الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اتجاه التحركات الاحتجاجية نحو مطلب التنمية

زهير الخويلدي

2017 / 5 / 22
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


" إنها للحظة عظيمة في التاريخ أن نرى هلع أولئك المنتفعين بالحداثة الرأسمالية وهم يرون تداعي تلك الجدران العالية التي احتفوا بها طويلا ونعموا بالسكينة في ظلالها لزمن طويل"1

تواصل المسار الثوري في كافة الجهات التونسية بشكل متفاوت ومتغير حسب السياقات والأمكنة وتجسد في تنظيم الوقفات الاحتجاجية أمام مقرات الحكم المحلي والجهوي والمركزي بشكل جماعي ذاتي مستقل حينا وبصورة منظمة من النقابات المهنية وهيئات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية أحيانا أخرى.لقد شاركت الفئات المهمشة في هذه التظاهرات ولقد مثلت شريحة الشباب والمرأة والمعطلين عن العمل والخرجين من الجامعات والمنقطعين عن الدراسة والمسرحين من مواقعهم المهنية الطبيعية والمتمتعين بعفو صادر بشأنهم والمطرودين من مصانعهم العصب الحيوي لهذه الانتفاضات المستمرة والعناصر النشطة داخل هذه التعبيرات الرافضة للسائد والتي رفعت شعارات الثورة حول التنمية والتشغيل والعدالة.
لقد توزعت مناطق الاحتجاجات بين أقاليم الشمال والوسط والجنوب وظلت حاضرة في المناطق الداخلية والتحقت المناطق الساحلية وبرزت في الأحياء الشعبية من المدن الكبرى والأحزمة الحضرية من القرى.
فما الذي يحصل في تونس؟ ماهي أسباب هذا التصعيد الشعبي والاحتقان الاحتجاجي؟ في أي إطار يمكن تنزيل هذا الغليان الاجتماعي؟ هل يتعلق الأمر بتشكل هزات ارتدادية نتيجة فشل الدولة في تأمين المرحلة الانتقالية بطريقة منهجية أم يرتبط بيأس الشرائح الشعبية من الوعود الانتخابية والملل من طول الانتظار؟
ما يمكن ملاحظته هو بروز المطلبية الحيوية التي تشمل كل الاستحقاقات وإعادة إنتاج خطاب مطلبي جامع ينقسم إلى جملة من النقاط المركزية التي قد ترتقي إلى برنامج نضالي للقوى الممسكة بالشارع:
-إعادة النظر في مشروع قانون المصالحة الاقتصادية في صيغته الحالية بعد التنقيح الأخير (إطلاق حملة ما نسامحش ما يتعداش في تونس العاصمة وبعض المدن الداخلية على غرار صفاقس وقابس وباجة...).
- المطالبة بالتزام الشفافية والوضوح في العقود الخاصة بالثروات النفطية والمنجمية والمطالبة الدولة بالتأميم والتنظيم الذاتي لمصادر الإنتاج (الكامور) والتمييز الايجابي واللامركزية في التسيير الإداري والتقاسم النسبي للعائدات (تحركات سيدي بوزيد ، المهدية، الكاف، تطاوين وقفصة وتوزر وقبلي..).
- تأكيد على تفعيل التنمية الاندماجية في الجهات الداخلية وتوفير البنية التحتية الضرورية وتمكين الفئات المعطلة من حق الشغل والمطالبة بمراجعة عقود الكرامة وتوسيع دائرة المستفيدين في المناطق الحدودية المهمشة (بن غردان ، بوشبكة ، الذهيبة، فرنانة، حزوة ، ساقية سيدي يوسف...)
-معارضة التفويت في المؤسسات الوطنية الإستراتيجية والكف عن التفكير في الخصخصة وطلب الدولة التدخل من أجل إجبار أصحاب المؤسسات الخاصة على العزوف عن غلق المصانع وتسريح المزيد من العمال والرفع من الطاقة التشغيلية في القطاعات الإنتاجية والاستثمار في المناطق الداخلية مع الانفتاح على الأوساط الاجتماعية والقيام بوظيفة تمدينية واحترام سلامة البيئة ونظافة المحيط (صفاقس وقابس).
في هذا السياق تكفلت العديد من الهيئات المدنية بتنظيم ندوات تفكير حول هذه القضية الطارئة لمعالجة جملة من التحديات التي تتعلق بالمنوال التنموي المطلوب وبالفكرة السيادية للدولة والقيمة المدنية للحرية.
فماهي مسؤولية هيئات المجتمع المدني في تأطير هذه الاحتجاجات وعقلنة الجانب المطلبي فيها من أجل صياغة برنامج نضالي مالك لإستراتيجية بنائية تواصل المسار الثوري دون التضحية بتماسك الدولة؟ وكيف تتدخل الدولة خارج إطار منطق العنف المشروع من أجل بناء ثقة مع المواطن والاعتراف بوجاهة التحركات وإعادة إدماج الجهات المحرومة ضمن الدورة الاقتصادية للوطن والجمع بين الأمن والكرامة؟ وهل يمكن إطلاق مجلس وطني للحوار الاجتماعي والسياسي يقوم بدراسة المشاكل الاقتصادية في البلاد؟ لقد أدى تعطل التنمية الاجتماعية والاقتصادية على المستوى الجهوي الى تفجر الحراك الاحتجاجي.
لقد تطلع المشاركون في التظاهرات والفاعلون في الحملة الى استهداف جملة من الخيارات الممكنة:
-تفعيل التمييز الايجابي للجهات وتركيز منظومة الحكم المحلي مع تخصيص موارد مالية إضافية للتنمية في المناطق الداخلية والحرص على المتابعة السياسية القريبة عند التنفيذ واستكمال المشاريع الكبرى.
-تمكين الدولة من بسط نفوذها على المكونات الرئيسية والقطاعات الإستراتيجية للاقتصاد والحد من التفويت للقطاع الخاص للعناصر الإنتاجية ذات التشغيلية العالية والذهاب الى تأميم الثروات الطبيعية.
-تشريك الفئات الشابة غير المنتمية والقوى الثورية غير المتحزبة بصورة رسمية في النقاش العمومي حول الكليات الاستشرافية التي يمكن للدولة أن تنخرط فيها ضمن جغرافية سياسية عامة قابلة للتوسيع.
- رفض قانون المصالحة في صيغته الحالية والنضال ضده بالطرق السلمية والمدنية والمطالبة بضرورة إيجاد آليات دستورية إضافية تقاوم منظومة الفساد وتكرس منطق المساءلة و المحاسبة من أجل الاندماج.
-فتح الفضاءات المدنية أمام الفئات الهشة من أجل بلورة ممارسات جذرية سلمية تهدف إلى تحقيق التلازم بين تكريس المواطنة بالنسبة للأفراد وتفعيل سيادة الدولة بما يضمن تلازم بين مسار الثوري وعقل الحكم.
-المراهنة على توظيف الانتقال الديموغرافي ضمن الانتقال الديمقراطي باستكمال تركيز مؤسسات حكم دستورية تشاركية تجعل من هيئات الفضاء الافتراضي وسيطا بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي.
-تجنب التعويل على الحلول الأمنية لفض الاعتصامات والاحتجاجات والابتعاد عن استعمال القوة في معالجة المشاكل الاجتماعية والتعويل على لغة الحوار والتفاوض والتفاهم والتعويل على درجة الوعي لدى الناشطين وممارسة سياسة القرب واعتماد أسلوب التشاركية في اتخاذ القرار وحلحلة الأزمات.
-ربط التحركات الاحتجاجية بين المطالبة بالتنمية على الصعيد المحلي والجهوية واستكمال المسار الثوري وامتلاك الدولة القرار السيادي على ثرواتها وبين التحرر الاقتصادي عن قوى الهيمنة الرأسمالية والاستقلال السياسي عن دوائر النفوذ والتحكم التي تقف وراءها منظومة التهريب والتهرب الضريبي.
"ختاما ينطلق تغيير المحاور نحو تجديد الالتزام بصوت أخلاقي لا يلزم الصمت إزاء فظائع العولمة ولا يضفي بصمته المصداقية على تمثيلات زائفة. هذا الصوت ذو الإستراتيجية الجديدة جلي اللغة، يستند على سلطته الذاتية المستقلة دون أي خوف من تمثيل زائف متداع."2 فماهي الشروط الموضوعية التي يمكن توفيرها من طرف مختلف الفاعلين لكي يتحول الحراك الاحتجاجي إلى قوة دعم حقيقية للتنمية الجهوية؟
الإحالات والهوامش:
1- دباشي (حميد)، مابعد الاستشراق، المعرفة والسلطة في زمن الارهاب، ترجمة باسل عبد الله وطفه، دار المتوسط، ميلانو، ايطاليا، طبعة أولى، 2015.ص333
2- دباشي (حميد)، مابعد الاستشراق، المعرفة والسلطة في زمن الإرهاب، مصدر مذكور، ص348.
المصدر:
دباشي (حميد)، مابعد الإستشراق، المعرفة والسلطة في زمن الإرهاب، ترجمة باسل عبد الله وطفه ، دار المتوسط، ميلانو، ايطاليا، طبعة أولى، 2015.

كاتب فلسفي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.


.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي




.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024