الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأُنثى المَفقُودة (2) : « العلاقة بين الذكر و الأنثى ، شَراكة وهمية أم سلسلة هرمية ؟ »

الياس ديلمي

2017 / 5 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في مقالنا السّابق الذّي كان عبارة عن مُقدمة و توطئة نَلِج مِن خلالهما الى الدّهاليز المُظلمة بحثاً عن الأُنثى المفقُودة مُنذ زمنٍ سحيقٍ ، وجدنا أن مُصطلَح ( الانسان / Human ) كان مُضطرباً دلالياً بعد أن فقَد أحد قُطبيه المُتمثِّل في الأنثى و انحصارِه في قُطبٍ واحدٍ الذكر ، حتّى أختَلّت الدلالات اللسانية و أنتجت لنا مُعادلة تقول أنَّ ( الانسان = الذكر أو الرجل ) ، مِمّ أدّى الى انقلابٍ جذريٍّ في المفاهيم و التّصورات البشرية التّي عقَّدَت و شَعَّبَت العلاقة الموجودة بين الذّكر و الأُنثى ، و خلقَت أزمة حقيقية تَرى في الذكر صُورة إنسان بصِفته متبُوعاً مِن طرف الأُنثى ، و ترى في هذه الأخيرة لغوياً خارجة عن دائرة الانسان بصفتِها تابعاً للذكر مع اعطائها لقباً شَرفياً تمثّل في ( إنسَــانَة ) ، و بما أن اللّغة وعاءٌ للفِكر و مِرآة للحضارة ، فقَد أنعَكَس ذلك على العلاقة بين الذكر و الأنثى ، بعد أن كانت علاقة شَراكةٍ مُتبادلةٍ ذات منافِع قيِّمة تحوَّلـت الى علاقةٍ مبنيةٍ على تَسلسلٍ هرميٍّ يَقضي باستلام الذكر هرَم السُلطة كحاكِم لتأتي الأنثى كمحكُوم يُطبّق ما تُمليه السّلطة الذُكُورية مع إلباس هذا الترتيب لِباس الشّراكَة الوهمية الشّكلية درءاً للاحتجاجات و الاعتراضات .
كما ألمحنا في توطئتنا الى التّصوّرات الدّينية الابراهيمية الثلاثة ، و إرجاعِنا لمُشكلة تغييب الأنثى الى النُصّوص المُقدَّسَة التي أسّست تلك التّصورات أطروحتها انطلاقاً مِنها ، وجَب علينا قبل ذلك التفريق و التّمييز بين النّص الدّيني ( المُؤسِّس ) و بين التّصوُّر الدّيني ( المُؤَسَّس ) ، فالنّص الديني هو نّص ثابت مُؤسِّسٌ يتعرّض الى عِدّة قِراءات تَنتج عنها استنتاجات و أفكار و مفاهيم تتجسّد في عِدّة تصوُّراتٍ ، أمّا التّصوُر الديني فهو ذلك التراكم المعرفي الناتج مع مُرُور الزمن عن قراءات ذاتية آنيةٍ ممزوجةٍ بقراءاتٍ غيريةٍ ( فهم السّلَف و الآباء ) ، مع التّــأثُر بخيالات و تخيّلات خُرافيّة مُنبثِقة مِن مجموعة مِن القراءات الحَرفيةٍ و المُشّوهةٍ للنّصُوص المِثُولوجية .
فعِند النّظر في التّصورات الدّينية الاسلاميّة نَجِد تَنظيراتَها المعتمَدَة تَجمع بين النّص القرآني و النص المحمدي ( الحديث النبوي ) ، حيث يَنفرد النّص الأول عن الثاني بعدم ذكر اسم ( حواء ) في أيّ مَوضِعٍ مِن مَواضِعِه ، و لم يَتطرّق الى بيان كيفية خلق ذلك الكائن البشري الأنثوي أو هكذا تَوهمّنا بسبب تقاطِعه مع الروايات المحمدية التّي ذكرت اسمها صَراحَة و ساهمت في التّعتيم على فَهم النّص القُرآني ، حيث جاء في سورة النّساء ( آية 01] : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ] ، اذ حاكى العقل الجمعي الذّي يُمثل فِكر أغلبية المُسلمين فَهم و قِراءة ابن كثير لنَصِّهم المُقدّس ، حيث اعتبَر في تَفسيره مِن خلال [ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ] أنَّ النفس الواحدة هي ( آدم ) و زوجها هي ( حواء ) ، مع اعتبارها مخلوقة من ضِلعه الأيسر من خلفه وهو نائم ، فاستيقظ فرآها فأعجبته ، فأنس إليها وأنست إليه ، و هناك نصٌّ قُرآني آخر وَرَد في سُورة الزُّمر ( آية 06 ) جاء فيه : [ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ] ، حيث فَهِموا مِنها أن خلق آدم كان أولاً ، ثم خُلقت حواء منه بعد ذلك ، و هذا اعتماداً على قِراءة و فَهم الطّبري للنّص القُرآني ، بالنّسبة للروايات المحمدية المُسماة ( أحاديث نبوية ) كما نَوّهنا أعلاه و التّي تُشكّل معادلة هامّة في تركيبة الفكر الاسلامي ، ساهمت في ذِكر ما سَكت عنه النّص القُرآني و زادت بأن وضَعت نِقاطها على حُروف الفهم بخُصُوص قراءة النُصُوص القُرآنية التّي تَخُوض في قضيّة الخَلق ، فاستعان بها مفسّرُو المسلمين لِسَدّ ما ظَنُّوه و توهمُوه أنّه نُقصٌ لم تَتَطَرّق اليه المنظُومة القُرآنيّة ، و هنا نُورد ما نَقلاه لنا البُخاري و مُسلِم في صحيحيهِما ، اذ يَنقُلان عن عِدّة رُواة اخباريين بأنّ الراوي أبى هريرة نَقل عن النّبي مُحمّد أنّه قال : [ اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاء ] ، و عليه نَفهم مِن هذا أنّ التّصوُّر الديني الاسلامي اختلط عليه الأمر بعد أن غلبت على نصوصه المُقدسة تصورات و قراءات أُخرى مُتأثِّرة بقراءات و خيالات تنتمي للتصّورات الدينية اليهودية بسبب اليهود الذين أسلموا على غرار : وهب بن منبه و كعب الأحبار اللذان قاما بتلقِيح التّصور الاسلامي بجُرعات هائلة مِن قراءات و تصورات آبائهم الأحبار مُفسّري أسفار العهد القديم الخَمسَة ( التّناخ ) ، مِمّ أدّى بالفكر الاسلامي الى تبنّي النظرية الدّينية القائلة بأنَّ الله خلق رجلاً أطلَق عليه اسم آدم ثُم قرّر استخلافه في الأرض و تعليمه الأسماء كُلّها مع توجيه الأمر للملائكة بالسُجود له في ظِلّ غياب الأنثى عن بروتوكول الاستخلاف و تعليم الأسماء و كذلك السُجود الملائكي ، و هذا ما جعل خِطاب النصوص القرآنية يَقَع في فخّ الازدواجية بسبب تواجد خطابين ، خطاب ذُكوري مُهمِّش لدَور الأنثى و خطاب انساني مُوجَّه للإنسان ذَكراً و أُنثى ، الأمر الذي فتح الباب للعقل الفِقهي بالتّحالف مع السُلطة السِّياسية الحاكِمة لفرض سيطرته الكهنُوتية مِن خلال وضع تشريعات لشرعَنة الممارسات الذُكورية الاستبدادية .
و بِما أنَّ التّصورات الدّينية متلاقحة مع بعضها البعض ، سننظر مُضطرين في النصوص الدّينية الأُولى التّي تسبّبت في تأسيس هذا الكمّ الهائل مِن التصورات المتضاربة و المفاهيم المُتناقِضة المُتمثّلة في نُصُوص سِفر التّكوين التّي حمّلها أغلب الباحثين و الأكاديميين مسؤولية صناعة التراكمات المعرفية الدينية الخاطئة على مرّ العُصور بدءاً باليهودية مروراً بالمسيحية وصُولاً الى الاسلام ، و اعتبرتها أغلب الأبحاث الأكاديمية المؤسِّس الأوّل لظاهرة تهميش و تحقير الأُنثى الى جانِب تسلُّط الذّكر عليها .
في نُصُوص العهد القديم ترجمة فان دايْك العربية جاءت مُفردة ( الانسـان ) لأوّل مرة في سِفر التكـوين و بالضبط في الاصحــاح الأوّل ( آية 26 ) : [ نَعمَل الانسَان على صُورَتنَا و كمِثالنا ...] ، ثُم تأتي ( آية 27 ) مِن نفس الإصحاح قائلةً : [ فعَمَل الله الانسَان ، على صُورة الله عمِلَه ، ذَكَراً و أُنثَى عمِلَهُم ] .
لننظر في التّرجمات الانجليزية و الفرنسية للنص رقم 27 و نُقارن ، فقد جاء النّص الانجليزي كالتالي :
[ So God created man in his own image, in the image of God created he him male and female created he them ]
أمّا النص الفرنسي فقد ورد كالتّالي :
]Dieu créa l homme à son image, il le créa à l image de Dieu, il créa l homme et la femme [
لنُقارن بين الترجمات الثلاثة ، حيث أن الترجمة الانجليزية و الفرنسية ترى أنَّ الانسان هو رجُلٌ مع أنّ النص صريح و واضِحٌ مِن خلال تطرُقه لقرار خلق الانسان سواء كان ذكراً أو أُنثى ، ويتجلّى ذلك في آخر النص مع الاعتماد على صِيغة الجمع ، و حتّى نتبيّن الخلل الموجود مِن خلال التّلاعب بلفظي ( انسان / آدم ) سنخُوض في التحليل اللساني لكليهما مِن خلال تتبُّع سياق النصوص في الاصحاحين الأول و الثاني ، حيث ورد في الاصحاح الثاني ( آية 8 ) ما يلي : [ و غَرَسَ الربُّ الإلَه فِردوْساً في عدْنٍ شَرقاً ، و وضَع هناك الانسَان الذِّي جَبَلَه ] ، حيث نُلاحظ أنّ سِفر التكوين لا يَزال يُوّظِف مُفردة ( الانسان ) عبر ُنُصُوصه الى غاية النصين رقم 15 و 16 مِن الاصحاح الثاني حيث وجدنا أنَه استخدم لأوّل مرّةٍ مُفردة ( أدم ) ، اذ يقُول النصّ : [ و أخذَ الربُّ الاله الانسَان الذّي جبَلَه ، و وضَعه في الفردوس ليَفلَحه و يَحفظه * و أوصى الربُّ الاله آدم قائلاً مِن جميع الشّجَر الذي في الفِردَوس تأكُلُ أكلاً ] .
و الناظر الحذِق المُتابِع لسياق ما ورد في سِفر التّكوين مُنذ أوّل نصٍ سيَكتشِف أن المُترجمين يُحاولون عمداً فبركة و خلخلة مفاهيم مُفردات : الانسان ، الذكر ، الأنثى و آدم ، فبالاعتماد على ( التّرجمة السّبعينية مِن العبرية الى اليونانية ) نجِد ما يُؤيدنا فيمَ ذهبنا اليه ، حيث يَرد في النصّ رقم 27 ( اصحاح 1 ) : [ فعمل الله الانسان אֶת־הָאָדָם (‘adam ) ، على صُورة الله عمِلَه ، ذَكَراً و أُنثَى عمِلَهُم ] ، فعندما نقوم بتفكيك المُفردة ( אֶת־הָאָדָם ) نحصُل على :
- آدم == אָדָם (‘adam)
- أداة تأكيد == אֶת
- أداة تعريف == הָ
حيث أنَ أدوات التأكيد و التعريف التي تسبِق لفظ ( ادم ) تُشير الى أنّ دلالة المُصطلح تُحيلنا الى مفهوم البشرية و ليس أسماء الأعلَام (proper name ) ، و سبب ذلك هو أنّ أداة التّعريف في اللغة العِبرية لا تُوظَّف أبداً مقرُونة بالاسم الشخصي (personal name ) ، و على هذا يُصبح النص لا قيمة له معرفياً متضارباً و مُضلِّلاً إذا اعتبرنا أنّ آدم هو اسم لرجُل !
مِن خلال ما سُقناه في هذا المقَال ، يُمكننا القول أنّ مُفردة ( آدم ) هي كلمة وُجُودية تُمثّل جوهر الانسان العاقل الواعي بذَكَرِه و أُنثاه ، بالرغم مِن التّلاعب اللُغوي و فبركات التّراجم مِن طرف الجِهة التّي سَعَت جاهِدةً الى القول بأنّ الله يَقِصد مِن استخدامها في نُصُوصه شَخصَ الكائن البشري الذّكريّ ، و بالتّالي يتِمُ تغييب الكائن البشري الأُنثوي بنجاحٍ عن السّاحة الدِّينية مِن أجل انفراد الذّكر بمُهمّة تلقِّي و استقبال الخطابات الدّينية ، و بالتّالي يَسهُل التّحكُم في تدفُّق التّعاليم و الارشادات الالهية بعد إلباسِها لباس ذُكوري ، ثُم الإدّعاء بحقّ الوِصاية و الكَفَالة بحُكم أنّها تُجسّد السّلطة الأبوية التّي تَخلِف الله في الأرض .
و حتّى لا نتُوه في التحليلات اللسانية لنصوص سِفر التّكوين بسبب أنّنا سنُفرِد له مقالات مُستقلّة ، علينا إعادة استقراء ما ورد في مقالة اليوم ، حتّى نتوصّل الى حقائق لطالما كانت مطموسة تحت ذرائع عديدة مِنها حُرمة التّساؤُل و التّرهيب مِن عواقب البحث ، و حتّى نعلَم أنّ الإشكال ليس في النصّ الدّيني بقدر ما هو موجود في السُلطة التّي تستخدمُه ، فتُوهِم النّاس أنّ الله يُوجِّه خِطابه بالدرجة الأُولى الذّكر ، ثُمّ تُوهِمُهم أن القضّية هي قضيّة حِكمة الهية مخفية و يجب على الأنثى الرّضُوخ الى التّعاليم الدّينية التّي تضَعُها في المرتبة الثانية مِن التسلسل الهرمي الذي يَعتليه الذكر ، بَعد ذلك يُغلِّفُون ذلك التّسلسُل السُلطوي بغلاف الشَّراكة الوهمية بين الذكر و الأنثى ، فيُوهمون هذه الأخيرة بأنّها تُشكِل رقماً صعباً في معادلة يَكون الذكر طرفاً فيها ، و يَخدَعُونَها بالاعتماد على الشِعار الدّيني الزائف ( إكمال نصف الدّين ) ، فتَستكين و تَرضَخ دون أن تَدري أنّ الشّراكة الفِعلية تُبرمُ بين طرفين مُكتمليْن و ليس بين طرفين يَفتقِران الى شُرُوط التّكامُل ، و كالعادة للحديث بقية ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل


.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت




.. #shorts - Baqarah-53


.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن




.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص