الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-هل وجدت أن انزلاقات أفلاطون بالحديث عن المرأة بصورة متدنيّة هو من باب النسيان لمعتقداته التقدمية حين قال إن عقل المرأة لا يختلف عن عقل الرجل، ولها حق المشاركة في جمهوريته الفاضلة أم هناك هوة عميقة بين اتجاه أفلاطون العام واتجاهه نحو المرأة ومعتقداته عنها؟- - من -دهشة فعل التفلسف كعقلنة - في الحلقة الثامنة - الجزء الاول من حوارنا مع البروفيسورة خديجة زتيلي في -بؤرة ضوء-

فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)

2017 / 5 / 26
مقابلات و حوارات


"هل وجدت أن انزلاقات أفلاطون بالحديث عن المرأة بصورة متدنيّة هو من باب النسيان لمعتقداته التقدمية حين قال إن عقل المرأة لا يختلف عن عقل الرجل، ولها حق المشاركة في جمهوريته الفاضلة أم هناك هوة عميقة بين اتجاه أفلاطون العام واتجاهه نحو المرأة ومعتقداته عنها؟" - من -دهشة فعل التفلسف كعقلنة - في الحلقة الثامنة - الجزء الاول من حوارنا مع البروفيسورة خديجة زتيلي في -بؤرة ضوء-


https://i58.servimg.com/u/f58/19/60/38/08/5510.jpg

ـــ لم ينصلح حال المرأة من العصر الهوميري إلى العصر الكلاسيكي، وحتى يومنا هذا عند أفلاطون أن قيمة النساء المرشحات ليكن زوجات من المعاصرات تنبع من العفة، الصمت القناعة والاقتصاد، لكنّها لا تنبع من شخصية المرأة بأي معنى إيجابي. فإن لغته تحوي الكثير من النقد والاستنكار لجنس الأنثى. فهي خُلقت من الرجال الأشرار الفاشلين. وإذا لم يتم تحسنهم بعد هذا العقاب فسوف يولدون من جديد في صورة حيوانات دنيا. فقد وضع المرأة في مكان وسط بين الرجال والحيوانات. فهن بنظره أدنى من الرجال من حيث العقل والفضيلة.
كتبت الفيلسوفة خديجة زتيلي بحثا عن علاقة أفلاطون بالمرأة الفيلسوفة.

أ - 8 - هل وجدت أن انزلاقات أفلاطون بالحديث عن المرأة بصورة متدنيّة هو من باب النسيان لمعتقداته التقدمية حين قال إن عقل المرأة لا يختلف عن عقل الرجل، ولها حق المشاركة في جمهوريته الفاضلة أم هناك هوة عميقة بين اتجاه أفلاطون العام واتجاهه نحو المرأة ومعتقداته عنها؟
د. خديجة زتيلي:

أوضحتُ في كتابي الموسوم ((أفلاطون: السياسة، المعرفة، المرأة)) وجهة نظري في الكثير من أطروحات أفلاطون السياسيّة والاجتماعيّة مُستندة في ذلك إلى نصوصه ومحاوراته، وقد انتقدتُ مزاعم المساواة في نسقه الفلسفي والطريقة المبُتذلة التي طُرحت بها. وهذا الحديث سوف يجرّنا إلى طرح نظام التربيّة لطبقة الحرّاس والحارسات في دولة أفلاطون، فلا شكّ أنّ النظام المثالي الذي كان مطلوبا فيها هو النموذج الإسبرطي -[نسبة إلى مدينة إسبرطا]- الذي كانت المرأة فيه تحتلّ مكانة معتبرة في المجتمع على عكس ما كانت عليها مكانتها في مدينة أثينا، ولأنّ المغلوب مولع بتقليد الغالب، على حدّ تعبير ابن خلدون، فإن أفلاطون حاول أن يقتبس من إسبرطا النُظم السياسيّة والعسكريّة والقانونيّة والتربويّة السائدة فيها ويؤسّس على شاكلتها نظم دولته المأمولة ! وتبدأ مهام الدولة بانتزاع الأطفال من آباءهم وأمّهاتهم ويتمّ اختيار من يتمتّعون منهم بالفطنة والذكاء والقوّة والسلامة البدنيّة، وتراقبُ الدولة الأطفال من خلال نظام تربويّ صارم، توجد تعاليمه في ((جمهوريّة أفلاطون))، وعبر سلسلة من الاختبارات تمرّ من البسيط إلى المعقّد، يُستهل فيه التعليم بدراسة الموسيقى وبالتدريبات الرياضيّة البسيطة وينتهي بدراسة الجدل والفلسفة، وبعدها يتمّ اختيار أصلح الحرّاس لأسمى المراحل التربويّة والتعليميّة، ويتعلّق الأمر هنا بمرحلة معرفة المثل والحقائق العقليّة الخالدة. وعطفا على ما سبق فإنّ عمليّة التربيّة عند أفلاطون لا تشمل إلاّ الأصحّاء ويصرّح بهذا الصدد قائلا في الجمهورية في الجزء الذي يعتني بالتربية: «من الواجب أن يعنى هؤلاء الموظّفون بأبناء صفوة المواطنين، ويعهدوا بهم إلى مربيّات، يقطنّ وحدهنّ مكانا خاصّا من المدينة، أمّا أطفال المواطنين الأقلّ مرتبة، وأولئك الذين يولدون وفي أجسامهم عيب أو تشويه، فعليهم أن يخبئوهم في مكان خفيّ بعيدا عن الأعين»، إنّها ذاتها التعاليم التي كانت سائدة في نظام التربيّة في دولة إسبرطا.
تأثّر أفلاطون في النظام الإسبرطي بمكانة المرأة فيه وطُرق تعليمها وبالتدريبات البدنيّة القاسيّة التي كانت تمارسها، وحاول أن يَنْسج على شاكلتها في مدينته المثاليّة التي تحاول إيجاد امرأة تتخلّى عن مشاعرها وعواطفها لصالح الدولة، فلا تهتمّ بأنوثتها بل تعتني بقوّتها الجسديّة وحسب مثلها مثل الرجال بغرض خوض المعارك والحروب فيما يطلق عليه أفلاطون عنوان تربيّة الحارسات في الجمهوريّة. فمن أجل أن تنجب نسلا قويّا عليها أن تتزوّج لأجل هذه الوظيفة فقط، الخالية من المشاعر وعواطف الأمومة، فولاءها لا يجب أن يكون إلاّ للدولة، وكانت المرأة على استعداد تامّ لإعدام وليدها إذا كان مشوّها أو ضعيفاً. وتذكر الروايات أنّها كانت تغمسه إثر ولادته في إناء من النبيذ وتتركه للحظات، فإذا عاش دلّ ذلك على قوّته البدنيّة واستحقّ العناية به، وإذا مات جرّاء ذلك تكون الأمّ قد أدّتْ واجبها ورسالتها نحو المجتمع في إعدام غير الأصحّاء الذين ليس في وسعهم المساهمة في الدفاع عن حياض الدولة. إنّ قساوة هذا النظام العسكري الذي سعى أفلاطون من أجل ترسيخه في دولة أثينا والمقتبس من دولة اسبرطة قد دفع بالكاتب ميشال بيير إدموند في كتابه ((الفيلسوف – الملك، أفلاطون والسياسة))، Michel - Pierre Edmond, le philosophe – roi Platon et la politique في ص 96 منه إلى القول: فيما يتعلّق بوحدة هذه المدينة، لا تبدو أنّها من نسيج رجل ديالكتيك، إنّنا لا نصنع نسيجا متنوّعا بل مِعطفا عسكريّا ! لقد حوّل النظام الإسبرطي المرأة إلى كائن دون عواطف ولا مشاعر ووجّه كل اهتماماتها إلى رعاية الدولة، ولنا أن نتصوّر مبلغ القسوة واللإنسانية الذي بلغته المرأة الإسبرطيّة جرّاء تلك المبادئ التي هي صنيعة النظام السياسي، والخلاصة أنّ أفلاطون لم يجد أبداً حرجا في الإعجاب بنظام التربيّة هذا وحاول أن ينقل تعاليمه إلى دولته المنشودة.

بعد إلغائهِ للملكيّة الخاصّة ولنظام الأسرة في جمهوريّته ذهب أفلاطون إلى الإقرار بقيام الجنسين معا بكلّ شيء سويّا مع لفت الانتباه إلى ضعف أحدهما وقوّة الآخر، ويتعلّق الأمر هنا بطبقة الحرّاس التي تعيش حياة مشتركة في كلّ شيء وتسود فيها مشاعيّة النساء والأطفال، وجدير بالذكر أنّ أفلاطون يؤكّد في الكتاب الخامس من الجمهوريّة على ضرورة اشتراك النساء مع الرجال في حراسة الدولة وفي جميع الأعمال المتّصلة بذلك. من خلال هذا الطرح تبدو نصوص أفلاطون للوهلة الأولى وكأنّها تعترف بالمساواة بين الجنسين في المهامّ والوظائف داخل الدولة من خلال المساواة بين الحرّاس والحارسات في التربيّة والتدريبات العسكريّة، يقول في الجمهورية: «على نساء الحراّس أن يقفن عاريات، ما دمن سيكتسين برداء الفضيلة، وعليهنّ أن يشاركن الرجال في الحرب، وفي كلّ الأعمال التي تتعلّق بحراسة الدولة، دون أن يقمن بأيّ عمل آخر. وكلّ ما في الأمر أنّ علينا أن نعهد إليهنّ بأسهل هذه الأعمال، بالقياس إلى ما يقوم به الرجال. وذلك نظرا إلى ضعف جنسهنّ». فمن دلائل المساواة الأفلاطونيّة أن تقف النساء عاريات مثل الرجال في التدريبات العسكريّة وفي الحلبات الرياضيّة ! وليس في ذلك أدنى حرج ولا يجب الالتفات إلى المواقف التي ترى في ذلك صنيعاً خارج المألوف لأنّ ذلك يعدّ من ضروب التجديد والمساواة في التعليم والتدريب العسكري وحمل السلاح!

فهل كان أفلاطون يؤمن حقّا بالمساواة بين الرجل والمرأة في المواهب والقُدرات العقليّة وبقدرة المرأة الفعليّة على حراسة الدولة ؟ وهل يمكن أن يصدّق المرء فحوى الفقرة الأخيرة من الكتاب السابع في الجمهوريّة حين يعترف أفلاطون أنّ الصورة التي قدّمها للحكّام الرجال تنطبق أيضا على النساء بقوله: «هي أيضا تنطبق على حاكماتنا» مُضيفا في السياق ذاته: «لا تضنّ أنّ ما قلتهُ يسري على الرجال من دون النساء بل إنّه ينطبق عليهما معاً، ما دام هؤلاء يتمتعنّ بالمواهب اللازمة». فهل يُعبّر مشهد العُري في التدريبات العسكريّة عن المساواة الفعليّة بين الجنسين؟ إنّ هذا الطرح السطحي هو مدعاة لإدانة أفلاطون الذي صادر الجسد بتحريره من خصوصياته وخاصّة عند الإناث الحارسات، اعتقاداً منه أنّ المساواة يمكن أن تُختزل في مجرّد التشابه في الوظيفة، لا شكّ أنّ إلباس هذا الطرح ثوب المشروعيّة يجعل الفكرة من السذاجة والسطحيّة بمكان. فنصوص أفلاطون تبدأ بالإقرار بالمساواة بين الرجال والنساء، ليقدّم الرجل لاحقا استثناءات على ضرورة مراعاة أنّ النساء هنّ أقل خبرة من الرجال أو أنّ جنسهنّ أضعف من جنس الرجال، ممّا يجعل موقفه مُضطربا وغير محدّد ويفضي إلى عدم الاطمئنان إلى رأيه الذي يتحدّث عن المساواة بين الجنسين، والقول أنّ المساواة المزعومة تلك جاءت نتيجة لإلغاء الأسرة فكان مضطرّا للخوض فيها ولم تكن أبدا ضمن قناعاته الشخصيّة، لقد ظلّ أفلاطون يؤمن بهامشيّة المرأة وعدم أهليّتها العقليّة، وحتّى إمكانية ارتقاءها إلى منزلة الرجل تكون مرهونة بالتخلّي عن أنوثتها وبالاسترجال طالما أنّ الأنوثة تعدّ عنوان الضعف والدونيّة.

هكذا تعامل أفلاطون مع المرأة في جمهوريّته وهذا الموقف يناقض تماماً الأطروحات التي ترى أنّه كان حليفا للمرأة وأنّه ثار على المركزيّة الذكوريّة، أو تلك الآراء التي تحاول إيهامنا بأنه كان نصيرا لها، الأمر الذي ينفيه التاريخ ولا تؤيّده النصوص الفلسفيّة الكثيرة له الصريحة العبارة والمقاصد. لقد كان أقصى طموح أفلاطون تشكيل دولة قويّة يحكمها الفلاسفة والعقلاء، دولة فاضلة تُعيد أمجاد أثينا الغابرة إلى الحياة، ولذلك لم تكن سعادة الفرد هي المطلب الرئيسي لدولته بل كانت سعادة المجتمع، وكان على الأفراد جميعا أن يقتنعوا بضرورة التضحيّة من أجلها والتضحيّة بمشاعر الفرد وحقوقه الشخصيّة في سبيل تحقيق القوة والاستقرار السياسي، فضلا عن الانصياع لشروط الدولة دون تدمّر أو ملل، الأمر الذي أفضى إلى أن يدفع قطاع كبير من الشعب ضريبة ذلك الطموح وقد كان في مقدّمتهم العبيد والنساء. فأفلاطون الذي نشأ في حضارة تُكرّس كراهيّة المرأة ولا تعتبرها إلاّ وسيلة للمتعة الجنسيّة ووعاء للتناسل فقط لا يبدو موقفه غريبا بل منسجما مع سياقاته التاريخيّة وقناعاته الفكريّة والسياسيّة، لكن الأمر الذي لا يمكن غضّ الطرف عنه أنّه لم يكن تقدّميا على الإطلاق، في موضوع المساواة بين الجنسين، وكان مخلصا لفلسفته التي جاهرتْ بتقديس العقل واحتقار الجسد والحواس، ولأنّ المرأة كانت ترمز إلى هذه الأخيرة فقد احتلتْ مكانة دونيّة في فلسفته وكانت لا تعدو أن تكون هامشاً فيها وحسب، في الوقت الذي ارتقى فيها الرجل إلى الصدارة بوصفه المركز. وحتى في ((محاورة القوانين)) المتأخرة لم يتحسّن وضع المرأة فيها رغم حصولها على بعض المكاسب القانونيّة ورغم عودة الملكيّة الخاصّة ونظام الأسرة، وبالعكس من ذلك تماما ظلّت القوانين الاجتماعيّة والسياسيّة مجحفة في حقّها مُلحقة إيّاها بالأخ أو الأب أو الزوج في نظام بطريريكي مُتعسّف تكون السلطة المطلقة فيه للرجل. قد يتواءم هذا الوضع السياسي والاجتماعي مع مُتطلّبات المجتمع الأثيني وبناء الدولة المثاليّة عند أفلاطون ولكنّه في الوقت نفسه يسيء كثيراً إلى المرأة التي تطلّب بناء المدينة الأفلاطونيّة التضحيّة بحقوقها وانسانيتها معاً.

انتظروا قادمنا من "دهشة فعل التفلسف كعقلنة " في الحلقة الثامنة - الجزء الثاني من حوارنا مع البروفيسورة خديجة زتيلي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد هجوم إيران على إسرائيل..مقاطع فيديو مزيفة تحصد ملايين ال


.. إسرائيل تتوعد بالردّ على هجوم إيران وطهران تحذّر




.. هل تستطيع إسرائيل استهداف منشآت إيران النووية؟


.. هل تجر #إسرائيل#أميركا إلى #حرب_نووية؟ الخبير العسكري إلياس




.. المستشار | تفاصيل قرار الحج للسوريين بموسم 2024