الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في مسرحية -لسعة العقرب- للكاتب المسرحي والصحفي ماجد الخطيب

كاظم حبيب
(Kadhim Habib)

2017 / 5 / 29
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


(صورة الغلاف الأول لمسرحية "لسعة العقرب" وصورة الكاتب ماجد الخطيب)

الكاتب: ماجد الخطيب
الكتاب: لسعة العقرب/ مسرحية بوليسية ساخرة
الناشر: المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش
سنة الإصدار 2017
ردمك: 978-9954-28-577-0

قدم الكاتب المسرحي والصحفي المميز ماجد الخطيب مجموعة مهمة من المسرحيات الساخرة للمكتبة العربية والكتابة المسرحية والمسرح. فقد ألف ونشر حتى الآن ثماني مسرحيات، وترجم عشر مسرحيات. كما ألف ونشر كتاباً ممتازا وغنياً بالمعلومات والتحليل القيم لشعر وحياة الشاعر والناقد والصحفي الألماني هاينريش هاينه (1797 – 1856 م) تحت عنوان "روح الشعر الألماني". وكانت اغلب رواياته تبحث في الهم العراقي وكوارثه والتحولات الجارية على الإنسان العراقي، وخاصة على مثقفيه إيجاباً أو سلباً، وعلى العلاقة المعقدة والمتوترة بين المثقف والسلطة. وكان في جميع مسرحياته، وهي في الغالب الأعم غير مباشرة، ولكنها ذات هدف واضح وفكرة ناظمة لأعماله، فهي تعالج إشكالية الدكتاتورية والحريات العامة وحرية المثقف والإنسان عموماً. وهكذا كان الأمر بالنسبة للمسرحيات المترجمة، ولكن على مستوى أعلى وأبعد من الهم العراقي، بل هم الإنسان في القرن العشرين والحادي والعشرين، هم الإنسان في صراع ضد شرور الاستغلال والاضطهاد والتمييز والحروب. وكان في الغالب الأعم يمزج بنجاح بين الجدية والهزل، بين المأساة والملهاة. نجد هذه الثنائية في فئران الاختبار، أو عاشق الظلام، أو حفرة السيد على سبيل المثال لا الحصر. وتطرح مسرحية "ثور فالاس" إشكالية الصراع المعقد والمتشابك بين المثقف، ومنهم الفيلسوف، والسلطة ومحاولات السلطة أو الحاكم المستبد شراء المثقفين، والأنانية التي يمكن أن تجد طريقها إلى نفوس بعض المثقفين، ولكن ليس الجميع. وهي من أكثر المسرحيات تجلياً لهذا الصراع وأكثرها شراسة وعدوانية من جانب السلطة إزاء المجتمع والواعين منهم والمثقفين على نحو خاص.
أما المسرحية الجديدة، التي صدرت لتوها (الشهر الخامس 2017)، فهي تختلف عن مسرحياته السابقة الساخرة أيضاً. إذ أنه اختار اسلوباً آخر في كتابتها، الأسلوب المعروف في لغة كتاب المسرحيات والسينمائيين بـ "الپارودي (Parod"، الذي عرَّفه المؤلف ذاته بـ "المحاكاة الساخرة"، الأسلوب الذي يستخدم أحداثاً وشخصيات معروفة عالمياً وفي حقول ومجالات كثيرة ليوظفها في مسرحيته الساخرة التي تدفع الإنسان إلى الابتسام والانتعاش من روح التهكم الواعية لما تريد ومن المضمون المأساوي المبطن للحالة الساخرة. هذا النوع من فن الكتابة المسرحية أو حتى في الشعر والقصة والرواية والسينما قد استخدم من كبار المخرجين السينمائيين، منهم على سبيل المثال لا الحصر، شارلي شابلن، الفريد هتشكوك وكيفن ينولدز.. الخ. وقد حققوا نجاحات باهرة في افلامهم. ولا أدل على ذلك فلم هتلر لشارلي شابلن.
إلى ماذا ترمي هذه المسرحية الساخرة العراقية بامتياز، رغم شخوصها الدوليين في أحداث بعيدة عن العراق؟ من عرف ماجد الخطيب أو قرأ له يدرك إن هاجسه الأساس هو العراق وما يجري فيه منذ 14 عاماً، سواء أكان ذلك ببغداد، أم بالبصرة، أم في أي مدينة عراقية أخرى، بل بكل الدول العربية. والزمان والمكان هنا محددان في القصر وعلى الساعة الثانية عشر ليلاً، ولكنهما، الزمان والمكان، مع ذلك مفتوحان أيضاً. إنه يريد أن يقول لم يعد الوقت خمس دقائق قبل الثانية عشر، بل أنه الثانية عشرة تماماً، وعليكم أن تعوا عواقب الغفلة والنوم والسكوت على الفساد والقتل المتواصل. وإن المكان نفس المكان حيث يوجد القاتل والمقتول، أو "حاميها حراميها"، إنها "المنطقة الخضراء العراقية"، إنه الحي الذي يسكن فيه في الغالب الأعم حكام ولصوص وقتلة وجواسيس وعيون فاقعة!
حين تُقرأ المسرحية بعناية سيجد القارئ أو القارئة إنهما أمام هدف ثابث وواضح لا يتزعزع، وخلف هذا الهدف فكرة تتجسد أكثر فأكثر بعد كل مشهد من المشاهد وتتجلى في الشخصيات الرئيسية والثانوية التي اختارها في مسرحيته الساخرة، وأساليب العمل التي منحها لهذه الشخوص العديدة.
ليس القتلة بالمسرحية سوى محترفي قتل الإنسان، تدربوا على السرقة، وممارسة القتل لإخفاء جريمة السرقة، أو القتل لأغراض السرقة. وحين يكون الحامي هو الحرامي ذاته، يصعب اكتشاف القاتل أو السارق، فهما شخص واحد، إنها الثنائية في الواحد. هنا يقدم لنا ماجد الخطيب حقيقة الأمر حين يترك لهولمز فرصة تشخيص الحالة. لقد أعطى الكاتب أسماً مهما للمسرحية تجسد لسعة العقرب. وفي هذه اللسعة تضعنا أمام الشخصية الإجرامية الفرنسية المعروفة من جهة، وأمام إن المفروض في المجتمع أنم لا يلدغ من جحر مرتين، وكم هي المرات التي لدُغ الشعب من ذات الجحر من جهة ثانية!
بدأت المسرحية بجريمة واحدة، لطباخة قصر الملك. ولكن سرعان ما ترك الكاتب أن تتوالى الجرائم التي ترتكب في القصر وفي ساعة محددة. لقد وضع القارئ والقارئة أمام أحداث متتالية متصاعدة تزيد من التوتر والتأزم في المسرحية وتزيدها تعقيداً وتشابكاً. حتى شارلوك هولمز وصاحبه لم يكن سهلاً علهما اكتشاف الفاعل أو الفاعلين، بعد أن انتقلا إلى مسرح الجريمة ليحققا في أول جريمة ارتكبت في القصر، إذ أدركا بحسهم البوليسي إنهما أمام مجموعة صغيرة جداً من البشر تتشابك أساليبهم وتلتقي وتتصارع مصالحهم في آن، إنها الجدلية العفوية في المسرحية. فأحد هؤلاء يجلس على عرش المملكة، ويمارس آخرون حماية المملكة، وكل منهم يمارس الجريمة بطريقته الخاصة.. إنها المأساة والمهزلة أو الملهاة التي لا يمكن إلا أن يدركَ القارئ والقارئة مغزاها والوجهة التي يؤشرها المؤلف.
لقد استخدم المؤلف تلك الشخصيات والأحداث التاريخية خير استخدام، وبحبكة متماسكة ومحكمة، وبرؤية ثاقبة وساخرة، شخصيات من حضارات عديدة في مسرحية قصيرة ذات بعد إنساني عميق وتهكم ساخط على الحكام والحاشيات، سواء أكانوا ملوكاً أم رؤساء، فهم متساوون بالدول العربية في ما يرتكبونه من جرائم بحق شعوبهم.. فوزير خزنة الملك سكوربايت، "لم يكن غير اللص الشهير "العقرب"، الذي دوخ باريس بسرقاته، ووزير مالية الملك "لم يكن غير آكل لحوم البشر هانيبال ليكتر"،.. إنها شخصيات ووظائف رمزية في المسرحية لا يمكن أن يخطئ القاري دورها في المقارنة بين ما جرى ويجري بالعراق .. حتى البوليس السكوتلاندياري يهرب من مسرح الجرائم التي ترتكب يومياً وفي ساعة محددة ومكان محدد.. إنهم يعرفون القاتل وغير قادرين على اعتقاله فيهربون منه لكي لا يصلهم سكين القاتل وينحر رقابهم. لقد قتل المسرحي والصحفي هادي المهدي.. وقتل الشخصية الديمقراطية والمدنية كامل عبد الله شياع وقتل آخرون في فترة حكم من قال يوماً "أخذناها بعد ما ننطيها"، وفي فترة حكمه جرى التحقيق ولم يعلن عن القاتل! فمن القاتل؟ إنها حالة التوتر المتصاعدة .. التي تقترب من الذروة.. حتى شارلوك هولمز وصاحبه لا يستطيعان طرح الحقيقة، ولكنهما يكتشفان الحقيقة.. فوزير الداخلية الذي وقعت هذه الجرائم في عهده يزور مقر الحزب الذي استشهد أحد أعضاء هذا الحزب المميزين، ولكن الزائر لا يعلن عن القاتل، رغم معرفته المؤكدة بهوية القاتل!!
كلما ابتعد ماجد الخطيب عن مسرح الجريمة الفعلية في مسرحيته، اقترب منها قارئات وقراء المسرحية أكثر فأكثر وحلوا طلاسم الأحداث والشخصيات التاريخية. لقد سّهل ماجد الخطيب، باختيار تلك الأحداث التاريخية والشخصيات المعروفة عالمياً، على القارئ والقارئة إمكانية الاقتراب من حقيقة ما يجري بالعراق وأحداثه المأساوية وعجز المجتمع عن الاعتراف بما يعرفه عن القتلة، وعن رفضه ولفظه لهم!
في ذروة المسرحية يلسع هولمز وواطسون القاتل بحيلة عقرب الساعة، لكن لص الجواهر الشهير بالـ "عقرب" (المتخفي بشخصية وزير المالية) يلسعهما بدوره، ويفتعل مقتله كي يهرب بجواهر الملكة وخزينة المملكة. وهنا تأتي لسعة العقرب لتمنحنا وجهة ثالثة في مجرى المسرحية. ولكن ذروة المسرحية مستمرة ومتصاعدة، فالقتلة يتسترون بأسماء أخرى وينتقلون من مسرح جرائم بعينها، ليلجوا مسرحاً أخر، ليحموا الملك، ليمارسوا جرائم أخرى. فهم في حمى الملك أو الحاكم! ولنستمع إلى هذا الحوار الذي يضعنا أمام الاكتشاف الرئيسي، أمام ذروة المأساة والمهزلة، حوار بين هولمز وواطسون والذي يقود بهما إلى الهرب من القتل المحتم:
هولمز: هل أخطأنا في حساباتنا؟
واطسون: أما يزال القاتل في القصر؟
هولمز: جاك السفاح هرب..
واطسون: من بقي في القصر؟
هولمز: (يضرب جثته، يشم الجثة)
يا إلهي عطر الكولونيا مجدداً.. عطر الملوك؟؟؟
(يبهتان للحظة)
هولمز: لنهرب من هنا..
واطسون: إسرع (يخرجان هاربين)..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن في الصين يحمل تحذيرات لبكين؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. زيارة سابعة مرتقبة لوزير الخارجية الأميركي إلى الشرق الأوسط




.. حرب حزب الله وإسرائيل.. اغتيالات وتوسيع جبهات | #ملف_اليوم


.. الاستخبارات الأوكرانية تعلن استهداف حقلي نفط روسيين بطائرات




.. تزايد المؤشرات السياسية والعسكرية على اقتراب عملية عسكرية إس