الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دامداماران [17] كنعانية يسرايلية..

وديع العبيدي

2017 / 5 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وديع العبيدي
دامداماران [17] كنعانية يسرايلية..

[واتبَعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان، وما كفر سليمان، ولكن الشياطين كفروا، يعلمون الناس السحر، وما أنزل على الملكين ببابل، هاروت وماروت، وما يعلّمان من احد، حتى يقولا انما نحن فتنة، فلا تكفر، فيتعلّمون منهما ما يفرّقون به بين المرء وزوجه، وما هم بضارين به من احد الا بإذن الله، ويتعلّمون ما يضرّهم ولا ينفعهم، ولقد علموا، لمن اشتراه ماله –ماله- في الاخرة من خلاق، ولبئس ما اشتروا به أنفسهم، لو كانوا يعلمون]- (البقرة 102)

هاته الاشارة القرآنية الوحيدة الى بابل، ذات دلالات متعددة وغنية، وقد ارتبطت بالملاكين ببابل: [هاروت وماروت]. وهو ما يقودنا للتساؤل السابق، عن مغزى استعارة الكاتب العبراني للمكان الرافديني بإرثه الحضاري، وارتباطه الوشيج المعتم بذروة المعارف البابلية التي نقل عنها عزرا الكاتب ديباجة الكتاب.
نوهنا في فصل النجوم والحنفية والمندائية، ظلال العلاقة بين ارصاد الفلك والنجوم وطلاسم الغيب –[الصلة بين السماء والأرض= الدين] من جهة، وعلوم السحر وأسرار السحرة والكهان واساليب ترويض الناس وابتزازهم –[نظام الكهنوت والصبأوت]- من جهة ثانية.
ولما كان [الكاتب والكاهن] هو الممثل والوصي، على عملية التواصل السماوي/[تك 32: 24- 30)، الممثل: يعقوب/ اسرائيل، الدالة: فينوئيل/ المدينة]، والاتصال الديني الأرضي/[تك 28: 12، الممثل: يعقوب/ الوريث الالهي، الدالة: بيت ايل/ المدينة]؛ كانت اركان منظومة الدين الكاملة تحت تصرفه [الكتاب/ المعبد/ السلطة].
تعود صفة/ مهنة الكاهن لبدايات الدين السومري، لوفره عن معارف سرية يستطيع من خلالها التحكم بقوى روحية وتغيير مظاهر او نتائج مفردات اجتماعية معينة.وهو ما يتعارف عليه بالسحر والاستعانة بالجن، في الاصطلاح الشعبي. وكان السوامرة – اهل سومر- اول من أنشأ نقابة خاصة للعاملين في مجال السحر، تحفظ لهم حقوقهم وتنظم معاملاتهم واجورهم امام الهيئات العامة.
وقد امتدت صلة (ممارسات السحر) بطبقة رجال الدين في الديانات المختلفة، وفي بلداننا الملالي والقرائين وشيوخ الدين والكهان ومن على صنفهم. وفي الشمال الافريقي، تعتبر (المنيا) المصرية العريقة دينيا في اصولها الفرعونية والنصرانية، مركز فنون السحر ومرجعية منح اجازات السحر للراغبين في العمل في هذا المجال، يليه مركز مغربي لتعليم فنون المهنة واسرارها، والتي تستند الى عقود/ معاهدات خاصة مع رموز من الجن. والسحرة والملالي يستخدمون في عملهم بعض الكتب الخاصة، من بينها التوراة. وفي العراق يتداول اصحاب العلاقة كتبا مكتوبة باللغات الارامية والفارسية، ومنها كتب او عبارات مكتوبة بشكل مقلوب. والمعروف ان علم الارقام ودلالات الاحرف واقيامها العددية، هو البرنامج الاساسي الذي كتبت النصوص والكتب الدينية بحسب قواعده واصوله. ومن ملامحه البسيطة او المباشرة هو التكرار اللفظي او الحرفي الكامل او الجزئي او تكرار الاحداث والاسماء خلال النصوص والسير، فضلا عن تكرارات الارقام او مضاعفاتها.
وما يقال عن الطب الديني او التداوي ببعض النصوص او التعاويذ الدينية، خاضع لانظمة سرية مرتبطة لرموز من الجن بحسبهم. وتكرارات الصلوات وما يتكرر فيها من نصوص لا يخج عن هذا السياق. وفي بعض المناسبات، يتم االتركيز على تحشيد اكير عدد من المشاركين في الصلاة او الترنيم او الشاعة لاحداث العمر المعجزي/ السحري الذي يبرز في الاونة الاخيرة من طقوس مخيمات الاجتماعات الدينية او [mega- church]
دون اشتراط الايمان او الطهارة، لان المقصود منها هو كثرة الاصوات وقوة الضجيج وعدد المساهمين. لذلك يطلب الوعاظ خلال عظاتهم من الجمهور ترديد لفظة او عبارة بصوت مرتفع ومشترك من اكثر المودودين، مما يدفعهم لتكرار ذلك مرات. وهو ما يحدث خلال الترانيم، وقد انتقل للمارسات الغنائية العامة، لاعتقاد المطرب ان تريد الجمهور لمقاطع الاغنية او مشاركته في الغناء دالة سعة شعبيته واشباع نرجسيته. والواقع ان الترجمة اللفظية والعددية لمقاطع الترديد الجماهيرية ذات اثر روحي/ سحري معين.
ومن المشاهد التي يقدمها التناخ هو طقوس غزو اريحا من خلال الدورات الجماهيرية وترديد الادعية والصلوات لسبعة ايام، انتهت بسقوط الاسوار او سقوط المدينة، وهو عمل سحري ذو بعد نفسي عسكري. [ليدر محاربوكم دورة واحدة كل يوم حول المدينة. مدة سبعة ايام. وليحمل سبعة كهنة ابواق الهتاف، ويتقدموا امام (تابوت الرب). وفي اليوم السابع تدورون حول المدينة سبع مرات، بينما ينفخ الكهنة بالابواق. وما ان يسمع الشعب صوت نفخ بوق ممتدّا حتى يطلقوا دوي هتاف عظيم، فينهار سور المدينة في موضعه. فيندفع الشعب نحوها، كل رجل حسب وجهته]- (يش 6: 3- 5). ولو كان الربّ [يهوه، الله، شيفا] يريد ان يعمل شيئا، يقول له كن فيكون، ولا يحتاج هكذا مسرحيات، يدجل بها رجال الدين على الناس.
ومن ادلة السحر في التوراة واسفار التناخ هو استخدام احجار خاصة [أوريم (و) تمّيم]- (لا 8: 8) التي لم يكونوا يعملون بدونها او دون استشارتها، وهو أمر لا يرد اطلاقا في التعليم التوراتي او المسيحي ويتم استخدام لفظ الالوهة عشوائيا للتغطية على الاصل الرمزي او الباطن السحري.
ان مغزى هذا الاستطراد هو لفت نظر القارئ الى قصص حمل العواقر والعجائز في التوراة، ومنها حمل سارة الذي يراد توصيفه معجزيا، واستخدامه لاعلان قدرات الهية خارقة – هل يحتاج الاله ليثبت الوهته حقا لبني ادم، أم ان ثمة اله بلا قدرات!-، كما في الوعد بذرية لابراهيم العجوز، ثم حمل سارة وهي عاقر اصلا وعجوز سنا، ويكون ابنها سليما غضا معافى، مما لا يقبله العقل.
نفس قصة العاقر والتقدم في السن تتكرر مع اسحاق وزوجته وعندما تحمل، تنجب توأما. والتوأم في الجيل الثاني هو تكرار ابني ابراهيم من امرأتين، لذلك يقوم المؤلف بتكرار تصنيف وتوصيف [اسماعيل الكبير والمكروه (و) اسحق الصغير والمحبوب]، لانتاج نسخة (copy) من [عيسو الكبير والمكروه (و) يعقوب الصغير والمحبوب], وهو تكرار اسبق لخلافية [قابيل الكبير والقاتل (و) هابيل الصغير والمغدور]. وللقارئ تسجيل صفات ولعنات كل واحد من هناك، ليرى نسبة التكرار والاستنساخ التي تسم جداول المسميات والشخصيات الكتابية، بضمنها تكرار الاسماء او تحريفها وتصحيفها، لادراك المغزى السحري لتلك التكرارات، في الخير والشر سواء.
وإذا كانت المشاعر لم تتبلور في بدايات سفر التكوين، فأن هيمنة الانثى وتسيدها سلطة القرار تتضح مباشرة في التقط الثمرة وانجاب الاطفال، وينتهي تدريجا ذكر (ادم) الاول. ولكن سارة زوجة ابراهيم تتعلق باسحاق تعلقا مرضيا، مقابل تعلق نفس الاب ببكره اسماعيل. ويتكرر الامر في تعلق رفقة زوجة اساق بيعقوب صغيرها تعلقا مرضيا وملتويا، بينما تتعلق نفس الاب ببكره عيسو. ويحظ ان الشر والاحتيال والكذب الذي تمارسه الام في الحالتين، لا يتم تقييمه خلقيا او اعتباره خطيئة او رذيلة. بل يتدخل (الربّ) ليأمر ابراهيم بالاستماع لسارة، كما يامر الجارية المغدورة بالعودة والخضوع لسارة. ان هذا يدعم الميول الانثوية للربّ الكتابي والانحياز نحوهن. بينما يجري تذنيب الرجل وقتلهم لاتفه سبب. وفي تراثنا الاجتماعي، يوصف الشخص المحظوظ بانه [حبيب امه/ أمه تدعو له!]. ولعل (يعقوب) ممن احبته امه وتكبدت كل خطيئة من اجله، ولا أدري، هل هو لسانها، أم لسان الربّ الذي يقول: [أحببت يعقوب وأبغضت عيسو!]؟.. فيعقوب الفهلوي المحبوب هو ايضا الطفل المعجزة!.

يعقوب: يصبح هو البطرك الرئيس والحقيقي المباشر لما يدعى باسمه: بني اسرائيل، باعتبار ان (اسرائيل) هو الاسم الديني الممنوح من فوق، للمدعو يعقوب ابن اسحاق ابن ابراهيم. وبنو اسرائيل هم (شعب يهوه المختار)=[ فصعد موسى للمثول امام الربّ، فناداه الربّ من الجبل،: هكذا تقول لشعب اسرائيل!.. لقد عاينتم بأنفسكم ما أجريته على (مصر)، وكيف حملتكم على اجنحة النسور وجئت بكم إليّ!.. لذلك ان اطعتم عهدي، تكونوا لي ملكا خاصا، من بين الشعوب! لأن: (لي كلّ الارض)!.. وتكونوا لي مملكة كهنة! وأمة مقدسة!]-(خر 19: 3- 6).
هذا النص على درجة من الاهمية المركزية في العقلية اليهودية والعقلية المسيحية، والسياسة الاميركية الخارجية، على المستويين الحرفي والرمزي. ليس ابراهيم ولا اسحق، من بطاركة العبرانيين كانت له هاته المكانة والرموزية المفتاحية. ويكفي ان لفظة (اسرائيل/ يسرييل) المترددة اليوم في اكثر من صعيد، دالة تعود على يعقوب الفهلوي المراوغ، وهو رأس الآمة المقدسة، بالمفهومين العبراني والمسيحي.
وقد اشرت الى استبدال وعاظ المدرسة الانكلوميركية –البوست مودرن- تعبير [holy nation] بدل الشعب المختار الذي سبق للغرب التنويري، ان فنده ورفضه في عصر الحداثة –نحن الان في عصر ما بعد الحداثة/ بوست مودرن: أي المنقلب على الحداثة ومفاهيمها وعلمنتها العقلية!-.
ومن دون استيعاب مغازي ودلالات: [يعقوب، يسرييل، شعب سماوي]، وايلاءها الاعتبار اللازم، لا يمكن فهم جوهر وابعاد الايديولوجيا الصهيوتوراتية، وأهمية هاته الاخيرة في الايديولوجيا الامبريالية التي تفرغت لها كليا السياسات الخارجية للولايات المتحدة الاميركية منذ بداية القرن الحالي [احداث نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر 2001م: ذريعة مفتاحية].
وذلك.. بعد ان مهدت لها أو أطلقت شراراتها في الربع الاخير من القرن العشرين المنصرم، وكانت حرب اكتوبر 1973م والحرب اللبنانية الاهلية /(1975م)، من علائمها الاولية. وقد نشرت مجلة الاداب اللبنانية خلال عام (1975م) أوراقا غير مكشوفة للروائي الروسي فيدور ديستويفسكي، تتطرق الى ظلال ما يحدث في شرق المتوسط يومذاك. وما نزال بحاجة لقراءة جديدة لروايات عبد الرحمن منيف وما تضمنه من رؤى سياسية مستقبلية حول الشرق الاوسط.

لقد كانت [التوراة]: هذا الكتاب الاشكالي الملغز، الذي يتذبذب بين التاريخ والسياسة والتجارة والمغامرات، ويحتشد بالتناقضات والمراوغات والاكاذيب العرقية والتاريخية والمفتريات الدينية، أول ايديولوجيا سياسية مخططة ومدونة، تربط الماضي بالراهن بالمستقبل؛ وتربط جماعة قبلية رعوية بالامبراطوريات الحاكمة وتوحيد الارض تحت سطة عائلة مقدسة هي ذرية داود: سبط أسد يهوذا: شعب اسرائيل المقدس: بني يعقوب أو اسباط يعقوب المختارين من دون البشر: ابراهيم: اب لجميع الامم وسبب بركات البشرية/(تك 12: 2-3) .
وعندما قدمت المسيحية – بعد انهيار محاولات العبرانيين في التحول الى شعب او كيان سياسي مرموق قبلئذ-، اطروحة جديدة أكثر انفتاحا وسموا وتطورا من دوائر التوراة المنغلقة. وخلال ثلاثة قرون نجحت المسيحية، في التحول الى عقيدة امبراطورية عالمية في روما وبيزنطة: [مضمون كتابي السابق: ياهودايزم]؛ عادت فلول العبرانيين في اختراق المنظومة الجديدة، وتصدر قياداتها وقراراتها، ونجحت في تهجين النص والتعليم اليسوعي، [رسائل غلاطية، كورنثه، أعمال الرسل، رسائل يعقوب وبطرس، سفر الرؤيا]، وصولا لموجات يهود البروتستانت التي اخترقت أوربا الكاثوليكية منذ القرن السادس عشر.
وكان ليهود روسيا وشرق اوربا السبق في تلك الحملة، كما في تأسيس المنظمات الصهيونية وبث دعاوى الوطن القومي، وهم القادة والمادة الرئيسة لانشاء دولة اسرائيل الحالية بعد الحرب لعالمية الثانية، وما يزال ابرز قادتها من يهود أوربا الشرقية تحديدا. ويذكر ان الساسة والمستشارين اليهود/(البروتستنانت) في ادارة البيت لابيض وسياساته الخارجية، هم من اوربا الشرقية تحديدا، وتذكر اولبرايت وكسنجر وبرجنسكي واخرين من مهندسي غزو العراق وافغانستان والحروب الامبريالية خارج اوربا عامة.
وعودا للمشروع الامبريالي الاميركي ودعم حلفائه وفي مقدمتهم المملكة المتحدة، يشكل المشروع الصهيوني الدينسياسي، الاداة المركزية للهيمنة الدولية ، وتصنيفه العالم منذ بوش الثاني الى: [أخيار، وأشرار]. وقد عاد ترامب الجمهوري للضرب على المسمار االقديم، والحذلقة فيه على مسامع الرياض.
وليست الحركة الانجيلية الراهنة بكل اطيافها ومسمياتها التي تزعم التنافر والتناقض او التفاضل بينها، غير ادوات للسياسة الامبريالية الراسمالية. وليس التبشير والتنصير الذي اقترن بظهور حركة الاستعمار الغربي وربط مصائر الشعوب والامم والبلدان بعجلة الراسمالية الغربية، غير فرض اساطير الشعب المختار على ثقافات الصين والهند والعرب وأواسط اسيا والافارقة واميركا الجنوبية، لاحكام التسلط على الامم باستخدام دين يفتري على الالوهة، وتسويغ ابشع وأحط الاساليب الوحشية والشيطانية، لفرض (الملكوت الالفي) بقيادة البيت الابيض الذي وصفه الواعظ الاميركي [JD] بعرش الشيطان المذكور في سفر الرؤيا.

(الفهلوي) العبراني..
[مدرسة المشاغبين] المسرحية المصرية الاكثر اهمية وانتشارا منذ ظهورها عام (1972م)، قدمت جملة شخصيات فنية وظواهر اجتماعية، باسلوب كوميدي الى الدرجة التي غيبت معانيها وابعادها الفكرية: السياسية والاجتماعية على عامة المشاهدين.
طبعا، ليس التسيب الدراسي وانحطاط مناهج التعليم والاعلام والثقافة، هو المقصود هنا. وانما شخصية عادل امام الذي سيمنحه الجمهور بعد ثلاثة عقود منه جملة القاب منها: [الفيلسوف، الزعيم، الشحاذ]. فمنذ/ بعد تلك (المسرحية) ترسخت شخصية عادل امام الفنية، واستقرت في بودقة (الفهلوي). وعبر سلسلة مسرحياته وأفلامه ومسلسلاته التلفزية، جسد (الزعيم) جل جوانب وابعاد الشخصية (الفهلوية) في كل جوانب القطاعات الاجتماعية المحلية [الشحاذ، الافوكات، رجل الدين، الارهابي، السياسي، الثري، الباشا، وغيرها]، كما صور ابعادها الاقليمية: العربية والاوربية.
كل هاته الشخصيات والادوار والاعمال وعقود السنين، كانت تترجم حالة متكررة، تلخص ازمة الانسان الفاقد للهوية والخبز، في محاولته الذوبان في ركب المجتمع اولا، وتصدره باسرع وأرخص الطرق.
وبكلمة واحدة الحصول على [الثروة والجاه والسعادة] خلال عام أو خمسة اعوام. على طريقة الكتب اللبنانية السياحية المساعدة: تعلم الانجليزية في خمسة ايام؟.. كيف تصبح مليونيرا في بضع من دقيقة.. اعلانات ما زالت شركات الانترنت تتداولها وتصطاد بها الاذكياء.
تساءل بعض الباحثين الاجتماعيين، عن جذور شخصية (الفهلوي) التي صارت ظاهرة اجتماعية في الحياة المصرية، سيما في سياق صعود (الصعايده) الى القاهرة، وزحف اهل القاهرة والاسكندرية نحو الغرب.
وحتى اليوم، لا يتساءل كثيرون، كيف استحال المجتمع المصري، منذ عهد السادات [1918- 1981م] الى شخصية واحدة متكررة في ذوات متعددة، وشعب –موبايل- محكوم بقدر السفر/ (شعب مهاجر).
وأذكر في اواخر الثمانينيات، وأنا في سيارة اجرة من مدينة الدير الى العشار في البصرة، كان حديث يجري بين السائق والشخص الراكب الى جانبه..
[- كيف هي اخبارك..
- بعدنه بالزفت.. الجيش.. ننتظر التسريح!..
- يمعوّد لا تقول هيج.. تتندم..
- شنو!!.. هاي حكي منك.. اكو واحد يمدح الجيش..
- اسأل مجرب ولا تسأل حكيم!..
- حضرتك اتسرحت.. وصرت تريدنه نبقى بالجيش!.. اشو مرتاح.. عائلة وسيارة!..
- لو يصير هسه اتبادل وياك.. خذ السيارة وانا ارجع للجيش..
- يفلان.. قول الله.. اشجالك..
- صار ست اشهر من اتسرحت.. وماكو شغل.. اهلي ملو وانه كرهت نفسي.. رجعت اخذ يوميه مثل الجاهل..
- والسيارة.. هاي شنو؟..
- هاي السيارة ما نسيبي المقاول.. ينطينيها يوم بالاسبوع اشتغل بيهه عبرية اطلع لي مصرف.. ماكو شغل..
- لو يطلعون الكل من الجيش لعد شلون اتصير..
- انه عندي فكره.. بسيطة!..
قال شخص ثالث بلهجة مصرية واضحة.. فالتفت اليه الاثنان.. بعيون مدهوشة.. فقال..
- آ.. سافرو.. الناس كلهه تسافر وتلقه شغل وحياة كويسه!..]
هل الهجرة والسفر من اجل العمل هي جزء من (الفهلوه)؟.. الفهلوه هي تأمين المعيشة الجيدة بطريق سهل ورخيص وسريع!.. ومن اجله كان الابتزاز والنصب والسرقة جزء من نظام الحياة الراسمالية الجديدة.. يقول الدكتور يوسف عزالدين [1900- 2013م] في سياق المقارنة الاجتماعية بين الشخصيتين العراقية والمصرية، ان الرجل المصري يتزوج امرأة مستواها الاجتماعي والاقتصادي اعلى منه، لتحسين وضعه الاقتصادي والاجتماعي. اما الرجل العراقي فيفضل ان تكون المراة التي يتخذها زوجة ليست في مستواه او اعلى منه، لكي لا تعيره بالدونية كل ايامه. وفي نفس الموضوع كتب الفيلسوف توفيق الحكيم[1898- 1987م] مجوزا زواج الرجل بامرأة اعلى منه اذا كان فيه تحسين وتأمين مستقبله. وقد تزوج الحكيم من سليلة باشا تركي لفس الغرض.
(الفهلوه) و(الهجرة) و[تدمير العادات والتقاليد والنظم والمثل الاجتماعية] هي جزء من برنامج (العولمة) و(البوست مودرن لايف ستايل). الكل يسعى للمال والثروة والشهرة والسعادة (24 قيراط) وباسرع وقت ممكن، ومن غير اية مؤهلات في الغالب سوى [اللسان والعلاقات].
يذكر ان تخصص [public relations] الجامعي الحديث، وقيام الولايات المتحدة بافتتاح ثلاثة فروع له في العالم خلال السبعينيات، في كل من [نيويورك، القاهرة، طوكيو]. وهو تخصص فني – غير علمي- يتضمن مختلف التخصصات والقطاعات الحياتية، ويعتبر المادة الاساسية في كل دراسة وعمل وممارسة حكومية.
ومن مستلزمات هذا التخصص، او طراز الحياة والعمل، هو استخدامات النت ومنتجاتها الالكترونية [أي باد، أي فون] المربوطة على [global net]، بحيث يستطيع مستخدمه الاتصال والتواصل مع ابعد نقطة في الارض، دون اين يفهم من يكون على الجهة الثانية.
شخصية الفهلوي الذي يفهم كل شيء ولا يفهم شيئا، ويملك كل شيء ولا يملك، ويقدر عمل كل شيء، وهو لا يعرف الالف من الياء، هي هذا الفهلوي الذي دخل مشروع (الترويج) بعد نجاح تطبيقه في بعض المجتمعات. كل ما يلزم الشخص اليوم هو اقتناء (سمارتفون)، وبعدها يدخل مرحلة الادمان والانقياد عن بعد.
جذور شخصية الفهلوي هي في التوراة، ومثالها النموذجي هو يعقوب ابن اسحاق ابن ابراهيم والملقب بـ(اسرائيل) المختلف في معناها، ولكنها استعيرت في الفكر المسيحي بمعنى (مختار من الربّ)!. وهو الاستحالة الثانية في نمو وتطور الفكرة اليهودية: [الانسان- المكان- السيادة والغلبة الدائمة]!.

يعقوب/ يسرايل..
يعقوب: اسم علم مشتق من لفظ الثلاثي: [ع ق ب] والعقب: هو الشيء الأدنى او التالي من الشيء او الشخص. فالعقب هو القدم او نهاية الفقرة الاخيرة في سلسال الظهر ، وهو الخلف من الابناء الذي يعقب والده أي يخلفه ويرثه، وهو ما يلي الكلام في باب الرد او الجواب او التعليق ويسمى (تعقيب): يعقب على كلام الضيف!. وقد دعي ابن رفقة بنت بتوئيل كذلك، للثاني من التوأم الذي وضعته. [ثم خرج الثاني ويده قابضة عى عقب عيسو، فدعوه (يعقوب) ومعناه: متعقب!]- (تك 25: 26)
كلمة : متعقب: تعني ايضا متربص، قناص، صياد، مطارِد، هانتر. منذ مرحلة الجنين، تبدأ (فهلوة يعقوب) وصراعه للغلبة والحيازة. والمتعقب: المتربص: الكمين: مفردة ترد في وصف البدوي: الاعرابي لدى ارميا، وهو ما يؤيد اطروحة الاصل البدوي الرعوي للعائلة البراهمية وذريتها النازلة، نسبة للجد رعو بن فالج بن عابر.
وقد استمر يعقوب وذريته على حياة التربص والتنقل والحيلة والتصيد على هوامش المدن والحواضر والسكان المستقرين، كما سيجري مع مدينة شكيم بن حمور الحوي/(تك 34)، والتي تنتهي دائما بحفلة القتل والنهب والغنائم والعبيد والاسترقاق، وهي تجارة العائلة الرئيسة من عمر جدهم. وكلها تندرج في مضان برنامج (فهلوه) المرتبط بترسيم الشخصية العبرانية عبر الزمن.

[وقضينا الى بني اسرائيل في الكتاب، لتفسِدنّ في الارض مرتين، ولتعلونّ علوّا كبيرا]- (الاسراء 4)
مولد يعقوب..
[كان اسحاق في الاربعين من عمره عندما تزوج رفقة بنت بتوئيل الارامي، من سهل ارام، واخت لابان الارامي. وصلى اسحاق الى الربّ – لغة دينية- من اجل امرأته لأنها كانت عاقرا – تكرار قصة سارة زوجة ابراهيم كانت عاقرا ايضا-، فحملت رفقة زوجته. واذ تصارع الطفلان في بطنها قالت: اذا كان الامر هكذا فمال والحمل؟.. فقال لها الربّ: في احشائك امتان، يتفرع منهما شعبان، شعب يستقوي على شعب، وكبير يستبعد لصغير!. وعندما اكتملت ايامها لتلد، اذا في احشائها توامان. فخرج الاول مكسورا بالشعر وكأنه يرتدي فروة حمراء، فدعو اسمه (عيسو) –ومعناه أشعر-. ثم خرج الثاني ويده قابضة عى عقب عيسو، فدعوه (يعقوب) – ومعناه: متعقب-]- (تك 25: 20- 26)
مشهد الاخوين العدوين- امتان يخرج منهما شعبان، يستقوي احدهما على الاخر، وكبير يستبعد لصغير- هي تكرار منسوخ لقصة اسماعيل الكبير واسحق الاصغر، ومباركة ابراهيم لاسحاق ابن سارة على حساب اسماعيل أي يستعبد لاسحاق، ويحرم من الميراث.
يعقوب يسرق بكورية عيسو..
[وكبر الولدان، فاصبح عيسو صيادا ماهرا ورجل برية، بينما كان يعقوب رجلا هادئا يقيم في الخيام. واحب اسحاق عيسو لانه كان يأكل من صيده. اما رفقة فقد احبت يعقوب. وذات يوم، عاد عيسو من الحقل مرهقا، فوجد يعقوب قد طبخ طعاما. فقال عيسو ليعقوب: اطعمني من هذا الطبيخ الاحمر لانني جائع جدا. فقال يعقوب: بعني اولا امتياز بكوريتك!. فقال عيسو: انا لابد مائت. فأي نفع لي من بكوريتي. فقال له يعقوب: احلف لي اولا!.. فخلف له. عندئذ اعطى يعقوب عيسو خبزا وطبيخ عدس، فاكل وشرب، ثم قام ومضى في سبيله]- (تك 25: 27- 34)
فالعائلة المختارة المصطفاة هاته، تفتقر لآية مقومات العائلة وشورطها الانسانية وقيمها الخلقية. ام تكره بكرها وتفضل غيره عليه. والاكل يباع داخل البيت، رغم انهم يشتركون في الصيد والمعيشة. ويتحول الطمع والحسد والفهلوة بفعلة يعقوب الصغير الى قيمة مقدسة. والتعليم الديني لا يلوم الابتزاز الذي قابل به يعقوب حاجة شقيقه للطعام وهو منهك القوى. ولكنه يلوم طيبة عيسو وتسامحه مع وقاحة اخيه. والواقع، ان هذا التركيز والنقد التفصيلي، سوف يساعد في فهم اسباب انتشار الفساد والانحرافات الخلقية، في المجتمعات التي تسودها الثقافات والطقوس الدينية. وبهذا يرد على اولئك الذين يبرئون (الدين) من مسؤولية انحطاط مجتمعاتهم.
يعقوب يتآمر مع امه ضد ابيه وأخيه-(بيت منشق وزوجة متمردة)..
[لما شاخ اسحاق وضعف بصره استدعى ابنه الاكبر عيسو وقال له: يا بني، ها انا قد شخت، ولست اعرف متى اموت، فالان خذ عدتك وامض لبرية، واقتنص لي صيدا. وجهز لي طعاما شهيا كما احب، وائتني به لاكل، لتباركك نفسي قبل ان اموت. وسمعت رفقة حديث اسحاق لابنه عيسو، فعندما انطلق عيسو الى البرية، ليصطاد، قالت رفقة لابنها يعقوب: سمعت اباك يقول لعيسو اقتنص لي صيدا وجهز لي اكلا لاباركك قبل ان اموت. والان اطع قولي في ما امرك به. اذهب الى قطيع الماشية واختر جديين لاجهز لابيك اطعمة شهية كما يحب، تقدمها له لياكل ويباركك قبل وفاته. الخ.. ]- (تك 27: 1- 29)
هنا يتآمر يعقوب مع رفقه ضد اخيه وابيه، ويستخدم الكذب والخديعة مدعيا انه (عيسو) والقصة ساذجة بما يناسب سلوك المرأة والعقلية الدينية، ولكنها خاوية الجوهر من القيم الخلقية. الميكافيللية تبرر استخدام اية وسيلة لاجل تحقيق هدف معين، دون اعتبار للانسانية والاخلاق. ولكن هل يجوز اعتماد الميكافيللية دينيا، هل يقبل (الله) استخدام اساليب شيطانية مبتذلة، لتحقيق مشيئته؟.. الميكافيللية مبدأ علماني سلطوي، والعلمانينية كفر بالمنظور الديني، ولكن الديانات الكتابية تستخدم الميكافيللية في فكرها وسلوكها!.

يعقوب يخادع والده اسحاق، ويتقمص شخصية اخيه عيسو..
[أعدّت رفقة الاطعمة المطيبة كما يحب ابوه. وتناولت ثياب بكرها الفاخرة الموجودة عندها في البيت، والبست يعقوب ابنها الاصغر. وكذلك غطت يديه وملاسة عنقه بجلد الجديين. واعطته ما اعدته من الاطعمة الشهية والخبز. فاقبل يعقوب على ابيه الأعمى وقال: يا ابي!، فاجابه: نعم يا ابني، من أنت؟..فقال يعقوب: انا عيسو بكرك. وقدفعلت كما طلبت. والان قم واجلس وكل من صيدي حتى تباركني. فقال اسحاق: كيف استطعت ان تجد صيدا بمثل هذه السرعة يا ولدي؟.. فاجابه: الرب الهك قد يسّر لي ذلك! – الرب داخل في كل الكذب والصدق مثل ماركة مسجلة مجانية-!. وقال اسحاق: اقترب مني لاجسّك يا ابني، لأرى ان كنت حقا ابني عيسو ام لا. فدنا يعقوب من ابيه اسحاق، فجسّه وقال: الصوت صوت يعقوب، اما اليدان فهما يدا عيسو. ولم يعرفه لن يديه كانتا مشعرتين، كيدي اخيه عيسو، فباركه. وسأل: هل انت ابني عيسو؟.. فأجاب: انا هو!. ثم قال: قدم لي من صيدك حتى آكل واباركك. فاحضر يعقوب اليه الطعام، فأكل، ثم قدم له خمرا فشرب. فقال له اسحاق: تعال وقبلني يا ولدي!.. فالقترب منه وقبله، فتنسم منه رائحة ثيابه وباركه قائلا: ها ان رائحة ابني كرائحة حقل باركه الربّ!.. فلينعم عليك الرب من ندى السماء ومن خيرات الارض. فيكثر لك الحنطة والخمر. لتخدمك الشعوب، وتسجد لك القبائل، لتكن سيدا على اخوتك، وبنو امك لك ينحنون. وليكن لاعنوك ملعونين، ومباركوك مباركين]- (تك 27: 14- 29)
كم يقدر عدد الذين اعادوا قراءة هذا النص او استمعوا لقصته منذ اكثر من عشرين قرنا؟.. كم منهم شعر بوخزة ضميره الداخلي، او أحس بمرارة الدسيسة والانحطاط والسقوط، ليس امام الاعداء، ولكن في داخل العائلة، وبين الاخوة الاشقاء، بل خداع الاب/ المثال؟..
اشك في ذلك.. ودالة شكي هي غياب ردود الفعل، واستمرار ترديد قصة السقوط والتحلل في الكتب والتعاليم والوعظ، وترويج الدين في غباب العقل والضمير. لا عذر لك ايها الانسان!.. شعبي لا يفهم، قتله عدم المعرفة، بل عدم الضمير!..
يقول المزمور الاول (مز 1: 1): في طريق الاشرار لا تقف!.. وتقول الصلاة المسيحية:[ لا تدخلني في تجربة، بل نجني من الشرير!]- (متى6: 13).. ووصف المجتمع الديني وقادته بعبارة: [عميان يقودون عميان!]. ان الذين يخدمون في حقل ابليس اليوم هم الكهنة والشياطين المرتدين مسوح رجال الدين!. فهل من مزيد من العمي والانحطاط، والرياء والطمع!.
ان االاسرائيلي ليس غشيما بالتمييز بين الخير والشر، والطمع والقناعة، أو ما يدعوه الحلال والحرام، ولكنه يعتقد بامتياز ذاته وعرقه عند (ربّه!) الذي قال له: احببت يعقوب وكرهت عيسو!. فهو محبوب محبوب مهما أخطا واساء. وغيره مكروه مكروه مهما سما واحسن. وهذا يقود الى تقصي طبيعة اله التورة وصفاته وتعاليمه، ومدى انطباقها مع صفات الالوهة وطبيعتها، مما ينبغي لكل شخص.

يعقوب يتحيل على لابان/ خاله..
من طرائف فهلوة يعقوب هو فوزه بالزواج من امرأتين خلال اسبوع واحد، والمرأتان هما اختان من بنات خاله (لابان ابن بتوئيل ابن ناحور الارامي). وقد حظر نص الشريعة الجمع بين الاختين كما لدى يعقوب، كما حظر الزواج بالاخت: [ابراهيم تزوج ساراي بنت ابيه]، وزواج الرجل من بنته [لوط وبنته]، والزواج من زوجة الابن [يهوذا ابن يعقوب من ثامر زوجة ولده]، الى غيره من الزيجات المحرمة وأنسالها الداخلة ضمن ذرية ابراهيم ويعقوب: [الشعب المختار والمصطفى].
وكان مهر يعقوب الذي قدمه لقاء زيجاته هو العمل في خدمة خاله سبع سنين لكل زوجة، فيكون عليه العمل اربع عشرة عاما. [وعندما ولدت راحيل يوسف، قال يعقوب للابان: اخل سبيلي فانطلق الى بلدي والى ارضي. واعطني نسائي واولادي الذين خدمتك بهم. ودعني امضي، أنت تدرك اية خدمة خدمتك!. فقال له لابان: ان كنت قد حظيت برضالك، فارجوك ان تمكث معي، لأني عرفت – بالغيب- ان الربّ قد باركني بفضلك!. وأضاف: عيّن لي اجرتك، فاعطيك اياها. فقال له يعقوب: انت تعلم كيف خدكتك، وماذا الت اليه مواشيك تحت رعايتي. فالقليل الذي كان لك قبل مجيئي ازداد اضعافا كثيرة، فباركك الربّ منذ ان قدمت اليك. والان متى اشرع في تحصيل رزق عائلتي؟.. فسأله: ماذا اعطيك؟ فاجابه يعقوب: لا تعطيني شيئا. ولكن ان اردت، فاصنع لي هذا الامر الواحد، فأذهب وارعى غنمك واعتني بها. دعني امرّ اليوم بين مواشيك كلها، فتعزل منها كل شاة رقطاء وبلقاء ويوداء من بين الخرفان، وكل بلقاء ورقطاء بين المعزى، فتكون هذه اجرتي! وتكون امانتي شاهدة على صدق خدمتي في مستقبل الايام. فاذا جئت تفحص اجرتي، ووجدت عندي ما ليس ارقط او ابلق بين المعزى، واسود بين الخرفان، يكون مسروقا عندي. فقال لابان: ليكن وفقا لقولك. وعزل لابان في ذلك اليوم التيوس المخططة والبلقاء، وكل عنز رقطاء وبلقاء، كل ما فيه بياض وكل خروف اسود. وعهد بها الى ابناء يعقوب. وجعل بينه وبين يعقوب مسافة ثلاثة ايام، واستمر يعقوب يرعى مواشي لابان. واخذ يعقوب قضبانا خضراء من شجار اللبنى والوز والدلب وقلمها بخطوط بيضاء كاشفا عما تحت القشرة من بياض. ونصب القضبان التي قلمها تجاه الغنم في اجران مساقي الماء حيث ترد المواشي. فتتوحم عليها اذا ما اقبلت لتشرب. فكانت الغنم تتوحم ند القضبان، فتلد غنما مخططة ورقطاء وبلقاء. وفرز يعقوب الحملان، وجعل مقدمة المواشي في مواجهة كل ما هو مخطط واسود من غنم لابان، واقام لنفسه، قطعانا على حدة بمعزل عنغنم لابان. فكان يعقوب كلما توحمت الغنم القوية ينصب القضبان امام عيون المواشي في الاجران لتتوحم بين القضبان. وحين تكون الغنم ضعيفة، لا يضع القضبانامامها، فصارت الضعيفة للابان، والقوية ليعقوب. فاغتنى الرجل جدا، وكثرت مواشيه وجواريه وعبيده وجماله وحميره]- (تك 30: 25- 43)

اسطورة تابرناكل..
[توجه يعقوب من بئر سبع نحو حاران. وفي مدينة (لوز/ القدس) صادف موضعا قضى فيه ليلته لأن الشمس كانت قد غابت. فأخذ حجرا وتوسّده وبات هناك. ورأى حلما شاهد فيه سلما، قائمتها على الارض، ورأسها يمسّ السماء. وملائكة السماء تصعد وتنزل عليها. والربّ نفسه واقف فوقها يقول: انا هو الربّ، اله ابيك ابراهيم واله اسحاق. ان الارض التي ترقد عليها الان اعطيها لك ولذريتك، التي ستكون كتراب الارض، وتمتد شرقا وغربا، شمالا وجنوبا. وتتبارك بك وبذريتك دميع شعوب الارض. ها أنا معك وأرعاك حيثما تذهب، واردّك الى هذه الارض. ولن اتركك الى افي بكل ما وعدتك به!. ثم افاق يعقوب من نومهن وقال: حقا ان الربّ في هذا المكان وانا لم اعلم. واعتراه خوف وقال: ما ارهب هذا المكان! ما هذا سوى بيت الله، وهذا هو باب السماء!. ثم بكّر يعقوب في الصباح واخذ الحجر الذي توسّده ونصبه عمودا وصبّ عليه زيتا. ودعا المكان بيت (ايل)= (بيت الله)!]- (تك 28: 10- 19)
هذا النص على درجة من الاهمية، فهو من باب التحليل النفسي للاحلام، يكشف شخصية نفسية مهزوزة ضعيفة، تتجه في طريق الهروب من اثار فعلتها ضد عيسو، دون قناعة او شجاعة. فجاء الحلم ليقدم تعويضا نفسيا مضاعفا، فهو من جهة يقدم الدعم والرعاية الكاملة في الذهاب والاياب، الذي يتكرر تأكيده خلال النص. وهو من جهة ثانية، يقلب الشعور بالاثم والخطيئة الى غفران ومباركة، من الربّ مباشرة، بما يضمنه في جانب الحق.
يستعير هذا النص تسمية المدينة القديمة ويتبناها في تأسيس العمران الجديد. فهو لا يمثل المكان الثالث الموهوب مجانا لذرية ابراهيم في اجيل الثالث [ان الارض التي ترقد عليها الان اعطيها لك ولذرايتك]- (تك 28: 13) بعد منح الربّ: [نابلس- لابراهيم]، [جرار- لاسحاق]، تمنح [القدس- ليعقوب]. وتسمية [باب السماء/ بيت ايل] مشتقة من اسم [بابل= باب ايل] الكلدانيين التي سلمها اليهود شعب دانيال – الطابور الخامس- للفرس.
وقد استخدم اليسوع جوهر فكرة التابرناكل في (يو1: 51)، وفي (مت 18: 10، 14): [اياكم ان تحتقروا احدا من هؤلاء الصغار!.. فاني اقول لكم: ان ملائكتهم في السماء، يشاهدونكل حين، وجه البي الذي في السماوات. وهكذا، لا يشاء ابوكم الذي في السماوات، ان يهلك أحد هؤلاء الصغار].
اما فكرة تقديس (الحجر) وتسميته: [بيت الله!] فهو يتصل بفكرة الاسلام حول بناء كعبة مكة، وقدسية الحجر الأسود –الحجر السماوي-!. فضلا عن مركزية (بيت المقدس)= المسجد الاقصى، والذي بنيت عليه فكرة الاسراء والمعراج (سورة الاسراء 1): [سبحان الذي اسرى بعبده ليلا، من المسجد الحرم الى المسجد الاقصى، الذي باركنا حوله، لنريه من اياتنا، انه و السميع البصير].

يعقوب يسرق الربوبية..
[ثم قام يعقوب في تلك الليلة، وصحب معه زوجتيه وجاريتيه وأولاده الاحد عشر، وعبر بهم مخاضة يبّوق، وبعدما اجازهم الوادي وبقي لوحده، صارعه انسان حتى مطلع الفجر. وعندما رأى انه لم يتغلب على يعقوب، ضربه على حق فخذه، فانخلع مفصل فخذ يعقوب، وقال له: اطلقني، فقد طلع الفجر!. فاجابه يعقوب: لن اطلقك حتى تباركني!. فسأله: ما اسمك؟ فاجاب: يعقوب!.. فقال: لا يدعى اسمك في ما بعد يعقوب، بل يسرايل [= معناه يصارع الله]، ولنك تصارعت مع الناس والله وقدرت. فسأله يعقوب: اخبرني مااسمك؟.. فقال: لماذا تسأل عن اسمي؟. وتركه هناك. ودعى يعقوب اسم المكان [فنيئيل= ومعناه: وجه الله] اذ قال: لأني شاهدت وجه الله وجها لوجه، وبقيت حيا. وما ان عبر فنيئيل حتى اشرقت عليه الشمس، فسار وهو عارج منفخذه. لذلك يمتنع بنو يسرئيل من اكل عرق النسا الذي على حق الفخذ الى هذا اليوم.]- (تك 32: 22- 32)
يتحاشى اللاهوتيون والوعاظ كشف مغزى قصة المصارعة وهوية الشخص الثاني الوارد في النص باسم (انسان) هو هو ملاك؟.. أي ملاك؟.. هل هو الربّ، يهوه، الله؟.. ان الذي يبارك في الكتاب هو (الربّ)!.. فهل الرب تخذ صورة انسان؟.. لا بأس في ذلك.. لكن السؤال هو عن مغزى [المصارعة]؟.. وهي مصارعة جسدية مادية مباشرة، ولا يذكر النص انه كان في حلم او نوم.. وفي النهاية اراد الله التخلص من يعقوب.. والاشكالية ان (يعقوب) هو القابض على (شخص الله)، هذا يعني ان يعقوب اكثر قوة/ حجة/ حيلة من الله!.. والاخير يرجوه ان يطلقه، ويقول له: [اطلقني فقد طلع الفجر؟]، الواقع انه لا يوجد نص يجترئ على الذات الالهية بقدر ما هو في هاته القصة الهشة والمفككة، لتأكيد ان (يعقوب) لم يمسك يعقب اخيه (عيسو)، وانما هو يمسك ايضا بعقب [الله] نفسه ويجبره على منحه البركة: [لن اطلقك حتى تباركني!]. ومعناه ان يعقوب بطرك شعب اسرائيل، ليس متفوقا على عامة الجنس البشري، وانما يتفوق ويتحكم باله الكون نفسه [مخلوق يهزم الخالق!].
هنا يقدم الدكتور عبد الوهاب المسيري [1938- 2008م] مصطلح [الكمونية الحلولية] لاضاءة العلاقة بين الشخصية العبرانية المقدسة والههم:[yehweh- jehova]، التي تتكرر رموزها ودلالاتها عبر البايبل، ومنها..
- [انجذبت انظار ابناء الله الى بنات الناس..]- (تك 6: 2).
- [يكون لك نبيا، وانت تكون له الها]- (خر 4: 16).
- [قل لفرعون: هذا ما يقوله يهوه: اسرائيل هو ابني البكر!]- (خر 4: 22).
- [ان الربّ: اله العبرانيين قد ارسلني اليك]- (خر6: 16).
- [هكذا يقول يهوه: اطلق شعبي ليعبدني]- (خر 8: 20).
- [كان يهوه يتقدمهم في النهار في عمود سحاب، ليهديهم في الطريق، وليلا في عمود نار، ليضيء لهم]- (خر 13: 21).
- [قدت برحمتك الشعب الذي افتديته، وأسكنته مسكنك المقدس]- (خر 15: 13).
- [انا يهوه الهكم. كرسوا انفسكم وتقدسوا، لأني انا قدوس، ولا تنجسوت بشيء]- (لا 11: 44)
- [انتم شعب مقدس ليهوه الهكم. اياكم قد اختار يهوه الهكم من بين كل الشعوب، لتكونوا شعبه الخاص]- (تث 7: 6).
- [يهوه قد فضل اباءكم، واصطفى ذريتهم من بعدهم، التي هي انتم، لتكونوا فوق جميع امم الارض]- (تث 10: 15).
- [فقال لهم يسوع: أليس مكتوبا في كتبكم: انكم الهة!.. إذا كانت ريعتكم تدعو الذين نزلت اليهم كلمة الله: (الهة)!.. فهل تقولون لمن قدّسه الاب -[أي= الكلمة/ اللوغوس]- وبعثه الى العالم، انت تجدّف!.. لأني قلت انا ابن الله!]- (يو 10: 34- 36).
فسزاء من حيث القول او الفعل، الأمر او الأثر، يكاد العبراني داخل النص يتماهى مع الهه، كما يتماهى يهوه مع افراد شعبه، ويقيم وسطهم، وهم يقيمون في مسكنه. وهي صورة من صور [الطوطمية العبرانية] البدائية، التي عملت جهور لتحرير في عصر الثقافة الاغريقية والذروة الهللنستية، على تهذيبها وتحويلها الى ديانة الهية، ويهوه: الاله القومي الصحراوي الرعوي، عدو المدنيات المصرية والبابلية والكنعانية- مغزى تدميره للمدن وأهلها-، يتحول بعد التحرير الى اله الالهة ورب الأرباب، ويتمدن ببعض صفات [البعل (و) ايل] ويدعو لاحترام الغرباء في وقت متأخر. وسيتم اعودة لهاته المعالجة لاحقا.
لكن المفهوم من كرة القرابين البشرية واستبدالها بالحيوانية بعد رش دمائها على الشخص المفدي او وضع الكاهن احدلا يده على رأس الحيوان والاخرى على راس الشخص، يفيد بالتحول والحلول بين الاثنين. وهو ما يتحقق بفعل المصارعة الجسدية بين يعقوب ويهوه المتجسد كانسان، أي فعل الحلولية الالوهية في شخص يعقوب الذي سيموت في مصر ويجري تحنيطه حسب تقاليد المصريين مع ملوكهم المؤلهين. ولا يبعد ان يكون فعل المصارعة، دالة [قتل الاب] والحلول محله ايضا.
ولا يبعد ان يكون هذا النص نقلا غبيا عن نص ميثولوجي قديم، كما هو شأن اكثر القصص والنصوص والاناشيد والشخصيات، لكن اين دور الكهنوت ورجال اللاهوت على مدى الاف السنين في تخاذلهم امام هذا النص – وغيره- تحت طائلة الخوف والارتزاق. مما يؤكد وثنية العقيدة اليهودية الموسوية، وافترائها الجرئ على الالوهة والبشر في ان!. ولا بد من وضع حد للغز المصموت عنه.
ثمة حاجة لدراسة خاصة عن رحلة يعقوب من النقب/ جنوبي فلسطين، الى حاران/ شمالي سوريا، لكونها تسجيل الخط والمكان الذي مرّ به ابراهيم، واستقرت به عائلة الجد الاصلية: [تارح، وابنه بتوئيل ابن ناحور ولابان] التي حملت اسم ارام المشتق منه اسم ابراهيم الاصلي (اب رام). ويلحظ هن اباهيم وحفيده تم تغيير اسميهما بمرسوم سماوي: [ابرام صار ابراهيم= اب لجمهور من امم]، و[يعقوب صار يسرئيل= مصارع الله]-(تك 35: 10).
ومع ان ابراهيم واسحق فازا بمدينة مجانية من (الههم)، الاولى شمال فلسطين والثانية في جنوبها، فأن مدينة يعقوب احتلت مركزا وسطا بينهما [لوز- بيت ايل- اوروشالوم- القدس] التي ما زالت دولة اسرائيل تطالب باعتبارها عاصمتها السياسية.
الملحوظ ان الكاتب العبراني سعى لحصر رحلة يعقوب بين حضورين الهيين خارقين، لم يتهيأ لاحد عبر اسفار التوراة، وهما قصة التابرناكل وقصة المصارعة الالهية، وكلتاهما من بطولة يعقوب المتحيل.
وسوف يكون يعقوب هو الجد الاعلى للعبرانيين، وسيخرج من صلبه اثنا عشر سبطا، يتكرر ذكرهم دينيا وثقافيا وقوميا، وهم يقتسمون الارض على عددهم. وهو الذي ينسب العبرانيون انفسهم، وهي التسمية الاكثر ورودا في القرآن [اسرائيل، بنو اسرئيل]، ويتكرر ورودها في التأليف والتعليم والوعظ المسيحي، باختلاف المقصود منها، ابناء يعقوب، ام شعب يسوع، المعنى الحرفي الجسدي، ام المعنى الرمزي الروحي.

غزوة شكيم..
لكن يعقوب وذريته لا يستقر في القدس/(بيت ايل)، ولكنه يعود الى مدينة ابراهيم، الموجودة فيها قبور اجداده. وعندما يقيم بنو يعقوب في مدينة (شكيم/ نابلس) ويتعايشون مع بني حمور الحوّي: رئيس نابلس، يرفضون مصاهرتهم، وتتحول الرغبة في التقارب الاجتماعي الى مجزرة غادرة، ردا على فكرة ابي شكيم حمور: [لقد تعلقت نفس ابني (شكيم) بابنتكم (دينه)، فأطلب اليكم ان تزوجوه منها. صاهرونا وزوجونا بناتكم، وتزوجوا من بناتنا، واسكنوا معنا، فها هي الارض أمامكم. اقيموا بها واتجروا وتملكوا فيها!]- (تك 34: 8- 10)
وبالمعنى عينه: [ان هؤلاء القوم مسالمون لنا، فلندعهم يقيمون معنا في الارض ويتجرون فيها. فالأرض واسعة الطرفين، ناخذ لنا بناتهم زوجات، ونعطيهم بناتنا. غير انه بهذا فقط يؤاتينا القوم على السكن معنا لنصير شعبا واحدا، بختننا كل ذكر كما هم مختونون]- [تك 34: 21- 22]
[فوافق جميع الحاضرين في مجلس المدينة، على كلام حمور وابنه شكيم، فاختتن كل ذكر فيهم. وفي اليوم الثالث، بينما هم ما زالوا متوجعين، تقلد كل من شمعون ولاوي من ولد يعقوب ابن اباهيم سيفه، ودخلا المدينة بجراءة وقتلا كل الذكور. وقتلا ايضا حمور وشكيم بحدّ السيف. وانقذا (دينه) من بيت شكيم وخرجا. ثم أقبل بنو يعقوب على القتلى واستولوا على غنمهم وبقرهم وحميرهم، وعلى سائر ما في المدينة وفي الحقل، وسبوا ونهبوا كل ثروتهم وكل أطفالهم ونسائهم وكل ما في البيوت!]- (تك 34: 24- 29).
قصة المجاعة وتكرار النزوح الى مصر..
[وعندما راى يعقوب ان القمح متوافر في مصر، قال لأبنائه: ما بالكم تنظرون بعضكم الى بعض؟ لقد سمعت ان القمح متوافر في مصر، فانحدروا الى هناك واشتروا لنا قمحا، لنبقى على قيد الحياة، ولا نموت. فذهب عشرة من اخوة يوسف ليشتروا قمحا من مصر. أما بنيامين اخو يوسف، فلم يرسله ابوه خشية ان يناله مكروه! فقدم ابناء اسرائيل الى مصر، مع جملة القادمين ليشتروا قمحا. لأن المجاعة كانت قد اصابت ارض كنعان ايضا. وكان يوسف هو المتسلط على مصر، والقائم ببيع القمح لأهلها جميعا. فاقبل اخوة يوسف وسجدوا له، فلما راهم عرفهم. ولكنه تنكر لهم وخاطبهم بجفاء قائلا: من اين جئتم؟.. اجابوه: من ارض كنعان، لنشتري طعاما. ومع انه عرفهم، الا انهم لم يعرفوه]- (تك 42: 1- 8)
قصة المجاعة مسلسل تكراري يتردد في حياة اكثر من شخصية، وكل مرة يراد به مقاصد وفرضيات معينة، سبق ان تكرر في حياة ابراهيم وفي حياة اسحق، ويرد في قصة راعوث وغيرها. وكما اشترك يعقوب في الرحلة العكسية الى حاران، على خطى ابراهيم، يقوم يعقوب برحلة الى مصر، كما سبقه ابراهيم اليها. وهكذا تتعد مشتركات سيرتي القطبين والبطركين، المؤسس الاول والمهندس الاول.
لكن رحلة يعقوب تنماز عن غيره، بكونه القاطف الاكبر لجملة امجاد اجداده وبركات ابنائه المتكررة، وخلاف خروج ابراهيم مطرودا من فرعون جراء كذبته عليه، فان مركبات فرعون الملكيةهي التي ستحمل يعقوب ضيفا ملكيا على الديار المصرية، وهناك تخصص له مدينة (جاسان) يثيم فيها مع ذريته وعبيذه ومواشيه.
قصة (دينه) وكل تفاصيلها مع شكيم هو نقل واسقاط سيء، ولا اساس لها من منطق او درس اخلاقي او ديني او وعظ ايماني. وقد كان النوع البراهمي من البدو الرعو لا يتورع عن تسخير النساء للحصول على مكاسب مادية كما سبق لابراهيم وفعله مع فرغون واليمالك وترتب له منمغانم هي مادة ثروته وتجارته. وهي المغانم التي ترتبت على قصة (دينه وشكيم) من ذهب وفضة ومغانم مادية وحمير وبقر واسترقاق الاطفال والنساء والعبيد، وهو امر تكرر في غزوات ابراهيم واسحاق، وسوف تتكرر في ايام موسى عند الخروج من مصر وبامر الهي(!يشجع اللصوصية والكذب!)/ [وأجعل هذا الشعب يحظى برضى المصريين، فلا يخرجون فارغين حين يمضون. بل تطلب كل امرأة منن ارتها او نزيلة بيتها جواهر فضة زذهب وثيابا تلبسونها بنيكم وبناتكم، فتغنمون ذلك من المصريين]- (خر 3: 21- 22). عبارة (لا يخرجون فارغين!).. هي الهدف والغاية وراء مغامرات وعمليات وحروب وغزوات اسفار التناخ، والتي لا تنتهي بنهب الارض وقتل سكانها واسترقاق الاطفال والنساء، وما يمكن استقراءه في قصة التعويضات التي يطالب بها العبرانيون البلدان التي عاشوا فيها، على شاكلة تعويضات المانيا لاسرائيل بذريعة تعرضهم للاضطهاد، وما يطالبونه من بلدان اخرى، ومنها بلدان الشرق الاوسط. ولم تتورع الامبريالية الانكلميركية من دعم مطاليب العبرانيين واستخدامهم للاقتصاص وتدمير البلاد الاخرى، التي لا تسير في الخط الاميركي لامبراطورية العولمة.

تجديد العهد مع يعقوب..
الوعد والعهد الذي بذله الاله لابرام في (تك 12: 2-3) ولاسحاق (تك 26: 3- 4) يعود ويتكرر ليعقوب بخطوات محسوبة، مشكلة الارضية الدينية التاريخية للوعد الالهي بانشاء وطن قومي لبني يعقوب، ولاجله انشأ الله (ديانة) وألف كتابا يضم [39، 45] سفرا، مدعوما بعشرات الانبياء والملوك وقادة الجيش، وعشرات القرون، بغير طائل..
1- [انا هو الله القدير. اثمر واكثر، فيكون منك امة وطوائف امم، ومن صلبك يخرج ملوك]
2- [الأرض التي وهبتها لابراهيم واسحق، اعطيها لك ولذريتك من بعدك ايضا]- (تك 35: 11- 12)

يعقوب: الفرد- العائلة- القبيلة..
سجل قيد بني اسرائيل المتجهين الى مصر..
تقوم الجماعة الاسرائيلية على صلة الدم وعدم الامتزاج بالامم. لذلك يتم التأكيد على مبدا الزواج الداخلي، حتى لو اضطره الزواج بالاخت او الابنة او زوجة الاب، ويعتبر كل اتصال جنسي او انجاب من (خارج ذرية يعقوب) زنا بالمعنى الاجتماعي والديني، يستوجب عقوبة الخروج على الملة والرجم حتى الموت. وقد تزوج يعقوب، شأن ابيه اسحاق من بيت لابان الارامي من العائلة الابرامية الام. وبحسب رواية التوراة، يتزوج يعقوب من امرأتين/ أختين في ظرف اسبوع، ومع كل واحدة منهما جاريتها، فيكون مجموع زوجاته او نسائه الداخل بهن اربعة، وكل منها تنجب له ابناء هم ذرية يعقوب المدعو (اسرائيل).. وادناه اسماء الزوجات والوصيفات وخلفة كل واحدة منهن..
1- ليئة بنت لابان بن بتوئيل ابن ناحور ابن تارح ابي ابراهيم/ (تك 29: 23).
2- راحيل بنت لابان ابن بتوئيل ابن ناحور ابن تارح ابي ابراهيم/ (تك 29: 28).
3- بلهة جارية راحيل/ (تك 30: 3).
4- زلفة جارية ليئة/ (تك 30: 9).
ذرية يعقوب بحسب امهاتهم..
خلفة ليئة الكبرى:
1- راؤوبين/ (تك 29: 32)
1- شمعون/ (تك 29: 33)
2- لاوي / (تك 29: 34)
3- يهوذا/ (تك 29: 35)
4- يسّاكر/ (تك 30: 18).
5- زبولون/ (تك 30: 20)
6- دينه/ (تك 30: 21)
خلفة راحيل الصغرى..
1- يوسف/ (تك 30: 24)
2- بنيامين/ (تك 35: 18)
خلفة بلهة جارية راحيل..
1- دان/ (تك 30: 6)
2- نفتالي/ (تك 30: 8)
خلفة زلفة جارية ليئة..
1- جاد/ (تك 30: 11)
2- أشير: (تك 30: 13)
فيكون مجموع ابناء يعقوب من نسائه الاربعة اثني عشر ابنا، وبنت واحدة. والرقم [12] من الارقام المباركة ودالة الكمال، يتكرر في مناسبات كثيرة، وقد سبق الاشارة اليه في الحديث عن الفلسفة الزرادشتية. وهو ثبت عدد ابناء كل من [اسماعيل، عيسو، يعقوب].
وسوف يتآمر ابناء ليئة الكبرى على بكر راحيل الصغرى، الذي يحبه ابوه اكثر منهم، ويتم بيع (يوسف) للتجار وينتهي امره الى مصر، وهناك يتزوج ويجري احتساب خلفه بديلا عنه ضمن ابناء/ اسباط اسرائيل. وهنا ثبت باسم زوجته المصرية وابنائها.. وقد سبق القول ان يوسف المصري سوف يحمل اسما مصريا هو (صفنات فعنيح)- (تك 41: 45). أما زوجته المصرية فاسمها: [أسنات بنت فوطي فارع كاهن أون]- (تك 41: 45).. أما الابناء..
1- أفرايم بن يوسف بن يعقوب/ (تك 48: 5)
2- منسى بن يوسف بن يعقوب/ (تك 48: 5)
وبذلك يرتفع عدد اسباط بني اسرائيل الى ثلاثة عشر، حيث يحل ولدا يوسف محله في تقسيم الارض.
والملاحظة المغيبة تاريخيا في قراءة الاصطلاح الاسرائيلي، او العرق المختار، المنفصل عن الامم/(الوثنية)، ان اولاد يعقوب/ اسرائيل باستثناء ابناء ليئة السبعة وراحيل الاثنين [مجـ= 9]، فأن البقية وعددهم [4] هم من الخادمات او العبيد الامميات، أي من عرق مختلط او نصف اسرائيلي، وهو ما ينطبق على ابناء يوسف بن يعقوب [افرايم ومنسى] من زوجته المصرية، وبهذا يكون ستة افراد من الاسباط من عرق مختلط/ هجين/ نصف اسرائيلي.
ويفسر المؤرخون الانجيليون دخول ثامار -[الزانية]- التي ينجب منها يهوذا بن يعقوب/(تك 38: 15- 16) كلا من [فارص وزارح]-(تك 38: 29- 30)؛ وراحاب بنت اريحا –[توصف بالزانية]-[يش 2: 1، 6: 23]؛ وراعوث المؤالبية التي يتزوجها بوعز /(را 4: 13، 17) وينجب منها عوبيد ابا يسي ابي داود بانه رسالة رمزية لقبول الامم في مشروع الخلاص.
بل ان داود نفسه يتخذ نساء وزوجات من اصول غير يهودية، ومنهن [بتشبع زوجة اوريا الحثي]-(2 صم 11: 2- 5، 27، 12: 24) التي ينجب منها ابنه سليمان، وهو الاخر هجين نصف اسرائيلي، كما الحال مع داود نفسه وكثيرين غيره فسي النسل الملكي /[نسل يهوذا بن يعقوب].
وفي سفر ملوك الاول(11: 3): ان سليمان بن داود كانت له (300) زوجة، و(700) محظية، [كلهن منبنات الامم التي نهى الربّ بني اسرائيل عن الزواج منهن]-(1مل 11: 2)، وبذلك يكون لايكون رحبعام ابن سليمان اسرائيليا بالمرة، فهو هجين ابن هجين ابن هجين، ولا أثر لدماء ابراهيم واسحق الارامية العائلية المغلقة بدء بابناء يعقوب ويوسف وتراكم الهجنة بالتصاعد.
ومعظم الهجنة هن من بنات الشام/(كنعان) التي نهى ابراهيم واسحق ولده الزواج منهن. وهذا يعني بكل بساطة ان فكرة الشعب المختار واسرائيل بالجسد ونسل الحرة/(سارة) حسب توصيف بولس الطرسوسي انما هو خرافة مؤدلجة يعلجها العبرانيون والنصارى ظاهر عن ظاهر، دون تعمق او دراسة او وعي.
وللاب متى المسكين [1919- 2006م] قراءة عميقة وشيقة في هذا الصدد. وبهذا ينهار احد اركان معمار الايديولوجيا الصهيونية، فضلا عن العواقب الدينية بحسب شرائع العبرانينين لمن يخالف الوصايا او يختلط بنساء الامم.
والطريف في الامر ان العبرانيين عموما، وعموم الطوائف النصرانية المتهودة، تلتزم وتدافع عن مدرسة التفسير الحرفي للاسفار الكتابية. وهذا يقتضي منهم قراءة الكتاب قراءة عقلية تحليلية، وليس قراءة ملائية عمياء بلا وعي او بصيرة.

جرد الابناء والاحفاد..
ابناء واحفاد يعقوب من (ليئة)= [33] من الذكور.
ابناء واحفاد يعقوب من (زلفة)= [16] من الذكور.
ابناء واحفاد يعقوب من (راحيل)= [14] من الذكور.
ابناء واحفاد يعقوب من (بلهة) = [7] من الذكور.
مجموع ابناء واحفاد يعقوب الداخلين الى مصر = [70] من الذكور.
والرقم [70] من الارقام الروحية الرمزية هو الاخر، والمستخدم غالبا في الكتابات والطلاسم الدينية. وكل قصة العائلة البراهمية والاسرائلية، هي جزء من الرموز الاسطورية او الاصل العائلي المتخيل. [اذ يرى البعض أن التاريخ الذي يرد في العهد القديم هو تاريخ رمزي. فإبراهيم، حسب هذا التصور، ليس شخصية تاريخية وإنما يمثل مرحلة تاريخية وحسب، وبالتالى فهو رمز أكثر أهمية ودلالة وعمقاً من الواقعة التاريخية.]-(عبد الوهاب المسيري- الموسوعة اليهودية/ م4). وقد لوحظ تداخل السرد والرميز الديني فيه، بشكل ينتهي الى ذروة الهرم سياسيا او اسخاتولوجيا.

خلاصة..
جغرافية سورية..
تنتمي قصة يعقوب بقضها وقضيضها الى الجغرافية السورية وعملياتية تحويل/ تحوير الثقافة والميثولوجيا الكنعانية للبلاد الى ثقافة عبرانية يعقوب/ يسرايلية، وهي تمثل نهاية عصر البطاركة الثلاثة الكبار [ابراهيم- اسحاق- يعقوب] وقد تجلل يعقوب اعظمهم على الاطلاق، وحظا بابوة الشعب المقدس. ولكن عصر يعقوب هو القسم الاول من فصله السوري/ الكنعاني، حيث ستعود القصة/ الرواية في فصولها اللاحقة نحو سوريا، بعد قضاء مدة نقاهة وتهذيب في مصر.
وفي هذا القسم، أو شخص يعقوب، اتحد العبد العبراني مع الهه، واكتسب صفة/ سمة القداسة التي تجعله فوق مستوى الشعور بالاثم او الخطية او الحاجة للتبرير وتقديم القربان والاضاحي، وهو في نفس الوقت، يستمر في طراز الرعي والسطو والتصيد والصعلكة على سكان المنطقة وممالكها بين ارض سوريا وطريق مصر.
عندما يقتل وينتصر ويغنم يعتبر ذلك من بركات الهه في حياتهن الذي فضلهم ورفعهم على بقية جنس البشر. وعندما يتعرضون للهزيمة او الانكسار والخذلان من الههم، يضطرون للاعتراب بالخطا ومخالفة وصاياه، وتجري ترضيته بمزيد من سفح دم غريب!..
بطريقة زواج يعقوب الكيدية، تنتهي اخر وشائج الصلة بين ذرية يعقوب وبني لابان الارامي.ولا يطلب يعقوب من ابنائه الكثيرين العودة الى ارام، للزواج من بيت العائلة الام، وتضطرد ماهرات بني يعقوب مع سكان الارض دون تفصيل او تخطئة. وهو ما سيزدهر اكثر في المرحلة المصرية.
وقد مر القول، ان اثنينك من أربعة من نساء يعقوب كن اجنبيات، وأن حوالي نصف الابناء/ الاسباط من امهات اجنبيات، وابناؤهن من جيل (الهجنة) التي يتجاوزها الكتاب، ويسبغ عليها صفة –الاسرايلية- الاصلية، لتمرير ايديولوجيا الاصطفاء والقداسة، من غير تشكيك او امتحان.
لكن العبرانيين، واولاد يعقوب، لا يختلفون في شيء عن بقية ابناء الشعوب وسكانهم، ما عدا ثقافتهم/تربيتهم الانطوائية الشكوكية المخاتلة. ورفضهم الانتماء الوطني الكامل/ المخلص للبلدان التي يولدون ويقيمن فيها جيلا بعد جيل، بدعوى انتظار (الرجعة) والعودة الى الوطن الموعود- [الفردوس المفقود]-. ويذكر هنا ان الترجمة العربية لملحمة ميلتون غير دقيقة ومغشوشة، والاصح فيها: [فقد الفردوس/ paradeis lost].
ولفظة الفردوس تماهي بين قصة ادم وجواء، وقصة عدم احتفاظ العبرانيين بارض الموعد، لاخلالهم بالشروط والوصايا. وها لا يعفي من ابجدية التكرار التي تطبع احداث وقصص وطروحات التناخ، كما الاشخاص والاسماء. وصلة ذلك بفن السحر وعلم الارقام، وتبرير دورية الليل والنهار، الجوع والشبع، حتى مجيء يوم يتحول فيه التلميذ الى استاذه، والعبد الى سيده، والمخلوق الى......!.
وهي فكرة الحلولية والكمونية التي ستكرر في مثال يسوع ودعاوى الغنوصية الشيعية وطروحات عبدالله بن سأ في العليللهية وحكاية الكساء وعودة المهدي ومذهب الحلولية عن ملوك الفاطمية في مصر والدروز. وتزايد ظهور اشخاص حول العالم، يزعمون انهم المسيح المنتظر، او المهدي المنتظر!..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #shorts-1- Al-Fatihah


.. #shorts -2-Al-Fatihah




.. #shorts- 3- Al-Fatihah


.. #shorts -4-Al-Fatihah




.. كيف نفذت المقاومة الإسلامية في لبنان بعملية في عرب العرامشة؟