الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قمة الناتو المقبلة: قرع لطبول الحرب

مرتضى العبيدي

2017 / 5 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


دعت الأحزاب الأوروبية الأعضاء في الندوة الدولية للأحزاب والمنظمات الماركسية اللينينية إلى تنظيم تحركات شعبية عارمة بتزامن مع انعقاد قمة حلف الناتو بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يومي 24 و25 ماي القادمين في بروكسيل.
وذكرت في بيان أصدرته للغرض أن هذا الحلف الذي أنشأ سنة 1949 لمواجهة المعسكر الاشتراكي، والطبقة الشغيلة وقوى المعارضة الشعبية في جميع أنحاء العالم، شكل منذ ذلك الحين أداة استفزاز وتهديد للسلم العالمي وآلة حرب حقيقة في داخل البلدان المكوّنة له وخارجها. كما أنّه مثل منذ تأسيسه الأداة الرئيسية لهيمنة الامبريالية الأمريكية وبسط نفوذها على الشعوب الأوروبية ذاتها والحد من سيادتها.
وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وعوض تفكيك هذه المؤسسة العدوانية، فقد شهدت تطويرا لإمكانياتها العسكرية الهجومية وقدرتها على التدخل خارج مجالها وخاصة باتجاه الشرق، حسب استراتيجية "وضع اليد على كامل القارة الأوروبية" من أجل تشديد الحصار على روسيا وعزلها عن محيطها، وهو ما جعل هذه الأخيرة تلجأ إلى وضع برامج لتجديد ترسانتها العسكرية والقيام ببعض العمليات العسكرية لكسر الحصار وتقويض أسس وحدة خصومها. كما طوّر حلف الناتو كذلك أوجه الشراكة مع بلدان مثل الكيان الصهيوني ومصر وكولمبيا، ويطالب ترامب اليوم بدور أكبر للحلف في "الحرب ضد الإرهاب". والمعلوم أن التدخل العسكري للناتو في عديد مناطق العالم (أفغانستان، ليبيا...) لم يساعد على حل أي من المشاكل القائمة بل إنه ساهم في تعقيدها مخلفا آلاف الضحايا في صفوف المدنيين، والفضاعات بأنواعها والدمار وانتشار الحروب الأهلية الرجعية وموجات الهجرة واللجوء.
إن قمة بروكسيل المقبلة، بما صاحبها من حملة إعلامية، تسعى في حقيقة الأمر إلى توسيع مجال التدخل العسكري لهذا القطب العدواني. فالناتو وحليفه الأوروبي ينشرون جيوشهم في بولونيا وبلدان البلطيق والمجر في نفس الوقت الذي يطوّرون فيه قدراتهم النووية وآلاتهم العسكرية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط بدعوى محاربة الإرهاب، هذه الظاهرة التي هي وليدة السياسات العدوانية للامبريالية الساعية إلى نهب خيرات الشعوب والسيطرة على مقدراتها.
كما يتضمن جدول أعمال قمة بروكسيل النظر في تطوير الترسانة النووية للحلف وإقامة قواعد جديدة ودروع نووية "وقائية" طبقا للتوجه الذي سطره بيل كلينتون وباراك أوباما و يواصله اليوم دونالد ترامب، تحت الشعار الشوفيني والعدواني "جعل القوات العسكرية الأمريكية الأقوى والأنجع في العالم". فالناتو كما صرح به مؤخرا "ماتيس ماد دوغ" وزير الدفاع الأمريكي الجديد هي الركيزة الأساسية للولايات المتحدة الأمريكية. وهي كذلك بالفعل إذ أمريكا تستعملها كأداة للمحافظة على تفوقها العسكري في العالم في الوقت الذي بدأت تبرز فيه قوى منافسة.
وقد أكد ترامب مجددا دعم الولايات المتحدة لحلف الناتو لكنه طالب بقية الأعضاء بتسديد التزاماتهم المالية، وهو ما يعني الترفيع في نفقاتها العسكرية إلى حدود 2℅ من ناتجها القومي الخام، الذي ستتحمّل تبعاته الطبقة العاملة وباقي الفئات الشعبية في هذه البلدان والرازحة أصلا تحت وطأة الأزمة الاقتصادية المستمرة وسياسات التقشف.
وقد لاقت سياسات ترامب قبولا من الأنظمة الأوروبية التي التزمت بالمضيّ قدما في وضع سياسات "للدفاع الأوروبي" بما يعني تأسيس قوة عسكرية أوروبية مشتركة تكون خاضعة ومكمّلة لقوات الناتو حتى تتمتع أوروبا بنصيبها من الغنائم المأمولة. إن حكومات الاتحاد الأوروبي ، تساندها في ذلك الأحزاب النيوليبرالية والاشتراكية الديمقراطية والإصلاحية، تضع اليوم اليد في اليد مع قوات الناتو في جميع مناطق التوتر (أوكرانيا، البلقان، أفغانستان، البحر المتوسط، السودان، الصومال...). وقد طوّر هذا التعاون النزعة العدوانية للبلدان الأوروبية التي أصبحت تلجأ للتدخل الخارجي للتغطية على أزماتها الداخلية وفشل سياساتها التي تناهضها الجماهير في بلدانها.
فاليوم، وفي الوقت الذي يتواصل فيه الركود الاقتصادي وينتشر الفقر، فإن شعارات "العولمة" تترك مكانها شيئا فشيئا إلى السياسات الحمائية، والرسوم الجمركية والحروب الاقتصادية، وهو ما سعّر التنافس بين القوى الامبريالية ذاتها من أجل بسط نفوذها على الأسواق الجديدة والطرق التجارية بغية الحصول على المواد الأولية ومصادر الطاقة والمياه والأراضي الخصبة ومناطق النفوذ الإستراتيجية.
وعلى هذه القاعدة تتطور سياسة الحرب والسباق نحو المزيد من التسلح التي يرفع رايتها حلف الناتو للدفاع عن مصالح أعضائه وخاصة منهم الولايات المتحدة الأمريكية. وهي سياسات لم تؤدّ إلا إلى بث الدمار الشامل والضحايا وموجات التهجير في عديد المناطق من العالم مثل أوروبا الشرقية والشرق الأوسط وبحر الصين الجنوبي، وشبه الجزيرة الكورية والمتجمّد الشمالي والسعي إلى التحكم في الفضاء ممّا رفّع في وتيرة السباق نحو التسلح وإلى بروز بوادر تكتلات امبريالية جديدة وهو ما يؤشر إلى إمكانية اندلاع الحرب الشاملة في أي لحظة. فجميع القوى الامبريالية هي بصدد الاستعداد إلى تقسيم جديد للعالم بواسطة الحرب. ويؤشر على ذلك الصعود المتزايد للنزعات القومية والشوفينية والعنصرية، وكذلك للأحزاب الشعبوية اليمينية والفاشية، وهي قوى تحرّض على الحرب باسم "القومية" وتنشر الكراهية بين الشعوب.
فالبورجوازية وخدمها من الانتهازيين يروّجون دوما لضرورة تقوية الموازنات العسكرية وإلى مزيد عسكرة المجتمعات بدعوى "حماية الديمقراطية ونمط العيش الغربي" في مواجهة الإرهاب القادم من الشرق متغافلين عن أسباب الظاهرة التي هي في الواقع إحدى نتائج السياسات والحروب الامبريالية ذاتها. ولم تؤدّ هذه الحلول إلا إلى مزيد التضييق عن الحريات وعن حقوق العمال والشباب وإلى مواصلة سياسات التقشف التي تعود بالفائدة على حفنة المستغلين. وهم يسلكون سياسة التخويف حتى تتقبل الجماهير سياسات العسكرة وتضييق مجال الحريات.
وعلى أساس هذا التحليل، توجهت الأحزاب المذكورة بنداء إلى العمال والمكونات الديمقراطية والتقدمية في تلك البلدان للخروج بأعداد غفيرة للتنديد بانعقاد قمة الناتو وللتعبير عن رغبتها في العيش في سلام، وإلى رفع شعارات معاداة قيام الأحلاف العسكرية، والسياسات العدوانية التي تدفع ضريبتها شعوب العالم ، ودعت إلى سحب القوات العسكرية المنتشرة في أنحاء العالم، وإلى وقف السباق نحو التسلح، والتقليص من الموازنات العسكرية، وتوظيف تلك الأموال لصالح الطبقات والفئات الشعبية في مجالات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية. كما طالبت بعالم خال من الأسلحة النووية بفتح الحدود أمام المهجرين نتيجة الحروب بالوكالة التي تشعلها الامبريالية في أكثر من بقعة من العالم. وعبّرت في الختام عن مساندتها المطلقة لنضالات الشعوب المضطهدة من أجل حقها في التحرر الوطني والانعتاق الاجتماعي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة