الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حزب الأحرارالدستوريين: ما له وما عليه

طلعت رضوان

2017 / 5 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حزب الأحرار الدستوريين: ما له وما عليه
طلعت رضوان
رغم أنّ حزب الأحرارالدستوريين ضمّ نخبة من المفكرين الليبراليين، فإنّ السياسة والعمل الحزبى أثبتا أنهما كفيلان بالقضاء على الاستقلال الفكرى.
تكوّن الحزب سنة1921عقب ثورة شعبنا فى شهربرمهات/ مارس1919. وشارك عدد كبيرمن أعضاء الحزب فى صياغة مواد دستورسنة1923. وبسبب (العمل السياسى والنزعة نحوالزعامة الحزبية) انقلب عدد لايستهان به على الحياة الدستورية. وكان من رأى صابرنايل (الذى أرّخ للحياة الحزبية قبل يوليو1952) أنّ حزب الأحرارالدستوريين ((كان من الممكن أنْ يكون حزبـًـا مستقلا مع علمانيته، لولا أنّ الممارسة السياسية فرضتْ عليه سلوكــًـا سياسيـًـا كان يتناقض مع الأفكارالتى يعلنها على صفحات صحفه)) (التجربة الليبرالية والعلمانية- هيئة قصورالثقافة- عام2010- ص86)
وما ذكره نايل حقيقة لايمكن إنكارها أوتجاهلها. فأغلب الأعضاء كانت لهم اسهامات فكرية تنويرية. ويكفى أنّ رئيس الحزب (د. محمد حسين هيكل) كثيرًا ما كتب (قبل تشكيل الحزب) عن ضرورة كسرجمود العصورالوسطى. وكتب كثيرًا عن النهضة الأوروبية، وضرورة الاستفادة من تجربة أوروبا، وكيف تغلب الفلاسفة على سيطرة الكنيسة على المجتمع والسياسة، وبذلك تحققتْ النهضة وانتصرالفكرالتنويرى على الفكرالظلامى.
وكتب د. هيكل ((إنّ القديم أصبح هشيمًـا لايقوى على الحياة. وصارمن النظام الاجتماعى (الحاضر) كعربات النقل القديمة من وسائل النقل الحديثة. وأوضح مظهرلما نقول هواستقرار نظام المجددين فى حكم البلاد، ولان الجامدين طوعـًـا أوكرهـًـا الإذعان له والرضا عنه)) وتساءل: أليس النظام الدستورى وما ينطوى عليه من حرية العقيدة وحرية الرأى، هوالنظام القائم اليوم فى البلاد وعنه تدافع الأمة الحية كلها، ولايستطيع الجامدون (أعداء الحرية) إلاّ أنْ يـُـعلنوا تحبيذهم له ورضاهم عنه. وهذا النظام الدستورى وما يقرره من ألوان الحرية، ليس وليد طفرة ولاحركة دقيقة، كلا. بل هولب مطالب الأمة منذ أكثرمن نصف قرن من الزمان (مجلة الجديد 6فبراير1928) وكتب ((إن الشيوخ لم يوافقونا فى مسألة تعليم المرأة إلاّبعد أنْ رموا الداعين إليه بالإلحاد، واتهموهم بأقبح التهم. فإذا كان رجال الدين اليوم يقروننا على تعليم المرأة ، فذلك بعد أنْ جرف التيارجمودهم القديم، وأصبحوا لايستطيعون أنْ يواجهوا أبناءهم ولا بناتهم بجمودهم. كما أصبحتْ مصالح بناتهم الخاصة معرضة لضرر، إذا أصرّالآباء على رفض تعليمهن. ثم خاطب القارىء قائلا: وهكذا أنت ترى كل فكرة جديدة تــُـقابل من جانب رجال الدين برمى صاحبها بالإلحاد، حتى تستقروتُصبح من الأفكارالمتداولة، فيتقبلونها طائعين أوكارهين. وأنت ترى أنّ هذه الأفكارجميعـًـا، ليس لها علاقة بالإيمان أوبالإلحاد فهى أفكاراجتماعية بحتة. وحرية الفكرالتى دعونا إليها والتى ندعوإليها هى الأخرى فكرة اجتماعية لاعلاقة لها بالإيمان أوبالإلحاد، لأنّ المؤمن الذى لايكون حرالفكر، لايكون فى الحقيقة مؤمنــًـا، بل يكون (عبد فى تفكيره) وكتب أنّ ربط دعاوى الإصلاح بالإلحاد إنما ذلك من بضاعة الإسلاميين ليحاربوا بتلك البضاعة الفاسدة أية محاولة للإصلاح الاجتماعى، بحجة أنّ ذلك مخالف للشريعة الإسلامية.
أما منصورفهمى فقد وجد أنّ المناخ (بعد الثورة التى أحدثها أتاتورك فى تركيا) فتح الطريق أمام الباحثين الأحرارللتخلص من قيود الماضى، الذى كان من ميراث الخلافة الإسلامية عمومًـا، والخلافة العثمانية بصفة خاصة. فقد تخلص الشعب التركى من ذلك الموروث الإسلامى الذى كبله عدة قرون. وعرف أنّ الدين ليست له علاقة بتشكيل الحكومات.. ولا أنظمة الحكم الحديثة. ولا أساليب أكلنا وشربنا وملابسنا وسكننا (صحيفة السياسة 2سبتمبر 1925)
هذا التوجه الليبرالى جعل أول فتاة مصرية تحصل على البكالوريا سنة1907 (نبوية موسى) أنْ تــُـطالب بأنْ يكون من حق المرأة المصرية أنْ تشغل منصب القاضى، خاصة فى قضايا الجنايات التى تخص المرأة، وامتلكتْ شجاعة أنْ تكتب هذا الاقتراح فى مقال نشرته صحيفة السياسة (الصادرة عن حزب الأحرارالدستوريين) فى عدد26 أكتوبر1925. ومع ملاحظة أنّ نبوية موسى كانت من الشخصيات (المحافظة) وكانت تغطى شعرها وترتدى الكرافت الرجالى وتفضل اللون الأسود لردائها الخارجى، ورغم ذلك كان عقلها يميل إلى التحررمن قيود العصورالوسطى، فرغم تدينها الشديد امتلكت جرأة مخالفة الشيوخ فى موضوع صيام شهر رمضان، وردّتْ على من كتبوا بأنّ الصيام له تأثيرإيجابى على الصحة البدنية، فكتبتْ ((إنى أومن بكل فوائده الأدبية والدينية. أما أنْ نصوم لتصح أجسامنا فهوما لا أستطيع أنْ أومن به، لأنّ الغربيين وهم قوم مسيحيون لايصومون رمضان، ومع ذلك فهم أصح أجساما منا)) (نبوية موسى- تاريخى بقلمى- هيئة الكتاب المصرية- عام2003- ص63)
ونادى د. هيكل بضرورة تطويرالتعليم (الأولى والجامعى) وذلك لن يكون إلاّبالتخلص من تراث العصورالوسطى (عصورالظلم والظلام) حيث أنتجتْ العديد من الكتب (التراثية) التى روّجتْ للخرافات، وبالتالى ترسّـختْ فى عقول الأجيال التى قرأتْ هذه الكتب. ولذلك فمن الخطورة فرضها على طلاب العلم فى العصرالحديث. وبالتالى لابد من أنْ تكون مناهج التعليم منطلقة من قاعدة البحث العلمى، وأساليب التفكيرالحر، المستند إلى المشاهد المادية والمقارنة، مع الاستقراء والاستنتاج.
وفى هذا المناخ الليبرالى الحر، هاجم محمود عزمى المفتى وشيخ الأزهر. والسبب أنّ (صحيفة الوادى) نشرتْ نص العريضة التى رفعاها (لصاحب الجلالة الملك) يلتمسان فيها ((النظرفى أمرمُحرر(صحيفة الاستقلال) وما يكتبه من مقالات ((تحض على الخروج على الدين)) وجاء فى العريضة أنّ آراء هذا الكاتب ستؤدى إلى تخريب العقول (وأنها آراء سوفيتية) وكانا يقصدان آراء محمود عزمى فردّ عليهما قائلا : قد نفهم أنّ لهذيْن الشيخيْن الحق فى الدفاع عن الدين. والدفاع (عن التقاليد الدينية) ولكن الذى لانستطيع أنْ نفهمه هوأنْ يتعرّض الشيخان لآرائنا الاجتماعية، فيصفاها بأنها (سوفيتية) وإذا صحـّـتْ رواية الزميلة صحيفة وادى النيل، فأنا أتحدى الشيخيْن الجليليْن أنْ يشرحا (مبادىء السوفيت) وأتحداهما وغيرهما ممن يريدون الكيد علينا، أنْ يستطيعوا إثبات من الذى أخذ بمبادىء السوفيت، خاصة أننا عارضناها فى كثيرمن كتاباتنا ومحاضراتنا)) (صحيفة الاستقلال- 16يوليو1922)
وفى عدد نوفمبر1922 نشرتْ صحيفة السياسة مقالابعنوان (جميع شيوخ الأزهريأكلون بالربا) بقلم (سيف) فتسبب هذا المقال فى نشوب معركة بين الشيخ محمد رشيد رضا والشيخ يوسف الدجوى، حيث اتهم الأخيرالشيخ رضا بأنه أحلّ الربا عندما أفتى بجوازالرهن. فردّ الشيخ رشيد عليه بأنّ هذه الفتوى نقلا عن كتاب (المغنى) وهو((من أجل كتب الفقه)) وأضاف: إننى أرى أنّ جميع شيوخ الأزهريأكلون الربا. والله قد توعـَـد آكلى الربا بأشد أنواع الوعيد. وشرح الشيخ رشيد أسباب ذلك فقال: إنّ المُخصّص لميزانية الأزهروالمعاهد الدينية من ميزانية الحكومة العامة، يوضع فى البنك الأهلى ويضاف إليه من الربا مثل ما يضاف على سائرميزانية الحكومة، ومشيخة الأزهرتسحبه من البنك، كسائرالمصالح الحكومية.
سأل الشيخ الدجوى الشيخ رشيد: هل قلت ونصحت مشيخة الأزهربهذا الكلام؟ لم يرد الشيخ رشيد على هذا السؤال، بينما أعلن المفتى أنه لايأخذ راتبـًـا من الأزهر.
وكان تعقيب (سيف) على مقال الشيخ رشيد: ونحن نرى من جهتنا أنّ هذا هوالسرفى أنّ شيخ الأزهرأعرض (= رفض) الاشتراك فى الكلام حول هذه المسألة. أما المفتى ((فقد أنعم الله عليه بأنه لايأخذ من الأزهر راتبـًـا، ونرى أنه هوالسرفى أنّ الشيخ الأكبرفاجأ المشايخ وهم يتحدثون فى هذه المسألة، التى يراها المسلمون أهم من الشيخيْن (رشيد والدجوى) فقال شيخ الأزهرلرجاله وأتباعه من الشيوخ: إننا اجتمعنا هنا لنضع حدًا لهذا النزاع والمطاعن (وعلينا) أنْ نمنع نشرهذه الردود فى الصحف، لأنها تزرى بالعلماء (يقصد شيوخ الأزهر)
وأضاف (سيف) يريد مولانا شيخ الأزهرأنْ يقول: لاتتكلموا فى الربا.. ولاحرمة أكله.. ولافى تناول مرتباتنا منه.. فهذا شىء لانود أنْ يعلمه الناس عنا.. ونحن (والحمد لله) دينون قبل كل شىء..والإسلام بخير. ما دمنا نعتقد حرمة الربا.. ولكن العمل شىء والعقيدة شىء آخر. وأضاف (سيف) لايا فضيلة شيخ الأزهر(الإمام الأكبر) إنّ الذى يزرى بالشيوخ حقــًـا، وينزع منهم الثقة (الدينية) المطلوبة لرجال الدين، إنما هوذلك القرارالذى تحاولون (أمام هذه الحقيقة الثابتة) التى خاطبكم بها الشيخ رشيد وسجلها عليكم أمام كافة المسلمين.. ((أنكم جميعـًـا تأكلون الربا)) فكانت رسالة الكاتب (سيف) هى: أنكم يا شيوخ الأزهرتقولون الكلام وتفعلون عكسه.
ولكن أخطرمن موضوع (الربا) وفق التعريف العربى/ الإسلامى الذى لاعلاقة له، بالمفاهيم الاقتصادية لدى الشعوب الحرة، هواجتماع شيخ الأزهر(الإمام الأكبر) مع أتباعه من الشيوخ والتنبيه عليهم بعدم الكتابة فى الصحف، ولايردون ((على اتهامنا بأننا نأكل الربا)) وبرّرذلك بأنّ العمل بمشيخة الأزهر(شىء) والعقيدة شىء (آخر) فهل هناك انتهازية أكثرمن ذلك؟
وهكذا كانت صحيفة السياسة (الصادرة عن حزب الأحرارالدستوريين) تسمح بنشرالمقالات التى تــُـثيرالقضايا الشائكة والجارحة مثل تناقض شيوخ الأزهر. وكذلك كان موقفها المهم عندما سمحتْ بنشرالمقالات المُـدافعة عن الشيخ على عبدالرزق (مؤلف كتاب الإسلام وأصول الحكم) بعد قرارالأزهربفصله (من لجنة علماء الأزهر)
واشتدتْ الحملة الصحفية ضد الشيوخ، خاصة بعد ترويجهم لتولى الملك فؤاد منصب (خليفة المسلمين) خاصة بعد الدراسات التى أثبتتْ أنّ الخلافة الإسلامية كانت نكبة على الشعوب التى وقعتْ فريسة لظلم الخلفاء (راشدين وغير راشدين) وإذا كان الإسلاميون روّجوا لمقولة أنّ الشيخ على عبدالرزق (تراجع) بعد فصله من الأزهر، فإنّ صحيفة السياسة فتحتْ صفحاتها له ليرد على من هاجموه وليدافع عن كتابه (الإسلام وأصول الحكم) فكتب أنّ الدين لم يـُـقيد المسلمين بنوع من تلك الأنواع (السياسية) وإنما ترك لنا لنختارمنها أحدث ما أنتجته العقول البشرية، وأمتن ما دلــّـتْ عليه تجارب الأمم، على أنه خيرأصول الحكم.. وعلى أننا مازلنا نعتقد ما قررناه فى الكتاب من أنّ الواقع المحسوس، الذى يؤيده العقل ويشهد به التاريخ قديمًـا وحديثــًـا، أنّ شعائرالله تعالى ومظاهردينه لاتتوقف على ذلك النوع من الحكومة (الإسلامية) النوع الذى يسميه الفقهاء (خلافة) ولاعلى أولئك الذين يسميهم خلفاء (صحيفة السياسة2سبتمبر1925)
وأكــّـد (فى نفس المقال) أنه لايخشى على كتابه من المناقشة، بشرط أنْ يكون رائدها التماس الحق والنزاهة ، وإنما يخشى من تلك الآراء الفجة التى يـُـسرع بها الناقدون قبل أنْ يقرأوا الكتاب، وقبل أنْ يفهموه، وهذا الهجوم على الكتاب ، أقنعهم به أولئك الذين يعمدون إلى تشويهه والافتراء عليه، بنية مريضة ورغبة نكرة فى الكيد والمشاغبة.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س