الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليلة الحصاد

شادية الأتاسي

2017 / 5 / 21
سيرة ذاتية


يبدو أن هذه الليلة ستكون طويلة ، ربما حتى الفجر وربما أكثر
مياه بحيرة ليمان ، المتماوجة برخاوة ، تلألأت بالنور ، تحت وهج الاضواء الآتية من الجانبين، مدينة ايفيان الفرنسية ، ولوزان السويسرية !
في حين تزينت الأزقة الضيقة للمدينة القديمة ، بمجد ماضي تعبر أنفاسه دائما الزمان وتصل المكان ولا تبرحه ، ربما تعبر تلك الجميلة الزمن ، تفتح باب الماضي ، وتطل من نافذة ذلك البيت المعتق بقرميده العتيق ، وتلوح بيدها ممتنة لمشهدنا ثم تغيب ،تاركة لنا أنفاس من عمّر وبنى وذرف الدموع ، لتبقى تلك الهنيهات الغابرة مزروعة في ذاكرة تلك الأرصفة والزوايا وكل الأمكنة ، وفي تربة أصص زنابق الربيع التي مازالت شتلاتها المتوارثة ، تتباهي بألوانها البديعة على إفريز الشبابيك

هذا المساء الجميل ، هو عيد حصاد الكروم ، / وما أكثر الأعياد هنا / كرومهم الخضراء تمتد على مدى البصر ، تكاد تسمع صوت هسيسها في صمت الليل ،وخشخشة أوراقها عند المغيب ، وهي تتغنج للريح ، وتتغاوى للشمس ، متخمة بالعناقيد الطازجة الملونة ، تتراءى على منحدرات الجبال، وعلى تخوم البحيرة الزرقاء ، وفي الأكواخ القرميدية الاسطورية ، /تشعر وكأن جنيه الكروم تعيش بداخلها محاطة بالأسرار / ، تكدس العنب الطازج في الكهوف الرطبة .. تلتهمه المعاصر وتسيل ألوانه لذة للناظرين

يساريون ويمينيون ، أغنياء وفقراء وغرباء وملونين ، سياسيون ودجالين ، يخلعون هويتهم عند باب المساء .. ويذوبون بين الجميع
يغنون ويرقصون ،يتحابون ويثملون ،حتى الفجر
يعيشون حياتهم كحقيقة لا يمكن المساس بها ، وضجيج الآخرين مهما علا ، لا يمكن له أن يطغى على صوت قلبهم الحقيقي
أحرار من عقد الذنب ،من التابوهات ، كل التابوهات لا تعنيهم ، أمام لحظة حقيقية تعني ذاتهم الحقيقية

وفي ليلي الطويل هذا ، أطل على مشهد لا أنتمي إليه ، ألملم فوضى ما تبعثر من أفكار ، اجتهد لأضع القلق حيث يجب أن يكون ، والشغف تركته في الانتظار ، وجرح القلب أودعته القطار الأخير
وأفكر ،كيف لي أنا القادمة من هناك، أن أجعل من مسائي هذا محتملا ، بل وجميلا كما هو حال الجميع
كيف لي أن أتعلم كيف أنتمي لهذا المكان الجميل
كيف لي أن أكون حرة من كل عقد الذنب التي رضعتها مع حليب أمي حتى الشبع
وكيف لي أن أنسى ، وتلك التفاصيل الصغيرة للأشياء، تتمطى في دهاليز الذاكرة ، أتشربك بها كلما حاولت أن أدير ظهري ، لتلك /الجينات/ اللعينة ، التي تتعربش بتأن على جدار القلب والروح ، وتأبى أن تبرحه

وكيف لي أن أسلم نفسي لهذا الإغواء الجميل ، وأذهب معه بكامل إرادتي إلى حيث يتقاطع وجع القلب مع طقس تلك الأغنية ، /التي يتآوه بها ذلك المغني الأسود مبحوح الصوت والقلب/. في هذا المكان وفي هذه المدينة الصغيرة ، المحشورة بين الجبل والغابة والبحيرة

انا القادمة من هناك ،من كومة الأحزان ، وهناك تعني بوضوح ، مشهدا مريعا لدراما عبثية ، الجميع فيها يفقد براءته ، والجميع فيها يرتدي قناع دراكولا ، تحاول أن تلتقط عبثا الحقيقة بما يليق بفظاعة الدمار والموت المجاني ، الذي يهيمن على المشهد الدرامي ، وفي كل المرات تفشل ، في الولوج إلى عمق تلك الملحمة المتشابكة الخيوط ، يبدو أن لاحل اليوم ، تلك هي الحقيقة الوحيدة التي يمكن رؤيتها.

وحتى ذلك الوقت
ستبقى عيوننا ترقب بلهفة القطارات التي ستعود كل مساء ، دوننا
وأن كرومنا وزيتنا و قمحنا ،ستبقى مشرعة أبوابها ، للانتظار
وكل مواعيدنا المشتهاة ،ستبقى ، مجرد مواعيد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا - مالي: علاقات على صفيح ساخن؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. المغرب - إسبانيا: لماذا أعيد فتح التحقيق في قضية بيغاسوس للت




.. قطر تؤكد بقاء حماس في الدوحة | #غرفة_الأخبار


.. إسرائيل تكثف القصف بعد 200 يوم من الحرب | #غرفة_الأخبار




.. العرب الأميركيون مستاؤون من إقرار مجلس النواب حزمة مساعدات ج