الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوامر نمط الإنتاج الآسيوي

نايف سلوم
كاتب وباحث وناقد وطبيب سوري

(Nayf Saloom)

2017 / 5 / 26
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


الباب الثالث من كتاب "أوزبر جبرائيل"
نايف سلوم
أوامر نمط الإنتاج الآسيوي
مما لا اعتراض عليه هو أن الآلهة عنت (عنات) لها أقوى شخصية، باشتراكها مع بعل، هي حبيبته أكثر منها زوجته. ولمّا كانت تحمل لقب "بتلة" (بتول) عذراء فهي من نوع الإلهات اللواتي يمثلن عادة عاريات، واللواتي لأنهن يحملن دون أن يلدن يمثلن استمرار الخصب. فتماثيلها الصغيرة تظهرها واقفة على أسد وهي تمسك في إحدى يديها زنبقة وفي الأخرى زوج من الأفاعي. فالأولى تمثل السحر والجمال والثانية تمثل الخصب . ونصوص أوغاريت تعترف بمظهري الإلهة الاثنين المظهر الجنسي الذي يبلغ أحياناً حد الحرب وخاصة في الحرب والمذبحة التي استسلمت لهما لاسترجاع حبيبها المختفي إلى الحياة. المكان المهم الذي تحتله في مجمع آلهة (panteone) أوغاريت يمنحها أن تؤدي دور الوسيطة . فهي تبدو كرسول للآلهة فتمثل أحياناً مسلحة بجناحين: (ترفع الجناح، البتول عنات، ترفع الجناح وتنطلق طائرة). واسمها يعني حسب نظرية طريفة للسيد ألبرايت تلك التي تجيب على إشارة أو إرادة الإله الفاعل وهي نوع من أقنوم مميز لبعل". ولما كان الاسم (عنت) يرجع إلى (آنت) أي الزمن والمصير فإن عنت تعني الإشارة مع إظهار النية والإرادة الفاعلة وخاصة الإرادة الفاعلة التي هي أقنوم بعل" . إن أقنوم هنا هي خاصيّة لبعل أو تطوير لإحدى خصائصه وتشخيصها. فحسب (غاستر؛ تيسبس، ودرايغر "الإلهيات")، عشتار هي عبقرية الريّ الاصطناعي - فالأرض المسقيّة على هذا النحو تسمى بالعربية عشتاري. فالأسطورة تريد أن تظهر أن عشتار (الريّ الاصطناعي) غير قادر على تأمين دور بعل (المطر) . وهذا يذكرنا بمشاريع الريّ الكبرى في إمبراطوريات نمط الإنتاج الآسيوي . تقول هرطقة إيف لاكوست: "إن نمط إنتاج ما، لا تحدّده فقط علاقة الإنتاج السائدة، بل تحدّده أيضاً طبيعة وسائل الإنتاج " وهذا معناه بالتعبير الماركسي الكلاسيكي أن نمط الإنتاج لم يعد محدداً بعلاقات المِلْكِيَّة السائدة (علاقات الإنتاج الاجتماعية/ الاقتصادية )، بل محدداً أيضاً بقوى الإنتاج. وهو أمر يخلق بلبلة في مجمل أعمال ماركس. ويخلق ازدواجية في الغايات والوسائل أو القيم والأدوات. وهو التباس قائم تحت ضغط النزعة التقنويّة التي سادت في العصر الإمبريالي/ الرأسمالي عند بعض مفكري مدرسة فرانكفورت من أمثال هربرت ماركوز و يورغن هابرماز.
"إن نمط الإنتاج الآسيوي في فكر ماركس مفهوم متلاحم ومتكامل الإنشاء، وقد عرضه بوجه خاص في عام 1859 في دراسته المعروفة: "الاشكال التي تسبق الإنتاج الرأسمالي" ويميز ماركس تمييزاً واضحاً شكل الملكية "الآسيوية" من الملكية "القديمة" من جهة أولى، ومن الملكية "الجرمانية " من الجهة الثانية . وهو يرى أن هناك ثلاثة أشكال من الملكية، ولدت جميعها من انحلال المجتمع البدائي، وكانت نقطة انطلاق لثلاثة أنماط مختلفة من المجتمعات الطبقية. ففي حين أن الفرد في النمط الجرماني لا يندمج في المشاعة إلا بوصفه سيداً فرداً على قطعة من الأرض، يتميز النمط الآسيوي بصرامة رقابة المشاعة على الأفراد الذين لا يتسلمون الأرض إلا على أساس انتمائهم لهذه المشاعة. وتنضاف (في النمط الآسيوي ) إلى هذه الوحدات (القرى) المشاعية الأساسية الدولة الآسيوية، تلك الوحدة العليا (التعبير لماركس) التي تُبقي على مجمل المشاعات القروية وأعضائها في حالة من التبعية الإجمالية ("العبودية المعممة")، والتي تؤدي في الوقت نفسه وظائف حقيقية ذات طابع سياسي، وبوجه خاص اقتصادي (ورشات الأشغال الكبرى والريّ). أما النمط القديم فيقوم من جهته على أساس علاقات أكثر تعقيداً تجمع بين الانتماء إلى المشاعة، وهو منبع الحق في الأموال العامة، وبين تطور الرقابة الخاصة - من قبل أشخاص كانوا في الأساس "محرومين" من الحقوق في الأرض المشتركة- الرقابة الخاصة على وسائل الإنتاج ولا سيما العبيد" . "والمراسلات " بين ماركس وأنجلز تتيح لنا هي الأخرى أن ندرك مدى اهتمامهما الدائب بهذه المسألة. وتراسلهما في حزيران (1853) بوجه خاص يبرز للعيان قناعتهما بأن غياب الملكية الخاصة هو "مفتاح الشرق كله " نقتطف من لاكوست نفسه في كتابه"العالم الثالث أو جغرافية التخلف" قوله: "فالوضع الاقتصادي والاجتماعي المتصف بوجود أقلية تنتفع بفضل الانتاج دون أن تملك الأرض حصراً ، هذه الأرض التي ظلت في أيدي الجماعات القروية، وطريقة الانتاج الآسيوية هذه التي وصفها كارل ماركس باقتضاب ، كان قائماً وذلك خلال حقب طويلة من الزمن في القسم الأكبر من العالم . وهذا الأسلوب في الانتاج الذي يحقق استغلال الانسان للانسان دون أن تكون هناك ملكية خاصة للأرض يبدو من وجهة النظر التاريخية كأحد أوائل المجتمعات الطبقية . وقد سمح الدور التنظيمي الذي كانت تقوم به الأقلية الاريستوقراطية بضم قوى العديد من المجتمعات القروية مما جعل من الممكن تحقيق مشاريع مائية كبيرة جداً والتي كانت وسيلة للحصول على زيادات ضخمة في الانتاج . وقد كان الانتقال من مرحلة الجماعة البدائية إلى "مرحلة الانتاج الآسيوي" مصحوباً بقفزة كبيرة للأمام قفزتها القوى المنتجة إذ لم يعد الناس يواجهون الطبيعة وهم مبعثرين. يبدو أن أسلوب الإنتاج الذي دعوناه "بالآسيوي " لافتقارنا إلى عبارة أكثر دقة ، كان يميز القسم الأعظم من عالمنا خلال حقبة مفرطة في طولها، دون أن يحدث فيه تطور جوهري. وفي الحقيقة فإن التناقض الذي كان موجوداً بين الجماعات القروية والأريستوقراطية لم ينمُ . فالاستحواذ على فضل الإنتاج لم يؤد إلى الاستحواذ على وسائل الإنتاج."
إن لا كوست بتحديده لنمط الإنتاج بالشكل المذكور في كتابه "العلامة ابن خلدون" والمذكور أعلاه يغامر بالقول بأن هناك نمطين من الإنتاج في آسيا واحد مائي والآخر تجاري وهو بهذا إنما يقوم بعمل تحريفي للوحي الماركسي. إن التحريف هنا هو في عجز لاكوست عن الوصول إلى باطن الأمور والافتتان بالظواهر التقنوية الأداتية (أدوات الإنتاج كمحددة).
لكن المفيد في عمل لاكوست: "العلّامة ابن خلدون " هو تمييزه بين شكلين من أشكال نمط الإنتاج الآسيوي وهما: "المجتمعات المائية " أو مجتمعات أودية الأنهار كما في مصر وبين النهرين من جهة و "المجتمعات التجارية" في الحجاز وبلاد كنعان وبلدان المغرب العربي أو شمال أفريقيا. "ففي المجتمعات المائية حيث تحقيق الأعمال الكبرى يسمح بزيادة للإنتاج هائلة، فإن ثروة الأقلية المتميزة (الأريستوقراطية) ينجم عن المصادرات الهامة لحسابها الخاص(الاقتطاعات والضرائب)، أما في المجتمعات التجارية حيث مستوى القوى المنتجة بقي جد ضئيل، فإن الثروة المحققة التي استفادت منها الأقلية المتميزة (الأريستوقراطية) طوال عدة قرون، لم تنجم عن الفوائض المقتطعة من الوحدات القبلية الضئيلة الإنتاج بمقدار ما كانت تنجم عن اتساع الأرباح التجارية " بحكم الموقع الفريد على طرق التجارة الدولية الكبرى (مكة مثلاً وأفريقيا الشمالية وطريق الحرير الآسيوي) . في المجتمعات المائية كانت مجموعات الفلاحين خاضعة لاستثمار جدّ عنيف، وبإرغامها على السخرة، بقيت في حالة من العبودية الجماعية المعممة من قبل الاريستوقراطية، التي هي في الواقع طبقة مغلقة وهي أحيانا أجنبية المنشأ، وليس لها أي علاقة مع جمهور السكان. إن مجموعات الفلاحين الراغبة عن أن تكون مكبوتة من قبل أيديولوجية دينية تكرس سلطات الأقلية الممتازة، قد كانت في أغلب الأحيان بدون دفاع ، تجاه الجيوش المكونة من العبيد الجنود. فالكاهن والعبد/ الجندي هما الوسيلتان اللتان بواسطتهما تحافظ الأريستوقراطية على استثمارها لجماهير الفلاحين في تلك المجتمعات الآسيوية/ المائية.
بالمقابل فإن الشروط المختلفة في المجتمعات الآسيوية/ التجارية: الدين لا يكرّس بنفس الطريقة الأقلية المتميزة التي لم تزل إلى حد كبير مندغمة بالمجموعات القبلية. إن القائد الحربي في أغلب الحالات هو رئيس قبيلة وقوته العسكرية كما يشير ابن خلدون تتعلق خاصة بالحذاقة التي يبذلها مساعدوه في مساندته. الملك نفسه ليس سوى رئيس قبيلة، تزعّم اتحاداً لمجموعات قبلية، وعلى عبيده الجنود أن يواجهوا سكاناً مسلحين (البدو الرحل) يمثل فيهم الفرسان الرعاة قوة عسكرية رهيبة. كما أن التمايز الطبقي أقل حدة، والاستثمار أضعف مما هو في المجتمعات الآسيوية/المائية. وعلى سبيل المثال، فإن المصادرات الكبيرة لليد العاملة، التي تميز المجتمعات الآسيوية/المائية ليست ممكنة إطلاقاً في المجتمعات الآسيوية/ التجارية "
إن مفهوم آسيوي هنا عائد إلى نمط الإنتاج وليس إلى جغرافية القارات، فلدينا نمط آسيوي في مصر وفي شمال أفريقيا وفي سوريا وفي ما بين النهرين، وهو ما نحتاج إليه في مقاربة تمرّد مفكري النمط الآسيوي في مصر وسوريا: آريوس و نسطور .
كان الآراميون كالكنعانيين لا يميلون إلى تكوين دولة واحدة قوية بل كان النزاع بين زعمائهم مستمراً وهذه ظاهرة أخلاقية بارزة في أغلب الأمم السامية القديمة؛ "العرب قومُ لَقاح لم يدينوا لملك ولم يملكهم سلطان" قال ابن قتيبة في كتابه "الرد على الشعوبية": "إن أهل خراسان ما زالوا في ملك العجم لقاحاً لا يؤدون إلى أحد إتاوة ولا خراجاً. وكانت قريش تلقب باللقاح لأنهم لم يدينوا لملك من الملوك" وقد كانت الدول الآرامية كثيرة العدد لعدم ظهور التفوق الحربي فيهم (نمط آسيوي/ تجاري) على عكس ما كان عليه الأمر في بابل وآشور؛ إنه نمط آسيوي/ مائي بعلاقته بتشكيل دولة واحدة كبيرة
وقد انتشرت عبادة عنات باكراً خارج الأرض السورية فمنذ 1700 قبل الميلاد كانت عنات معروفة في مصر حيث أدخلها الهكسوس. وهي ممثلة في مجموعة آلهة ماري على الفرات الأوسط، فقد كان متوقعاً أن نصادفها على الأرض الفلسطينية. فهناك شخص في أيام القضاة [عهد قديم] يسمى شمجر بن عنات (قضاة 31:3: 6:5) ومكان واقع في أراضي قبيلة نفتالي يدعى بيت عنات (يشوع 19 : 38 قضاة1 : 33 ) وموطن أرميا عناتوت هو أيضاً استطالة لعبادة هذه الآلهة. وعندما حاول يهود المستعمرة العسكرية إيليغانستين في مصر في اندفاع توحيدي إعطاء يهوه(ياهو) إلهة مثيلة وقع اختيارهم على عنات التي أصبحت عنات ياهو وعنات بيت إيل. وقد تركت بعض الأسماء الإلهية آثاراً في العهد القديم . ففي رثاء هجائي لملك بابل يجعل أشعيا سكان سيول يخاطبونه بهذه التعابير: "كيف سقط من السماوات أيها الهلال ابن سحر (أشعيا 14: 12 ) فالنصوص الأوغاريتية تساعد على إيضاح هذا النص . بهذا تلميح إلى أسطورة أوغاريتية؛ فسحر(الفجر) كما رأينا ابن إيل، ونصوص العهد القديم التي يتمثل فيها الفجر كشخص هي امتداد له (عاموس 4، 13 أيوب 3، 9 ، 38، 12 هل عرفت الفجر موضعه) أما فيما يخص الهلال، أي اللامع، فقد تحول إلى التشبه بالهلال القمري أو بنجمة الزهرة . وعند ذلك يصبح الهلال نفس الإله المذكر الذي كان في أوغاريت يحمل اسم عشتار. إن أسطورة هلال هي تتمة أسطورة عشتار فمن المؤكد أن في أوغاريت كما في الأسطورة التي يلجأ إليها أشعيا (فصل 14) يرد ذكر إله تدفعه كبرياؤه حتى الادعاء بالسيادة السماوية. والنبي حزقيال في هجائه الشهير لملك صور (الفصل 28 ) يشير إلى إله إن لم يكن هو نفسه فعلى الأقل مماثل له. فخلف الملك الذي اعتبر نفسه إلهاً صورة إله ثانوي يثور على الإله الأعظم " . هذه الثورة تذكرنا بتمرد إبليس على الأمر الإلهي ورفضه السجود لآدم . وفي القرآن يرد ذكر الطارق الذي هو النجم الثاقب وهو نجمة الصبح أو الزهرة. والثاقب النجم الذي يضيء نفسه ولا يضيء ما حوله وهي علامة التكبّر على الأمر وعدم السجود لآدم . وهو لوسيفر أو لوتشيفيرو والذي معناه : Lucifer: الشيطان، إبليس 2- الزهرة حين تكون نجمة صبح (في الفجر/ السحر) . إنها النجمة الخماسية أو زهرة الزنبق الخماسية البتلات (الحواس الخمس)؛ الإله هلال أو نجمة الصبح. إن عزازيل الذي كان إلهاً أنثى مقدسة في الديانات الطبيعية قد تحول إلى شخص يسكن مجمع الملائكة وقد رفض الاعتراف بالأنبياء عند التحول إلى الدين التاريخي. لقد تمرّد على الأمر الإلهي ورفض السجود لآدم أول الأنبياء. إنه لا يثق بالتاريخ وعباراته، بل يثق بالطبيعة الأم البتول المقدسة، لا يؤمن إلا بعالم المحسوسات أو النفس الحاسّة أو التجريدات المرسلة الخارجة عن كل توسط أو سياق context (النفور من التاريخ). مع زمن الأنبياء تحول عزازيل من أنثى إلى ذكر وغدا اسمه إبليس أو الشيطان، وراح يمارس فتنته وإغواءه القديم (فتنة الجسد) على أبناء آدم أو ورثة مجتمع الأنبياء المجتمع الخاضع لأوامر النمط الآسيوي/ التجاري.
يَهْوَه ملك لأنه انتصر على المياه (اليَمّ) . ولكن التقليد الإسرائيلي يربط انتصار يَهْوَه وملكه بحادث تاريخي هو الخروج من مصر(من الطبيعة إلى التاريخ؛ من الكون إلى الصيرورة). فالعناصر الأسطورية قد أصبحت بوضوح تاريخية - وهذا لا يمنع مطلقاً من أن يبقى هناك طابع تكويني- إنه الانتصار على المياه الفوضوية وانتظام الكون. فبناء على رأي ج. غري أن العبرانيين لدى خروجهم من مصر وإقامتهم في بعل صافون. قد اطلعوا شفوياً على الأساطير الكنعانية." وأخذو لغتها أيضاً، فالعبرانية هي اللغة الكنعانية مكتوبة بالخط الآرامي المربّع، ويعترف الكتاب اليهودي المقدس صراحة بذلك في سفر أشعيا (19/18) بأن العبرية هي شفة كنعان"
في الديانة الطبيعية يمثّل؛ يصوّر الإنسان مفاهيمه بصنع الصور و التماثيل للآلهة المعبودة، بينما يحاول في الدين التاريخي ومع ظهور الأنبياء أن يقلّد أو يحاكي يد الرب التي كتبت على لوح النفس فيبدأ التدوين بحروف الأبجدية. كل ثروة داوود أعطاها لسليمان. بما في ذلك تابوت عهد الربّ. "قد أفهمني الربُّ كل ذلك بالكتابة بيده عليّ، أي كل أشغال المثال . وقال داوود لسليمان ابنه تشدّد وتشجع واعمل، لا تخف ولا ترتعد، لأن الرب الإله إلهي معك لا يخذلك ولا يتركك حتى تكمل كل عمل خدمة بيت الرب (أخبار الأيام الأولى 28/19-20) يد الرب تكتب على نفس سليمان. النفس الناطقة؛ الكلمة الناطقة: أثر الأمر في النفس البشرية، حيث تظهر الصورة أو المثال في النفس على صورة الحق أو مثاله. "فتلقى آدم من ربه كلمات، فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم" .
في الأناشيد العائدة إلى دور بعل يمنح بعل الحياة لصبي من مضاجعته بقرة (ألف)، وفي مرّة أخرى بالاشتراك مع الآلهة عنات يلد معها ثوراً (ألف)
لعلّ خطاب التلقين أسكليبيوس المنسوب لهرمس الكتاب الوحيد من العصور القديمة الذي يحتوي ليس فقط حجّة، وإنما نظرية شكلية ومعلنة عن عبادة الصور. وحتى هنا كان الفلاسفة قد عدّوا العبادة الوثنية نتيجة خطرة لسوء استعمال اللغة. إن تطور اللغة من لغة الصور الفعلية للكائنات إلى حرف واحد هو انتقال من صورة إلى رسم هندسي مجرّد يرمز للأشياء الفعلية: من الهيروغليفية إلى الأبجدية؛ انتقال من الصورة إلى السُّورة . ويسوّغ مكسيم الصوري عبادة الصور ويفسرها بضعف طبيعتنا، التي هي بحاجة لربط الفكر بعلامة مادية (الحاجة للمجازات) "فأولئك الذين ذاكرتهم قوية صلبة والذين ليس لهم إلا أن يرفعوا بصرهم للسماء ليشعروا بحضور الآلهة ليسوا بحاجة للأصنام لكن هؤلاء نادرون جداً، ولا يكاد يوجد رجل في جماعة عديدة يستطيع تذكر الفكرة الإلهية لنفسه دون أن يكون بحاجة لمثل هذا العون " . إنها حاجة اللغة الأبجدية إلى المجاز لتمثيل الصورة العقلية بصورة حسية، كحاجة الإسلام لإبقاء الحجر الأسود؛ وحاجة المسيحية للإيقونة والصليب. " إن أجدادنا وجدوا الفن من صنع الآلهة، وبعد أن وجدوه خلطوه بفضيلة مناسبة، مستخلصة من طبيعة العالم وبما أنهم لم يكونوا يستطيعون أن يخلقوا أرواحاً استدعوا أرواح الشياطين أو الملائكة، وثبتوها في الصور المقدسة [والتماثيل] والأسرار الإلهية، معطين بذلك الأصنام القوة في فعل الخير أو الشر" هذه المعتقدات كانت شائعة لدى الوثنيين والمسيحيين، لكن الأولين كانوا يقرون ويثبتون ما كان يدينه الآخرون عبادة الشياطين التي كانت تسكن التماثيل" . الكتابة هي فعّالية يد الأمر؛ هي أثر "اليد" في "نون" أو "اللوح المحفوظ"، والتدوين ينسب إلى الدواة (النون)، ورسم الحرف يرجع إلى القلم. وتبقى الهندسة انتقال من التضاريس إلى الخط المجرد.
ما يلفت النظر في نقش نبطي في صلخد من أعمال حوران عليه كتابة نبطية متأخرة "وجود كلمة مسجد بمعنى تمثال في حين نجد في النقوش الأخرى كلمة نفس تؤدي هذا المعنى . فلا شك أن هذين اللفظين كانا يستعملان مجازاً للتعبير عن معنى (تمثال/ نفس) ومعنى تمثال مقدس وغيرها" ونجد في هذا النقش تأثيراً عربياً واضحاً لا في الكلمات فحسب بل في الأسلوب أيضاً ونرى أن النبط يتركون شيئاً فشيئاً اللغة والحضارة الآرامية ويندمجون تدريجياً في اللغة والحضارة العربية"
لدينا ثلاثة عناصر كنعانية غريبة عن العهد القديم؛ وهي عناصر خاصة بالديانة الطبيعية :
1- ازدواجية الجنس لدى تماثيل الآلهة وصورها (لاحظ تأثر فن عصر النهضة بذلك خاصة دافنشي)
2- السحر
3- فكرة موت الإله وقيامته وهذه مسألة متعلقة بسيطرة الكلمة النباتية (حياة النبات والديانات الزراعية الطبيعية) في الديانات الطبيعية ديانات الخصب. وهذه الأخيرة (ديانة الخصب وطقوسها) هي ما يفسر الطقس الكنعاني بخلاعاته واندفاعاته الجنسية وإثارته للغرائز . وشكّل هذا تحدّ دائم للإسرائيليين. فقبل دخولهم إلى عهد الأنبياء وأرض التاريخ مشوا بقيادة "بعل فغور" بحفلات الرقص وعاهراتهم المقدسة (الزنى المقدس) الذي ليس سوى أخذ تعاليم ديانة كنعان بحكم المخالطة الاعتباطية ونسيان فكرة توحيدية غامضة وأولية وعبادة الأصنام. إن " تتابع الفصول الممثَّل كصراع بين الإلهين (بعل وموت) وقيامة الألوهية الرئيسية (بعل) وموتها هو موضوع مشترك بين سائر الديانات ذات الأصل الطبيعي ونجده في أساس أساطير أوزيريس وتموز/ أدونيس "
4- سوف تأخذ المسيحية المكرّسة أو دين الإمبراطورية (العنصرين 1، 3) مع العمل بمعاكسة السحر؛ عمل ترجع فيه المبادهة إلى الله أو النبي (قصة موسى والسحرة). كما تعمل "الكاثوليكية" المهوّدة على طمس وتهميش كل حضور للثقافة الآرامية/العربية لتظهر روما واليونان واليهود العبرانيون في أصل كل حضارة. والفصل الرابع من (مظاهر الأسطورة) لمرسيا إلياد نموذج على هذا الاختزال لثقافة غرب آسيا وتضخيم للحضارة اليونانية/الرومانية وللثقافة اليهودية-المسيحية المكرّسة. فتحت عنوان "نهاية العالم في الديانات الشرقية " تستهلك صفحتان مخصصتان للموضوع: نصفها للهند وثقافتها وربعها لأساطير اليونان وعشرة أسطر فقط عن أساطير ما بين النهرين، وبالطبع الديانات في الشرق والغرب مختومة بالمسيحية ، فلا يوجد أي ذكر للإسلام كتجلي كبير للثقافة الآرامية/العربية في أطوارها الأخيرة! يكتب أحمد عثمان: "لا شك أن طبيعة التركيبة الأولى للجماعة المشرفة على إعداد المخطوطات (قمران) قد ساعدت على حدوث هذه التطورات السلبية، فبينما سيطرت جماعة الإيكول بيبليك الكاثوليكية الفرنسية على أعمال اللجنة، استبعدت جماعات لها مصلحة واضحة، فلم تضم اللجنة أياً من الباحثين غير الكاثوليك. في عام 1991 ظهر في لندن كتاب بعنوان "خداع مخطوطات البحر الميت" للكاتبين مايكل بيجنت وريتشارد لي، اتهما فيه الفاتيكان صراحة بالتدخل في عملية ترجمة ونشر مخطوطات قمران، ومحاولة إخفاء معلومات وردت بها مخالفة للتعاليم الكاثوليكية. وقال المؤلفان أن الإيكول ببليك-المسيطرة على أعمال اللجنة - تخضع في عملها لبابا الفاتيكان مباشرة، وأن هذا الولاء يهدد بضياع أي نص قد يتعارض صراحة مع مصلحة الفاتيكان" . ومنذ وقوع متحف القدس بأيدي السلطات الإسرائيلية لم يتم نشر سوى عدد قليل من المخطوطات التي تم تجميعها من الكهف الرابع، وأذاع جون أليجرو أخباراً تفيد بأن الجماعة الكاثوليكية المسيطرة على لجنة المخطوطات تتعمد إخفاء ما تتضمنه بعض النصوص نظراً لمخالفتها لتعاليم الكنيسة الكاثوليكية. حيث تتضمن مخطوطات الكهف (4) العديد من كتابات الجماعة نفسها (العيسويين)، وطريقة تفسيرها للكتب التوراتية " التحالف المقدس اليهودي الأرثوذكسي - المسيحي الكاثوليكي يطارد شبح مخطوطات قمران؛ شبح عيسى المسيح الآرامي / العربي. وهذا يستدعي مطلع البيان الشيوعي حيث راحت أوربا القديمة الرجعية في مطاردة مقدسة لشبح الشيوعية الذي يتهدد أوربا: إن شبحاً يسكن أوربا - هو شبح الشيوعية. كل قوى أوربا القديمة دخلت في تحالف مقدس لرُقْية هذا الشبح؛ بوب وسيزار ومترنيخ وغيزو، والراديكاليون الفرنسيون وجواسيس - البوليس الجرمان
ففي طبائع الأشياء التي في هذا العالم اتفاقات واختلافات يقع منها الجذب والدفع . والسحر الحق أو البيان إنما هو معرفة تأثير (علاقة) هذه الأشياء بعضها في بعض، وأما الكلام والرُّقى فإنما هي إيهام للناظرين أن ذلك الفعل العجيب إنما يكون بائتلاف تلك القوى."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري