال جنوب ) ، وهونكونگ في الصين ، واليمن ( جنوب شمال ) قبل الوحدة ، لم ترضخ للاستراتيجية الاستعمارية ، ولم تصنع في كل جزء من بلدها المقسم ، تاريخا خاصا ومستقلا ، ولو على حساب الحقائق التاريخية . بل ظلت متمسكة بوحدة اوطانها ، واعتبرت حالة التقسيم الذي كانت تقاومه ، حالة مؤقتة لا بد من تجاوزها ، فبنت كل استراتيجيتها التحررية ، بل واستراتيجيتها في البناء الاقتصادي ، والسياسي ، على اساس وحدة اوطانها ، وعيا منها ان التطور الحقيقي الاقتصادي ، والسياسي ، والثقافي ، والحضاري لشعب مجزأ ، لا يمكن ان يتم بشكل سليم وكامل ، إلاّ في اطار كياناتها التاريخية ، وعلى انقاض ما خطط له الاستعمار والعملاء والخونة ، لاضعافها وتشويه ثقافتها واقتصادها .
في الفيتنام مثلا ، لم يقل الفيتناميون الجنوبيون ، انهم شعب جديد بحكم التقسيم الاستعماري ، بل تمسكوا بكونهم مع الفيتنام الشمالية شعبا واحدا ، واشترطوا في مفهومهم لتقرير المصير ، حقهم في الوحدة مع الفيتنام الشمالية .
اما الصين الشعبية ، فلم تفه في يوم ما ، بان الصين الوطنية بحكم الواقع الاستعماري المفروض ، بل وبحكم اختلاف الانظمة وتناقضها ، شعبا منفصلا عن الامة الصينية .
ان نفس الشيء يمكن لنا قوله عن كوريا الشمالية ، واليمن الجنوبي قبل الوحدة المهددة اليوم بالانفصال .
ان تقدم الثورة في هذه الامثلة لم يكن تنازلا من طرف القوى الثورية عن وحدة الشعب ، بل مقاومة من طرفها ضد مخطط التقسيم من اجل الوحدة .
سنجد في هذا الصراع ان الثورة تقدمت وكسبت مواقع تقدمية وثورية على جزء من اراضيها ، واصبح استكمال الوحدة يتخذ هو الآخر نفس المضمون التقدمي الثوري . ان الانفصال ليس من منطق اي ثورة ، بل الحفاظ على وحدتها هو منطقها واطار تطورها .
الآن نطرح التساؤل الاساس : هل الهزال البشري لسكان الصحراء المغربية ، الذين قد لا يتعدى عددهم اليوم ، حوالي المائتي الف موزعين بين تندوف ، وبين الاقاليم الجنوبية المغربية ، وهنا اتحدث عن الانفصاليين ، قادر على بناء نظام سياسي ديمقراطي ثوري واشتراكي في منطقة تتقادفها الاطماع الاستعمارية والامبريالية ؟ ان الهزال البشري والضّم الجزائري للمحتجزين ، يشكل النقطة المركزية في فشل كل الاستراتيجيات التحررية للبوليساريو ، بل هو ضدها اصلا ، مما يجعل منه منظمة رجعية تخدم مخططات اقليمية ، وحتى دولية معادية للوحدة الترابية للمغرب .
قد يقول قائل اننا نبخس قوة ودور الجماهير في صنع التاريخ ، وقد يتحجج بعضهم بما يجري اليوم بالريف ، لكن من جانبنا كمحللين ، فاننا نستند في تقييمنا للجماهير كظاهرة متغيرة ، على الواقع المادي ، والجغرافي ، والاقتصادي ، والعددي ، وعلى وعي الجماهير الذي قد يكون متدنيا . ان سكان الصحراء بعددهم هذا ، هم عاجزون عن تحطيم المشروع الاستعماري الجديد ، بانشاء دويلة قزمية منفصلة ومصطنعة ، هي في احسن الاحوال نتيجة لتوازنات القوى ، بين بعض القوى البرجوازية والاستعمار في المنطقة . ولأننا لا نصطنع التاريخ ، بل نمشي مع صيرورته الواقعية ، نؤكد على ان الجماهير المغربية بكاملها ، والشعب المغربي ، هم المؤهلين لاسقاط كل المشاريع التقسيمية والتجزيئية التي تجري اليوم بالشرق الاوسط ، بالمغرب ، اي ان الشعب المغربي ، هو القوة الوحيدة المؤهلة لتحطيم ، وافشال مشروع الاستعمار الجديد ، وسايكس بيكو، في اطار نضالها العام من اجل بناء النظام الديمقراطي الحقيقي . ان ارتباط الشعب بالوحدة الترابية للمغرب ، هو ارتباط روحي وديني ، ومن هنا ، فاي حركة ، واي تنظيم ،لا يمكن ان يحضى بدعم الشعب المغربي ، ان كانت له مواقف معادية للقضية الوطنية ، وللوحدة الترابية ، وللدين الاسلامي .
ثانيا : ان من اكبر المسخرات ، هي ادعاء جبهة البوليساريو لبناء نظام سياسي ، جمهوري ، ثوري ، واشتراكي في الصحراء . ان هذا الادعاء هو من ضروب المستحيل ، ومردود عليه ، لانه بسبب الهزال البشري ، والجزائر التي تعارض تنظيم استفتاء في الصحراء تدرك هذا جيدا ، يفتقد الى عنصرين اساسيين له ، هما السوق الوطنية الواسعة ، وكثافة اليد العاملة . ان هذان العنصران ، بدونهما يستحيل التفكير في انجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية ، فبالاحرى الثورة الاشتراكية ، التي تعتمد على التصنيع الثقيل الذي يواكب معطيات الثورة التكنولوجية والمعلوماتية الدقيقة ، والقدرة على ضمان الانفصال عن السوق الامبريالية في الثورة ، فاي مسخ للاشتراكية في بلد لا يتعدى ساكنوه مائتي الف نسمة ، موزعة بين المحتجزين بالمخيمات ، والانفصاليين الموجودين بالاقاليم الجنوبية للمغرب .
ثالثا : ان احسن ما يستطيع ان يقوم به نظام عميل مُقبل في الصحراء ، هو ان يحقق مستوى معيشي استهلاكي رفيع لجماهيره القليلة العدد ، ولكن دون ارتكاز هذا المستوى الاستهلاكي على بنية تحتية اقتصادية واجتماعية متقدمة . وتلك بالضبط هي الامكنة التي يعشعش فيها الاستعمار الجديد مخططو سايكس بيكو الجديد ، دون خشية من مقاومة فعالة له ، بسبب تخلف البنية الاقتصادية والاجتماعية ، وبتراخي هذه الاخيرة بسبب المستوى الاستهلاكي المضمون مسبقا .
ان تأميم الثروات الوطنية ليس هو نهاية المطاف في البناء الديمقراطي والاشتراكي . انه خطوة وحسب ، لا يكتمل الا بالقضاء على التبعية للنظام الامبريالي .
وعلى النقيض من هذا فان الانفصال الرجعي ان حصل في الصحراء ، فانه سيتم على حساب الاقتصاد الوطني مهما كان الطلاء الديمقراطي الثوري المزيف لثروات المنطقة في الصحراء .
ان الذي سيدفع ثمن هذا الضعف وهذا التفكك لو حصل ، ليس هو الحكم ولا طبقته ، بل الشعب المغربي ، والجماهير المغربية ،ويظل المستفيد الاول والاخير الصهونية والامبريالية .
فلو نحجت الجزائر " الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية " ،فحتما ستنحج " الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية " ، وحيث ان الناسخ ناطق بما فيه ، حيث الفقر ، والتخلف ، وهروب الشباب الجزائري في قوارب الموت الى اوربة ، رغم وجود الغاز والبترول الذي يسرق عائداته ، عسكر الجزائر وبوليسها ، فكذلك سيكون المنسوخ ورما خبيثا في خاصرة الضلع الجنوبي المغربي .
الصحراء مغربية وستبقى مغربية ، احب من احب ، وكره من كره ، والى ان يرث الله الارض وما عليها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: مقتل مسؤول في منظومة الدفاع الجوي لحزب الله بغارة إسر


.. قبيل عيد الفصح.. إسرائيل بحالة تأهب قصوى على جميع الجبهات| #




.. مؤتمر صحفي لوزيري خارجية مصر وإيرلندا| #عاجل


.. محمود يزبك: نتنياهو يفهم بأن إنهاء الحرب بشروط حماس فشل شخصي




.. لقاء الأسير المحرر مفيد العباسي بطفله وعائلته ببلدة سلوان جن