الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زوجة الخديو المتمرّدة على تراث التخلف

طلعت رضوان

2017 / 5 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


زوجة الخديوالمتمرّدة على تراث التخلف
طلعت رضوان
الأميرة جويدان هى زوجة الخديوعباس حلمى الثانى الذى تعرّف عليها فى باريس عام 1905، واتخذها عشيقة له. ثمّ تزوّجها بعد أنْ اعتنقتْ الإسلام. وكان الزواج فى يوم 28 فبراير1910، ولم يستمرالزواج إلاّثلاث سنوات حيث طلــّـقها فى عام 1913. والأميرة جويدان اسمها الحقيقى ماى دى توروك، وهى كونتيسة من أصل مجرى. وقد كتبتْ مُـذكراتها– التى أعتقد أنّ لها أهمية خاصة بسبب:
أولا: هى زوجة خديوحكم مصر، وبهذه الصفة دخلتْ عالم القصور. وسمعتْ وشاهدتْ ما يدورداخل أجنحة (الحريم) من صورالفساد.
ثانيًا: بصفتها كونتسية مجرية الأصل، كانت ترى وضع المرأة فى (الحرملك) الشرقى بعقل المُـتأمل المُجرّد، لأنّ بصرها لم يكن ملتصقــًا بمرآة هذا الواقع وهى ترصده، ومن هنا جاءتْ (بصيرتها) التى افتقدتها نساء (الحرملك) السلطانى.
ثالثــًا: كانت الأميرة جويدان أسيرة (سحر) الكتابة الأدبية، فكانت تقرأ الواقع بعين الأديب، الذى يرصد وقائع الذل فى مجتمع (لا إنسانى) ليكون التوق إلى المجتمع الإنسانى، ولعلّ ما ذكرته عن الحرب بين تركيا وبلغاريا أنْ يكون مؤشرًا على نزعتها الإنسانية، فعندما استقبلتْ مصرالهاربين من الحرب، وكان أغلبهم من المسلمين، كتبتْ عن تلك التجربة ((ولكن كان منهم المسيحيون واليهود، ولكنى كنتُ أعمل على إسقاط الفوارق الجنسية والدين، حتى لايظن أحد منهم أنه مُـفضــّـل على غيره، أو أنّ له حقوقــًا أكثرمن الآخرين)) وعندما استقرّالهاربون فى قصررأس التين بالإسكندرية كتبتْ ((بدأتْ العائلات الراقية تفصل نفسها عن العائلات الدنيا)) فكان تعليق جويدان ((متى تزول هذه الفوارق؟ أليس الناس كلهم سواء؟ ألاتوجد وسيلة تـُجرّد الإنسان من هذه القيود غيرالخوف أوالموت؟)) (مذكرات الأميرة جويدان– دارالهلال، ودارالمدى– من ص23- 30)
رابعـًا: تعود أهمية هذه المذكرات إلى أنّ صاحبتها قرأتْ تاريخ الخلافة الإسلامية بعـُمق المؤرخين الثقاة، الذين يتــّـفق تأريخهم مع ما ذكرته عن استغلال الخلفاء المسلمين لرجال الدين، الذين كانوا يعملون بلا أجر فى بداية الإسلام، إلى أنْ جاء معاوية بن أبى سفيان فدفع الأجورلهم. وأنّ معاوية بنى قصرًا فى دمشق خصـّـص فيه جناحـًا ل (حريمه) أما ابنه يزيد فكان همه اللهو، وكان أول خليفة شرب الخمرجهارًا، وبالغ وأكثرمن شراء الجوارى وبناء القصورلهنّ، ليتمتع بهنّ وحده. وأنّ الخلفاء من بعده اهتموا باللهو، فكان كل منهم يبزالثانى فى إقتناء الجوارى، ويتباهى ويفتخربعددهنّ. ولايعنيه من أمورالدولة إلاّ أنْ تكون لذته موفورة (من 75- 76)
وعن الخلافة العثمانية كتبتْ ((إنّ الباحث المُـتعمّـق فى أعمال السلاطين العثمانيين، لايرى فى أعمالهم أظهرمن الخنق والشنق والتسميم والإغراق والحبس)) وكلهم ((سواء فى العسف والظلم. وأنّ إبراهيم الأول كان عبدًا لشهواته، فكان مقامه فى (الحريم) على الوسائد الناعمة وحوله النساء والغلمان)) وعن وضع الجوارى البائس كتبتْ مُـندهشة عن المرأة التى ((تصبرعلى آلام الحمل وهى تعلم أنّ ابنها سيـُـقتل عقب ولادته)) (ص77، 80)
وعن السلطان بايزيد كتبتْ أنه ((أول من وضع (مبدأ) قتل الأخ، وجرى السلاطين من بعده على هذه (السُـنة) ومن عجب أنّ هذه الجريمة تستند إلى إفتاء المفتى الذى يأبى إلاّ أنْ يستند على القرآن ويستوحى منه فتواه فيقول ((إنّ حياة هؤلاء الإخوة قد تؤدى إلى الفتنة ويقول القرآن ((الفتنة أشد من القتل)) ولم يكتف السلاطين بتقتل الإخوة، بل كانوا يقتلون أبناء بناتهم وأبناء أخواتهم (المعلومات التى ذكرتها أميرة جويدان عن سلاطين الخلافة العثمانية، وجدتها مُـطابقة لما ورد فى الموسوعة العربية المُيسرة)
وعن سليمان الأول كتبتْ أنه عندما كان وليًا للعهد راق له الفتى اليونانى، الذى صارفيما بعد إبراهيم باشا، الذى كان مُـخلصًا لسيده، ومع ذلك أمرالسلطان بخنقه. ففى الوقت الذى علا فيه شأن إبراهيم، علا فيه أيضًا شأن جارية اسمها (روكسلان) وكانت آية فى الجمال، وساءها أنْ يُـشاركها فى الاستئثاربالسلطان، فما زالتْ تسعى حتى أغرتْ السلطان بقتل إبراهيم، ولم يقف تأثيرها على السلطان عند هذا الحد، بل جعلته يقتل ابنه مصطفى لأنه من امرأة غيرها (من 77- 79)
وعندما احتفل مراد الثالث بختان ابنه ((أقيمتْ الأفراح خمسة وخمسين يومًا، أنفقتْ فيها الملايين وحضرها مندوبون من جميع الدول، وأقيمتْ القصورلسكنى الضيوف، من ملوك وأمراء وهـُـدمتْ أحياءٌ بأكملها ليُـقام فيها الاحتفال، واتجهتْ أنظارالعالم إلى قطعة جلد ستــُـقطع من طفل. وبعد أنْ شـُـفى الغلام أهداه أبوه جارية من أجمل الجوارى مُـكافأة له على احتمال الألم)) (من 77- 80)
ورغم أنّ سلاطين آل عثمان كانوا يستمتعون بالجوارى بالتطبيق لقاعدة (ملك اليمين) المنصوص عليها فى القرآن، فإنّ الشيىء المُـدهش فى رصد الأميرة جويدان أنّ ((الجوارى فى مصرلسنَ أداة للتمتع واللهو) (ص83) وأكثرمن ذلك دأب أغلب الخلفاء المسلمين (من بعد الخلافة العباسية حتى الخلافة العثمانية) على انتخاب الزوجات من الجوارى (ص70) أما لوحدث الاستثناء وجامع السيد جاريته وحملتْ منه ثمّ نسيها، فإنها لاتستطيع أنْ تبوح بسرها لأحد، فإذا تجرّأتْ واشتكتْ فإنّ مصيرها قبل الشكوى أفضل من مصيرها بعد البوح (ص 85) وفى صياغة مـُـكـثــّـفة كتبتْ ((لقد تغلغل الفساد فى الحريم الشرقى من جميع النواحى، وهوفى وسط لايمكن أنْ يُساعد على تربية الأطفال لما يعيشون فيه من جراثيم (أخلاقية) وكتبتْ مُـتسائلة ((لا أفهم كيف أنّ رجلا يملك قليلا من رقة الذوق يستطيع الاعتداء على هذه المخلوقات المسكينة؟ لوكنتُ باشا لما رضيتُ الاستمتاع بأشباه النساء اللائى يتوارثهنّ الأقرباء بعضهم عن بعض)) (ص70)
وإذا حدث وضاجع السيد جاريته وحملتْ منه، فماذا يحدث؟ كتبتْ الأميرة جويدان ((قضى السيد ساعة لهوه وانتهى. والجارية تظل رهينة الخوف من العين الرقيبة، ولاتستطيع أنْ تبوح بسرها لأحد. ولمن تبوح؟ ربما لجارية مثلها، وهنّ أخوات فى الشقاء، أخوات فى الضعف، أتبوح لأحد الأغوات؟ ولكنهم جبناء لا يستطيعون شيئــًا. وهكذا تظل المسكينة فريسة الخوف وهى تعلم أنّ سرها سيُـفتضح يومًا ما. هل تــُخبر سيدها؟ ها هى أخبرته. سيُـحيلها إلى (الهانم) التى لها أولاد ولايعجبها أنْ يكون هناك أولاد من غيرها، يشاركون أولادها فى الاسم والميراث. وهنا ينصبُ على الجارية غضب الهانم مزدوجـًا: غضبها بصفتها زوجة وغضبها بصفتها أمًـا))
يترتب على غضب (الهانم) المزيد من القسوة، فهى تحبس الجارية فى غرفة وحيدة معزولة عن أى إنسان. وعن تجربة عاشتها الأميرة جويدان كتبتْ ((أعرف قصة جارية حبستها سيدتها وأمرتها أنْ تحيك (ناموسية) فكانت كلــّما حاكتْ جزءًا قطعته السيدة بحجة أنه (خطأ) وتــُـرشد الجارية إلى (الصواب) ويكون هذا الإرشاد دائمًا مصحوبًا ببعض الكلمات (البذيئة) والرفصات والقرصات، فإذا جاء اليوم الثانى وفعلتْ الجارية حسب الإرشاد، اكتشفتْ السيدة (خطأ) جديدًا، وفعلتْ بها ما فعلته فى اليوم السابق)) (ص85) أى أننا أمام ذات العقوبة التى وقــّـعتها الآلهة على (سيزيف) فى الأساطيرالإغريقية: رفــْـع الحجرإلى أعلى الجبل، ثمّ النزول به إلى أسفله إلى ما لانهاية، كرمزللتعذيب وللعبث أواللا جدوى، وذلك رغم فارق المغزى فى سبب العقوبة على (سيزيف) وعلى (الجارية) ورغم جهل الجارية وسيدتها بالأسطورة.
لذلك لم يكن غريبًا على (الأميرة جويدان) ذات الوجدان الإنسانى النبيل أنْ تكتب ((لا أستطيع أنْ أفهم كيف تنازل سلاطين آل عثمان (جميعهم) عن الحرص على صفاء دمائهم؟ واختاروا سيدات غيرراشدات ليكنّ أمهات لأولياء عهودهم؟ وأضافتْ ((بينما يمتاز(حريم) السلطان فى الأستانة بما ورثنه من بيزنطه من مظاهرالأبهة والعظمة, فإنّ الحريم (من أصول تركية) لا يظهرعليهنّ أى شيىء من مجد الفراعنة))
وعن الفارق الحضارى بين الأميرة جويدان وزوجها كتبتْ أنه ((كان لايفهم شغفى بالقراءة والمُـطالعة. ورأى مرة كتابـًـا فى يدى فقال لى: ما هذا الحيوان؟ (ص88) وعندما أرادتْ أنْ تتعلــّم اللغة العربية وتدرس تاريخ الإسلام، تتلمذتْ على يد الأستاذ (هس) وكانت تــُـقابله وهى تضع غطاءً على رأسها. ولكن مَنْ فى القصرطلبوا منها أنْ تــُـغطى كفيها أيضًا، حيث لايجوز أنْ تمد له يدها عارية. فكان تعليق جويدان فى مذكراتها ((عجبًا.. المُعلــّم لايحق له أنْ يرى يدى، وهوالذى يرى نفسى كلها، أليس هوالذى يرى روحى؟ هنا علمتُ أنّ القوم إنما يُريدون أنْ يجعلونى عبدة لتقاليد جامدة نشأوا عليها ولم يُـفكــّروا فيها)) (ص89)
وصل التوترمداه عندما جلس الخديوأمامها والمدفأة بينهما ليقول لها ((صوتك كان غريبًا على أذنى كأنه صوت لا أعرفه. رجل وجد نفسه مدفوعـًا للاعتراف لزوجته بالخيانة. هل يشعرحقــًا بضغط الجريمة على نفسه؟ فيُريد أنْ يُـخفــّـف عنها بالاعتراف؟)) فكان تعليق جويدان ((وظلــّـتْ النارتشتعل فى الموقد، وإذا بيدَكَ تقبض على يدى. فى هذه اللحظة عدتَ أنتَ كما أعرفه. فى نظرك انتهى الموضوع بالقص (أى اعترافه بالخيانة الزوجية) أما فى نظرى فقد ابتدأ كل شىء. وأنا إذا ابتدأتُ فلا توجد نهاية)) (ص33)
مزجتْ الكونتسة المجرية (زوجة الخديوعباس حلمى الثانى) التاريخ بالواقع، والموضوعى بالذاتى. وبعد الانفصال عام 1913، وفى صياغة شاعرية وصفتْ الأميرة لحظة من لحظات تأزم العلاقة بينها وبين الزوج (بعد اعترافه بخيانته) الذى لم يتقـدّم خطوة واحدة ليقترب من ثقافتها، المُـختلفة عن ثقافته، وعن بيئتها (المجرية) المُـختلفة عن بيئته أوحتى يقترب من وجدانها فكتبتْ ((لا أريد أنْ أرى ولا أنْ أسمع ولا أنْ أفكــّـرأكثرمن ذلك. وليتَ النسيان يكتنف هذه الليلة. فتحتُ الباب المؤدى إلى غرفة نومى، وقع نظرى على الخاتم فى إصبعى، إنه خاتم من زفيروعليه اسمك))
ولعلّ تلك الخاتمة، بهذه الصياغة الأدبية/ الشاعرية، تــُـوضح– كما أرى– أنها رفضتْ الاستمرارمع هذا الخديو، أسيرعصورالظلمات الإسلامية التى لم تــُـبدع شيئــًا ذات قيمة إنسانية، وكان كل (إبداعها) هوإقتناء (الجوارى) والغلمان للاستمتاع (بهم) و(بهنّ)
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماريشال: هل تريدون أوروبا إسلامية أم أوروبا أوروبية؟


.. بعد عزم أمريكا فرض عقوبات عليها.. غالانت يعلن دعمه لكتيبه ني




.. عضو الكنيست السابق والحاخام المتطرف يهودا غليك يشارك في اقتح


.. فلسطين.. اقتحامات للمسجد لأقصى في عيد الفصح اليهودي




.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال صبيحة عي