الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رِسَاْلَةٌ لِأَحْرَاْرِ اَلْسُّوْدَاْن ..!

فيصل عوض حسن

2017 / 5 / 21
مواضيع وابحاث سياسية



في مقالي السابق المُعَنْوَن (تَمَاْيُزُ اَلْصُفُوْفِ فِيْ اَلْسُّوْدَاْن)، سَعيتُ لتوثيق بعض الحقائق القاسية التي نحياها الآن، مع الإشارة للتغبيش الذهني/تغييب الوعي العام الذي يصنعه المُتأسلمون باحترافيةٍ عالية، لاستدامة بقائهم واستكمال مُخطَّطاتهم التدميرية للبلاد وأهلها. وذكرتُ بأنَّ أهمَّ الحقائق التي أصبحت مُؤكَّدة، هي أنَّ البشير بشخصيته غير السَوِيَّة مع عصابته الإسلامَوِيَّة، يُشكِّلون أسوأ وأخطر أعداء السُّودان وأهله، كأدواتٍ يستخدمها العالم الخارجي لإشباع أطماعه فينا، وفَشَل الموصوفين بـ(زُعماء/قَادَة) كياناتنا السُّودانية المدنية والمُسلَّحة، في إنقاذنا من إجرامهم، بل مُساهمة بعض تلك الكيانات في تقوية وبقاء المُتأسلمين. ومن الحقائق التي ذكرتها، عدم استفادة البلاد من علوم/خبرات نُخْبَتِنَا المُتعلِّمة، سواء في تنمية وتطوير البلاد سابقاً، أو صناعة/قيادة التغيير الذي نحتاجه الآن بشدَّة. والأخطر والأقسى، غياب الوعي والاستجابة العالية لِفِخَاخِ المُتأسلمين (الإلهائية)، خاصةً القَبَلِيَّة/الجَهَوِيَّة والحزبية الضيقة ودفاعاتنا المُستميتة عنها، بينما يتلاعبُ بنا المُغامرون والمُتاجرون في الداخل والخارج.
كان مُهمَّاً تثبيت/توثيق هذه الحقائق، لأنَّ أوَّل خطوات الحلول هو تشخيص المُشكلة بدقَّة، ثمَّ تحديد الإمكانيات المُتاحة وكيفية تسخيرها لتجاوُز/مُعالجة المُشكلة بأسرع وقت وأقلَّ تكاليف. وتوضيح تلك الحقائق، كان مُهمَّاً أيضاً لتوعية/تنبيه وتذكير الشَّعب السُّوداني بحقائق الأمور، بعدما أغرقه المُتأسلمين في (إلهاءاتهم) المُتَعَمَّدة، بما يُحتِّم تكرار التنبيه/التذكير، تبعاً لكثافة الهيافات الإسلامَوِيَّة المُتلاحقة، فضلاً عن أهمِّية الـ(توثيق) بشفافية للتاريخ، وتثبيت دور/أدوار الجميع في صناعة/تعميق أزماتنا الماثلة التي باتت تُهدِّد بقاءنا كدولةٍ وشعب. وكما ذكرتُ مراراً في مقالاتي عن أُسلوب الإدارة بالأزمات (Management by Crisis)، فإنَّ جميع أزماتنا مصنوعة أَوْجَدَها المُتأسلمون من العدم، بدءاً بترسيخ/رعاية التجهيل وتغييب الوعي، وإزكاء العُنصُرية وتغذية الصراعات الجَهَويَّة/القَبَلِيَّة، وإتاحة أراضينا للغير كقبول الاحتلالين الإثيوبي والمصري وبيع/رَهْن بعضها الآخر، وانتهاءً بالاقتصاد المُنهار وتَعَطُّل قطاعاتنا الإنتاجية، بخلاف الإجرام الإسلامَوِي المُتزايد ضد الشعب وعَجْزْ/فَشَل الموصوفين بقادة القُوَّى السياسية، أو إنشغالهم بالموضوعات الانصرافية والبيانات والتصريحات الهُلامية، وبعضهم يتآمر دون خجل مع المُتأسلمين ويقبل بفتات موائدهم المسمومة، بجانب الأذرُع الإسلامَوِيَّة المُضللة كالإصلاح والسائحون وغيرهم، وأدوارهم القذرة الداعمة لجماعتهم التي أدخلتنا جميعاً في هذا الدرك السحيق!
وكالعادة، انهالت الرسائل الإلكترونية على بريدي عقب مقالي الأخير، والغالبية أمَّنوا على مُحتوياته واستفسروا الحل/المُقترحات لمُعالجة أزماتنا الحالية، واللحاق بما تبقَّى من بلادنا وأهلنا. وبالرجوع لأخطر أسباب تشرذُمنا، نجدها تتركَّز – بصفةٍ خاصة – في التهميش وتفشِّي القَبَلِيَّة/الجَهَوِيَّة، والعصبية الحزبية/العقائدية، وهي أزمات صنعها وعمَّقها المُتأسلمون باحترافيةٍ عالية، ويتدثَّرُ بها المُغامرون والمُتاجرون والطَّامعون. وعلى هذا، قد يكون الحل في تشكيل مجلس (سيادي) قومي للشباب من كل أقاليم السُّودان، وهو طَرحٌ سابق قَدَّمته لمُعالجة عقبات التهميش والقَبَلِيَّة/الجَهَوِيَّة والعصبية الحزبية/العقائدية، التي تعترض وحدة السُّودانيين لمُواجهة الكيزان وإجرامهم المُتزايد. فالمُتأسلمين والمُغامرين معهم، داخلياً وخارجياً، هم المُستفيدين من تشرذُمنا/تفرُّقنا، وبعضهم يُتاجر باسمنا سعياً لمصالحه ودون تقديم اعتبارٍ لأزماتنا العديدة. ولإغلاق باب تشرذُمنا وتحقيق التوازُن بين مناطق السُّودان في إدارة البلد من جهة، وبلورة مضامين المُؤسَّسية وإيقاف فوضى المُتأسلمين التي رَسَّخوها في الحكم والإدارة، تقدَّمتُ – سابقاً والآن – بفكرة تشكيل هذا المجلس الشبابي، المُكوَّن من كل أقاليمنا تبعاً للتقسيم الإداري القديم (دارفور، كردفان، الشرقي، الأوسط، النيل الأبيض، النيل الأزرق، الشمالية والخرطوم)، وفق معايير يُمكن الاتِّفاقُ عليها، وبمُعدَّل شابين اثنين/للإقليم (16 عضواً)، أعمارهم ما بين 20-45 يختارهم أهل الإقليم المعني، بغض النظر عن دياناتهم أو أنواعهم (ذكور/أُناث) أو ألوانهم وأعراقهم، ليُشرف هذا المجلس على تنسيق ورعاية الجهود المبذولة لإحداث التغيير، وتشكيل حكومة في الفترة الانتقالية التي لا تقل عن خمس سنوات، مع الابتعاد تماماً عن الأحزاب والكيانات السياسية، لأنَّها فشلت وعَجَزت عن تقديم المُفيد من جهةٍ، ولأنَّ الأوضاع الحالية وما بعد التغيير لا تحتمل غير الإدارة العلمية الرَّصينة، والعمل لأجل السُّودان (الدولة والشعب) فقط ودون غيرهم من جهةٍ ثانية، وهذه أهداف يستحيل تحقيقها مع الصراعات الحزبية ومصالحها/مُغامراتها التي لا تنتهي.
رَكَّزتُ على الشباب لأنَّهم قُوَّة الدفع الحقيقية لأي نهضة/تنمية، وتحمُّلهم للعبء الأكبر من التضحيات منذ الاستقلال حتَّى الآن، ولم يجدوا فرصتهم لإدارة الدولة مع الديناصورات والمُتاجرين، وآن الأوان ليأخذوا فرصتهم عقب فَشَل/عَجز الموصوفين بقادة ورموز، ويُمكن لأبناء كل إقليم التواصُل مع نظرائهم بالأقاليم الأخرى، وخاصةً بالأحياء السكنية لإنضاج الفكرة واختيار مُمثلي الأقاليم المُختلفة، وتشكيل مجلس الشباب القومي واختيار رئيسه ونائبه في ما بينهم، وتحديد ضوابط تسمية/اختيار عضو الإقليم المعني وفترة تمثيله بالمجلس، واختيار الآليات/الأساليب المُناسبة لإحداث التغيير. والشباب الذين أعنيهم هنا، يشملوا كل أبناء السُّودان، سواء كانوا مُستقلِّين أو حزبيين (مدنيين/مُسلَّحين)، مع استقطاب نظرائهم بالقُوَّات المُسلَّحة والشرطة (حصراً). وهنا، قد يندهش البعضُ من دعوتي لاستقطاب شباب الجيش أو الشرطة، باعتبارهم مُؤدلجين أو مُوالين للمُتأسلمين، وفي هذا أقول بأنَّ بعضهم، أُكرِّر بعضهم وليس كلهم، لا تزال به نَخْوَة ورحمة وعاطفة تجاه بلده وأهله، وبعضهم يشعر بالخداع/التضليل والاستحقار الإسلامَوِي ويحتاجُ لتطمين من جانبنا، وبعضهم يحتاجُ توعية ليفيق من غيبوبة المُتأسلمين، الذين سيهرب كبارهم عاجلاً أم آجلاً، بعدما نالوا (مُؤخَّراً وسابقاً) جوازاتٍ أجنبيةٍ هم وأُسرهم، وسندفع وحدنا (نحنُ بقية الشعب) يقودونا إليها ولن ننجوا من نيرانها. لهذا من الأفضل استقطاب أمثال هؤلاء الشباب المخدوعين/المُخَدَّرين، وجَعْلِهِم مع أهلهم ووطنهم، وهذا مُمكنٌ جداً خاصةً الرُتَب الوسيطة والصغيرة. ومن ناحيةٍ ثانية، سيكون السُّودان وأهله، بحاجة لمُقاتلين مُتمرِّسين وغيورين لحماية التغيير والبلاد من التفكُّك عقب اقتلاع الكيزان، فمُغامري الداخل كمقاطيع الدعم السريع ومن على شاكلتهم من بقية مليشيا الأمن، والطامعون من الخارج كالإثيوبيين والمصريين والعرب والغرب، يجدون مصالحهم مع البشير وعصابته ولن يتركونا وشأننا، ومن الحكمة التهيُّؤ لهم بحشد وتوحيد شبابنا السُّوداني الحُر.
إنَّ خطورة أزماتنا الماثلة التي تدفعنا جميعاً لاقتلاع الكيزان، تُحتِّم علينا التسلُّح/الاستعداد بالعلم والمعرفة لتسيير البلد عقب التغيير/الفترة الانتقالية، أو ما يُعرف بالإدارة العلمية، لتحقيق هدفين رئيسيين فقط، أوَّلهما النهوض بالاقتصاد ومُعدَّلات التنمية المُتوازنة تبعاً لمواردنا المُتاحة/الفعلية، وثانيهما ترقية الوعي العام عبر الاهتمام بالتعليم أكاديمياً وتربوياً/أخلاقياً، وهنا يأتي دور نُخبَتِنا المُتعلِّمة التي يتوجَّب عليها التجرُّد، وبعبارة أُخرى العمل بعيداً عن أي حزب أو قبيلة أو عِرق أو دين، أي السُمُو بذواتها ودعم المجلس الشبابي وإحاطته بالرعاية والإرشاد لأجل السُّودان (الدولة والشعب) فقط. وبصفةٍ خاصَّة، يُمكن لنُخبَتِنا مُساعدة المجلس الشبابي في تحديد شروط شغل الوظائف العامَّة (مُؤهِّلات وخبرات الوظيفة المعنية)، ليتسنَّى للمجلس اختيار/تشكيل حكومة ما بعد التغيير، وبحيث تكون الكفاءة والتخصُّصية هي أساس الاختيار، وإيقاف عبث/فوضى المُتأسلمين كالمُحاصصة والقَبَلِيَّة وغيرها من عوامل الفُرقةِ والانحطاط. ولمزيد من الرَّصانة، يُمكن للنُخبَة أيضاً – وبإشراف المجلس الشبابي – التوزُّع لمجموعات/لجان تخصُّصية بكل المجالات، ووضع استراتيجيات قطاعية (صناعية، زراعية، تعليمية وغيرها)، وفقاً لمواردنا (طبيعية، مالية، بشرية، اجتماعية، ثقافية/معرفية) المُتاحة فعلاً، وبما يضمن الواقعية، ثمَّ تجميع هذه الاستراتيجيات لتكوين الاستراتيجية العامَّة للدَّولة في الفترة الانتقالية، وهذا جوهر/روح الإدارة العلمية الرصينة لمُعالجة أزمات السُّودان الماثلة، ودعم حظوظه في الاستمرار والتطوُّر كدولةٍ وشعب.
وفي ذات السياق، فإنَّ نُخبَتِنا القانونية مُطالبة بدور تاريخي محوري/حيوي وعاجل جداً تجاه البلد، فالمطلوب منهم الإسراع بتثبيت حقوق السُّودان التي أهدرها البشير وعصابته، وتقديم شكاوي/دعاوي/عرائض رَّصينة للجهات الإقليمية والدولية، وتحديداً عن انتهاكات كلٍ من إثيوبيا ومصر تجاه السُّودان، وليبدأوا بسد النَّهضة الذي يُعدُّ أكبر/أخطر المُهدِّدات السيادية لمُستقبل البلاد والأجيال القادمة. وهو نَهْجٌ سبقتنا فيه الكيانات المدنية والسياسية الإثيوبية رغم تعدِّياتهم علينا، إذ قاموا برفع عريضة لأمين الأُمم المُتَّحدة بشأن (ادِّعاء) تنازُل حكومتهم عن أراضي للسُّودان، بينما الواقع عكس هذا تماماً، إذ تحتل بلادهم أراضي الفشقة وشارفوا القضارف، وأقاموا سدَّ النهضة ببني شنقول، وهو إقليمٌ سُّوداني آل لإثيوبيا بمُوجب اتفاقية 1902، شريطة عدم إقامتها لأي مشاريع مائية على مجرى النيل الأزرق، وبما أنَّ إثيوبيا أَلْغَت جميع الاتفاقيات السابقة علينا استرجاع بني شنقول (شعباً وأرض)، وهو ما لم ولن يقوم به البشير وعصابته لأسبابٍ شرحناها كثيراً، ولا يسع المجال لتفصيلها.
علينا كسُّودانيين إدراك حجم وخطورة الأزمات التي أوقعنا فيها البشير وعصابته، وهي تفوق بكثير مُجرَّد السخرية من طرد البشير من هنا أو هروبه من هناك، وتتعدَّى تزوير هذا لشهاداته أو ذاك، فالذي بات معروفاً لنا أنَّهم مُجرمين وسفلة وسَّاقطين، ومعرفتنا بإجرامهم لم ولن تُوقفه، أو تُعطِّل تدحرُجنا المُتسارع والمُخيف في هاويةٍ سحيقة، تُطيحُ بنا دولةً وشعب. ما يُفيدنا حقاً هو الإسراع باقتلاع المُتأسلمين، والحرص (كل الحرص) على عدم هروبهم، ومُحاسبتهم ومُعاقبتهم على جميع جرائمهم واسترداد الأموال التي نهبوها لتسيير البلاد عقب التغيير، وهذا هدفٌ نبيل يصعُب تحقيقه مال لم يَقُمْ كلٌ مِنَّا بواجبه تجاه بلده وأهله و(نفسه) قبل أي شيء.
واختم بدعوة (خاصَّة) لمن تبقَّى من أحرار/شُرفاء الجيش والشرطة، بأن يختاروا بلادهم وأهلهم، ولتتعظوا بما فعله البشير وعصابته بكم وبمن سبقوكم، وتأكَّدوا بأنَّ ما فعله مقاطيع الجنجويد بالأهل في أطراف وعُمق البلاد سيطالكم بشكلٍ أو بآخر، ولقد فعلوها من قبل حينما جلدوا عميداً في الجيش بالكُرباجِ كما يُجلد الدَّواب وجعلوه بملابسه الدَّاخلية، ومع هذا رفعهم البشير ومنحهم المزيد خصماً عليكم وصعوداً على جماجمنا، بخلاف المقاطيع والمُغامرين المُحيطين به الذين أوردونا للمهالك، وأنتم جزُءٌ من هذا البلد وما يطالنا يطالكم حاضراً ومُستقبلاً، فلتعملوا معنا لأجل الحُرِّية والانعتاق واستعادة مجد وعِزَّة البلاد وأهلها.. والحديث لم يَنْتَهِ وله بقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيول دبي.. هل يقف الاحتباس الحراري وراءها؟| المسائية


.. ماذا لو استهدفت إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية؟




.. إسرائيل- حماس: الدوحة تعيد تقييم وساطتها وتندد بإساءة واستغل


.. الاتحاد الأوروبي يعتزم توسيع العقوبات على إيران بما يشمل الم




.. حماس تعتزم إغلاق جناحها العسكري في حال أُقيمت دولة فلسطينية