الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كأنّه أبي-1-

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2017 / 5 / 28
الادب والفن


إهداء إلى أبي
لم أكن أعرفه جيداًرغم أنّه كان بيننا، لكنّني أمتنّ له ، فمنه تعلّمت الصّبر على الشّدائد، وعرفت تلك الكلمة التي يتحايل عليها البشر كلمة" الحق" أو "العدل"
تعلّم أبي على يد شيخ في قريتنا" المفكر" ليوم واحد فقط
احتفظت برسالته لي، أضعتها في البحر عندما غادرت أماكني.
أبي الذي يفهم الحبّ كما كنت أريده. ظلّ وفيّاً طوال حياته لأمّي، وبعد مماتها أيضاً. يذهب كل صباح إلى قبر أمّي . يرشّه بالماء، ويضع عليه وردة. كان يفعل ذلك بالسرّ خجلاً من الحبّ . باح لي بحبه لأمّي في آخر أيّامه. قال: كانت أمهر نساء العالم في الطبخ، والخبز، وأجمل نساء العالم في المظهر والمضمون. لم أكن أرغب أن نغادر القرية، كنت مستعداً لخدمتها، ونسهر الليالي معاً.، لكنّها أصرّت على أن تبقى قرب الأبناء، واضطررت لتغيير المكان الذي أحببته، برحيلها خسرت الكثير، وأكبر خسارة كان" بيّوض" كلبها المدلّل.
ليس أبي فقط من أعطى معنى للحياة. بل كلّ الآباء الذين حاولوا أن يعطوا من قلوبهم لأبنائهم، ولأسرهم، وهم كثر، ودائماً يطفو على السّطح نموذج لا يعرف من الحياة إلا نزوته الشّخصيّة.
كأنّك أبي
غريب في الخامسة والعشرين من عمره . مهاجر يعيش في أمريكا مع أمّه وإخوته الثلاثة.
يتحدّث غريب إلى توماس عن الفتاة التي سوف يذهبا لرؤيتها من أجل أن يطلب يدها للزّواج.
لا زال غريب في الثالثة والعشرين من عمره، لكنّه أحبّ ميّ ، وأراد أن يرتبط بها كي يصبح أباً، وزوجاً. هو يتوق أن يصبح لديه عائلة كي يقول للعالم: هذا أنا. رجل كما طلبت منّي أمّي أن أكون.
يتحدّث توماس مع غريب حول الحبّ والحياة، لكنّه لا يسمع أجوبته. يراه يبتسم بينه وبين نفسه ثمّ يقطب ما بين حاجبيه.
ينسى غريب توماس، كما ينسى الموضوع الذي هو ذاهب لأجله. يمعن النّظر في الرّجل الذي ابتسم له، ثم يلتفت لتوماس: أرغب في العودة إلى المنزل. غيّرت رأيي في موضوع الزواج.
لم يناقش توماس غريب. فعل ما طلبه منه.
ولم يتحدث غريب بأيّة كلمة. هو مشغول:
كان أبي. لم أره منذ زمن طويل. كأنّه عرف أنّني غريب. أردت أن أركض إليه ويحملني بين ذراعيه. أردت أن يمسك بيدي ونركض معاً في ملعب لكرة القدم. أردت أن يقول لي أنّني مهم في حياته.
كنت سوف أقول: اشتقت لك. أين كنت؟
هو لم يمسك مرّة يدي. كان فقط يؤنّبني، وأحياناً يضربني.
-ما بك يا غريب. كأنّ أمراً حدث غيّر مجرى الأمور؟
لماذا تبكي؟
-أخشى أن تتركني وحيداً يا توماس. دخلت حياتي كأب، أمسكت بيدي. دافعت عنّي أمام معلّمي المدرسة، وطلبت منهم أن يعاملوني بشكل أفضل، واليوم كنت ذاهب معي كي نلتقي بالفتاة التي أحبّ. هل يمكن أن تردّ على سؤالي: لماذا أنت متمسك بنا مع أنّنا لسنا أولادك الحقيقيين؟
-أمّا أنا فأرى أنّكم أولادي الحقيقيين. هل لكم أب غيري؟
ليس لديّ في هذه الدنيا من أحبّ غيركم.
لماذا تتحدّث معي الآن؟
هل تذكر عندما كنت توزّع الجرائد عندما كنت طفلاً؟
مشيت خلفك لأعرف لماذا تعمل في هذا السن المبكر؟
وعندما سألت والدتك. قالت لي كي تتعلم أن تعتمد على نفسك، وطالما أنّ وضعك قانوني فلا بأس.
في تلك اللحظة التي رأيتك فيها. شعرت أنّك ابني.
-توماس يعبّر عن مشاعره تجاهي، أشعر بالامتنان له، ولكن هذا لن يمحو تلك اللحظات التي كنت أنتظر فيها أبي .
كيف يمكن أن يترك الأب أولاده بينما يشعر الغريب أنّه والدهم؟ لا. لن أسامحك يا أبي. كنت تضحك لي. وكنت أكاد أن أندفع نحوك إلى أن نظرت لنفسي ولتوماس، ورأيتني رجلاً ،ليس ذلك الطفل الذي انتظر أباه عندما كان في العاشرة.
-آسف يا توماس!
أشعر بعدم الأمان. خائف. مضطرب.
لن أتزوج، ولن أنجب الأطفال.
أخشى أن أكون اكتسبت وراثة أبي، أتخلى عن أولادي في أوج حاجتهم لي.
لا. لن أرتكب جريمة بحق أحد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا