الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دامداماران [16] عبرانية براهمية

وديع العبيدي

2017 / 5 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وديع العبيدي
دامداماران [16]
ثامنا: عبرانية براهمية..
[انه الاله الباطل، ذلك الذي كان قد اختار لنفسه شعبا، وبنى له معبدا، وهكذا قامت مدينة اور: مدينة الكذب. ان الخاطئين هم اولئك الذين يقومون بطقوس الختن بالسيف، ويبالغون فيها حتى يبلل الدم وجوههم، وعلى هذا يعبدون الاله الباطل]- (كنزاربا: 166)
[ماركيون في العام (140م) كان يعلم بأن (يهوه): اله العهد القديم هو اله مخيف مرعب، اله الغضب والنار، وطلب القاء العهد القديم جانبا. في العام (144م) قامت كنيسة روما بطرده من الكنيسة!]*
[لا تظنوا اني اشكوكم الى الآب، يوجد من يشكوكم وهو موسى، الذي عليه رجاؤكم. لانكم لو كنتم صدّقتم موسى، لكنتم تصدّقونني. فان كنتم لستم تصدّقون كتب ذاك، فكيف تصدّقون كلامي؟]- (يو 5: 45- 47)
[ان بني اسرائيل أمة غبية لا بصيرة فيها. لو عقلوا لفطنوا لمآلهم، وتأملوا في مصيرهم!]- (تث: 32: 28- 29)
[ربيت بنين ونشاتهم، أما هم فعصوا علي. الثور يعرف قانيه، والحمار معلف صاحبه. أما اسرائيل فلا يعرف. شعبي لا يفهم. ويل للامة الخاطئة، الشعب الثقيل الاثم. نسل فاعلي الشرّ، اولاد مفسدين]- (أش 1: 2- 4)

توطئة..
الازاحات السكانية المرافقة للتغيرات السياسية والاحتلالات في بلاد النهرين أمر له جذور وتواريخ عريقة. ولم يحصل تغير سياسي في العراق من غير عنف داخلي او خارجي، قديما وحديثا. وما يزال مؤرخو التاريخ القديم، يحاولون معرفة مصائر سكان سومر القدماء.
والتغير الذي نحن بصدده هنا، هو سقوط بابل الثانية بيد الفرس في عام (538ق. م.) والاثار والظواهر السكانية والدينية التي انبجست منها، بعدما عاشت فيها طويلا، مستفيدة من ظروف الاستقرار والنهضة الحضارية.
وقد عرضت حتى الان بعض الظواهر والتوجهات الدينية ذات الصلة المباشر بالازدهار البابلي في الفلك والنجوم والرياضيات التي اسست قواعد للمعرفة واصول العرافة والكهانة، بالصلة مع طبيعة الميثولوجيا البابلية المتوارثة بدورها عن اصول قديمة ومتنوعة.
لقد ترتب على سقوط الحضارة البابلية ومجيء حكم مختلف عن هوية البلاد، ظهور توجهات للمحافظة على الثقافة والمدنية البابلية، ومن بين اولئك كانت تيارات حاولت تأطير الديانات او الفلسفات الكونية البابلية في منظومات وشرائع وكتب، عرضنا منها الحنيفية والمندائية والزرادشتية.
لقد تنافست تلك التيارات فيما بينها، في الاستحواذ او ترجمة الارث البابلي ووسمه بطابعها الثقافي او الاثني. وأنا شخصيا، اميل لاعتبار الصابئية المندائية، هي الاكثر التصاقا وانتماء للتراث الرافديني القديم، البابلي وما قبله، لكونها من الجماعات السكانية القديمة المعاصرة لسومر، وما زالت محتفظة بتوطنها الجغرافي الثقافي، وعناصر اخرى في تفاصيل اعتقادهم.
ان ثمة خصائص مشتركة، لابد منها وعلى مستوى الضرورة، لمعتقدات البشر، سيما في اطار جغرافي وزمني محدد. وهو ما يمكن لحظه فيما بين المعتقدات: الحنيفية والمندائية والزرادشتية. اما اختلاف الخطاب واللغة وتراجع المشتركات الفكرية واللاهوتية لصالح عناصر مستجدة، فأنه مؤشر اختلاف العقلية والمرحلة الحضارية للعقيدة او التيار المختلف.
ويلحظ ان ثالوث: [الدم- القومية- المشروع السياسي] عناصر مستحدثة لم تظهر بقوة او مجتمعة في المعتقدات البابلية السالفة. ولست واجدا مبررا لنسبة العبرانية اصولهم الاجتماعية والعائلية الى [اور الكلدانيين] ممثلة بشخصية ابراهيم وعائلته/(تك 14: 31). والمعروف ان (كلدان) صفة لهل بابل في القرن الخامس قبل الميلاد. اما (أور/ Ur) فهي مفردة شائعة بمعنى [أرض/ مدينة] ارتبطت بالمملكة السومرية القديمة، ومنها [أوروشاليم] على غرار [ملخي صادوق ملخي شاليم]- (تك 14: 18) الذي [كان كاهنا لله العلي!]، ولا يعرف مكانه حقا، فضلا عن مدى كونه شخصية تاريخية، لكن الانجيليين انتهوا لاعتبار مملكته او عاصمته في موقع القدس اليوم. والمعروف انها كانت مركز (اليبوسيين) بحسب التوراة، وطان اسمها (لوز)، ثم تغير اسمها غير مرة حتى دعاه اليهود بالجمع بين [(أور)/ السومرية + (شاليم)/ مملكة الكاهن العلي]، ويبدو ان لهاته التسمية جذورا عراقية قديمة مفقودة، يستدل عليها من اطلاقها من قبل المنصور [712- 775م] على عاصمته العباسية الجديدة.
ربما كان المبرر وراءه، محاولة تجذير عروق تلك العائلة عميقا في اصل شجرة البشر. ولما وجدوا شاهدا عن فكرة الطوفان الميثولوجية في ملحمة سومرية قديمة تعود الى ملك أور- الوركاء*. جعلوا تلك المدينة موطنا اصليا لعائلتهم الأم، دون أي تفاصيل محلية جغرافية او ثقافية عنها. بل ان وصفها بـ[اور الكلدانيين]، يتنافى مع حقيقة الامر وواقع الجغرافيا االسياسية. والمعروف ان الكلدانية كانت صفة بابل الثانية في عهد نبوخذناصر الكبير [634- 562 ق. م.] قبل سقوطها بيد كورش في القرن الخامس قبل الميلاد.
وهذا يعني أمرين على درجة من الوضوح والتغاضي الديني: أولهما ان كتابة سفر التدوين تعود الى عهد متأخر، وليست مكتوبة في ارض النهرين، ولا صلة او معرفة لكاتبها ببلاد النهرين. وثانيهما، ان سفر التكوين، ليس من كتابات موسى او املاءاته، بحسب التصنيف الكتابي الشائع بعنوان [الاسفار الموسوية].
يقول احد مؤرخي (التناخ/ تاناك) ان هجرة ابراهيم من جنوب العراق عبر كنعان الى ارض مصر، يترسم خريطة العالم القديم او (قلب العالم القديم) وبؤرة المركزية الحضارية ومركز المدنيات الاصيلة، وهي موطن العرب منذ ظهورهم ومركز ممالكهم التاريخية: [الغساسنة- المناذرة/ الامويين- العباسيين]. ان ارض اور وحضارة سومر كانت ومازالت زراعية بامتياز. ولكن ايا من عائلة ابراهيم لم يكن مزارعا، وانما كانوا بدوا، رعاة، وقد احترف ابراهيم تجارة العبيد والماشية.
ولو صدقت صلة ابراهيم وعائلته بالمدنيات مراكز الحضارة القديمة، لانعكس ذلك على حياتهم وثقافتهم الاجتماعية وطرق معيشتهم وانماط تفكيرهم وسلوكهم الذي رأيناه في الجماعة البابلية المندائية. بينما الاعتماد على الغزو والدم والغنائم والعبيد، تلخص طراز بداوة واصول المتطلفلين والغزاة الذين لم يستطيعوا التنصل او الارتقاء عنها، رغم سمات الحضارة والمدنية التي طبعت قلب العالم القديم المتصل بين وادي الرافدين ووادي النيل.

عبرانيون..
[عبرانيون]: نسبة الى: [عابر بن شالح بن ارفكشاد بن سام بن نوح]-(تك 10: 21- 24). وأبناء سام هم: [عيلام وأشور وأرفكشاد ولود اوأرام]- (تك 10 22). فهؤلاء هم (الساميون: بنو سام) وهم ابناء عمومة (بني عابر: العبرانيين).
أما بنو (عابر) فهم اثنان: [فالج ويقطان]-(تك 10: 25). و(فالج): معناه [(= انقسام): لأن أهل الارض انقسموا في ايامه]- (تك 10: 25). أما (يقطان): فهو الذي يلفظ (قحطان) في لغة العرب، وتخومه جنوبي جزيرة العرب حوالي اليمن: [الموداد، شالف، حضرموت، يارح، هدورام، اوزال، دقلة، عوبال ، أبيمال، شبا، أوفير، حويلة، يوباب. هؤلاء جميعا ابناء يقطان، وقد استوطنوا الاراضي الواقعة بين ميشا والتلال الشرقية من جبل سفار]- (تك 10: 26- 30).
يقطان: قحطان الذي انتقل الى اليمن وشواطئ البحر العربي الجنوبي واعاد بناء حضارة عمرانية هي امتداد لحضارة سومر وبابل الاولى والخالدة اثارها العمرانية لليوم. أما الابن الاخر (فالج)/ المنقسم او المنشق، سواء كان منقسما في ذاته –[عقدة الازدواجية والبارانويا]- او المنشق عن اصله وبلده وانتمائه ، فقد اتجه نحو بادية الفرات والشام، وسيكون اسمه (رعو ابن فالج)، كما هي سمة البداة والغجر في التطفل على هوامش المدنيات والمستوطنات.
وحسب دلالة (رعو/ رعي) كان هؤلاء من البدو المتنقلة ورعاة الماشية التي ستتوزع بين لـ[جنوبي دمشق وشمالي الحجاز، وربما في باطن نفوذ نجد- البوادي الثلاثة جنوبي الفرات: بادية السماوة + بادية دمشق + بادية نجد-]. ومن (رعو) يظهر الجيل التالي ذي الدلالة على (سروج) الدواب: [جمال/ خيل/ بغال/ حمير] وهي دالة بداوة وتنقل ايضا.
وسوف تتصل البداوة وحيازة العبيد والماشية بتقاليد (النحر) وتقديم الاضاحي ممثلة بابن سروج المدعو (ناحور) جد أبرام وشقيقه ايضا الى جانب هاران ابي لوط.
ومن المرجح ان (ناحور) اقترن بنزول الشام، والتمازج في ثقافة الكنعانيين الاجتماعية والدينية. لأن (تارح) المشتقة من [ترح- مترح] دالة الاستقرار الواردة لليوم في لغة المصريين (مرسى مطروح)، تؤكد توطن الجماعة في اعالي الشام.
ومن دلالة –موت- (تارح)/ مستوطن- تلد دوال مسميات ابنائه الثلاثة: الراسخة في الوجدان الاجتماعي الجغرافي- (التوطن)-: الأول: (هاران)/ حرّان: اسم المكان النازلة فيه الجماعة؛ والثاني: (ناحور) الابن/ دالة النحر وتقديم الاضاحي، حسب تقليد عبادة البعل الكنعاني/(قرابين البكور) ، والتي تؤكد اسم الجدّ المباشر؛ والثالث: (أب- رام)/ (أبو آرام)، وهي سمة وكناية اهل الشام من بني كنعان: [ارام دمشق، هدد ابن ارام].
وبتعبير اخر، يمكن القول: [حاران: المكان/ الوطن]، [ناحور: عادات طقسية/ الدين]، [أبا ارام: القبيلة: المكون الاجتماعي/ الشعب]. وقد قطع [ابو ارام: براهيم] ارض [كنعان/ سوريا/ الشام]، من شمالها اعالي الفرات، حتى جنوبها في النقب [= ارض + انسان+ عقيدة].
الاشكالية هنا حول اسم [ابراهيم]، هل هو من [براهما/ Brahma- الاله الاكبر في ميثولوجيا الهند]؛ أو: طائفة البراهمان المتصوفة؛ أم هو من: [رام، ارام، اب/رام] المعروفة حتى يومنا، واليها تنسب اللغة الارامية المنحدرة من اللغة البابلية، والمتماهية مع اللغة الاشورية/ الكلدانية/ السريانية. هل هم قوم سكنوا حران قديما، وحمل ابن تارح اسمهم وصادر وجودهم، لانتاج ذريته القبلية القومية، التي ستترسخ دينقوميا باسم [اسرائيل].
المؤكد ان حاران، اعالي الفرات كانت جزء من جغرافيا الامبراطوريات الرافدينية البابلية والاشورية والعباسية. وان سقوط المشروع/ الكيان الرافديني العراقي على يد التحالف/ التواطؤ الايراني اليهودي، كشف عن بوادر المشروع البراهمي اليسرائيلي ممثلا بمرسوم ارتحششتا -[(عزرا 7: 11- 26)/ (نحميا 2: 7)].
وفي (تك 24: 10) يبدأ مرسوم بناء أمة عرقية وفق رايطة الدم والزواج المنغلق، بحسب وصية ابراهيم لمدير منزله: [قام وانطلق الى ارام النهرين، الى مدينة ناحور] حيث يلتقي [(رفقة) ابنة بتوئيل ابن ملكة زوجة ناحور اخي ابراهيم]-(تك 24: 15) لتكون زوجة لاسحق ابن ابراهيم.
ان الفكرة التي يقتضي التركيز عليها، او وضع خط تحتها، هي فكرة [الزواج العائلي/ الزيجات الداخلية المغلقة]، حيث يستحلف ابراهيم الشيخ وكيل اعماله [ان لا تأخذ لابني (زوجة من بنات الكنعانيين الذين أما مقيم في وسطهم)، بل تمضي الى بلدي والى عشيرتي، وتأخذ زوجة لابني اسحاق]- (تك 24: 3- 4).
وهي الفكرة التي تتكرر، تتأكد، تترسخ في الجيل التالي: [فاستدعى اسحاق يعقوب وأوصاه قائلا: لا تتزوج من بنات كنعان. ثم لنطلق الى سهل ارام، الى بيت بتوئيل ابي امك، وتزوّج احدى بنات خالك لابان]- (تك 29: 1- 2).
وفضلا عن تكرار تلك الوصية الممتزوجة بطابع ديني، حول عدم مصاهرة الكنعانيين والاختلاط بهم، واعتبارها [بمثابة زنا ومروق عن الهة االعبرانيين]، تبرز تلك ضمن البناء الرسمي للمشروع في القرن الخامس/ الرابع الميلادي: [عزرا 9، 10/ نحميا 10: 30- 31].

وبدء من (تك 12: 1) يبدأ الخطاب/ الغطاء الديني لشخصية ابراهيم، بكفالة شاملة ضامنة مدى الحياة لابراهيم وذريته، وذلك بعرض فوقاني/ سماوي مباشر، وليس بناء على طلب من ابراهيم او توسل وتزلف من قبله:
1- [قال الربّ لابراهيم: اترك ارضك وعشيرتك وبيت ابيك، واذهب الى الارض التي اريك].
2- [أجعل منك أمة كبيرة. وأباركك واعظم اسمك. وتكون بركة لكثيرين].
[أبارك مباركيك، وألعن لاعنيك. وتتبارك فيك حميع أمم الارض]- (تك 12: 1- 3)
[فشرع ابرام يتنقل في الارض الى ان بلغ موضع [شكيم/ نابلس] الى سهل (موره)، وكان الكنعانيةن يقطنون تلك الارض. فظهر الربّ لابرام وقال له: ساعطي هذه الارض لذريتك. فبنى ابرام هناك مذبحا للرب. وانتقل من هناك الى الجبل: شرقي بيت ايل، حيث نصب خيامه ما بين بيت ايل غربا وعاي شرقا، وشيّد ناك مذبحا للربّ، ودعا باسمه. ثم تابع ابرام ارتحاله نحو الجنوب!]- (تك 12: 6- 9)
يقول احد نقاد اللاهوت، ان ابسط طريقة لفحص النص الديني، هي رفع التعابير الدينية والفاظ الالوهة من النص، وقراءته قراءة علمانية. وسوف يسقط النص الكتابي – التناك بحسبه- الى ما دون الذوق العادي او استحقاق القراءة.
فاذا طبقنا هذا المنطق النقدي على (تك 12: 1- 3) بغير السياق الديني وعبارة: (قال الله/ قال الربّ)، سيبفقد النص معناه اولا، وسيبدو مثل (سالفةم مزحة!)، والا ما معنى شخص يقول لك: اجعلك/ ستكون امة كبيرة، اسمك سيكون عظيما/ سوف تكون بركة للشعوب!.. ولا حاجة للقول ان تلك البركة ستبدأ بطرد سبعة شعوب من اراضيها وبيوتها وحقولها وارض اجدادها. ما معنى البركة حقيقة؟!!(*).
أما النص الثاني (تك 12: 6-9) فهو تعبير مرتبك مخلخل، ومقحم بمجانية بين السطور. هذا شخص مرتحل/ بدوي: ساكن خيام وتاجر نعاج، في ارض يقطنها سكان، ويأتي من يقول له: هذه الارض ستكون لك ولذريتك!.
يحدث احيانا ونحن نخرج من الامتحانات العامة ايام الدراسة، ان نجد شخصا يبيع العرافة، مقابل قطعة نقدية صغيرة، ثم يضع اصبعه في راحتك ويخبرك بمستقبل عظيم وزوجة ذات مال وجمال ومجد لا يطال خارج الاساطير!..
وهو يبدأ تلك القصة بشراء (قبر) يدفن فيه (ساراي) في مغارة [مكفيلة عفرون بن صوحر الحثي/ حبرون الكنعانية]- (تك 23: 19- 20)هذا ما حصل مع السيد ابرام. وهذا ما سيحدث مع اولاده. وسيبدو ان الربّ، تخلى عن اطراف الكون والكائنات، ولم يعد له اهتمام غير ملاحقة ابناء ابرام وبيع الوعود والامجاد المجانية عليهم، وبالطبع، تبرير كل ممارساتهم وقلبها على العقب، وطالما كان (يهوه معهم) فمن عليهم!..
اين هي الرسالة النبوية او الرسالة الروحية والاخلاقية، في هذا النص. يمكن للقارئ التمعن اكثر في جوهر اللاهوت وطبيعته، واسمه ايضا. ولكل بند من هاته دراسات وطروحات، اشبعت بحثا، وكشفت تهلهل معمار الكتاب ولاهوته. فضلا عن دور الكنيسة* في تسويقه وترويج طروحاته، بدعوى التفسير الرمزي، والتغطية على تهلهله وخطابه العدواني.
ان معمار العقيدة الايديولوجية الاسرائيلية ينمو بالتدرج وبهدوء لا يعلن ما يأتي بعده، رغم ان الكتاب كله، مكتوب برؤية ارتجاعية [flashback]، مع تغرير القارئ باستخدام افعال المضارعة والمستقبل. مما يجعل لتسجيلات الوقائع نكهة (النبوات المستقبلية) كما في دانيال وارميا واشعيا وحزقيال وغيرها.
لذلك يسعى هذا الموضوع عبر هاته القراءة المتدرجة، كشف خفايا –الهرم- وظروف تدرجه وتكونه وتطوره الى عقيدة دينية ونبوة مقدسة. ومن المؤسف، ان عالمنا المعاصر، بكل ما يشتمل عليه من نهضة وتنوير وحداثة وما بعدها، فانما يتبع سياسيوه العلمانيون ومخططوه من اساتذة الجامعات الغربية، خيوط الاساطير التوراتية، كما لو أنها حقيقة محسومة. ولعل مخاضات شرق المتوسط العسيرة، بكل تكاليفها الوحشية، خير دليل على ضلالة علماء الغرب وحكوماته الاستعمارية.
رغم بركات ابرام الفائز بوعود وهبات ملكية، نجد ان هذا الشخص لا يجد ما يقتات عليه هو ومواشيه. ولنا ان نتساءل: اليس الاولى توفير الطعام وقطعة ارض خصبة، او العودة الى اور، بدل حلم ملكي وحاضر بائس؟..
مفارقة الكاتب العبراني، انه في نفس الاصحاح، يغيب (الربّ) فجأة من بين السطور، وتحدث مجاعة كبيرة، ويرحل ابرام الى ارض مصر. وهناك سيضطر او يعمل ما اعتاده من تسخير نسائه لجمع المال، ولاجله يوصي (زوجته) ساراي ان تكذب وتقول انها اخته وليست زوجته، خشية ان يقتلوه ويغتصبوها وهي في السبعين، بحسب التعابير الملحمية.
وعندما يحصل المحظور، يتم مكافأتها وتعويض زوجها باموال وماشية وعبيد وحمير.
ثم ماذا؟.. يقوم ابرام بتكرار نفس المشهد مع اليمالك، ملك جرار في سيناء، وبالطريقة نفسها، يكذبان ويحصلان على الهدايا والتعويضات. فأين هو المضمون الديني والقيمة الاخلاقية والكرامة في حيازة المال والمعيشة بهاه الطرق والمزاعم الهزيلة؟..
ويلحظ هنا اختلاف نمط بداوة ابراهيم وذريته عن مفهوم الطراز العربي للبداوة في جانب السلوك والمفاهيم الاخلاقية، الى درجة الافتراق والتناقض. فالبدوي العربي يميل للعزلة والابتعاد عن مراكز الاستيطان، ويقتات بشظف العيش وفي حالات الضرورة يضطر لاستحصال حاجته المعيشية عن طريق القنص او الكر والفر.
البداوة البراهمية تتنقل بين مراكز الاستيطان والوفرة، وتحتال باساليب المكر والوقيعة المبطنة لابتزاز اهل المدينة واكتساب اموال وثروات، هي لغرض الحيازة والترف والتارة، وليس لغرض القوت ومجرد المعيشة.
ولعل الواقع التوراتي اقدم نص يرسخ اسلوب الـ(فهلوه) التي اشتهرت في مصر منذ عهد السادات [1918- 1981م]، طريقا للحياة المجانية وترف المعيشة القائم على النصب والابتزاز ومخالفة القيم الاخلاقية. فاقتراب مثل هؤلاء من جماعة ما او شخص ما، ليس لغرض اجتماعي او حضاري، وانما لغرض التصيد والابتزاز والنهب المباغت.
فالمال والثروة، هو الهدف البراغماتي الاول والاخير في حياة وتفكير امثال هؤلاء/ [عبد الوهاب المسيري [1938- 2008م]: (الطبيعة اليهودية)- المجلد الثاني من موسوعته]. ويقدم نص التوراة كلا من ابرام ولوط اصحاب ثروات وحيازة ماشية وأموال وعبيد وسراري، ليسوا من اصولهم العائلية، دون تبيان مصدر الحصول عليها؛ ولا مبرر امتلاك تلك الثروة، التي ندعوها اليوم بتجارة البشر والبقر، وهي الظاهرة اللصيقة، بكل العائلة البراهمية التي تسعى للثروة بطرق دنيئة.
ظاهرة الثروة البراهمية الاقطاعية التجارية تتنافى عن مزاعم الصورة الدينية التي اسبغها البعض على (ابرام/ ابراهيم) البار- رجل الله- المختار او (المصطفى) بحسب القرآن/(ال عمران 33)، مما يتنافى عن واقع الشخصية وهيئتها الاجتماعية المجسدة في اسفار التوراة.
اني لادرك –تماما- ان أي ظاهرة دينية تقوم على اللغة، وتسخيرها وتدجينها بما يدعى اللغة الدينية والخطاب الديني، والذرائع والمبررات والقرائن الدينية. ولكن واقع العقل البشري، يتطلب ارتكاز اللغة على قرينة واقعية او منطق اجتماعي، يدعم ويبرر فرضية ما. اما الادعاء المجرد، واستهبال عقل الاخر، بدعوى (قال الله) او مشيئة غيبية، فذلك ما تعارف عليه الفكر العلماني التنويري بـ(الدجل) الذي فضح هراء المزاعم الدينية حتى اواسط القرن العشرين.
ولعلنا اليوم اقدر على فهم وتفكيك الخطاب التوراتي السلطوي القائم على ثالوث [دين- مال-سياسة]، مع مركزية المال ومحوريته لتدوير عجلة الهيمنة. وقد استخدم الدكتور عبد الوهاب المسيري اصطلاح (الوظيفية) لتوصيف الظاهرة اليهودية، كـ(ديانة وظيفية)، و(جماعة وظيفية)، عرف الغرب كيفية تسييسها وترويضها لخدمته، واستخدامها –وسيلة- تخدم ماكنته الراسمالية في الداخل، وأداة للسيطرة على الاخرين، في سياساته ومشاريعه الكولونيالية. فبعد ان استخدم اليهود ورقة ضغط ومادة اختراق النفوذ العثماني، سيما لادارة مصالحه التجارية والسياسية، مستفيدا من وشائج اليهود الاعتقادية بشرق المتوسط، حيث نجد ان موظفي الحكومات الغربية في المنطقة كانوا من اليهود غالبا، مثل شركة الملاحة البريطانية عبر نهر دجلة او بيرسي كوكس القنصل البريطاني في ايران والخليج ونجد والعراق في ظل الانتداب.
ومنذ سقوط الدولة العثمانية وتغير خريطة القوى الشرقاوسطية، تم استخدام الفكرة الصهيونية ودولة اسرائيل، كصمام امان للمصالح الغربية في المنطقة، وذريعة لتدمير القوى والبلدان غير المنضوية في السياسات الاستعمارية الغربية.
ان لحظة التوتر الرأسمالية التي تعيشها الامبريالية الغربية بعد غياب المعادل السوفيتي، ، كشف خواء المشروع الغربي الذي اعتاش ونما على حساب سياسة [حافة الهاوية (و) الحرب الباردة]، القائمة على فرضية وجود [عدوّ] متربص يستهدف فناءه.
ولذلك سعى لاختلاق [عدوّ] افتراضي جديد في التسعينيات، وما يزال يدفع باتجاه –توتير- الظاهرة الاسلامية ودفعها الى حافات التطرف والشوفونية، بشكل يبرر [سياساته وحروبة الدفاعية]. وللأسف فقد نجح لحد ما في لعبته، بفضل التخاذل العربي والاسلامي وتسخير شلل من الناشئة والشباب الضائع والباحثين عن المال والشهرة.
لكن الشوفونية الاسلامية الاخيرة منذ ربع قرن، لم تصل [لحظة التوتير القصوى] المرادة لها، برفع شعارات الدمار الشامل و[مسح اسرائيل] او تطهير العالم من (شراذم اليهود)، التي اندفعت فيها الانظمة القومية العربية الثورية او النازية الالمانية، فاستحقت قرار الحرب الاستباقية الشاملة وازالتها من الوجود، ليس خوفا على اليهود، وانما خدمة للمصالح الرأسمالية كما في الحرب العالمية الثانية، ومشكلة النفط العربي الذي استحال الى نقمة على الراهن والمستقبل العربي، بذريعة تهديد القوة العربية لاسرائيل اليتيمة او اللقيطة التي زرعتها البرجوازي اراسمالية الغربية لهذا الغرض.
فاليهود واسرائيل هي مجرد اداة – وظيفية- تحركها المصالح الغربية، وهو الاطار البرامجي الذي يعمل الغرب لاحتواء الظاهرة الاسلامية وتسخيره لخدمته، واستعماله كسلاح ضد اعداء الغرب، مثل كل مشروع تنظيمات القاعدة التي شكلت جيشا ثانية للاحتلال الانلكوميركي في العراق وافغانستان، وما يزال يؤدي دوره في خدمة تطبيق مشروع الشرق الاوسط الجديد وتصفيه معارضي الغرب، دون أي مساس حقيقي بالمصالح الغربية واسرائيل.
ومن هذا المنظور ينبغي لنا فهم ابعاد التهويل الاعلامي والسياسي لعمليات –جهادية- تستهدف سيارة عادية او افرادا عاديين، في وقت لم يسجل الارهاب/ الجهاد الاسلامي أي عملية تهديد او تدمير حقيقية ضد الامبريالية واسرائيل، واغلب ضحايا الارهاب الاسلامي كانوا من المسلمين والعرب والبلدان العربية والاسلامية نفسها، مما يسجل ادانة تاريخية لكل تيار التطرف والجهاد الامبريالي بشعارات اسلامية.
وما تحتاجه البلاد العربية والاسلامية، موقف موحد وحازم لوقف كل تيارات التطرف وتصفية دعاتها، وتبني برامج سياسية بديلة تخدم المستقبل العربي والاسلامي وتضمن حياة وكرامة العرب المسلمين، وليس على حسابهم، كما جرى حتى الان!.
ان الاسلام [ديانة وتيارات وحكومات وملالي] يدخل شرنقة [الديانة الوظيفية (و) الجماعة الوظيفية] التي شخصها المسيري [1938- 2008م] في اليهودية واليهود. وقد بلغ اليهود عنق الزجاجة، وضاقوا باسرهم التاريخي بيد القوى التي ادعت رعايتهم وخدمتهم. فاسرائيل لا تنمو ولا تتطور، وغير قادرة على اللاستقلال والتحرر من قبضة الهيمنة الغربية التي ما زالت تستخدمها ضد العرب وتستخدم العرب ضدهم. وهي نفس الانتقادات التي شخصها قادة المنظمة الصهيونية ومرسسوا اسرائيل حول الموقف البريطاني في قرار لجنة بيل خلال الثلاثينيات.

والنصوص التالية تقدم مظاهر ثروة (المصطفين) –الاقطاعية الرأسمالية التجارية- الغامضة وغير المبررة طبعا..
[اخذ ابرام ساراي زوجته ولوطا ابن اخيه، وكل ما –جمعاه- من مقتنيات، وكل ما –امتلكاه- من (نفوس)/[عبيد] في حاران، وانطلقوا جميعا الى ارض كنعان]- (تك 12: 5)
[وعمت تلك البلاد مجاعة، فانحدر ابرام الى مصر ، لأن المجاعة كانت شديدة في الارض. وما أن اقترب من تخوم مصر حتى قال لزوجته ساراي: انا اعرف انك امرأة جميلة، فما أن يراك المصريون حتى يقولوا: هذه هي زوجته فيقتلونني ويستحيونك، لذلك قولي انك اختي، فيحسنوا معاملتي من اجلك، وتنجو حياتي بفضلك!]-(تك 12: 10- 13) –البار يضع خطة مبيتة لابتزاز المصريين والايقاع بهم باستخدم زوجته او اخته، بحسب اخلاقيات يهوه المقدسة!-
[ولما اقترب ابرام من مصر استرعى جمال ساراي انظار المصريين، وشاهدها ايضا رؤساء فرعون فاشادوا بها امامه. فأخذت المرأة الى بيت رعون. فأحسن الى ابرام بسببها واجزل له – العطاء- من الغنم والبقر والحمير والعبيد والاماء والاتن والجمال. ولكن (الرب!) ابتلى فرعون وأهله ببلايا عظيمة بسبب ساراي زوجة ابرام. فاستدعى فرعون ابرام وسأله: ماذا فعل بي؟.. لماذا لم تخبرني انها زوجتك؟.. ولماذا ادعيت انها اختك حتى اخذتها لنكون زوجة لي؟.. والان ها هي زوجتك، خذها وامض في طريقك، واوصى فرعون رجاله باربرام، فشيعوه وامرأته وكل ما كان يملك. وغادر ابرام مصر وتوجه الى هو وزوجته ولوط، وكل ما كان له، نحو منطقة النقب، وكان ابرام يملك ثروة طائلة من المواشي والفضة والذهب]- (تك 12: 14- 20، 13: 1- 2) - قصة مفتراة لكنها تتضمن الدونية الخلقية وغباء المصريين. وبينما تكون عقوبة من يكذب على الملك هي الموت، يخشى فرعون ابراما ويسأله برقة لماذا فعلت بي هذا؟.. وفي النهاية يكرمه ويشيعه تشييعا رسميا!. اين هو العقل المسيحي والمصري والعربي من هضم وتحليل نصوص خارجة عن الدين والاخلاق والسوية البشرية!، فضلا عن طعنها في التاريخ والاجتماع المتوسطي العريق. - هاته القصة سوف تتكرر كثيرا داخل التوراة، وترد مقاربة في سفر (استير) ومردخاي!-.
[وكان للوط المرافق لابرام، غنم وبقر وخيام ايضا. فضاقت الارض بهما لكثرة املاكهما، فلم يقدرا ان يسكنا معا. ونشب نزاع بين رعاة مواشي ابرام ورعاة مواشي لوط، في الوقت الذي كان فيه الكنعانيون والفرزيون يقيمون في الارض. فقال ابرام للوط: اليست لارض كلها امامك؟.. فاعتزل عني!]- (تك 13: 5- 9)
[وارتحل ابراهيم من هناك الى ارض النقب، واقام بين قادش وشور، وتغرب في جرار. وهناك قال ابراهيم عن سارة زوجته: هي اختي! فارسل ابيمالك ملك جرار، وأحضر سارة اليه. ولكن الله تجلى لابي مالك في حلم وقال له: انك ستموت بسبب المرأة التي اخذتها، فأنها متزوجة!. ولم يكن ابيمالك قد مسّها بعد. فقال للربّ: اتميت امة بريئة؟ الم يقل له انها اختي وهي نفسها ادعت انه اخوها؟.. والان ردّ للرجل زوجته فأنه -نبيّ-، فيصلي من اجلك فتحيا. وان لم تردها فأنك وكل من لك حتما تموتون(..) ثم دعا ابومالك ابراهيم وقال له: ماذا فعلت بنا؟.. أي ذنب ارتكبته بحقك، حتى جلبت علي وعلى مملكتي هذا الذنب العظيم؟.. لقد اقترفت في حقي امورا ما كان يجب ان تقترفها؟.. (..) فأخذ ابو مالك غنما وبقرا وعبيدا واماء وقدمها لابراهيم، وارجع اليه سارة زوجته.وقال له ابو مالك: ها هي ارضي امامك فاقم حيث طاب لك. الخ]- (تك 20: 1- 15) – تكرار للقصة المعتادة تنتهي باكتساب الهدايا والتعويضات، ومعها اجازة السكنى في الارض، التي جعلت بن غوريون [1886- 1973م] يضع (النقب) جزء من خريطة اسرائيل التاريخية، ثم يرسل ابنه وثلة معه، بطريقة الاحتيال، للدراسة او العمل في النقب ثم اتخاذها ذريعة لالحاقها بالخريطة. كيف يختصر التاريخ الالف السنين في كذبة مكشوفة لا تقنع صبيا، وذلك بخدعة بسيطة وساذجة، هي (الحاق صفة المقدس)، وهذه جناية (الدين) على الخادع والمخدوع-
[وحدث في الارض جوع، غير الجوع الذي كان في ايام ابراهيم، فارتحل اسحق الى مدينة جرار حيث ابيمالك ملك الفلسطينيين. فظهر له الرب قائلا: لا تمض الى مصر، بل امكث في الارض التي اعينها لك. اقم في هذه الارض فأكون معك واباركك. لأني اعطي هذه الارض لك ولذريتك وفاء بقسمي لابراهيم ابيك(...) وعندما سأله اهل المدينة عن زوجته قال: هي اختي!، لانه خاف ان يقول انها زوجته لئلا يقتله اهل المدينة من اجل رفقة، لانها كانت رائعة الجمال. وحدث ان ابيمالك اطل من النافذة، فشاهد اسحاق يداعب زوجته رفقة، فاستدعاه اليه وقال: انها بالحقيقة زوجتك، فكيف قلت هي اختك؟ فاجاب اسحاق: لاني قلت، لعلي اقتل بسببها. فقال ابو مالك: ما هذا الذي فعلت بنا؟.. لقد كان يمكن لاي احد ان يضطجع مع زوجتك فتجلب علينا اثما]- (تك 26: 1- 10) –اسحاق كان على سر ابيه، باعتلاج نفس الحجج، واعتماد الكذب اقصر طريق للهدف. كما كانت رفقه على سر عمتها ساراي بارعة الجمال، لا اثر للشخوخة في قوامها، يسيل وراءها لعاب المهووسين جنسيا، طبعا من اهل الثروة تحديدا، لكي يدفعو الهدايا والتعويضات.
قصة ابراهيم مع ملك جرار تنتهي بأمر، غير البقر والحمير والعبيد والفضة، [قال له ابو مالك: ها هي ارضي امامك فاقم حيث طاب لك. الخ]- (تك 20: 15)، وهي المنحة المجانية الثانية التي يحصل عليها ابو ارام بعد [شكيم/ نابلس/ سهل موره]، وهو المقطع الذي تنتهي عنده قصة اسحاق مع ملك جرار، وهو طويل عمر لا يموت، عاش ايام ابراهيم وايام اسحاق حتى شيخوخته، لتأكيد هشاشة وخواء القصة.
الوعد الاول لابرهيم في ارض نابلس كان من [الغيب/ المتخيل]، والوعد الثاني كان من ملك جرار الفلسطيني. والان يتأكد وعد ملك جرار، ليس من (ملك بشري)، وانما من (ملاك غيبي/ متخيل)، وقد استخدم الكاتب العبراني في الحالتين نفس التعبير: [ظهر له الربّ]، مرة للابراهيم ومرة لاسحاق: [امكث في الارض التي اعينها لك. اقم في هذه الارض فأكون معك واباركك. لأني اعطي هذه الارض لك ولذريتك وفاء بقسمي لابراهيم ابيك!]- (تك 26: 3)
وبنهاية هذا القسم الاول من نشأة الاسطورة اليهودية، يتكرر تأكيد الوعود الالهية التي سبق ورودها في (تك 12: 2- 3) بالاتصال باراهيم ابن تارح، تتكرر بالاتصال مع اسحق ابن ابراهيم ابن ساره:
1- [اكون معك واباركك]
2- [لك ولذريتك اعطي هذه الارض/ النقب!]
3- [اكثر ذريتك كنجوم السماء]
4- [تتبارك في نسلك جميع امم الارض]- (تك 26: 3-4)
وفي النص الاخير عبارة: [ان ابراهيم اطاع قولي، وحفظ أوامري، ووصاياي، وفرائضي، وشرائعي]- (تك 26: 5) محشورة حشرا، في دلالة على تسجيلها/ اقحامها المتاخر، دون بيان طبيعة تلك التفاصيل المذكورة، ومتى جاءت تلك الشرائع والفرائض والوصايا والاوامر، التي ظهرت بالترتيب والاصطلاح في اسفار الخروج والعدد والتثنية المنسوبة الى موسى بن عمرام. فالجولة البراهمية تحت عنوان (التغرب) في الارض، تغطية عن طراز البداوة والرعي وتجارة الرقيق، تنتهي بقرار التوطن والحاجة للاستقرار. لكن المؤسف ان هذا القرار ليس ذاتيا ولا تطورا اجتماعيا وحضاريا، وانما على طريقة –فهلوة ونصب ونهب- بقرار واشراف مباشر من [المقدس الغائب]، وهو امر يسجل امتيازه باسم البراهمية اليهودية، إذ لم يسبقها احد يتخذ الدين والفهلوة الاخلاقية طريقا لاحتلال الارض واغتصاب سكانها الاصليين. ان ظاهرة الدين السياسي اقترنت بتلك السطور التي مررنا ببعض منها، وهي فحوى اسفار العبرانيين الاكثر تداولا بفضل الامبريالية الكولونيالية الغربية، وحضانتها المخلة للمشروع الصهيوني والجماعات اليهودية.

الخلاصة..
جغرافيا عراقية..
بهذا ينتهي القسم الاول من قراءة (اليهودية)، مؤرخا لبداياتها ونموها الفكري/ الميثولوجي المتدرج بعنوان البراهمية الاسرائيلية، نسبة الى قطبيها وبطركيها اللذين يبقى اسماهما لصق المدونة الدينية لشرق المتوسط وغرب اوربا، عبر الزمن.
وقد اريد للشخصية البرهمية ان يدعى عابرا/ عبريا/ عبرانيا، ويكون دالة للتغرب والحيرة وعدم الاستقرار والقلق الذي ينتج (هوسا دينيا) يمنحه شيئا من الامن الروحي او [التعويض المتخيل] عبر وعود مستقبلية مجانية، فالعاقر والمسن تكون له ذرية كرمل الارض، والمتشرد يتحول الى ملك ومالك لوطن، والمنبوذ من المجتمع هو [محبوب الربّ] والمختار المنماز على الجميع. من واقع الضعة والشحة والنبذ، تتولد منظومة [السيادة والانمياز والتفوق] التي تتجاوز الراهن لتتحكم في المستقبل. وتتضخم الذات الهامشية لتصل الى الاتحاد والتوحد عبر فكرة الطوطم الوهمي بالذات الالهية التي يصفها عبد الوهاب المسيري بت[الكمونية الحلولية]، أو قصة السيد المسيح الذي يولد في معلف بقر، ويكون (ابن الله). ومن واقع الضعو وانشقاق الذات والهوية، يتولد المنظور التوراتي للتاريخ الماضي والمستقبل، واحكامه السلبية: العدائية والتدميريةن في تصوير شعوب الارض وحياتها في اسفار التوراة المهجوسة بحس التاريخ وتعويض الهزيمة، اكثر منه نصا دينيا يركز على طقوس العبادة والنقاء وقيم المحبة والتسامح.
من واقع انشقاق الذات تظهر فكرة انقسام اهل الارض، معناه انتشار السكان وتفرقهم في الأرضين كلها، كما يأتي تفصيله بالقول:[هيا ننزل اليهم ونبلبل لسانهم، حتى لا يفهم بعضهم كلام بعض. وهكذا شتتهم الربّ من بابل على سطح الارض كلها، فكف عن بناء المدينة، التي سميت بابل: لن الربّ بلبل لسان اهل الارض، وبالتالي شتتهم من هناك في ارجاء الارض]- (تك 11: 7- 9).
ومن (فالج ابن عابر) تسمية [فالوجة]: المدينة القائمة على نهر الفرات في وسط العراق اليوم، وهي [هيروشيما العراق] في عهد الغزو والاحتلال الاميركي [2004- 2006م] ومطرقة العنف والتشريد الحكومي [2006- 2013م]. ويبدو انها كانت من مستوطنات العبرانين في غرب العراق ايام بابل، فضلا عن مدنهم في (شنعار).
والعبور/ العَبرة المرتبطة بمجرى الفرات، هو العبور من جهة غرب الفرات الى شاطئه الغربي، أي تجاه الشام وشبه جزيرة العرب.
ولكن (الفرات) لم يكن مجرد نهر، على غرار مجاري المياه، وانما كان خطا دوليا يفصل عالم الشرق [العراق وفارس والهند]، عن عالم الغرب [الشام ومصر والاغريق واوربا]؛ كما كان الفرات حدودا سياسية فاصلة بين النفوذ السياسي لوادي الرافدين ونفوذ مملكة الفراعنة. وقد مرّ معنا ان بلاد العرابيا، كانت تتحدد من جهة الشمال بخط وهمي يمتد من رأس خليج العقبة الى غرب شواطئ الخليج العربي جنوبي العراق، والذي يقارب او يحاذي مجرى الفرات الجنوبي.
فالعبور، بهذا العمق، ليس عبورا مائيا، ولا بدويا، وانما هو فعل ذو ابعاد ومضامين سياسية وثقافية واجتماعية ودينية. وكما تتخذ (الحداثة) و(العولمة/ الأمركة) بعدا جغرافيا سياسيا ممثلا في مركزيتها الغربية، كان عبور الفرات، من الشرق القديم الى الغرب الاحدث تاريخيا، والمستقبل سياسيا، انشقاقا وانقساما عن الاصل/ الأب، الحاضنة، نحو التعلق الميكافللي باسباب البقاء والديمومة الممثلة بشعار [Go West]، الذي ما زالت اليهودية واسرائيل والصهيونية متعلقة به.
عابر انجب [فالج ويقطان]. ويقطان: هو اليمن وسكان جنوبي العرابيا. أما ابرام فهو من نسل (فالج) الانقسام/ الانشقاق، المنقسم او المنشقّ عن اصله. وبحسب جدول نسب التوراة: هو[ابرام ابن تارح ابن ناحور ابن سروج ابن رعو ابن فالج ابن عابر]-(تك 11ك 26- 16).
وغني عن القول ان هاته المسميات هي وصفية وليست شخصية حقيقية، وهي قد ترتبط بمواقع او احداث او مدن حسب رأي جواد علي [1907- 1987م]، او مراحل تاريخية حسب رأي المسيري. يختلف التعليم المسيحي في نسبة قرار مغادرة اور الكلدانيين الى (ابرام/ ابراهيم)، بينما يؤكد نص التكوين ان الهجرة كانت قرار ابي ابرام: [وأخذ تارح ابنه أبرام وحفيده لوطا بن هاران، وساراي كنته زوجة ابرام، وارتحل بهم من أور الكلدانيين، ليذهبوا الى أرض كنعان. لكنهم وصلوا الى حاران واستقروا فيها. وهناك مات تارح]- (تك 11: 31- 32). وهي الفكرة التي يستعيرها القرآن ويبني على خصوصية ابراهيم، وقراره الشخصي، بينما يتم تغييب والد ابراهيم في التعليم المسيحي، ويتهمه الاسلام بالوثنية وصناعة الاوثان ويجري جدلا حول رفض ابراهيم ان يعبد ما عبد اباؤه واجداده، من السجالات المتكررة في القرآن المكي.
سوف يتولى القرآن والاسلام ترسيخ بناء الشخصية النبوية لابراهيم، وينسب اليه كثيرا من القصص والاحداث، ويجعل له كتابا يدعوه: [صحف ابراهيم] نسخا عن التقليد المندائي الذي يتخذ [الاباء السبعة] مراجع نبوية لعقيدته.
هذا يعني ان الاسلام اعتمد مرجعيات متعددة لبناء روايته الابراهيمية، وكان تركيزه على المندائية وغيرها هو الاكبر. أما الموسوية والعازارية فكانت هي الاضعف بين مراجعه، وذلك لتاكيد العقيدة اليهودية على المرجعية الاسرائيلية –[التاسيس القومي]- والمرجعية الموسوية –[التاسيس السياسي]- أكثر من تركيزها على الشخصية الابراهيمية.
وقد افاد النص الاسلامي من هاته الفقرة بالتحديد، عندما جعل نفسه: أي (الاسلام)، ممثلة للخط الابراهيمي الحنيف –[الصراط المستقيم]-، وامتدادا للديانة الابراهيمية السماوية الي انحرفت عنها اليهودية والمسيحية.
ان مراجعة علمية تحيليلية نقدية لجملة اسفار (التناخ) العبراني ضرورة تاريخية ملحة لا بد منها، ولكنها فوق امكانية هذا الموضوع وحيثياته الموضوعية. ورغم تناول النقد الغربي لعصر التنوير والحداثة دراسة الديانات السائدة [اليهودية- المسيحية- الاسلام]، الا انه لم يتطرق او يتناول ما يمكن ان يخدش اساسياتها، أو يهز الصورة القيمية لما يعرف بـ(الوحي الالهي) و(الكتب المقدسة) و(مقامات الانبياء). وقد اضطر اولئك، تجرية سياقاتهم ومناهجم المتبعة في العهدين القديم والجديد، على الاسلام ايضا.
ربما كانت المناهج النقدية الاوربية حتذاك، لم تصل العمق الذي بلغته المناهج البنيوية والتفكيكية واللسانيات بعد ذلك. وبالتالي، فأن مراجعة نقدية متجددة باستخدام الالسنيات الحديثة والمناهج التفكيك والمقارنات في ضوء الاستشافات الحديثة، ضرورة لا بد منها، لاعادة تيار التنوير الى سياقه التاريخي، ووضع حد للانحطاط المندفعة فيه البشرية مع بداية الالفية الثالثة.
ولعل من الطرافة بمكان، انه بينما تؤكد التوراة عمل (نوح) في الزراعة: [اشتغل نوح بالفلاحة وغرس كرما]- (تك 9: 20)، وهي نفس مهنة (آدم): [وضع آدم في جنة عدن ليفلحها ويعتني بها]-(تك 2: 15) لكن مدونة التوراة تؤكد نحو ابراهيم طراز البداوة وقيمها الممثلة في [التنقل والتجارة والعبودية والحيازة]. ويشكل التأسيس للعبودية والقنانة والحيازة والسيادة مهماز التوراة، اخ يستعبد لاخيه، شعب يستعبد لشعب او شخص، وبحجج واهية او قرارات الهية تناقض جوهر الالوهة.
وقد دعي (ابراهيم: ابرام بن تارح) عبرانيا، وفي اللغة العراقية يقال: (عبري)، وهي تسمية احفاد يعقوب. وقد اصبحت دالة على حياة التنقل او الانتقال من مكان لآخر. وكانت سيارات الاجرة في العراق تنتظر: [عِبرية= مسافرين/ passingers].
العبرانيون الذي ارتبط اسمهم بالعراق ونهر الفرات، يصعب اعتبارهم من الجماعات العراقية القديمة التي ظهرت للسطح بعد سقوط بابل الامبراطورية، وذلك الى جانب الصابئة المندائيين والمجوس الزرادشتيين الذي سبق التعريف بهم في هدا السياق.
لان انحراف بني فالج للرعي والسطو والدم، لا ينسجم مع ابجديات الحضارة والمدنية، المؤشرة في المندائية والزرادشتية ومدنيات اليمن وحضرموت من بني قحطان، يقطن بن عابر. فبداوة ابناء ابراهيم واختلاف عاداتهم الاجتماعية يؤشر قطيعة ثقافية مع البيئة العراقية، ويضعف ربط نسبهم باور وبابل.
هذا يعني ان تبلور الافكار الدينية واكتساب ملامح استقلالية وقومية يحدث في عهد ما بعد بابل، وفي فترة التبلبل وعدم الاستقرار السياسي ما بين القرن الرابع قبل الميلاد وحتى القرن السابع الميلادي. وهي الفترة الأكثر خصوبة لظهور القوميات والديانات واصطراع الكيانات السياسية والأثينية، التي ستؤسس للفترة اللاحقة وشكلت الخريطة الاساسية لعالمنا المعاصر حتى اليوم.
وهذا يعني، ان جملة العمران الفكري والسياسي وتوزيع الاعراق المدرج في اسفار التناخ العراني، تم بناؤه وفق خلاصة اوضاع اليهود في القرن الثاني قبل الميلاد والذي تنسب اليه قصة دانيال، مما يؤكد التدوين المتأخر لاسفار العبرانيين.
وهي المرحلة التي شهدت -التحرير الاخير- لكتاب التناخ الذي ترجمه البطالمة للاغريقية الترجمة المعروفة بالسبعينية، والمعتمدة رسميا حتى اليوم، وفيها اختلافات عن الترجمات المحلية القديمة للارامية (البشيتا) و (الترجوم) والنسخ القديمة بالحبشية والقبطية.
وقد انعكست مشاعر العبرانيين في اعدادهم جداول الاعراق والانساب التي تكشف المقربين منهم وهؤلاء تك تكريمهم في (ذرية سام)، والمكروهين منهم في (ذرية حام)، التي ضمنوها: [كوش ومصرايم وفوط وكنعان]- (تك 10: 6)
و[كوش ولد نمرودا الذي ابتدأ يكون جبارا في الارض. وكان ابتداء مملكته بابل وأرك واكد وكلنه في أرض شنعار. من تلك الأرض خرج اشور وبنو نينوى ورحوبوت عير وكالح ورسن]- (تك 10: 8- 12).
فجمع الكاتب العبراني سكان العراق (شنعار واشور) والشام (كنعان) ومصرايم (مصر والحبشة) ضمن (ذرية حام الملعون)/[فأبصر حام ابو كنعان عورة ابيه- نوح- وأخبر أخويه خارجا. فأخذ سام ويافت الرداء ووضعاه على اكتافهما ومشيا الى وراء و-سترا عورة ابيهما- ووجهاهما الى وراء. فلم يبصرا عوة ابهما. فلما استيقظ نوح من خمره وعلم ما فعل به ابنه الصغير، فقال (ملعون ابو كنعان). عبد العبيد يكون لاخوته]-(تك 9: 22- 25). وما بين ذلك اجتمعت في ذرية (ياقث): الجماعات – الهندواوربية- التي ستشكل: الحاضنة الصهيومسيحية منذ عصر النهضة.
ويمكن فهم قصة [الخمرة والعورة] الساذجة، مجرد غطاء اخلاقي في سبيل تبرير أدلجة سياسية ابدية، يمكن رصد غرارها في متون التوراة. والاصل وراء ذلك هو خروج اجداد العبرانيين من (شنعار) جنوبي العراق، ما بين اور: موطن مزعوم لابرام وعائلة ابيه، وبابل: موطن عزرا واتباعه اللاويين. وتتضمن مدنيات بابل وكنعان ومصر معظم تفاصيل الديانة العبرانية وطقوسها وطراز بناء الهيكل، مما يجعل الموقف اليهودي العدائي من شعوب العراق وسوريا ومصر، تجسيدا لمبدأ [قتل الآب]/ [قتل الطوطم] الذي استنتجه سيجموند فرويد.
وكانت اليهودية اول جماعة نسبت تعاليمها الى السماء بالكامل، روحا وشكلا، وزعمت انها مكتوبة باصبع (يهوه) ولسان موسى المصري. ومن خلال الموسوية اليهودية اضيفت للاله صفة الاصطفاء الالهي وفرزه جماعة بشرية تخصه، دون الجميع.
مما يشكل مرحلة جديدة في تبلور فكرة القومية/ العرقدينية، وتحول الشعوب الى جماعات قومية على اساس العرق (و) اللغة أو احدهما. وتمثل قصص التوراة التاريخ الطويل من المجالدة، بتطبيق قانون قانون الزواج المغلق والانفصال الجنسي والاجتماعي والثقافي عن الجماعات الاجتماعية من غير ذرية يعقوب بن اسحق الملقب باسرائيل: الرمز القومي العرقي للشعب اليهودي، والتسمية التي اختارها بن غوريون ووايزمان اسما للدولة التي انشأها الانجليز في [15 (زيو)/ مايو 1947م] بعدما اشرفوا على حضانتها منذ زمن اقدم.
وربما استعار العبرانيون فكرة التمييز القبلي وازدراء الامم من موقف الاغريق اهل اثينا من سواهم واطلاق تسمية البربر على الامم الاقل حضارة من غير الاثينيين.
والواقع التاريخي اه لا يمكن الحديث او تصور وجود جماعات يهودية متركزة مؤثرة قبل القرن الرابع الميلادي. وذلك خلاف المبالغة والتهويل الذي هو طابع التدوين والوضع التوراتي. والمرجعية التوراتية ليست دينية نبوية، كما هو طابع الكتاب، وانما هي مرجعية سياسية قطباها المغموران هما: (يوسف المصري) و (دانيال الكلداني). قام بتأسيس العمق الاسطوري لتاريخ العبرانيين، وقام الثاني بتصميم وهندسة البعد المستقبلي لما بعد بابل العظمى، والذي شكل محورا رئيسا لاسار حزقيال ورؤيا يوحنا ومرادفاتها.

ــــــــــــــــــ
* نبوخذ نصر أو بختنصر أو بخترشاه [634- 562 ق. م.] (بالآرامية: ܢܵܒܘܼ ܟܘܼܕܘܼܪܝܼ ܐܘܼܨܘܼܪ؛ وبالعبرية: נְבוּכַדְנֶצַּר؛ وبالإغريقية: Ναβουχοδονόσωρ) هو أحد الملوك الكلدان الذين حكموا بابل، وأكبر أبناء )نبوبولاسر(، ويعتبر نبوخذنصر أحد أقوى الملوك الذين حكموا بابل وبلاد ما بين النهرين، حيث جعل من الإمبراطورية الكلدانية البابلية أقوى الإمبراطوريات في عهده، قام بإسقاط مدينة أورشليم (القدس) مرتين: [597 ق م، 587 ق م]، وقام بسبي سكان أورشليم وأنهى حكم سلالة داود. كما قام بعدة أعمال عمرانية في بابل مثل: [الجنائن المعلقة، بوابة عشتار، ومعبد إيتي مينانكي]. الاسم الأكدي لنبوخذ نصر هو نبو كودورو أوصور، ومعناه نابو حامي الحدود، ونابو هو إله التجارة عند البابليين وهو ابن الاله مردوخ. ولقد أطلق عليه الفرس اسم بختنصر ومعناه السعيد الحظ. أما الأكاديميون والمؤرخون الحاليون يفضلون تسميته بنبوخذ نصر الكبير، أو نبوخذ نصر الثاني وذلك لوجود ملك آخر استخدم هذا الاسم قبله وهو نبوخذ نصر الأول الذي حكم بابل في القرن الثاني عشر قبل الميلاد.
[In the old testament there are myths, hystorical narratives, prophecies, fiction, laws, instructions for rituals, proverbs, and hymns.]- Michael Coogan, The Old Testament, A Very Short Introduction, Oxford University Press
• [ان كثيرا من الاحداث التي وردت في (تك 1- 11) وقعت في ارض ما بين النهرين. وعلى سبيل المثال، فان الاحداث التي جاءت في (تك 2: 10- 14) جرت في منطقة متاخمة لنهري دجلة والفرات، وهي المنطقة التي اصبحت تعرف باسم (بابل)، وهي التي نعرفها الان باسم (العراق). اما (تك 11: 1- 9) فيشير الى ارض (شنعار)، وهو اسم اخر لنفس المنطقة. ولذلك ليس من الغريب ان نجد ان الموضوعات التي تناولتها (تك 1- 11) بصفة عامة، ونمط القصيدة في (تك 1) بصفة خاصة، تتشابه مع قصة الخلق في منطقة ما بين النهرين. فعلى سبيل المثال، نجد ان ملحمة [أتر- هازيس: Atrahasis]، التي كتبت عام (1600 ق. م.) تقريبا، تحكي قصة خلق العالم، ثم تنتقل بعد ذلك لتروي قصة طوفان عظيم، ثم ان هناك عملا بابليا، جاء بعد ذلك، يدعى [اينوما اليش/ Enuma Elish] يحكي ايضا قصة الخلق. وتبدأ (اينوما اليش) بالروح الالهي والخراب البدائي، والهدف الرئيس لهده الملحمة هو تمجيد الاله البابلي الرئيس (مردوخ)..الخ.] – للمزيد يمكن النظر في: العهد القديم- سفر التكوين- الجزء الاول: تأليف: ديفيد اتكنسون/ ت: نلكس عزيز/ مراجعة: وليم وهبه- صفوت منير- دار النشر الاسقفية- مصر- 1999م.
• [يسود الرأي بين العلماء بأن الاجزاء القصصية من التوراة، ومعظمها محصور بأسفار التكوين والخروج والعدد، هي في الواقع مزيج من التاريخ الشعبي والاساطير والخرافات، تم جمعها وتنسيقها فضبطها في زمن متأخر نسبيا، من اريخ بني اسرائيل]- كمال سليمان الصليبي [1929- 2011م]: خفايا التوراة وأسرار شعب اسرائيل- دار الساقي- بيروت- ط3/ 1994م.
• مصطلح (الكتب المقدسة) اول من استخدمه هو الرسول بولس الطرسوسي في رسالته الى تيموثاوس الثانية. أما مصطلح (العهد القديم) فكان [Melito] اسقف ساردس اول من استخدمه عام (180م). وكان ترتليان أول من استخدم مصطلح (العهد الجديد) عام (200م)./ عن: صموئيل يوسف: مدخل الى العهد القديم- دار الثقافة- القاهرة- 2005م
• [الوظيفة اليهودية من ارتحششتا الى بلفور]: الدكتور فهد حجازي- دار الفاربي- بيروت/ 2016م- يدرس فيه دور الفرس في انتاج العقيدة اليهودية في القرن الخامس قبل الميلادي على يد ارتحششتا الملك الفارسي وهو ابن احشويرش من زوجته استير العبرانية، ومن خلال استخدامه الطاقم العبراني العامل في بلاطه، امثال عزرا ونحميا وغيرهم.
• من سمات الفصام النفسي للشخصية العبرانية ميلها للمبالغة في مشاعرها ورغباتها ومنها ما يعتريها من معاناة بغرض النظر عن ظروفها وورائياتها، لاستحثاث عقدتها المتوارثة في (المظلومية)، وتبلد مشاعرها واحاسيسها امام معاناة الاخرين، بما فيهم اولئك الذين يكونون من ضحاياها. وهو ما تقمصه الغرب النصراني الرأسمالي، والمبالغة السياسية والاعلامية في اثار ما يدعى اعمال ارهابية، بينما يعيش الفرد الغربي حالة بلادة حسية تاريخية –فضلا عن التعتيم والدجدل الاعلامي- ازاء معاناة ملايين البشر من ضحايا القنابل والحروب الانكلوميركية في افغانستان والعراق وسوريا وليبيا واليمن والقرن الافريقي، ومن غير أي شعور بالندم او تأنيب الضمير او عقدة ذنب عن دورهم في تدمير البلدان والمجتمعات واثارة النعرات والحروب، ولاسيما منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عندما قرر الفرب تنفيس ازماته وتصدير صراعاته خارج اوربا حتى اليوم. يعيد الاعلام البريطاني ان طفلة عمرها ثماني سنوات ماتت في تفجير مانشستر. وماذا عن الاف وملايين اطفال سوريا والعراق وافغانستان من ضحايا الاستهتار الغربي في الشرق الاوسط. ثمة انحراف نفسي وانفصام عقلي يتم تطبيعه، ضمن ايديولوجيا الشعب المتفوق او المقدس بحسب الوعاظ الانجيليين [holy nation] وبما يرسخ عقيدة تقسيم البشر الى ملائكة صهيوغربيين، وأشرار شرقيين من مخالفي اليهود والنصارى.
• في سياق جدل متكرر بين يسوع الجليلي وسكان اوروشالوم، انتهى للقول: [انتم من أب هو ابليس، وشهوات ابيكم تريدون ان تعملوا، ذاك كان قتالا للناس من البدء، ولم يثبت في الحق لأنه ليس فيه حق. متى تكلم بالكذب فانما يتكلم مما له. لانه كذاب وابو الكذاب. اما أنا، فلأني اقول الحق لستم تؤمنون بي!]- (يو 8: 44- 45).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح


.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة




.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا


.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س




.. كل يوم - د. أحمد كريمة: انتحال صفة الإفتاء من قبل السلفيين و