الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آلهه تمشى على الارض

رفعت عوض الله

2017 / 5 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



آلهة تمشي علي الأرض
صورت الأديان ونصوصها المقدسة الله علي إنه خالق الحياة والكون ، وأنه كلي القدرة ، وسلطانه يشمل كل شيئ ، وعلي الإنسان الضعيف أن يتبع وصاياه ويطبقها في حياته فينعم بالرضا الإلهي ويحيا في امان وسلام ، ومصير جميل بعد الموت.
في العصور الوسطي قامت الدولة في الشرق علي أساس الدين ، وكذا قامت الدولة في الغرب .
الخليفة كان اميرا للمؤمنين ، وخليفة لرسول الإسلام ، وبالتالي فهو يحكم بالدين والشريعة فإنه ممثل او نائب الله علي الارض ، ومكلف بحراسة العقيدة .
والامبراطور او الملك المسيحي في الغرب يحكم بالتفويض الإلهي ، فهو ليس مجرد حاكم سياسي ولكنه ظل الله علي الارض ، وحارس العقيدة المقدسة.
ولما كان الله مطلق السلطان كان ممثله في الارض الخليفة والملك مطلق السلطان ، فلا يُسأل ولا رد لقرارته الواجبة التنفيذ ،من هنا شيوع قتل الخارجين والتنكيل بمن لا يرضي عنهم الخليفة او الملك حتي ولو كانوا أبرياء ، فيكفي لاعدامهم عدم الرضا عنهم ، ولا دفاع ولا حقوق ، بطش وتسلط وعنف وقوة وقهر وجبر .
في ذلك العصر المظلم لم يكن للناس حقوق ، ولا حرية ، ولا كرامة ، ولا إستقلال عقلي . من اراد حماية نفسه وحياته عليه بمسايرة الخليفة او الملك وتبجيله وتوقيره ومديحه بل ونفاقه ، والمشي في ركابه ، والنظرإليه علي ان بيده الحياة والموت . فليس لإرادته دفع ، فالعلاقة علاقة طاعة وعبودية ، والا فالعقاب والرمي في غياهب السجون والتعذيب والموت في إنتظار من تسول له نفسه بالخروج عن صف القطيع المسبح بحمد الخليفة اوالملك الذي هو إله يحيا علي الأرض .
لم يكن الخليفة او الملك هو وحده ذلك الإله العائش علي الارض بسلطته المطلقة ولكن كان هناك آلهة أخري تعيش إلي جواره وتبرر فعله وبطشه وتسلطه . أعني من يُسمون برجال الدين .
لما كان الخليفة او الملك يحكم بإسم الله ، ولما كان العصر عصر قهر وجبر وتجرد من الحقوق والحريات فقد نظر رجال الدين شرقا وغربا للدين ومعطياته واوامره ووصاياه من منظور وروح العصر فركزوا علي قوة وجبروت الله وسلطانه ووجوب طاعته ، والتحذير من معصيته المهلكة .
في ذلك العصر أيضا نظر المسلمون لأصحاب العقائدالاخري من يهود ومسيحيين علي إنهم كفار ومشركون لذا وجب قتالهم وقتلهم .
ونظر المسيحيون في الغرب للمسلمين علي إنهم مهرطقين رافضين للمسيح فوجب معاداتهم وكراهيتهم وقتالهم .
ولأن ذلك العصر لم يعرف او يحترم او يعترف بالحرية وحق الخلاف والإختلاف فقد جرم رجال الدين شرقا وغربا كل علم جديد غير مألوف ، وكل فكر حر مختلف بل كل جديد ، وعدوه خروجا علي الدين ، وكفر وهرطقة . لذا نجدهم توسعوا في مفاهيم الحلال والحرام ، وقواعد الإيمان وشروطه فقيدوا العقول بقيود ثقيلة ، وحكموا بالكفر والهرطقة على كل من يخرج او يتحرر من تلك القواعد التي وضعوها .
وربطوا ما ذهبوا إليه بالله ذاته وكتبه المقدسة . فصوروا للناس ان ما يقولون به هو عين مايريده الله ويقول به .
في الامر جانب ذاتي فرجال الدين اولئك يريدون توكيد قوتهم وسطوتهم وسلطانهم وتحكمهم في البشر ،وتكريس طاعة الناس لهم وخوفهم من الخروج عن ما أمروا به . هم يريدون ان يكون لهم سلطان ونفوذ وتحكم بالبشر الذين يخافون الله وعقابه الشديد
لذا نجدهم امعنوا في ما وضعوه من قواعد وتحريم وتحليل وتكفير ، ووجوب قتل من خرج عن صحيح الدين وصار كافرا .
بفضل التطور الحضاري بداية من عصر النهضة ومرورا بالإصلاح الديني وعطفا علي حركة التنوير العقلانية وإنتهاء بإقرار حقوق الإنسان ومبادئ عصر الحداثة من حرية وعلمانية وليبرالية وديمقراطية ، تحرر الإنسان المستوعب للتطور الحضاري الفارق من المفهوم الماضوي للدين والسلطة السياسة وصورة ووظيفة رجل الدين . فلم يعد رجل الدين المسيحي في اوروبا ذلك الرجل صاحب الكلمة النافذة والمُطاع طاعة مطلقة والمهوب وصاحب القداسة المحرم المحلل ، والمنذر للخارجين والمختلفين بجهنم الحمراء وبئس المصير . لم يعد رجل الدين إلها يمشي بخيلاء علي الأرض . صار إنسانا ،وبشرا ضمن جموع الناس . لا يكفر ولا يحكم بهرطقة احد . يتكلم عن رحمة ومحبة ونعمة الله الشاملة لكل الخليقة . ولعل شخصية البابا فرانسيس تجسد ما أذهب إليه .
سقطت هالة القداسة عن رجال الدين في اوروبا ، بل اعتذرت الكنيسة الكاثوليكية عن الحروب ضد البروتستانت ، وعن الحكم بقتل وحرق المفكرين والعلماء اللاهوتيين الذين عارضوا واختلفوا مع مذهب الكنيسة الرسمي .
أما عندنا في الشرق فمازال الحكام ورجال الدين علي ما كان في العصور الوسطي . مازال الحكام السياسيون يحكمون بالقمع والبطش والإنكار لحقوق وحرية الإنسان وعدم إحترام لروح العصر ، لذا التسلط والبطش والأستبداد هو سيد الموقف .
ومازال رجال الدين يدعون وينادون بما كان في تلك العصور المظلمة من تحريم ووضع القواعد المجحفة شديدة الوقع علي نفوس الناس . ومازال التكفير والحكم بقتل الكافر والتعريض بعقائد الآخرين والإستعلاء الاجوف وعدم الرحمة وتقدير الظروف ، والسعي لتوكيد تسلطهم وسلطانهم وتحكمهم بعقول الناس هو السائد .
ولن تجدي المطالبة بتجديد الخطاب الديني وجعله اكثر إنسانية وعقلانية ومواكبة لروح العصر . فهؤلاء الجالسون علي أرائك الدين من شيوخ وعلماء ومفسرين وخطباء وفقهاء لن ينزلوا طواعية عن مواقعهم التي تجعلهم فوق الناس ينعمون بالسيادة عليهم والتحكم فيهم ، ويُشبعون غرورهم وانانيتهم المفرطة بل ساديتهم المريضة .
علينا ان نعيش عصرنا ، وان نمرر روحه في مناحي حياتنا . حينذاك سوف ينزل الهة رجال الدين عن عروشهم وعن تأليه انفسهم ، ويصيروا بشرا مثل سائر الناس يعظون عن رحمة ونعمة الله لكل البشر علي الرغم من إختلاف عقائدهم . فلا يكفرون ، ولا يفتشون في سرائر عباد الله . يقدمون فهما للدين متصالح مع العصر .
يقول المسيح : "ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون !لأنكم تعشرون النعنع والشبث والكمون ، وتركتم أثقل الناموس : الحق والرحمة والإيمان ، ويل لكم ايها الفريسيون لانكم تحبون المجلس الاول والتحيات في الاسواق ، وأن يٌقال لكم سيدي سيدي" .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح


.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة




.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا