الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلاقة العضوية بين النص القرآنى والواقع

طلعت رضوان

2017 / 5 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


العلاقة العضوية بين النص القرآنى والواقع
طلعت رضوان
يتجاهل العروبيون والإسلاميون وأغلب الماركسيين باب (أسباب النزول) وهوالباب الذى كشف ووضــّـح أنّ الآيات التى تناولتْ الواقع الاجتماعى والمعيشى، كان سببها الأسئلة التى كان ناس الجزيرة العربية، يتوجـّـهون بها إلى محمد، خاصة من أتباعه. مثل الحيض و(النفاس) وماذا يـُـنفقون، وكيفية دخول البيوت، وضرورة الاستئذان قبل الدخول..إلخ وهوما يدل على تلك العقلية شديدة السذاجة وتحتاج لمن (يـُـنوّر) لها أسلوب حياتها، ولكن الأهم أنّ تلك الآيات فيها التأكيد الذى يصعب نفيه بأنها (إجابة عن الواقع) وليست سابقة التجهيز.
وفى هذا الباب تأكيد على أنّ العرب كانوا فى بداية الدعوة الإسلامية يتحاورون مع صاحب الدعوة ، ويستفسرون منه عن بعض ما ورد فى القرآن، مثل الحديث عن (نارجهنم) فكان من أطلق القرآن عليهم (المشركين) يطلبون التأكد من عذاب الآخرة، وبسبب ذلك نزلتْ آية ((أفبعذابنا يستعجلون)) (الصافات/176) وعن تلك الآية كما جاء فى تفسيرالسيوطى قال: أخرج جويبرعن ابن عباس قال: قال المشركون: يا محمد أرنا العذاب الذى تــُـخوّفنا به، عجـّـله لنا)) فنزلتْ الآية المذكورة. وهذا الحديث ورد عند البخارى ومسلم، ويراه كثيرون أنه (حديث صحيح)
وعن تلك الوقعة يجب ملاحظ ما يلى:
أولا: تطابق لفظ (التعجل) مرة على لسان (المشركين) ومرة فى القرآن، ومع ملاحظة أسبقية وروده على لسان (المشركين)
ثانيــًـا: يتبيـّـن من كلام (المشركين) أنهم كانوا يتشكــّـكون فى موضوع (الآخرة وعذابها) وكانت لهجتهم فى الحديث صارمة (يا محمد أرنا العذاب الذى تـُـخوّفنا به) بل ومُـستهزئة (عجـّـله لنا) فكان الرد المُـختصروالمُـبتسرمن السماء (أفبعذابنا يستعجلون)
000
وعن أسباب نزول آية ((أجعل الآلهة إلهـًـا واحدًا إنّ هذا لشىء عـُـجاب)) (سورة ص/5) عن تلك الآية أخرج أحمد والترمذى والنسائى والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: مرض أبوطالب فجاءته قريش وجاءه النبى فشكوه إلى أبى طالب فقال: يا ابن أخى، ماذا تريد من قومك؟ قال: أريد منهم كلمة تدين لهم بها العرب، وتؤدى إليهم (العجم) الجزية. كلمة واحدة، قال: ماهى؟ قال: لا إله إلاّ الله. فقالوا : إلهـًـا واحدًا، إنّ هذا لشىء عجيب فنزلت الآية المذكورة وتبعتها عدة آيات منها ((أءُنزل عليه الذكرمن بيننا بل هم فى شك من ذكرى بل لمـّـا يذوقوا عذاب)) (سورة ص/8) وتلك الواقعة تستوجب ملاحظة:
أولا: تطابق تعبير(إنّ هذا لشىء عجيب) مرة على لسان القرشيين ومرة فى القرآن (عـُـجاب) ومع ملاحظة أسبقية تعبيرالقرشيين.
ثانيـًـا: سؤال أبوطالب لابن أخيه: ماذا تريد من قومك؟ حـدّد النبى هدفه وما تمناه بصورة قاطعة: تبعية (العجم) للعرب، وبذلك يحصل العرب على (الجزية) أما السبيل إلى ذلك فهوكلمة واحدة: لا إله إلاّ الله.
ثالثــًـا: التوقف أمام كلمة (عجم) التى تعنى فى قواميس اللغة العربية: العجم ضد العرب. والعجماء البهيمة. والمرأة عجماء (مختار الصحاح- المطابع الأميرية بمصر- عام1911- ص440) أى أنّ (كل) الشعوب بهائم باستثناء العرب، وحتى المرأة العربية (بهيمة)
رابعـًـا: هل (لا إله إلاّ الله) أتى بها القرآن (فقط) أم كانت سابقة على الإسلام؟ كتب السيوطى عن أسباب نزول آية ((فبشـّـرعباد)) (الزمر/17) أخرج جويبربسنده عن جابربن عبدالله قال: لما نزلتْ آية ((وإنّ جهنم لموعدهم أجمعين)) وآية ((لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم)) (الحجر/43، 44) أتى رجل من الأنصارإلى النبى وقال: ((يا رسول الله إنّ لى سبعة مماليك (أى سبعة من العبيد) وإنى قد أعتقتُ لكل باب منها مملوكــًـا)) فنزلتْ آية ((فبشـّـرعباد)) وأخرج ابن أبى حاتم عن زيد بن أسلم أنّ هذه الآية نزلتْ فى ثلاثة نفركانوا فى (الجاهلية) يقولون لا إله إلاّ الله: زيد بن عمروبن نفيل، وأبى ذرالغفارى وسلمان الفارسى)) وجاء فى السيرة النبوية لابن هشام– مكتبة الكليات الأزهرية بمصر- ج1- ص206، أنّ زيد بن عمروبن نفيل لم يقبل اليهودية والنصرانية. وفارق دين قومه. واعتزل الأوثان وحرّم الميتة والدم والذبائح التى تــُـذبح للأوثان، ونهى عن قتل (الموءودة) وقال ((أعبد رب إبراهيم)) وأكثرمن ذلك فإنه استخدم لفظ (الإسلام) فى شعره قبل الدعوة المحمدية، ولكنه لم يـدّع النبوة. أما أمية بن أبى الصلت (وهومن الطائف) فكان ((يتوقع النبوة لنفسه، فلما اصطفى لها (الله) النبى محمدًا نفس عليه (= حقد عليه) ذلك))
وقبل الدعوة المحمدية كذلك كان شخص اسمه (أبوقيس بن أنس) الذى ترهب ولبس المسوح وفارق الأوثان واغتسل من الجنابة وتطهرمن الحائض من النساء وقال فى شعره:
فأوصيكم بالله والبر والتـــــــقى وأعراضكم ، والبر باللـه أولُ
وإنْ قومكم سادوا فلا تحسدونهم وإنْ كنتم أهل الرياسة فاعدلـوا
وقال أيضـًـا :
سبحوا الله كل صبـــــــــــــــــاح طلعتْ شمسه وكل هـــــــــــــلال
عالم السر والبيان لدينـــــــــــــــا ليس كل ما قال ربنا بضـــــــــلال
يا بنى : الأرحام لا تقطعوهـــــــا وصلوها قصيرة من طـِـــــــــــوالِ
واتقوا الله فى ضعاف اليتامـــــــى ربما يستحيل غير الحـــــــــــــــلالِ
واجمعوا أمركم على البر والتقوى وترك الخنا وأخذ الحــــــــــــــــلالِ
(سيرة ابن هشام– المصدرالسابق– ص113، 114)
وكان قبل الدعوة المحمدية شخص اسمه (عمروبن لحى) من خزاعة. وقد ذاعتْ سيرته فى العرب حيث الشرف ما لم يبلغه عربى قبله. وذهب شرفه فى العرب كل مذهب حتى صارقوله (دينــًـا) مُـتبعًـا لايـُـخالف. وذكربرهان الدين الحلبى أنّ البعض قال عنه أنه صار ربـًـا يبتدع لهم بدعة ليتخذوها شرعة)) وكان الحـُـجاج (قبل (الإسلام) يطوفون حول الكعبة مُـهللين ((لبيك اللهم لبيك.. لاشريك لك لبيك)) وقيل عن عمروهذا أنه كان له تابع من الجن يوحى إليه (السيرة الحلبية- دارإحياء التراث العربى– بيروت– لبنان– ج1– ص10)
ومن بين نماذج الشعرالسابق على الدعوة المحمدية شعرامرؤالقيس (المُـتوفى سنة565م) الذى قال ((تلك السحاب إذا الرحمان أرسلها / روى بها من محول الأرض إيباسـًـا / تلك الموازين والرحمان أنزلها / رب البرية بين الناس مقياسـًـا))
أما حاتم الطائى (المُـتوفى سنة605م) فقال ((أأفضح جارتى وأخون جارى؟ معاذ الله أفعل ماحييت)) وقال ((أتانى من الديـّـان أمس رسالة/ وعذرًا بحى ما يقول مراسل)) وقال (فلما رأى أنّ ثمرالله ما له/ فأصبح مسرورًا وسدّ مناقره/ ولما وقاها الله ضربة فأسه/ وللبر عين لاتغمض ناظره/ فقال تعالى نجعل الله بيننا / على ما لنا أوتنجزى لى آخره/ فقلتُ معاذ الله أفعل إننى/ رأيتك مسحورًا يمينك فاجره)) ومن أشعارقس بن ساعدة (المتوفى سنة600م) قال ((الحمد لله الذى/ لم يخلق الخلق عبث)) وشاعرآخراسمه (الملتمس- توفى سنة564م) قال ((لتنقبنّ عنى المنية إنّ/ الله ليس لحكمه حكم)) أما ورقة بن نوفل (ابن عم خديجة بنت أسد زوجة محمد الأولى وهوالذى أيـّـد وبارك وشجـّـع هذا الزواج، عندما كان محمد شابـًـا صغيرًا ويعمل فى خدمة خديجة) قال ورقة فى أشعاره ((بدينك ربـًـا ليس ربـًـا كمثله/ وتركك الجبال كما هيا (مكتوبة هكذا من أجل القافية) وإدراكك الدين الذى قد طلبته/ ولم تك عن توحيد ربك ساهيا / أدين لرب يستجيب ولا أرى/ أدين لمن لايسمع الدهرداعيا / أقول إذا صليتُ فى كل بيعة/ تباركتَ قد أكثر باسمك داعيا)) وقال ((لأعطاه رب العرش مفتاح بابها / ولو لم يكن باب لأعطاه سلما))
ومن شعر المثقب العبدى (المتوفى سنة587م) قال ((وأيقنتُ إنْ شاء الإله بأنه/ سيبلغنى أجلادها وقصيدها)) ومن شعرعدى بن زيد (المتوفى سنة 587م) قال ((سعى الأعداء لايألون شرًا / عليك ورب الكعبة والصليب)) وقال ((ناشدتنا بكتاب الله حرمتنا / ولم تكن بكتاب الله ترتفع))
ومن شعر عنترة العبسى (المتوفى سنة615م) قال ((قسمًـا بالذى أمات وأحيا / وتولى الأرواح والأجساما)) وقال ((إذا حمى الوغى نروى القنا / ونعف عند تقاسم الأنفال)) مع ملاحظة أنّ عنترة استخدم لفظ (الأنفال) قبل الدعوة المحمدية ، ثم جاء القرآن وإذا به السورة ب ((يسألونك عن الأنفال))
ومن شعرالحارث بن الكلزة ((وفعلنا بهم كما علم الله/ وما إنْ للخائنين دماء)) وقال الشاعر(مويلك المزموم) يرثى زوجته ((صلى الله عليكِ من مفقودة/ إذْ لا يلائمكِ المكان البلقع)) وقال شاعرآخر ((صلى الإله على صفى مدرك/ يوم الحساب ومجمع الأشهاد)) ومع ملاحظة أنّ حسان بن ثابت بعد وفاة نبى الإسلام قال يرثيه ((صلى الإله ومن يحف بعرشه/ والطيبون على المبارك أحمد))
ومن شعرأمية بن الصلت (المتوفى سنة 624م) قال ((كل دين يوم القيامة عند/ الله إلاّدين الحنيفة زور)) وقال ((إله العالمين وكل أرض/ ورب الراسيات من الجبال/ بناها وابتنى سبعـًـا شدادًا / بلا عمد يـُـرين ولارجال/ وسوّاها وزينها بنور/ من الشمس المضيئة والهلال)) ومع ملاحظة أنّ القرآن وردتْ به نفس المعانى والألفاظ بعد ذلك (انظرسورة لقمان/10) وقال ((إلى الله أهدى مدحتى وثنائيا / وقولارصين لاينى الدهرباقيا / إلى الملك الأعلى الذى ليس فوقه/ إله ولارب يكون مُـدانيا / ألا أيها الإنسان إياك والردى/ فإنك لاتخفى من الله خافيا)) ومن شعرلبيد (المتوفى سنة671م) قال ((ألاكل شىء ما خلا الله باطل/ وكل نعيم لامحالة زائل)) وقال ((وكل امرىء يومًـا سيعلم سعيه/ إذا كــُـشفتْ عند الإله الحصائل)) وقال ((إنّ تقوى ربنا خيرنفل/ وبإذن الله ريثى وعجل/ أحمد الله، فلا ندّ له/ بيديه الخيرما شاء فعل/ من هداه سبيل الخيراهتدى/ ناعم البال ومن شاء أضل))
الأمثلة كثيرة جدًا من الشعرالمكتوب قبل الدعوة المحمدية، ويحمل– كما كتب المستشار محمد سعيد العشماوى- ((ألفاظــًـا دينية وتعبيرات دينية مثل: الوحى، الشريعة، النذير، خليل الله، البر، مكارم الأخلاق، قصد السبيل، جبريل وميكال..إلخ)) وضرب مثالابشعرقاله زهيربن سلمى (المتوفى سنة627م) حيث قال ((لمن الديارغشيتها/ كالوحى فى حجرالمسيل المخلد)) (الخلافة الإسلامية- سينا للنشر- عام1990- من ص40- 44) ومن كل ماسبق يتبيـّـن صــِـدق ما كتبه السيوطى من أنّ الآيتين 17، 18 من سورة الزمرنزلتا فى ثلاثة نفر كانوا فى (الجاهلية) يقولون لا إله إلاّ الله)) ومع ملاحظة أنه ذكر: زيد بن عمروبن نفيل، وإبا ذرالغفارى وسلمان الفارسى، وتجاهل كثيرين.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المشهديّة | المقاومة الإسلامية في لبنان تضرب قوات الاحتلال ف


.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب




.. مأزق العقل العربي الراهن


.. #shorts - 80- Al-baqarah




.. #shorts -72- Al-baqarah