الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحداثة والإسلام

حميد المصباحي

2017 / 5 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أكدت علوم الحضارات الإنسانية القديمة,تميز الإنسان بالرمزيات في اللغة و
الرسوم,لأن له بعدا يتجاوز المحسوس,و بذلك كانت الديانات تعبيرا و
استجابة لميله هذا,فتطورت هي ذاتها,وفقا لمنطق انتقل من تعدد الآلهة إلى
وحدة الإلاه,التي تميزت بها اليهودية و المسيحية و الإسلام,بهذه
الحقيقة,أدرك الإنسان عدم قدرته على تمثيل الإلاه بما هو مادي طبيعي كما
كانت الشعوب و الحضارات السابقة فعله,بحيث غدا الله حاضرا مع
البشر,فبإمكانهم عبادته أينما وجدوا,كما أن وجوده ليس مشروطا بما
يقدمون,طقوسا و قرابين,بل هي ممارسات مطهرة لهم من الشرور,و حاثة على
الإخلاص الإيماني,لكن فيما بعد,كل ديانة من هذه الديانات,اتخذت لها
منحى,بحيث قرأت ذاتها بناء على ما عرفته حياة الجماعات من
مستجدات,فاليهودية وجدت نفسها مرغمة على التفكير في كيفيات حماية
أتباعها,و الحرص على وجودهم مأثرا في العالم,و انتهت بالتفكير في آليات
بناء الدولة و انتزاع حقوق الغير,أما المسيحية,فقد عاشت صراعات مريرة,بين
تياراتها,لكنها كانت مرغمة على التفكير,في نبذ الإجتهادات الدينية
المؤدية للحروب بين الدول المسيحية,و بعد ذلك,وجدت نفسها في حمأة كيفية
إقناع المسيحي بتحقيق الرفاه الإقتصادي اعتمادا على عمله و علمه,أما
المسلمون,فقد وجدوا أنفسهم يفكرون في كيفيات إعادة أمجاد الماضي,المختزل
سياسيا في بناء دولة الخلافة,لتحقيق الريادة الحضارية,التي انتزعت منهم
بفعل الإنحطاط الذي عاشته الدولة الإسلامية,و انقساماتها السياسية و حتى
الدينية فيما بعد,ينضاف إلى ذلك حدث الإستعمار بعد تفكك الدولة
العثمانية,فلماذا حققت الدول المسيحية حداثتها و اليهودية في زمن
قياسي,بينما بقي العرب و المسلمون يصارعون و لم ينجحوا في بناء حداثتهم
الخاصة للتخلص من التخلف؟؟؟؟؟
1الإسلام و العقل
النصوص الأصلية في الديانة الإسلامية,تحتفي بالفعل العقلي,بل إليه تتوجه
الكثير من الآيات القرأنية,باعتباره عاصما لصاحبه من الوقع في الغي و
الضلال,بل إن القرآن استشهد بأقوال الحكيم لقمان,و لم يكن نبيا,كما أن
فكرة التوحيد تمت المحاججة على صحتها بمنطق عقلي,فالآلهة إن تعددت حسب
المنطوق القرآني,فسدت الأرض و السماء,فلا يمكن تصور قوتين تحكمان
العالم,لكن السجالات الإسلامية في الفكر الكلامي,عمقت السؤال,فتولد معه
الحرج,إذ طرح السؤال,لو كان العقل كافيا للإهتداء إلى الله,فما الحاجة
للوحي؟؟
كان الجواب في الفلسفة الإسلالامية واضحا,فابن رشد عندما ميز بين الخاصة
و العامة,لم يقل أن العاقل مستغني عن الوحي,بل فقط نبه إلى وجود آيات لا
يفقه بعدها إلا الراسخون في العلم,و أخرى موجهة لذوي المدارك غير العالية
من عامة الناس,أي آيات الوعد و الوعيد,و بذلك اهتدى الفيلسوف إلى آليات
التأويل العقلي,من هنا بدأت محنة المسلمين و مفكريهم,مع فئة اعتصمت
بالنص,و اكتفت بالأثر,مع السماح ببعض القياسات العقلية في المجالات
الفقهية,و هنا كانت الدولة الإسلامية حاسمة في الإنحياز لصالح
النصيين,حفاظا على سلطتها,و صونا لمجال حكمها,فالعامة بكثرتها فرضت
مشروعا نصيا,استبعد العقل,خوفا على السلطة و ليس رغبة في بناء
حضارة,فامتدت جذور النصية لكل المجالات المعرفية الأخرى,و هنا تعطلت بنى
التجديد لصالح المحافظة الدينية,و التي انقسمت بدورها بين تيارات
كبرى,كانت لها الغلبة,أي السنة و الشيعة,
2الإسلام و العلم
خطت علوم ذلك العصر خطوات هائلة,بعد رست دعائم الدولة الإسلامية,و لأن
علماء ذلك العصر,في أغلبهم كانوا من الفسفة,فقد امتدت لهم الحملة,بحيث
صار الفقه مرادفا بل بديلا لكل العلوم,فاحتل مكانة العلوم الفلكية و
الطبية و الطبيعية,فنشطت حركات الإجتهادات القضائية,و ما عرف بفقه
النوازل,مع حضور الفكر الكلامي,اجتماعيا,لأنه كان بمثابة إيديولوجية
الخصوم السياسيين المتنازعين على الخلافة,و لهذه الأسباب,خسر العالم
العربي و الإسلامي الكثير من مفكريه و علمائه,و من بقي منهم فر هاربا,أما
تلامذتهم فآثروا السلامة أو نكل بهم في كل الأمصار,فكانوا الهشيم الذي
داسته السلط و هي تصارع بعضها ,منتصرة و منهزمة حسب الإمتدادات القبلية و
العصبة و مدى تلاحمها و قدرتها على نزع الشرعية عن الحاكم,الذي ما أن
يفقد انتمائه للشرع أو يسحب منه حتى تنشأ البدائل له باسم الشرع,الذي
اختفت تحته الكثير من العمليات الثأرية .
3الإسلام و الدولة
كانت كل الدول الإسلامية,تحافظ على شرعيتها الدينية,لتستحق واجب الإتباع
من طرف الجمهور,الذي يقيس شرعيتها بدينيتها,و دينيتها في حفاظها على
الحدود التي امتدت بكثير خارج حدود الجزيرة العربية,فلم يكن بالإمكان
الإستغناء عن رجات الدين و تقريبهم من السلطان,لأنه شكلوا الأداة
الإيديولوجية للحكم,فقربهم من سلطة الخلافة أهم من بعدهم,إنهم آلية أكثر
فعالية من لغة العقل,بل إنهم يعادون رجالات الفكر الذي يحاولون فهم
الشريعة وفق حاجات الناس,المادية و الروحية,و كل محاولة لتحقيق
ذلك,تستنفر قواهم المدعوة بسلطة الخلافة,بل في زمن الدولة العباسية,ظهر
المأمون و الأمين و ربما المتوكل منتصرين للفكر الإعتزالي العقني,فماذا
حدث,بقيت الآلية الدينية تشتغل,بل عنفت خصومها,و حققت بالعنف مكاسبها
أكثر من الإحتكام للعقل و مبادئه الرافضة لعنف السلطة و التسلط.
رغم وجود العقل في هذه الحضارة, يحظ أنه لم يكن مستقلا في عمله,فقد كان
تابعا للحقل الديني,محاولا نيل رضاه و تجنب الصراع ضده,و لم تستطع السلطة
نفسها خلق مسافة مع الديني كما تصوره النصيون,و لم يفسح المجال للعلم
ليمارس مهامه باستقلال عن الصراعات السياسية و الفكرية الفلسفية,ربما
لهذه الأسباب لم يبدع العالم العربي تصوره الخاص للحداثة و لم ينخرط
فيها,كما محاوت تجديد الفكر الديني الإسلامي باءت بالفشل,فلماذا نخوض
تجربة بآليات لم يثبت التاريخ فعاليتها؟
ليس العيب في الديانة الإسلامية,و لا في المفكرين السابقين و
اللاحفين,بل في طبيعة اللحظة التاريخية التي يخاض فيها الصراع,الذي لا
يمكن أن يحسمه الساسة,لكن على رجالات الفكر إعادة قراءة الإسلام,بآليات
جديدة,مختلفة عن منطق الأثر النصي,و كذا منطق التأويل العقلي.
حميد المصباحي كاتب روائي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في


.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah