الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زيارة ترامب للمنطقة.... شراء للكراسي وبيع أمريكي بالأجل

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 5 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


زيارة ترامب للمنطقة.... شراء للكراسي وبيع أمريكي بالأجل


لا يختلف أثنان إن زيارة الرئيس الأمريكي ترامب للمنطقة في هذا الظرف وتحديد مع أنهيار منظومة الإرهاب الداعشية، وكونها الأولى له خارج الولايات المتحدة الأمريكية، لها دلالات في التحول إلى نهج مخالف للسياق المعلن ومغزى أستراتيجي كبير، خاصة وأن الرئيس ترامب في حملته الأنتخابية كان صاحب الصوت الأبرز في إدانة مستضيفيه ومحملهم بشكل علني وصريح مسئولية الإرهاب لإسلامي الأصولي، ظن الكثيرون والكاتب واحد من الملايين الذين توهموا أن عصر السلفية الجهادية بدأ بالأفول مع تهديدات ترامب ومواقفه المتشددة حيال دعم حكام المنطقة لهذا الشكل من العنف الديني اللا مسبوق، قد يكون وهذا ما لمسناه كثيرا من خلال وعود الحملات الأنتخابية الأمريكية التي أثارها الرئيس الزائر وبكل صراحة ووضوح.
وعادة ما أن تحدث بعض التحولات الجزئية والتفصيلية أو تجاوز بعض الوعود الأنتخابية في مرحلة تولي السلطة لظرورات حتميةأو لأستجابات منطقية للواقع السياسي أو الأقتصادي أو للعقلانية الواقعية حين يكون الوعد خارج نطاق القدرة على التنفيذ، أما أن يتحول الكلام والوعد الصارم إلى قضية معاكسة تماما ويصبح المدان بالأمس حليف وصديق أستراتيجي لا بد من الحفاظ على واقعه السياسي وبكل جرأة وعلنية، هذه تشكل واحدة من المبررات التي ستقوض مصداقية السياسة الأمريكية وإنحيازها التام والجاد للبرغماتية المتطرفة، وتشكل خروج عن كل مبادئ وشعارات المنظومة المعلنة للسياسة الخارجية الأمريكية التي تركز في تعاملها العام على مبدأي الديمقراطية وحقوق الإنسان.
بعيدا عن قضايا الأقتصاد والعلاقات المالية والأرباح الخيالية التي ستجنيها الولايات المتحدة الأمريكية من وراء الصفقات والأتفاقات المبرمة مع السعودية من جهة، ومع دول الخليج العربية الأخرى من جهة ثانية، وهو ما سيؤدي بالحتم إلى خلق فرص عمل ووظائف جديدة تدعم القطاع الصناعي والأنتاجي الأمريكي ويوفر مئات الألاف من الوظائف التي وعد بها ترامب ناخبيه، هناك جانب مهم وأساسي في هذه الزيارة وما نتج عنها وهي غياب المطالبات التقليدية الأمريكية المستمرة حول دعم التحولات الديمقراطية والحقوق الأساسية للشعوب في المجتمعات النامية، والتشديد على أحترام حقوق الإنسان النغمة الأمريكية الأكثر شهرة في العالم، هذا الغياب الملفت للنظر سيتوجب على ترامب أن يواجه عاصفة من التعليقات وردود الأفعال من الحزب الديمقراطي ومن أنصار وضحايا أحداث 11 أيلول، لقد رددها أحد المواطنين الأمريكان يوم أمس في تعليق لأحد محطات التلفزه الأمريكية عندما أشار إلى أن ترامب (خان ضحايا الحادث وأنه ذهب يقبض ثمن خيانته من الرياض).
كما أن لا ننسى أن البروتكول الأحتفالي وتركيبة الوفد الأمريكي الذي زار الرياض لم يكن أمريكيا رسميا كالمعتاد حيث يطغى الهم السياسي والدولي على تركيبة وكيفية إدارة حركاته، لقد تصرف الرئيس الأمريكي كرئيس شركة أو سمسار مقاولات مع القادة السعوديين وهو يصطحب معه عائلته في حفلة علاقات عامة ترويجية لبضاعة قادمة للسوق من جديد، الزيارة بمجملها الهدف منها ليس البحث السياسي لدولة عظمى في أحداث وتقلبات عالمية شديدة الخطورة على المجتمع الدولي وإنما البحث عن أفضل الفرص لترتيب معادلة يسميها الأمريكان أنفسهم بمصطلح (win-win)، فقد باعت أمريكا سكوتها عن ما كانت تعتقده الشر الكامن ومصدر الإرهاب العالمي وربحت صفقات بمليارات الدولارات، في حين ربحت السعودية ودويلات الخليج كراسيها مقابل وعود ببييع أسلحة ودعم أمريكي لمواجهة إيران بعد إفراغ الخزائن المالية فيها.
لقد ظهرت أنتهازية ترامب ونهجه المرتبط بفكر السوق والتجارة على لبوس الزيارة الرسمية التي تمثل أمريكا القطب الغالب والمتحكم دوليا بالكثير من القرارات والتطورات العالمية وكأنه أشبه ببائع الحلوى القروي وهو يلف بعربته ليغرى الأطفال الصغار، البعض من المحللين العالمين ونحن نتابع التحليلات والتعليقات الدولية سواء أكانت صحفية أعلامية أو حتى أجتماعية وسياسية، أن هناك ملاحظتان بارزتان سوف ترسمان أفق المستقبل القريب بالرغم مما يشاع عن نجاح الزيارة على الأقل أمريكيا وتحقيق مستوى أستثماري للسوق الأمريكية غير معهود سابقا، أولا أن بقاء الرئيس ترامب رئيسا لأمريكا لمدة أربع سنوات أصبح مهددا بالفعل جراء هذه الزيارة وأن الأنياب الديمقراطية ستمزق كل المنجز الأقتصادي الذي تحقق في معركة كسر العظم بين الديمقراطيين والجمهوريين الذين ساندوا ترامب ووقفوا إلى جانبه، وهناك حقيقة أخرى أن بقاء أنظمة الحكم الخليجية على الشكل التقليدي الراهن اليوم هو محل أهتزا وشك بعد أن أفتضح سلوك الأسر والمشايخ الحاكمة تجاه زيارة ترامب وأطمئنانها إلى وعوده بعدم إثارة المواضيع الخلافية أصلا بينها وبين أمريكا.
لقد كان أكثر المتفائلين بمستقبل العلاقات الأمريكية السعودية خاصة والأمريكية العربية عامة لا يتصورون أبدا هذا التحول وبالشكل الدرامايكي الذي هي عليه الآن سيكون ممكنا لمجرد أن تم عقد الصفقات التجارية والتسليحية، كل التحليلات والنظريات التي درست مستقبل العلاقات هذه بعد فوز ترامب كانت تدور على محور أساسي، هو أن الرئيس القادم سيمارس ضغطا عدائيا ضد هذه الدول أو بالأقل متشددا لتحصيل مكاسب وأنتصارات للرؤية التي أعلن عنها في برنامجه الأنتخابي، وهذا ما يتضمن زرع نوع من الإرهاب النفسي لحكام هذه الدول وهي بين مطرقة الوضع الراهن وأهتزازاتها الأجتماعية وكساد أقتصادي وإنهيار في أسعار البترول، وسندان المطالب الأمريكية بالديمقراطية وحقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب، لا ننسى أن الرئيس الأمريكي قد لا يملك كامل الصلاحيات في تمرير هذه الأتفاقيات وخاصة العسكرية منها والأستثمارية ولا بد من مراجعة قانونية ودستورية لها، مع وجود كونغرس بشقيه الجمهوري والديمقراطي والتي تتنازعه رغبات حقيقية بعزل ترامب على خلفية فضائح تجسس وأتهام روسيا بالتلاعب بالأنتخابات وأمتعاض شعبي متصاعد ضد سياسات هجينة لم تعرفها أمريكا من قبل.
لقد باع ترامب الحكام العرب كراسيهم القديمة وأشترى منهم كل ما ورد في قائمة المطالب التي كان يحملها (سياسيا وأقتصاديا) وحتى بدون حوار جدي أو توازن بالمصالح، وكان العبعب الإيراني حاضرا وبقوة في عملية السحب والشد نحو التوقيع على أكثر مما يظن أنه حلف ناتو عربي ، بل التوقيع على مستقبل عربي يصنع أمريكيا هذه المرة مع ألياته ومنظومته التنفيذية، كي تخضع كامل السياسة العربية إلى متطلبات وحاجات أمريكا البائع الأقتصادي المتجول، هذا يعني من جهة أخرى أننا أمام تحولات قد تحمل وجها أصوليا أكثر تطرفا داخل المجتمعات العربية والإسلامية، وقد لا تنجح كل هذه الترتيبات في وأد ما يسمى بالإرهاب الأسلامي المتطرف، وأيضا قد تخضع المنطقة إلى حرب باردة بين قطبيها الرئيسيين إيران والسعودية ، وما يتبع ذلك من عدم أستقرار وتجاذبات تضر بمصالح الشعوب العربية كما تضر بالأمن والسلام العالميين، وهذا في حد ذاته لا بد أن يكون مصدر قلق حقيقي للحكومة الأمريكية وللمجتمع الأمريكي لا بد أن تتصدى له وبقوة.
يبقى السؤال الأهم أمريكيا هو هل يستطيع ترامب تجاوز المأزق السلطوي الذي يواجهه عبر بوابة المشاريع والصفقات الأقتصادية المثيرة؟ وهل يستطيع لجم الحركات والأحتجاجات التي يثيرها أصحاب نظرية (فوبيا ترامب) الذي تتمثل لهم اليوم بتغيير وجه أمريكا التقليدي نحو واقع يسير بالمجتمع الأمريكي نحو المجهول؟ أظن أن التساؤلات ستبقى مطروحة لفترة ما قد تستغرق شهورا قبل أن تتبلور واقعا متأزما تتجاذبه المصالح والمثل في تناقض صريح يشهده المشهد الأجتماعي والسياسي، مع ترقب حذر لمجريات ما يدور على الساحة العربية والأقليمية ونتائج الحرب على داعش والفكر التكفيري المسمد جذوره ودعمه من المؤسسة الأصولية الوهابية والمساندة الرسمية له خليجيا وعربيا، ومدى تطور الصراع المذهبي الذي صار عنوانا رئيسيا اليوم بأعلان التحالف العربي الإسلامي السني ضد إيران والقوى الشيعية في المنطقة.
إن ترتيب البيت العربي الراهن وفق مواصفات خارجية تعتمد خلق نوع من التناقض المستمر والشكوك والهواجس الأمنية لكل أطراف المعادلة الإقليمية، سيضمن لأمريكا ضبط حركة الأنظمة والمؤسسات التي تتكون نتيجة هذا الحلف وإدارتها بصورة مركزية من قبل واشنطن والحليف الأسترتيجي الدائم، في دائرة التخادم المشترك القائم على التغطية الأمنية لأنظمة الحكم من جهة وعدم أحداث أي خرق في جدار العزلة التي تريدها إسرائيل والإدارة الأمريكية لطموحات إيران الإقليمية والدولية كرد نوعي على عدم قدرتها على المساس بلأتفاق النووي الأممي مع إيران والمجتمع الدولي، وسيبقى وإلى وقت قريب العداد الأمريكي مستمر بكسب المزيد من الأموال العربية وأضعافها في النهاية لتصل لمرحلة التفكك الحتمي مع أحتمال تطبيق الجزء الأهم من نظرية الشرق الأوسط الجديد بزعامة إسرائيلية مطلقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مزايا 11 سبتمبر و تأثيؤاتها اللاحقة
علاء الصفار ( 2017 / 5 / 22 - 13:22 )
تحية طيبة
امريكا كانت قد ضربت اليابان لتعلن قوتها النووية,وبعد 11 سبتمبر قامت بغزو افغانستان و العراق وضرب ليبيا والمحاولة على سوريا لتعلن للعالم بانها القوة الاوحد بعد سقوط السوفيت, لقد تخلصت امريكا من الدول الدكتاتورية القوية التي وازنت بين تسليحها الغربي الروسي, فأمريكا بعد أن هجمت على العراق أرعبت كل الحكام العملاء, ليتأكد الحكام من مقولة أمريكية (امريكا ليس لها أصحاب تحبهم بل لديها مصالح).هكذا لما رآت العائلة المالكة بطش أمريكا بحليفها صدام فراعها المنظر رغم أنهم شاركوا في الهجوم على العراق, لكن رآى حكام الخليج كيف يتم القصف و كيف يطير التيجان بسهولة ومن دون مقاومة الشعب وبلا نصير في العالم لهم, لذا ان ترامب حين صرخ بلسانه زاجراً السعودية في الانتخابات جعل آل سعود لا ينامون اليل وهم في قلق من صعود ترامب وما أن صعد ترامب إلا وهو مسلح بالصفا قة و الو قاحة و القذ ارة فخافت السعودية وكل الخليج وحتى مصر فذهبوا لوليمة النؤتمر الاسلامي بقيادة امريكا ترامب الصهيوني, فهكذا تحت الهلع و الرعب من ترامب وصراخه وذاكرة تحطيم عائلة صدام فزع آل سعود ووقعوا كل العقود.إذ لزم روح الملك من خصصصيته!ن

اخر الافلام

.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام


.. حكومة طالبان تعدم أطنانا من المخدرات والكحول في إطار حملة أم




.. الرئيس التنفيذي لـ -تيك توك-: لن نذهب إلى أي مكان وسنواصل ال