الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انهيار المؤسسات بعد سقوط النظام الملكي - ج 3

وليد يوسف عطو

2017 / 5 / 21
دراسات وابحاث قانونية


انهيار المؤسسات بعد سقوط النظام الملكي – ج 3

استكمالا للجزء الثاني من مقالنا والمنشور على الرابط التالي :

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=555695

تهاوي مؤسسة القانون :

كلف الملك فيصل الاول لجنتان لاعدادالقانون الاساس (الدستور )للمملكة العراقية .وقد استندت اللجنتان الى دساتير النمسا ونيوزيلاندا وبعض دساتير الدول العربية لاجل جعل دستور وقوانين العراق ملائمة للعصر الحديث .ثم تطورت المحاكم وتنوعت الى محاكم جزاء ومحاكم استئناف وتمييز والمحكمة العليا .بالاضافة الى المحاكم الشرعية وذلك لسد احتياجات العراق القانونية .

كما سن قانون العشائر وبقي نافذا لادارة شؤون العشائر حسب تقاليدها .يقول الدكتور مامون امين زكي في كتابه (ازدهار العراق تحت الحكم الملكي 1921 – 1958 :دراسة تاريخية ,سياسية اجتماعية مقارنة ).ان نوري السعيد والامير عبد الاله قد حرصا على جلب اعرق واكثر الخبراء القانونيين دراية .ومنهم البروفيسور المصري عبد الرزاق السنهوري , لاجل ان يضطلع بالتدريس في كلية الحقوق في بغداد ولاعطاء الاستشارات القانونية لتطوير نظام المحاكم في العراق .وقد كان البروفيسور السنهوري من الاصوات المسموعة في ابداء الراي اثناء العهد الملكي في مصر وتحت حكم الملك فاروق .ولكن حين تجرا هذا العملاق القانوني بعد عام 1954 وطالب بالديمقراطية واعترض على الحكم العسكري في زمن جمال عبد الناصر ,تعرض للاعتقال والتعذيب وكسرت ذراعه اليمنى من قبل شرطة الامن لكي يلتزم بالصمت ولا يتجرا ثانية على كتابة انتقاداته ضد النظام الناصري .

فشد السنهوري الرحال الى بغداد , ورحبت به الدولة , واحتفظ بلقب الاستاذية وبقي في رحاب العراق معززا مكرما .كان القضاة والحكام يتم اختيارهم من ذوي السمعة الناصعة والنزاهة . وفي عدة مناسبات ثبت عدم تدخل كبار رجال الدولة امثال الامير عبد الاله ونوري السعيد, او رئيس الوزراء محمد فاضل الجمالي بشؤون القضاء .

كان الحكام والقضاة يعينون وفق نظام الاستحقاق دون الالتفات الى خلفيتهم العائلية ,او العشائرية ,او المذهبية عدا شهاداتهم وخبرتهم واقدميتهم .الا ان تلك الاوضاع القانونية والماخوذة من القانون البريطاني الحديث كانت توضع على الرف اثناء اعلان الاحكام العرفية حين تتطلبها الاوضاع اثناء الازمات .هذا النظام تدهور سريعا بعد انقلاب 14 تموز 1958.

في البداية اطلق عبد الكريم قاسم معظم السجناء على اساس الرحمة , واحتفالا بالعهد الجديد .ثم اطلق عبد الكريم قاسم شعار ( الرحمة فوق العدل )و (الرحمة فوق القانون ).وهو شعار يتناقض مع اسس القانون ,لان الرحمة لاتتحقق الا بعد تحقيق العدل وليس العكس .وقد انطلقت الاعمال البربرية بين عوام الناس من الغوغاء .

فاذا كان شخص برقبته ثار قديم ولم يجرؤ على اخذه قبل الانقلاب مخافة ان تطاله يدالقانون ,تجرا بعد الانقلاب وقتل ذلك الشخص لاخذ الثار قائلا ان الزعيم سوف يعفو عني بعد فترة قصيرة في السجن استنادا الى المناسبات والاحتفالات بالنظام الجديد.ومما زادالطين بلة هو سماح العقيد المهداوي في محكمته للدهماء والغوغاء الحضور في جلسات المحكمة والصراخ بالهتافات والاهازيج الشعبية والقصائد , وجلب الحبال لرميهاعلى المتهمين الواقفين في قفص المحكمة تحت حماية القانون .
وكان المهداوي يشجع الغوغاء وينشد الاشعار الحماسية ويطلق الامثال الشعبية والنكات . ويتبجح بان والده كان قصابا يذبح الخراف ,لذا فهونفسه جزار يقتل الخونة وعملاء الاستعمار.

وكان من الامثلة على عدم وضوح الاسس القانونية لمحكمة المهداوي هو تهمة التهجم على الرئيس المصري جمال عبدالناصر وسياسته .وقد وجهت هذه التهمة الكبرى ضد رئيس الوزراء السابق الدكتور محمد فاضل الجمالي الذي كان يرد على الهجمات العنيفة لاذاعة صوت العرب من القاهرة ضد سياسة الدولة العراقية وتفنيده في جريدته ( العمل ) لسياسة عدم الانحياز للرئيس عبدالناصر. وساق المدعي العام العقيدالركن الحقوقي ماجد محمد امين تلك التهمة كاحدى الجرائم التي اقترفها العهد الملكي على يد الدكتور الجمالي ضد عبد الناصر (بطل العروبة ).

ولكن ماان حدث تمرد وحركة عبد الوهاب الشواف الفاشلة في الموصل , واعلن عن ضلوع عبد الناصر فيها وبانه قد ارسل المساعدات للمتمردين ,حتى انقلبت الاوضاع راسا على عقب. وبدات المحكمة ورئيسها ومدعيها العام بتوجيه اقذع انواع الاهانات والشتائم لعبد الناصر , حيث تم نعته بالحشاش وعميل الاستعمار( ناصر الاستعمار )وصنيعة الاستعمار الانكلو – امريكي وغيرها ..

السؤال المطروح هو : اذا كان انتقاد الرئيس جمال عبدالناصر جريمة ارتكبها رجال العهد الملكي في العراق ,فما التبرير القانوني لتهجم المهداوي وماجد امين ضد عبد الناصر؟. ولم يسكت عبدالناصر على الامر ,بل ردالصاع بصاعين واكثر .والتزم عبد الكريم قاسم الصمت تجاه دعاية عبد الناصر واذاعة صوت العرب فكسب بذلك احترام الكثير من العراقيين .

الا ان عبد الكريم قاسم شجع المهداوي ومحكمته والغوغاء باستمرار الدعاية ضد نظام عبد الناصر . وبذلك ضاعت كل بروتوكولات المجاملة الدبلوماسية واصول الاداب في التعامل بين الدول . فاثناء العهد الملكي كان هنالك خلافات عميقة بين العائلة الهاشمية وملوك السعودية وعاهل مصر الملك فاروق .الا ان لغة التخاطب بقيت دبلوماسية .فقد بقي الامير عبد الاله يلقب الملوك بصاحب الجلالة , ويلقبونه ب (سمو الامير ). وكان نوري السعيد يخاطب رئيس وزراء مصر النحاس باشا مثلا ب( دولة الباشا ), وبدوره يرد النحاس المجاملة وينادي نوري السعيدب (فخامة الباشا ).

والمؤسف ان تلك اللغة الراقية اعتبرت بعد انقلاب 1952 في مصر وانقلاب 14 تموز 1958 في العراق مرادفة للغة الرجعية والبرجوازية .بينما اعتبرت لغة البذاءة والتهجم بين محكمة المهداوي واذاعة صوت العرب , وتهجمات المذيع احمد سعيد المقذعة , اعتبرت اللغة الشعبية الثورية.

هنالك حادث طريف وقع في محكمة المهداوي واثارت سخرية الجميع .فقدجيء باحد الاشخاص امام المحكمة وجرت المناقشة التالية :

المهداوي :اسمك ؟,اجاب المتهم على اسمه.
المهداوي :عمرك ؟
المتهم :35 سنة
المهداوي :عملك؟
المتهم :عاطل سيدي
المهداوي :اليس لك عائلة , الست متزوجا ؟
المتهم :لا سيدي
المهداوي :لماذا انت لست متزوجا ؟
المتهم :انا لست متزوجا
المهداوي:عار عليك.. كل رجل يبلغ الخامسة والثلاثين ولم يتزوج يجب ان يكون يعاني من الشذوذ الجنسي,فهل انت شاذ جنسيا؟
المتهم : لا..حاشا سيدي .
وهنا همس عضو المحكمة الجالس الى يمين المهداوي باذنه مذكرا اياه بان الزعيم عبد الكريم قاسم غير متزوج رغم بلوغه الرابعة والاربعين , اي ان الزعيم بحسب توصيف المهداوي يكون شاذ جنسيا .

وهنا انتفض المهداوي وشعر بالخطا الكبير الذي ارتكبه , وقام خطيبا وهو يهز سبابته في الهواء :
الا العظماء وصناع التاريخ والقادة الكبار , فالزعيم قد تزوج الثورة وقضية خدمة الوطن , فلم يتسنى له الزواج !

تم الموضوع ..

مقالات ذات صلة :

رابط الجزء الاول من مقالنا :

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=554347








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. States must intensify their efforts to combat climate change


.. شبكات | اعتقال وفصل موظفين من غوغل احتجوا على مشروع نيمبوس م




.. لحظة اعتقال شيف سوري في تركيا


.. محمود عباس يرفض طلبا أميركيا بالتراجع عن تصويت عضوية فلسطين




.. ممثل الصين بمجلس الأمن يدعو للتصويت لصالح عضوية فلسطين الكام