الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دامداماران [18] يوسفية موسوية..

وديع العبيدي

2017 / 5 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وديع العبيدي
دامداماران [18]
عاشرا: يوسفية موسوية..
الجغرافيا المصرية..
[نحن نقص عليك احسن القصص، بما أوحينا اليك هذا القرآن، وان كنت من قبل لمن الغافلين. اذ قال يوسف لابيه: يا أبت اني رأيت احد عشر كوكبا والشمس والقمر، رأيتهم لي ساجدين. قال: يا بني لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك، ان الشيطان للانسان عدو مبين. كذلك يجتبيك ربّك ويعلّمك من تأويل الاحاديث، ويتمّ نعمته عليك وعلى ال يعقوب، كما اتمّها على ابويك من قبل ابراهيم واسحاق، ان ربك عليم حكيم]- (يوسف 2- 6).
[واذا قلتم: يا موسى لن نصبر على طعام واحد، فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الارض، من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها، قال: أتستبدلون الذي هو ادنى بالذي هو خير، اهبطوا مصرا، فأن لكم ما سألتم، وضربت عليهم الذلة والمسكنة، وباءوا بغضب من الله]- (البقرة 61).

مع شخصية يوسف ابن يعقوب بكر راحيل بنت لابان ابن بتوئيل، يبلغ البناء الملحمي للبطل الفردي ذروته القصية في تدرج الشخصيات التوراتية. وقد أكّد القرآن حبكتها القصصية المتقنة بعدة اشارات: [نقصّ، قصة، أحسن القصص]. وتعبير (احسن القصص) يقصد منه -غاية الاتقان-، وذلك بغية توصيل رسائل اخلاقية واجتماعية مؤثرة، عاطفيا ونفسيا وفكريا: [لقد كان في يوسف واخوته ايات للسائلين]- (يوسف 7).
وقد وردت قصة يوسف مفصلة في سفر التكوين التوراتي او الكتاب الاول في [التاناك]، بدء من الاصحاح/ الفصل السابع والثلاثين حتى نهاية السفر/ الكتاب، مع نهاية الاصحاح الخمسين، فهي بالجملة: (اربعة عشر اصحاحا)، والرقم [14] من مضاعفات الرقم [7]: دالة [البرّ والبركة والتكامل]. - مع ملاحظة ان الاصحاح الثامن والثلاثين حول قصة يهوذا وزناه مع ثامار، لا يدخل في هذا السياق، وكان يفترض ايراده في مكان أسبق!-
وحري القول.. ان موضع قصة يوسف التوراتية تلي قصة مولد شقيقه (بنيامين)/ (تك 35: 18)، وموت والدته (راحيل)/ (تك 35: 19)، ثم موت جده اسحاق/(تك 35: 29). مع اعتقادي، بحسب مقتضيات الحبكة الفنية ان المقصود/ المفترض ان يموت هنا هو (والد يوسف) وليس جده. فيموت الابوان الطوطمان، ويبقى ابناهما: واحد مقابل واحد. يوسف/ الكبير: حبيب والده، وبنيامين/ الصغير: حبيب والدته، حسب التقليد التوراتي العائلي.
ولا ننسى هنا، انه برغم أهمية وعمق وصدى (قصة يوسف) في التعليم الديني العام [اليهودية والمسيحية والاسلام]، فأن حياة ودور ومجد يوسف، يبقى هامشيا في البناء التوراتي، وشبه مغيب/ مختزل في البناء الاجتماعسياسي لتاريخ العبرانيين وهويتهم القومية. وقد عاش واشتهر ومات يوسف داخل الجغرافيا المصرية، فيكون اكثر التصاقا بالتراث والتقليد المصري والعقليات والحيثيات الفرعونية القديمة، منه بحياة العبرانيين او الكنعانينن.
وفي المقابل، يكون للابن الاصغر، حبيب والدته: (بنيامين)، الدور الأبرز والمميز في صناعة [اسرائيل] وتزعم خلفة اخيه الاكبر: [منسى وأفرايم]. فمن سبط بنيامين يكون اول ملك لليهود: [شاول بن قيس بن أبي ايل بن صرور بن بكورة بن أفيح من سبط بنيامين]-(1صم: 9: 1) ابن راحيل امرأة يعقوب الصغرى. وذلك قبل ان يعود اوار الغيرة والصراع بين خلفة ليئة الزوجة الاولى ممثلا بالسبط (يهوذا)، وخلفة راحيل الزوجة الثانية ممثلا بالسبط (بنيامين). وهكذا يتغلب نسل المرأة على عقب الرجل، وتنتصر مكائد النساء على منظومة القيم الاجتماعية والاخلاقية، الأرضية والسماوية. فلا غرو ان كل ما يتبقى من نسل راحيل، هي القصص والذكريات والدروس التي لا تخلو من ألم، ولا تحظى باعتبار في ظل سباقات مملكة ابليس.
الامر الاخر، هو الفصل السادس والثلاثون من سفر التكوين المخصص لجردة ذرية عيسو في سعير وزعماء أدوم وملوكها الذين حكموا قبل أن يتوج ملك في اسرائيل/(تك 36: 31). وسيكون للاسماعيليين من تجار مديان دور في انقاذ (يوسف) والحاقه بمصر/(تك 37: 25- 28).
ونظرا لالتصاق قصة يوسف الوثيق بقصة موسى، فأن الاصحاحات الثلاثة عشرة الاخيرة من سفر (تك)- باستثناء الاصحاح الثامن والثلاثين الخاص بيهوذا-، والاصحاحات العشرين الاولى من سفر الخروج، هي بناء ونسيج تاريخي وسوسيوثقافي متصل وواحد، وكان الافضل استقلاله في كتاب منفصل، يتضمن المرحلة المصرية في قصة العبرانيين: دخولهم الى شرق النيل وخروجهم منه.
وهذا يعني من وجهة نظري ان سفر التكوين ينتهي في الفصل/ (صح 36) الخاص بجرد بني عيسو وملوك ادوم/ الحجاز. وسفر التكوين تحديدا، فضلا عن فضلة اسفار الكتاب، فيها كلام كثير حول نشأتها وترتيبها وتوظيبها بأيدي الكهان والمحبرين عبر الزمن، ولم تستقر صيغتها الا في وقت متأخر. بل لم تستقر اطلاقا. لآن الكتاب المتداول بين كهان العبرانيين ليس المتداول في العموم.
ولاول مرة، يطفو كمّ المعلومات والبيانات ونصوص الحوارات في مختلف التفاصيل الحياتية، كما لو ان كاتب النص هو نفسه البطل، وهو ما يذهب اليه بعض الغربيين. أو أنه العراف او المحلل النفسي الذي يستبطن كوامن الامور، ويكشف حجبها وابعادها الحقيقية.
ولكن حتى في هاته الفرضية، يصعب على البطل استذكار تلك التفاصيل ونصوص الحوارات ونسبتها لاشخاص بعينهم، بتلك الدقة الرقمية. واذا افترضنا، من قبيل الاعجاز احتمالية ذلك، فلن يمكن للكاتب/ البطل ان يعرف ما كان يدور في نفس فلان او خاطر علان، وفي أي شيء كانوا يتآمرون في غيابه او من ورائه- كما يقال.
لهذا يعمد التعليم الديني للتملص من كل تلك الاسئلة والملاحظات الحرجية، الى نسبة النص للاله الاعلى، دون ان يفطن – القارئ خاصة- الى اشكالية تناص الكاتب مع [الذات الالهية]/ [فكرة الحلولية والكمونية]. وأن الخطط والافكار والقصص الكتابية المنسوبة لله والقلم الالهي، انما هي بشرية المصادر، وان هؤلاء يتكلمون ويتصرفون، ويسقطون احكامهم ومشاعرهم على ذات الله من خلال [الحلولية]. وفي هاته العجالة لا نتطرق عن الكيفية التي يمسك الله بها – القلم- أو شكل (اصبع الله)/(تث 5: 22، 10: 4)، من غير تشخيص الذات الالهية واعتبارها (كيانا فيزيقيا)، و[الله العلي: روح عصية على الادراك بالحواس]..
[فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم، ثم يقولون هذا من عند الله، ليشتروا به ثمنا قليلا، فويل لهم مما كتبت ايديهم، وويل لهم مما يكسبون]- (البقرة 79)، [وضربت عليهم الذلة والمسكنة، وباءوا بغضب من الله، ذلك بانهم كانوا يكفرون بايات الله ويقتلون النبيين بغير الحق، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون]- (البقرة 61).
ولاحكام حبكة الملحمة بحسب سياقات الدراما الاغريقية، تم اعتماد التناظر المتطرف وتقابلية النهايات الدنيا والعليا للاحداث والفرضيات. فمن قاع الجبّ/ البئر يرتفع الى ذروة حكم ارض الجبت/ مصر. من الموت الى غاية الملك، ومن حياة الرقيق الى حياة البلاط ومن كراهية الاخوة الى معشوقية امرأة فوطيفار.
نهايات التطرف والتجاذب الاقصى، لن تتكرر بنفس القوة والتفصيل، الا باشكال مقاربة في قصة داود الراعي الصغير في قطيع يسي الذي يقفز الى عرش الملك، جامعا بقية الخصائص البطولية والفحولية والدونجوانية، والشخصية الاخرى في سياقها هي قصة يسوع الجليلي المولود في مربض بقر وهو ملك الملوك وابن السماء، وله يسجد الملوك والملائكة وجنود الرومان.
ويصف بولس الطرسوسي ذلك بالقول: [اذ انه وهو الكائن في هيئة الله، لم يعتبر مساواته لله خلسة، او غنيمة يتسك بها، بل اخلى نفسه متخذا صورة عبدن صائرا شبيها بالبشر. واذ ظهر بهيئة انسان، امعن في الاتضاع، وكان طائعا حتى الموت، موت الصليب. لذلك ايضا رفعه الله عاليا، واعطاه الاسم الذي يفوق كل اسم]- (في 2: 6- 9).
لا جرم ان قصة يوسف غنية بالرموز والدلالات والدروس/[يوسف 7]، ولكن وقفات متأنية عند ابعاد كل همزة في القصة سوف تغني دلالاتها، وتمنحها معان لا يجدر بقاؤها خافية. ولفكرة البئر/ القبر من دلالات الموت المتعددة المستويات وتداخلها.
ففي جانب منها، يحمل الايقاع بيوسف والقاؤه في البئر، دالة الموت: موت يوسف!. ولكني اعتبرها ايضا دالة موت يعقوب/ يسراييل، ومغيب المرحلة الكنعانية/ جغرافيا سورية. تمهيدا لعودة انبثاق الفينيق/ الطوطم من رماده، واقتران قيامته الجديدة بولادة جديدة.. حياة جديدة وقدر جديد وفق خصائص البيئة المصرية، ومن أعلى مستوياتها الحاكمة. فما المانع ان يباع عبد الى فلاح او صاحب متجر او حدادة، ويعاني غاية الضنك والذل والفاقة. فهاته من ملامح الملحمة الاعجازية الممتعة.
ان صورة البئر الذي كانت تلقى فيه الحيوانات الميتة، له دالة مربض الماشية الذي ولد فيه المسيح وخرج منه الى العالم. ولكنه ايضا يحمل صورة القبر الذي دفن فيه جثمان يسوع، ومنها قام وارتفع الى السماء. ان الولادة الجديدة او القيامة من الموت/ القبر، لها نكهة وسمات [الخليقة الجديدة]، بكل ما يمكن تنطوي عليه من خصائص التطهير والتبرير والسمو والرفعة.
لكن دالة البئر الحقيقية هي الماء: (ماء الحياة- أصل الوجود). قال ايليا التتشبي: [هاتي لي بعض الماء لأشرب]-(1مل 17: 10)، وقال يسوع الجليلي: [جاءت امرأة سامرية الى البئر، فقال لها يسوع: اسقيني!]- (يو 4: 7). هاته الدالة المائية في البئر، تصير اكثر وضوحا في القفة المتروكة في مجرى الماء/(خر 2: 3) ودالة اسم (موسى)/(خر 3: 10): منتشل من الماء/ منتشل من الخطية/ الخليقة العتيقة: مولد من جديد- [خليقة جديدة]!..
ويقدم بطرس الطرسوسي قراءة دلالية لذلك بالقول: [نحن الذين تعمدنا اتحادا بالمسيح، قد تعمدنا اتحادا بموته! وبسبب ذلك دفنا معه بالمعمودية للموت، حتى كما اقيم المسيح من الاموات، كذلك نسلك نحن ايضا في حياة جددة. فما دمنا قد اتحدنا به في ما يشبه موته، فاننا سنتحد به ايضا في قيامته. فنحن نعلم ان الانسان العتيق فينا قد صلب معه، لكي يبطل جسد الخطيئة، فلا نبقى عبيدا للخطيئة فيما بعد!]- (رو 6: 3- 6).
الموت الرمزي لـ–يسرييل- في صورة الدم على قميص بكره وحبيبه الملون، هو موت الجد الاعلى/ البطرك يعقوب. وخروج يوسف من البئر ووصوله الى مصير، هو: الولادة الجديدة/ الاستحالة ازاء مرحلة وخطاب وعقلية جديدة.
هاته الخاصة المائية: الحرفية او الرمزية في قصتي [يوسف وموسى]، ذي الاصول السومرية/ المندائية، لا تستقر في التقليد والادبيات اليهودية؛ وانما تختفي، أمام قوة استحلال عنصري: [الدم والنار]. (الدم) من طقوس البعل، و(النار) من طقوس المجوس: [قارن: مبارزة ايليا مع انبياء البعل عند جبل الكرمل/(1مل 18: 20- 40)].
وسوف يهدر وقت كثير من غير طائل، من زمن موسى حتى يسوع الجليلي، ليعود طقس الماء ومرموزيته للعبادة الحقيقية: [جئت أعمّد بالماء، لكي يعلن لاسرائيل]- (يو 1: 31)، [فخرج اليه أهل اورشليم ومنطقة اليهودية كلها، وجميع القرى المجاورة للأردن، فكانوا يتعمدون على يده ي نهر الاردن، معترفين بخطاياهم]- (مت 3: 5- 6).
ولكن فعل الاستعادة التاريخية لا ينجمد في موضعه القديم، وانما ينمو ويتبلور مختزلا مدى مضيعة الزمن، كما في اشارة يوحنا المعمدان نفسه: [أما أعمّدكم بالماء لأجل التوبة، ولكن بينكم الاتي من بعدي، وهو اقدر مني، وأنا لا استحق ان فك رباط حذائه، هو سيعمّدكم بالروح القدس وبالنار!]- (مت 3: 11).
وبعبارة اخرى، ان الدلالات الرمزية لثالوث: [الماء والروح والنار]-(1يو 5: 8) المتمثل بين يالمعمدان واليسوع، هو كونهما احالة مباشرة على مرموزية كل من: [يوسف وموسى]. لذلك أكد كل من المعمدان واليسوع على (تخطئة) العبرانيين، وكان قول يسوع لم: [لا تظنوا أني جئت أشكوكم الى الأب، يوجد من يشكوكم وهو موسى، الذي عليه رجاءكم!. لأنكم لو كنتم تصدّقون موسى، لكنتم صدّقتموني، لأنه هو كتب عني. فإن كنتم لستم تصدّقون ذاك، فكيف تصدّقون كلامي!]- (يو 5: 45- 47).
وكما غلبت الماديات والدنيويات والبطنيات والنفسيات على فهم واهتمام العبرانيين، لما يزالوا حتى اللحظة يعنون بالاكتناز وتكديس الاموال وخدمة الرغبات والاطماع واوهام التسلط والسيادة على البشرية، بينما هم عاجزون ان يكونوا امة، أو يعيشوا حياة كريمة قائمة على الاحترام والتعاون ضمن العائلة الانسانية، من غير عقد.
أما مشروع موسى فقد تحول الى مشروع سياسي عسكري لاحتلال بلد وممارسة القتل والتهجير والاغتصاب، الخطأ الذي اقترفوه على يد يوشع بن نون، فكان مصدر نكاية وخطايا تاريخية متراكمة، تولت الارادة الهية ابادتها مرة بعد مرة، دون أن يدركوا المغزى من ذلك، وما يزالوا يعتلجون نفس العلكة منتظرين تغيير خطة الله، وهو ما دفعهم لاستعارة المشيحا واليسوع الذي سبق رفضوه واهانون وقتلوه، سلما لتحقيق مأربهم.
وعجبا لمن يتحجج بقدرات [يهوه الجبار رب الجنود] ان يتوسل الايرانيين مرة لتدمير بابل، ومرة يتوسل الانجليز لاحتلال المشرق العربي، ومرة الامريكان لتدمير الانظمة العسكرية غير المهادنة؛ دون افادة من دروس الماضي، ودون ادراك روحي او انساني، يدفعم للمراجعة والتواضع، واقتراف الخطوة الاول لمعنى [المحبة].

يوسف: الدعاية والاعلان..
يوسف في الذاكرة الشفاهية هو الفتى ابسيدون الفاتن معشوق النساء، (دونجوان) الذي لا تتمالك امرأة نفسها في حضوره/ [(تك 39: 7، 12)، (يوسف 23- 24، 30- 31)]. وهو دالة التعويض والتعزية عقب الالام والخسائر في التعليم الانجيلي، دالة الطاعة والتضحية والخنوع للامر االواقع، ابغاء الجزاء والمكافأة.
لكن المهماز الرئيسي في القصة يندثر تحت القشور، وهو حقيقة ان (يوسف) هو (عبد/ قنّ)، وضعه اخوته في هذا الموضع، لنفيه من سلالتهم او ذرية ابيهم القائمة على طراز الرعي والتجارة. والتجارة يومذاك لم تكن تجارة السلع الكهربائية ومنتجات التكنولوجيا وقطع غيار السيارات، وانما تجارة الحيوانات والبشر، كما هو واضح من قصصهم الكتابية.
لقد وضع (يوسف) في مرتبه قطيع [الرقيق ، العبيد] الذين يعتاش بنو ابراهيم واسحاق ويعقوب بالمتاجرة بهم، واستخدامهم في اغراضهم ومبادلتهم الحياتية. وما ان يباع حتى يضيع أصله، ولا يخرج من ربقة العبودية ووصمة الرقيق.
وفي واقع السودان الاجتماعي، لا تزل ثمة اشكالية قائمة ، في انحياز البعض للماضي عندما كان التجار المسلمون يجوبون الارض بين ممارسة الاسترقاق او اقتناص الرقيق والعبيد، بسبب اللون او الجنس او الحاجة والفقر، وبيعهم لتجار اخرين او نقلهم عبر الماء الى بلاد اخرى مثل الحجاز او ارض الروم.
فما زالت بعض المسميات القبلية والعائلية ذات دلالة على ذلك الماضي، الذي يستخدمه البعض لاصطناع تراتبية اجتماعية في نظام المجتمع ونسيجه الاجتماعي، وانعكاساته على كل زوايا الحياة اليومية وقطاعات التداول كالمصاهرة والتعليم والاعمال ومراكز الادارة والسلطة.
ورواية الكاتب السوداني الطيب صالح [1929- 2009م]: (موسم الهجرة الى الشمال)، سرد يوسفي لعبد تقتنيه عائلة اوربية وتأخده معها ليتعلم ويدرس ويتدرج في المقامات، ويكون معشوقا مرغوبا عند النساء. ربما لم يجر تناول الرواية من قبل من هذا المنظور، لكن مصادر الرواية وايحاءاتها ودلالاتها متعددة تتعدى قصة يوسف الى [عطيل] شيكسبير، ناهيك عن ريادتها في محايثة مسألة الرقيق والعبودية في بلده، بشكل ناعم وخفي!.
وللاسف، لم يعن للفكر العربي ولا الاسلامي، السياسي ولا الاجتماعي، التوقف عند هاته المعضلة التاريخبة، والبت فيها من خلال موقف ثقافي اجتماعي – اخلاقي موحد مدعم بالدستور والنص الديني المجدد، لتنقية الذاكرة الاجتماعية والتاريخ الشفاهي والاواصر الاجتماعية بين ابناء البشر والمجتمع الواحد مما يمزق النسيج المجمعي او يترك فيه ثغرات ونقاط قابلة للتفجر والتدمير كل حين، كما في موضوع الصراعات القبلية والحروب الاهلية التي تشغل وسط وغرب افريقيا من جراء ذلك.
وقد قامت دول غربية عظمى بالاستناد على تجارة العبيد واسترقاء البشر والمجتمعات كالمملكة المتحدة والولايات المتحدة الاميركية. ومع وقف [الاتجار بالبشر] منذ بدايات القرن التاسع عشر في الغرب، فأن موقفا اخلاقيا او قرارا اجتماعيا وسياسيا، يدين تلك الممارسات، لم يصدر للان.
ولم يعن لممثلي المجتمعات والبلدان المسترقة – مثقفين وسياسيين- المطالبة بادانة تلك الممارسات ومرحلتها وتأكيد مبادئ الاخوة الحقيقية والمساواة الحقيقية والتكافؤ الحقيقي ونبذ الترتبيات العرقية على صعد ثقافية او اجتماعية او سياسية او دينية، ما زالت سائدة لليوم، مغلفة ببعض قشور الحضارة والرياء الاعلامي.
كيف يراد ادانة مجازر الارمن في تركيا، ولا ذكر لادانة تجارة الرقيق في تاريخ الغرب، قبل ادلجتها وتقنينها في النظام الرأسمالي الراهن. ولليوم.. لم يطالب ممثلو اليابان والهنود الحمر في اميركا الشمالية ولا سكان استراليا الاصليين، باقرار دولي يدين الممارسات الوحشية والاانسانية التي تعرضوا لها في الماضي واستمرت اثارها وانعكاساتها عبر الزمن على الراهن!..
أكثر منه، موقف المفكرين والفلاسفة الغربيين والمرجعيات العلمانية، ذلك الصمت الخنيع ازاء ما حصل ويحصل، مما يخالف المبادئ الخلقية والانسانية، ويفند داعاواهم وطروحاتهم الانسانية ويفرغها من متونها. وباسثناء الفرنسيين روسو وسارتر، وبعض الكتاب الامريكان امثال: فيليب روث والنمساوية الفريدا جيلينيك والكاتب النمساوي بيتر اندكة والصربي تيتشما، واخرين قليلين، ممن كان لهم موقف واضح وراسخ من العدوانية الدولية، يحتمل الجميع مسؤولية مضاعفة وتاريخية في تمرير الاجرام الانساني وممارسات التدمير والتمييز العرقي واللوني والديني السائدة والمستمرة نصا وتطبيقا.
فلا عجب ان يستمر الانحطاط ويتفاقم الشر ويجري تفكيك بلدان ومجتمعات وتهجير ملايين خارج بلادهم وسكناهم ودوائرهم الثقافية، دون احتجاج او تساؤل او ظهور موقف موحد حازم، دفاعا عن الانسان والخير والمحبة!.
ويذكر ان الهنود والافارقة لهم افضلية القبول في بريطانيا في كل المجالات. ذلك ان هاتين الفئتين: [أفريقيا والهند]، هما الوحيدتان اللتان لم تقاوما السيطرة الكولونيالية، ولم تظهر منهما بوادر التمرد والثورات المعروفة في الشرق الاوسط ضد المستعمرين.
ان يوسف هو ذلك العبد المحظوظ، والمدين للعبودية ونكاية اخواتهم ومؤامرتهم للخلاص منه – انظر دور يهوذا الرئيسي هنا/(تك 37: 26- 27)-. وبركة قرار يهوذا في استرقاق يوسف وبيعه للتجار. وذلك من دون رأي يوسف، أو اعتراض منه او مقاومة او رغبة في الهروب او الانتقام، وهي اشياء محظورة على العبيد، وعقوبتها الموت الشنيع. ولذلك يعوضه الله على صبره وخنوعه ويرفعه مكانا عليا.
وبحسب التعليم الانجيلي، ان الشر الذي اريد بيوسف، انقلب الى (خير) في خطط الله، وصار اسم يوسف: (مخلص العالم)!.. وفي تاريخ لاسلام نرى ان الغلمان الذين استرقهم العثمانيين من شرق اوربا، تحول كثير منهم الى قادة اداريين وحكام وملوك. فالعبودية بحسب الاعلان التوراتي هي ممارسة انسانية وجميلة وطريق قصير للحصول على المجد والخير الكثير، اذا اقترنت بالطاعة والخضوع للتاجر ورب العالمين.
هذا المغزى المضمر في الدعاية التوراتية للعبودية، الذي جاء خاتمة لسفر التكوين، وبمساحة الثلث، يرتبط ببذور وشواهد ترتبط بمصير قاين ولعنات نوح ضد حام وكنعان، وفي معظم سياقات السير العبرانية: كبير يُستعبَد لصغير، وأكثر ية تخضع وتخدم الاكثرية.
وبالنتيجة، كل البشرية تخدم ذرية اسرائيل: الشعب المختار بقرار يهوائي، يتنافى مع الميثاق الانساني للحقوق والتعاملات البشرية، ويتنافى مع دذر القصة التوراتية في انحدار جملة البشري من أدم وحواء: العائلة الام. وفي نصوص التوراة واحكامها الدينية ارضية خصبة ومقننة للحالات والظروف التي تنتج الاسترقاق وفقدان صاحبها خصائص الكرامة والحرية والانسانية الحاصل عليها بالخلق، وليس بقرار بشر او افتراء ديني.
ومن هذا المنظور، لابد من دعوة لالغاء قصة يوسف من النصوص والتعاليم الدينية، وادانتها وادانة من وراءها من اشخاص وافكار وظروف. ويبدو ان المرأة والجنس لا ترد في مكان بغير كيد، وهي نقطة العسل التي تغطي زق السموم.
ان يوسف الجميل/ المظلوم/ النبي/ المخلص.. ليس غير اعلان تجاري رخيص لامتداح تجارة الرقيق وتجميلها في اذهان وعيون المجتمعات، المطلوب حتى اليوم استرقاقها لسلطة التوراة عبر برامج وجحافل التنصير والتبشير التي تملأ العالم، في ظل حماية المارينز ووصاية الشيطان الاكبر.

كاتب سفر التكوين..
سفر التكوين هو اول اسفار (التاناك) العبراني، وأول اسفار ما يدعى الكتب الموسوية الخمسة/(pentatuch). وقد درج التقليد الكتابي على نسبة الكتب الخمسة الاولى من (التاناك) الى موسى بن عمرام المصري المدياني، والمعتبرة اساس الكتاب وتعرف باسم [torah] نسبة لى جبل الطور/ حوريب في سيناء الذي كان موسى يلتقي (يهوه) على قمته.
وسوف يثبت لاحقا هشاشة هذا الادعاء، وأن موسى لم يكتب غير لوحي الوصايا العشر، ذات الصلة والتقليد لقوانين حمورابي المنقوشة على الحجر. وان بقية المكتوب جرى من قبل اجيال من الكهنة، نقلا عن التقليد/ الوحي الشفاهي المستلم من موسى.
فالمأثور عن موسى هو وحي تدويني يتمثل بلوحي الوصايا الحجر/[خر 20، 34]، ووحي شفاهي توارثه الكهنة، حتى كتابته في وقت متاخر. ومن لواحق الدين الشفاهي اسفار التلمود التي تشرح نصوص التوراة وتفصل احكام الشريعة.
لكن الدراسات الكتابية والنقدية وجدت اختلافا كبيرا بين لغة ومضمون سفر التكوين وسفر الخروج، ما قاد الى نوع من الاجماع، حول عدم صحة ضم سفر التكوين (تك) الى اسفار موسى. علما ان موسى المصري يولد في سفر الخروج. حيث ينتهي زمن الاصحاح الخمسون الاخير من (تك) بمسافة اربعة قرون ونيف قبل زمن ظهور او ولادة موسى كتابيا.
وهذا فتح مجال البحث عن الكاتب المحتمل لسفر (تك)، وبحيث يكون على بينة من سياقات الاحداث الموصوفة، او عاش جانبا منها. واتفق غير واحد على اعتبار يوسف بن يعقوب الذي ينتهي سفر (تك) بموته، وراء تسجيله. وتدوين السفر، من الناحية العلمية لا ينبغي ان يعني تمام السفر لفظا ومعنى، من او كلمة حتى اخر حرف، وانما هو اللحمة الرئيسة من السفر.
فليس من المنطق ان يسجل يوسف قصة موته في الاصحاح الاخير، وانما شخص اخر. وهو ما ينطبق على الاصحاحات الاولية من السفر المضافة في وقت أو اوقات متلاحقة عبر النسخ والتشذيب واعادة النسخ التي كان الاحبار والكهان وبعض الملوك يقضون وقتا في مراجعتها وتنقيحها.
اما السبب وراء اقدام يوسف على تدوين هذا الكتاب، فيعود بحسب اعتقاد البعض، الى الحاجة لتقديم نبذة تاريخية عن سيرة الصبي اللقيط/ العبد الذي اشتراه فوطيفار من التجار، وتدرج في بلاط الحكم، مما يستدعي تدعيم شخصيته ومركزه واسمه الفرعوني [صفنات فعنيح]. فضلا عن اشكالية زواج [عبد/ لقيط اجنبي] من بنت رئيس كهنة فرعون، دون ان يكون له اصل وفصل حسب تعبيرنا الشعبي. مما ينعكس على مقام الكهنوت والحكم واحفاد رئيس الكهنة.
وهكذا استدعت الحاجة الرسمية والبروتوكولية اضفاء تاريخ عائلي سامي وباذخ، وذي صفة دينية، تفوق حسب ونسب الزوجة المصرية، مع نسبة تلك العائلة والتقليد الديني الى اصل كنعاني ارامي رافديني. ولابد ان يوسف لم يكن يعرف القراءة والكتابة والعرافة فحسب، وانما كان ذا خيال قصصي وقدرة ومزاج على خلق الشخصيات ونسج الاحداث والتطرق الى صغائر التفاصيل التي تمنح القصة درجة من الحرارة والمصداقية.
وهذا ما دفع فرعون مصر – يعتقد سيد القمني انه كان من الهكسوس-: [فاستحسن فرعون ورجاله هذا الكلام. وقال فرعون لرجاله: هل نجد نظير هذا رجلا فيه روح الله؟.. ثم قال فرعون ليوسف: من حيث ان الله قد اطلعك على كل هذا، فليس هناك بصير وحكيم نظيرك!]- (تك 41: 37- 39).
واعتقد شخصيا ان كتاب يوسف الاصلي ينتهي في الاصحاح (36) الذي يسجل اسماء ذرية عيسو وقبائل ادوم وملوكها. وهي الفقرة الرئيسة التي تربط يوسف بنسل ونسب ملوكي كان معروفا للفراعنة يومها، وعلى صلات تجارية ودبلوماسية راسخة. فضلا عن صلات النسب المتداولة بين اهل ادوم ومديان وحكام مصر الهكسوس.
والواقع ان هذا الفصل ينماز في اشارته التقديرية المميزة لذرية عيسو ذوي الصلة بالاسماعيليين، بدرجة من الحفاوة، وغياب ملامح الزراية الدارجة في مواضع كتابية اخرى. علما ان اسماعيل وعيسو هم اصحاب البكورية والخلف الاصليين للنسب والشجرة البراهمية، ذلك الذي تم تهميشه وتحريفه والالتواء عليه بمزاعم هشة، لتتحول السرقة والنصب والافتراء داخل العائلة وبين اخوة هو المنهاج الرسمي لعقيدة تتمسح بالدين والالوهة، وسيلة للكسب، بحسب النص القرآني.

استنساخ يوسف..
يعتمد النص العبراني على الدراسة والتأمل والمراجعة المستمرة والتنقيح والتهذيب. وقد ساعد هذا في تطوير كتبهم وتعاليمهم مع الزمن. وفضلا عن وظيفة سبط لاوي ومقتضيات مهنة الكهانة وخدمة المعبد، وحاجة الكاهن للتسوية بين الناس واجراء الاحكام والشرائع، فقد كان ثمة: [العلماء/ الأحبار/ مفسرو الكتاب/ معلمو الشريعة] ممن لهم صلة مباشرة ومتخصصة بالتعامل مع النص وتدقيق الكتب.
وقد اجتمعت بذلك لدى الاحبار معلومات واحصاءات مفصلة لكل تفصيلة لفظية او معنوية في كتابهم، ومن عدد الاحرف في الكتاب، في كل سفر على حدة، ونسبة تكرار كل حرف وغيره. لقد كان للكهنة سلطة شبه مطلقة في النص والتعليم الديني الذي لم يتحدد بموسى النبي، وانما احال كل الامر لاخيه هارون، ومنه لسلك الكهان.
جمد النص العبراني لأول مرة تقريبا، بظهور الترجمة السبعينية الى اللغة الاغريقية في القرن الثاني قبل الميلاد، والمرة الثانية عند ترجمته للاتينية على يد جيروم في القرن الرابع الميلادي. والامران ارتبطا بالعقيدة المسيحية والعالم الغربي، لكن العبرانيين انفسهم لا يتبعون السيبتنغ والفولجاتا، وانما يعتمدون نسخهم الاصلية المكتوبة بالعبرانية في معابدهم.
ومن الطريف الاعتراف بعدم وجود نسخ اصلية قديمة تسبق الميلاد. بل ان زعم وجود كتاب اصلي او نص تدويني يؤرخ لعقيدة او ديانة معينة هو اسقاط فكري متأخر، يبالغ في اهمية الكتابة وانتشارها وفن صناعة الكتاب والتأليف. والديانات عموما، والنصوص القانونية والحكام والتقليد الاجتماعية، ولدت شفاهية واستمرت كذلك، بكل ما يعتري الضفاهية من اعراض.
وينتمي التدوين الجزئي لظروف ومراحل متأخرة، ومن غير تأكيد على صحة النقل من مصدر اساسي مركزي وخلوه من غرض ظرفي. سيما مع غياب اسم الكاتب وزمنه او نسبة النص الديني غالبا الى شخصيات شبه وهمية او غير تاريخية، مما لا يمكن توثيقه.
وقصة يوسف –[أحسن القصص]- تستقي اصولها من تراث شفاهي مدياني في الغالب، وهي الجغرافيا الاقليمية لاحداث القصة، اسوة (بقصة ايوب)* المدياني هو الاخر. كما [مديان] هي مصدر انتاج شخصية [يهوه] الصحراوية بمظاهر العنف والفظاظة والغرور.
ان المغزى من هذا الاستطراد، يعود الى اعادة تقييم البناء القصصي والملحمي لشخصية يوسف، وملاحظة بعض نقط النقص والخلل التي تضعف اعتبار يوسف بطلا ملحميا مثل داود –الفريد في نوعه-. وفي نص ملحمي او ديني، لا يعني هذا تعديل او تصحيح او تغيير النص او الشخصية، وانما اعادة انتاج الشخصية والقصة في عمل ملحمي يستفيد من خبرات العمل المتقدم ويعالج اخطاءه ونواقصه.
من تلك النقاط ان يوسف [صفنات فعنيح] كان مصريا فرعونيا، غير ذي صلة بالنسبة العبرانية، ولم يقدم لعائلة يعقوب غير وساطة لقطع ارض خاصة بهم في (جاسان). والامر الاخر انه لم يكن ذي شخصية عسكرية او قيادية، رغم ما يزعم حول مركزه الاداري. ويتم تصويره كصبي ضعيف البنية يرتدي قلادة فرعونية، وتبقى صلته بصفة (المخلص) خارج التصور العبراني.
كلما بلغ العبرانيون مكانا، يحالون الاستحواذ على ارض او مدينة تكون خاصة بهم، كما لوحظ من بداية قصصهم في حارن، ارام، شكيم، لوز، بئر سبع، جاسان.. ومثاله.
من هنا تظهر شخصية جديدة، طائر فينيق جديد ينبعث من رماد مومياء سابقه، محملا بصفاته وظروفه، محلقا بها الى مديات وارتفاعات ابعد وأعلى، وتلك هي شخصية موسى بن عمرام، من سبط لاوي، لا من سبط يهوذا ولا من سبط بنيامين.

موسى بن عمرام..
[ولقد جاءكم موسى بالبينات، ثم اتخذتم العجل من بعده، وانتم ظالمون]- (البقرة 92)
ثمة صفات وقواسم مشتركة كثيرة كما ونوعا بين شخصية موسى وسابقه يوسف. وأدناه جردة بالمشتركات..
1- كلاهما مصريان، عاشا وتعلما وبلغا المجد في مصر.
2- كلاهما نشا في بلاط الفرعون، وحاشية الحكم. يوسف في بيت فوطيفار قائد الامن المصري، وموسى في حضن الاميرة بنت فرعون.
3- ملاهما بدا مطرودا من اهله وعائلته، بغض النظر عن الظروف والتفاصيل، والاثنان جرى التخلص منهما، وصله عن العائلة الام.
4- كلاهما القي في حفرة/ [بئر- ماء].
5- كلاهما جرى انتشاله من الحفرة/ الماء بطريقة دونكيشوتية ملفقة لاحداث اثر عاطفي نفسي على السامع.
6- كلاهما كان له صفة لقيط/ عبد، مجهول الاصل والماضي والاسم.
7- كلاهما جرى احتضانه من قبل حشية الحكم ومنح اسما مصريا ورعاية وتعليما ووجاهة.
8- يوسف اللقيط الموظف الاجير عند فرعون، يصير موسى ربيب العائلة الحاكمة ويحمل لقب (امير) كاحد ابناء فرعون.
9- كان يوسف قائدا اداريا ومخططا اقتصاديا ناجحا، وكان موسى الامير قائدا عسكريا، والاثنان في خدمة البلاط.
10- دور يوسف كان راهنيا ظرفيا، لمعالجة ازمة المجاعة في مصر، بينما كان دور موسى مستقبليا معنيا بخلاص العبرانيين وتقريبهم من ارضية الشعب القومي والوطن القومي.
11- خط حركة ونمو يوسف بدأ من مديان في سيناء وانتهى في مصر. وخط حركة ونمو موسى بدأ من مصر وانتهى في مديان في سيناء. أي عكس تجاه الحركة مع وحدة القواسم الجغرافية، والمشاركة الايجابية: الاسماعيلية الفرعونية في حياة الاثنين.
12- يوسف كان همزة دخول بني يعقوب الى مصر، ومو سى كان همزة خروجهم من مصر.
13- نهاية حياة يوسف جاءت باردة وهامشية، وهي كذلك مختزلة من ناحية التعبير والتصوير في عدد الكلمات والاحداث. وكذلك جاءت نهاية موسى وموته الفني غير الماجئ وقبره المجهول، وبما يشكل خاتمة فاشلة لعمل ملحمي.
يمكن للقارئ المعني الاستمرار في استقراء المشتركات والمارقات بين الشخصيتين والقصتين، وربما مخالفة هذا الطرح، من خلال دراسة الخطاب والنص واللغة، وليس باستجداء اللغة الدينية وابتزاز سلطة [المقدس].
ان من دلائل فشل الاستنساخ الموسوي، هو اصرار الكاتب العبراني على اعادة استنساح يوسف وتكوين شخصية ممتزجة بين يوسف وموسى، باستخدام ادوات وتقنيات مختلفة تبعا للبيئة وتغاير الزمن.

موسى الامير..
افادت قصة موسى من فكرة وصول يوسف الى بلاط الحكم بوسيلة العرافة، وتسيد (عبد) في بيت الحاكم، وتحكم (أجنبي) على رأس البلاد. هاته الافكار والاحتمالات العجائبية لم يسبق لملاحم الاغريق والرومان مقاربتها بتلك الطريقة.
لكن يوسف يبقى غريبا وأجنبيا بالنسبة للمصريين. يبقى الاجنبي، مهما كان غنيا ورفيع الجناب، صغيرا مستهانا خارج بلده وقومه. هذا الامر لا تلزمه المجاملات وحذلقات اللغة ولا رياء المزاعم الدينية والقانونية. ففي نصوص قوانين اللجوء والجنسية الاوربية، ترد عبارة التكافؤ والمساواة الكاملة بين اللاجئ والسكان الاصليين. ولكن في واقع الحال، هذا يقتصر على الاجراءات الورقية، وحتى في مجال العمل – مهما كان مبتذلا- يتم تفضيل ابن البلد على الاجنبي.
ولكن الاكثر اهمية وحساسية هنا، هي النظرة الاجتماعية وطبيعة المشاعر والتصورات تجاه الاجنبي، وهو امر لا يدخل فيه القانون الرسمي والديني. ولا اعتقد ان الرواية العبرانية عن توزير يوسف في مصر ودانيال في بابل، -على افتراض واقعيتها-، ستكون بنفس الطريقة او الحفاوة لو كان الكاتب مصريا او بابليا.
ونعرف ان الهكسوس والاشوريين والاخمينيين الذي شكلوا عدة سلالات فرعونية حاكمة في مصر، بقيت النظرة المصرية اليهم بوصفهم اجانب طارئين ومتطفلين. وهو ما ينطبق على الحكم الروماني والبيزنطي والعربي والخديوي تبعا له.
وعندما رشحت فيكتوريا دزرائيلي لرئاسة الوزارة البريطانية، ارتفعت حواجب مستشاريها ولم تنخفض. وكان قرارها انفراديا ومجازفا. علما ان دزرائيلي هو الحاكم اليهودي الوحيد في بريطانيا، خلال الف عام من وجود اليهود في بريطانيا. وبطبيعة الحال، هو من اصول يهودية، سبق لعائلته ان اعتنقت العقيدة البروتستانتية، شأن كثير من يهود أوربا وشرقها.
وفي الولايات المتحدة الاميركية الاكثر انحيازا ونفاقا لاسرائيل، لا يتعدى اليهودي/ البروتستانتي درجة المستشارية او سكرتارية الخارجية. لذلك هم يعملون على فرض اليهود على العالم، بينما هم يرفضونهم في الداخل – في قرارات انفسهم وسياساتهم-، ولا يسمحون لهم بتجاوز ما يدعوه عبد الوهاب المسيري [الجالية الوظيفية] لخدمة حكام البلاد، وهذا ما كانوه عبر التاريخ من مصر وبابل وروما وبيزنطه وجمهورية فينسيا والعثمانيين حتى الحكومات الغربية بعد سقوط روما.
احد الكتاب الالمان من اصل يهودي، كتب مرة خلال التسعينيات: الى متى نبقى يهودا، مغتربين على قارعة التاريخ، لا نستطيع ان نجد أنفسنا ولا نشعر بذواتنا بشكل مستقل ومستقر. لقد سئمت مقولة الماني يهودي او يهودي الماني والاخر يهودي بولوني واخر يهودي فرنسي. اما ان لنا ان نكون يهودا فقط، كما يقال المان او انجليز، أو نذوب ونتفاعل في ثقافات البلاد التي ولدنا فيها وتعلمنا وعملنا، بعيدا عن حالة الازدوجية والانفصام التي لم تعد علينا بغير الالام والنكبات.
ونحن الان لا نعرف لماذا نقول ان ماركس يهودي بينما هو الماني المولد والفكر والثقافة، ونجعل فرويد يهوديا وهو نمساوي ونعتبر انشتاين يهوديا ولا نقول انه سويسري او الماني، وكل هؤلاء هم بروتستانت من حيث العقيدة واوربيون من حيث الولادة والتنشئة والتفكير ولهم مواقف واضحة من اليهود والمسألة اليهودية. وهذا يعني أننا – وأعني الاعلام والثقافة العربية- نردد ونروج ما تريده الدعاية الصهيونية والسياسات الغربية لترويج عقدة التفوق والامتياز اليهودي على البشر.
لقد حصل يوسف على اسم فرعوني مصري/(تك 41: 45)، وحصل اصحاب دانيال في بابل على اسماء بابلية كلدانية/(دا 1: 7). وقد راوغ الكاتب في عدم بيان الاسم الكلداني لدانيال، رغم انه الاكبر مركزا بين اقرانه. مثل هاته التوريات والالتواءات تضعف مصداقية النص ايضا!.
موسى اذن، لم يرد له ان يكون غريبا اجنبيا عن بلاط مصر، ولذلك ينشأ منذ ولادته في احضان اميرة فرعونية تتبناه وتكفله وتمنحه اسمه، المفترض انه اسم مصري فرعوني. ولكني لا اعتقد ان -اسم- (موسى) ذا اصل مصري قبطي. وهذا امر يتطلب من اللسانيين الاقباط البت فيه، وهو امر يضعف -هو الاخر-، جملة القصة ونسبتها للجغرافيا المصرية.
لكن الامير يبقى بلا امارة. الامير المصري موسى والمعتقد انه قاد الجيش ضد تمردات في الجنوب، كان يطمح ان يكون حاكما على الجنوب، مكافاة له على جهوده وتضحياته، لكن الفرعون طلب عودته للقصر، فاستراب وخشي على حياته، وهرب الى مديان- اقصى سيناء.
عنصران لم يتحققا في قصة يوسف: صفة (الامير) والتنشئة الملكية، وصفة (القائد العسكري). يبدو ان صفة القائد العسكري عقدة قديمة في الذات والمخيال العبراني. انظر ايضا ارتبط السلطة العسكرية بانشاء الممالك والامبراطوريات. أليس هذا كثيرا على جماعة رعوية تعتاش على القنص والتطفل والفهلوة.
يقول يهوه: [هؤلاء هم الامم الذين تركهم يهوه ليختبر بهم بني اسرائيل، الذين لم يخوضوا أي حرب من حروب ارض كنعان. وقد فعل هذا فقط، ليدرب ذرية الاسرائيليين على الحرب. وهؤلاء الامم هم: اقطاب الفلسطينيين الخمسة، وجميع الكنعانيين والصيدونيين والحويين سكان جبل لبنان، من جبل بعل حرمون الى مدخل حماة. وقد أبقاهم يهوه ليمتحن اسرائيل بهم]- (قض 3: 1- 4).
ومن واقع هاته العقدة، يمكن تحليل وتفكيك مغزى المبالغات والمفارقات اللغوية في توصيف المعارف والغنائم والمنازلات التي راكمها مخيال العجز والهزيمة. وتقرأ مكررا قرار ابادة ذرية فلان، وابادة العماليق وابادة سكان الارض، وبعدها تجد منازلة اخرى مع جماعة قال الكاتب انها ابيدت عن بكرة ابيها. ونجد حتى يومنا هذا، -في القرن الواحد والعشرين-، استمرار الاقوام والعوائل والمواضع المفترض انها ابيدت بحسب المخيال.
هذا ايضا يضيء احداث ومفارقات الاربعين عاما في برية سيناء، والذرائع المبذولة في هذا الصدد. وقد حاول ابناء عمرام: موسى وهارون، يساعدهم يثرون والسبعون شيخا في اعادة تربية العبرانيين وتأهيلهم عسكريا وقوميا، باستخدام عادات ومعتقدات دينية، واغراءات دنيوية واطعمة ووعود مجانية، بلا طائل.
ويثبت فشل هارون في القيادة حين اجبره الناس على اتباع معتقدهم القديم والقيام بطقوس الكهانة لعبادة البعل/ العجل الذهبي/ (خر 32: 1- 6). كما يتأكد فشل موسى في القيادة بتقرير موته/(تث 34: 5)، وتسليم القيادة ليوشع بن نون/(يش 1: 5).
وفي شخصية يوشع بن نون ستتغلب صفات العسكرية والسلطة على كل ما عداها. ولا يذكر كثير عن اوصاف يوشع وخصائصه الشخصية، فلا هو جميل مثل يوسف وموسى وداود، ولا هو صاحب حظوة الهية ولا نواعم دنيوية مثل اولئك. وتقتصر مهمته على عبور النهر وتوزيع الارض، وبعدها ينسحب من المسرح.

موسى النبي..
[موسى نبي العبيد..
ويخرج موسى من كل باب..
ويدخل موسى في كل قلب..]- رعد سالم
اسمه موسى ابن عمرام اللاوي الذي تزوج عمته: (يوكابد بنت لاوي) وانجبت له بنتا هي (ماريا النبية)/ [Marry The Prophess]، وهي شاعرة وحكيمة ولها أدبيات محفوظة في التراث المصري العبراني؛ اضافة لولدين اكبرهما: هارون المعروف بالكاهن والكاتب، والاصغر هو (موسى) المشهور بنبي اليهود.
وكما يلحظ بحسب السياقات الملحمية، سوف يحظى (الأصغر) بالمجد والوجاهة، ويتخذ من اخوته الاكبر منه مساعدين وخدما له: [كبير يُستعبَد لصغير]. وسوف يتم تسقيط [الانثى] الاكبر سنا وصاحبة الفضل في الحفاظ على حياة الطفل (موسى) والتوصية برعايته وكفالته كما هو مدرج في سفر الخروج (2: 5- 10).
وهاته المواقف لا تعكس حقائق واقعية بقدر ما يتقصدها السياق الدرامي لاستثارة مشاعر المستمع واستفزاز قيمه الخلقية. ولاسم والد (موسى): [عمرام] جذر مشترك مع اسم البطرك الاول: [ابرام]، ورغم زعم كونه من سبط (لاوي)، لكن المرجعية الثقافية للاسم تجعله سابقا لذرية يعقوب. وكلمة (عم) = (شعب) في اللغة العبرية، فيكون معنى الاسم الكامل: (شعب ارام/ الشعب الارامي)، أي موسى ابن الشعب الارامي، أو هو: موسى الارامي وليس المصري الفرعوني.
تقدر المصادر الكتابية ظهور موسى بن عمرام في القرن الرابع عشر قبل الميلاد. من مواليد مصر، لا ذكر لاسم مدينة او موضع جغرفي يتعلق بولادته او سكنى العائلة، مما يضعف اصالة النص وتمصيره. ونتيجة الاضطهادات التي كانت تقضي بقتل مواليد اليهود من الذكور –قصة مستعادة/ مستعارة-، وضعته امه في -قفة- وغطته بين الحشائش في ضفة النيل، وكانت اخته الكبرى –ماريا بنت عمرام- تراقبه عن بعد.
فنزلت الاميرة بنت فرعون تستحم ومعها وصيفاتها، فرأت الطفل متروكا على جانب الماء، فقررت انتشاله وتبنيه وحضانته، ودعته (موسى). ومعنى اسم [موسى= منتشل من الماء]. فلحقت بها (ماريا بنت عمرام) وسألتها: هل تريدين ان اجد لك مرضعة للطفل تعنى به؟.. وللحال اسرعت وأحضرت (يوكابد) زوجة عمرام وام موسى لترضعه وتعنى به لحساب بنت فرعون، دون ان تكشف عن هويتها.
نشأ موسى في قصر فرعون وتعلم ارقى علوم المصريين، ويعتقد المؤرخون انه كان أميرا في البلاط وقائدا للجيش المصري في اقليم السودان. ولكن أمرا حصل جعله مطلوبا للفرعون، فهرب من وجهه الى صحراء سيناء، والتجا في (مديان) خادما لكاهنها يثرون الذي سيتزوج بنته وتنجب له ابنا اسمه: جرشوم (معناه غريب بلغة مديان)/ (خر2: 16- 22).
[-لا أتذكر من تكلم عن الخواء، وهو يتكلم عن الانقطاع والوحشة-
هذه اللازمة تشبه اللهب المتصاعد من شجيرة جميز
لا اللهب ينطفئ، ولا الشجرة تحترق
لا، هذه اللازمة تشبه رمل العقيدة!]- زاهر الجيزاني / من قصيدة لهب بوشاح أحمر-
وبينما هو يرعى في جنوبي سيناء إذ رأى نارا تشتعل داخل شجرة شوكية، والشجرة لا تشتعل، فجذبت انتباهه وصار يتامل فيها ويمعن النظر، كيف تشتعل النار في الشجرة والشجرة لا تشتعل بها. وبينما هو في ذلك اتاه صوت من الشجرة: اقترب!.. وعندما اراد ان يقترب، ناداه الصوت من داخل النار ثانية: اخلع نعليك! فأن الارض التي تقف عليها مقدسة!. ومن تلك اللحظة، بدات مرحلة جديدة في حياة موسى الراعي. وصار يتردد على ذلك الوادي باستمرار، ويتحدث الى الروح الساكنة في النار الحالة في جسد الشجرة، والشجرة لا تحترق./ (خر 3: 1- 5). لقد صار موسى (نبيا). وكان يومها في (الاربعين) من عمره.
بعد ذلك قالت له روح النار ان عليك الذهاب الى فرعون وتحمل اليه رسالة من (يهوه) اله اسرائيل. لكن موسى الهارب من وجه فرعون، حسب الامر مقلبا لتسليمه ليد عدوه، فاعتذر عن المهمة، وطلب من يهوه ان يطلب شخصا أكفا منه.
وهنا بدأت حالة مساومة ومراوغة بين الاثنين، انتهت باحضار هرون الكاتب بن عمرام شقيق موسى الاكبر ليعينه ويكون ساعده اليمين في الحضور امام فرعون ملك مصر. [يخاطب هو الشعب عنك، ويكون بمثابة نبي لك، وانت تكون (الها)]- (خر 4: 16). وكانت تلك ذريعة موسى للتنصل من مهمة النبوة وحمل الرسالة، أي: تلكؤه في النطق وثقل لسانه، بينما كان هرون خطيبا مفوها وحاذقا في الكلام/(خر 4: 14).
والامر الاخر الذي دعم به يهوه تهاون موسى هو العصا: [خذ بيدك هذه العصا ايضا، لتصنع المعجزات]- (خر 4: 17)، أي [العصا السحرية] كما عرفت في التراث الشعبي، على غرار المزمار السحري وحجر أوريم/(لا8: 8) والتمائم والتعاويذ.
يعترض محققو الكتاب على عموم القصة، وينسبونها الى سجل الخرافة وتآليف الكهان. وقد استند اعتراضهم الى ان امرا بتلك الاهمية، يتعلق بحياة الفرعون وتهديد بلاطه من قبل نبي جبار، لابد ان يكون مثبتا في سجلات البلاط المصري الذي حفظ ادق التفاصيل الحياتية بما فيه المراسلات الشخصية والمراسيم الدينية وقوائم زينة نساء القصر.
كيف يغيب عنهم تسجيل مجادلات موسى وقصص الضربات العشرة او الثلاثة عشرة التي دهمت حياة المصريين ودمرت اقتصادهم ونظامهم السياسي. كما ان تلك السجلات لا تذكرا فرعونا غرق في البحر مع جيشه. لكن قصة غرق الملك مع حاشيته ترد في تاريخ اليمن القديم.
فضلا عن دور الكهانة والحياة الدينية وسجلاتها في مصر الفرعونية. ونعرف من سياق التوراة، ان كهنة مصر وسحرتها كانوا طرفا من المناظرة السحرية بين موسى والمصريين. وبالتالي، فليس من المعقول اغفال تدوين تلك الاحداث. مما يؤكد زيفها.
والامر الاخر، لدعم اعتراض المؤرخين، هو هشاشة بناء سيرة موسى، وتردد بعض مفاصلها في سجلات ثقافات اخرى وسير اخرين. فقصة (القفة) وردت في قصيدة بابلية يتحدث فيها سرجون عن طفولته، وانتشاله من الماء. وقصة قتل الذكور الصغار تكررت في تواريخ رومانية وتوراتية وفي قصة ولادة يسوع.
تتضمن توراة موسى عدة نقاط اساسية في نظرية بناء الامة اليهودية وكيانها السياسي الخاص..
1- اصطفاء الله لبني اسرائيل ليكونوا شعبه الخاص.
2- (يهوه) اسم الله الخالق السموات والارضين، هو اله خاص ببني اسرائيل وعلى بقية الامم الخضوع لشعبه.
3- (يهوه) هو ربّ الجنود الذي يقاتل نيابة عن شعب اسرائيل، ويمحق اعداءهم من امامهم.
4- (يهوه) يجعل لبني اسرائيل مملكة تدوم الى الابد.
5- المملكة هي (مملكة كهنة) زعماؤها كهان من نسل هارون شقيق موسى الاكبر.


موسى وبوذا..
جوتاما بوذا نشأ في قصر الحكم، عاش حياة ملكية، وكان يعتقد ان الناس كلهم يعيشون حياة الرغد والسعادة التي ينعم فيها. ولكنه، ذات مرة -بحسب القصة-، لحظ شحاذا كبير السن، فتساءل: ما هذا؟.. قيل له: فقير يشحذ طعاما!.. فقال: وهل يوجد من لا يجد طعاما هنا.
الجوع والتفاوت الطبقي هي آفة المجتمع الهندي، وهي آفة المجتمع البشري. تلك كانت مفصلية الفلسفة البوذية، وقراره بنبذ حياة القصر والامارة والترف، و اعتزال المدينة والناس الى حياة البرية والقفر والتأمل في حكاية الوجود.
الخيط الاخلاقي واضح جدا في قصة بوذا، كما هو في قصة زرادشت وكونفوشيوس من حكماء الانسانية. ولكن الامر يختلف في قصة موسى، التي يقتصر تناصها مع بوذا على فكرة [أمير- نبي- مخلص]. بوذا ايضا لم يكن عسكريا، ولا يؤمن بممارسة العنف، غاية او وسيلة.
لا توجد اشارة الى الارضية او الطبيعة الاخلاقية لموسى او غيره في اسفار التناخ. لأن الاخلاق هي من نقاط الضعف التي تتنافى مع الميكافيللية ومبدأ القوة والسلطة التي تقوم عليه ايديولوجيا التناخ والدين السياسي. ولذا لا يهتم بتبرير سبب تدخله في خلاف عام بين شخصين: مصري ويهودي!.
وانه موسى المتعلم بكل علوم المصريين، والمتربي بتربية البلاط، والموسوم بانه من نسل المتفوقين المصطفين، لا يجد كلمة طيبة أو حكمة مناسبة أو حلا وسطا يبذله للتسوية بين اثنين ومصالحتهما، او تشجيع قيم التآخي والتعاون والارتفاع عن الطمع والحسد والدنيويات، وانما يتصرف من عقدة البطولة او البداوة ويقوم بقتل المصري وفق مبدأ: [انصر اخاك ظالما او مظلوما!].
والواقع ان الكاتب لو عكس القصة، لحسب له فوزا اخلاقيا، لا يرد في اعتبارات الادلجة العبرانية، التي تسير على منهج فهلوي لا يقبل التعديل، وهو ترسيخ فكرة المظلومية اليهودية. فطالما ثمة تعامل بين عبراني وغير عبراني، لابد ان ينتصر العبراني ويتفوق وهو دائما على حق؛ وبغيرها يكون مظلوما مسكينا، وفي كل الاحوال، يهوه معه، ظالما او مظلوما.
في هذا يقول الدكتور المسيري، ان العقلية الصهيويهودية تعمل على اقتطاع اليهودي من الظرفية الزمكانية وعزله عن عوامل الأثر والاستجابة الانية التي تصنع الواقع التاريخي، لتضعه في واقع متخيل، وتفسير وضعه وفق رؤية توراتية دينية، تجعله على هامش الزمن والمجتمع، وتغيراته وانقلاباته الرئيسة.
ولكن حتى في ظل هاته الرؤية الاختزالية الهامشية، يملك اليهودي ناصية التفوق، ويمسك [يهوه] كل خيوط التاريخ المرسوم مسبقا، مثل فيلم مصور يتم عرض شريطه، وبشكل يجعل كل الاشياء، تصب في صالح شعبه المصطفى.
ويبدو ان موسى الذي اقترف القتل بطريق الصدفة، من غير سابق خبرة، أو من غير وعي، وجد نفسه في نفس المكان في اليوم الثاني، ووجد شخصين يتشاجران. لاحظ مبدأ التكرار الديناميكي الجامد من غير تعديل او تحسن. ان الكاتب هنا لا يحول التجربة الى تراكم ايجابي، وانما يكرر نفس الممارسات بشكل ملائي اعمى كما هي اخطاء وخطايا بني اسرائيل عبر اسفارهم الكتابية.
والمفارقة ان اسرائيل الحالية: الدولة العلمانية التي أنشأها شيوعيون اشتراكيون طوباويون، ما زالت تجد نفسها رهينة سجن التوراة والمنغلق التوراتي الصهيوني في فهم التاريخ الميت والمكرر. ويبدو ان الاحتكام للنص، هو ما يوحي لليهود او أعوانهم، فكرة القداسة، فتنظر الحكومة الاسرائيلية للفلسطينين وسكان غزة ونابلس والنقب بوصفهم العماليق والحثيين والعمونيين وهكذا.

قصة الخروج..
قصة الخروج بزعامة موسى، وقصة دخول الارض بزعامة يوشع بن نون، وجهان لعملة واحدة، وجانبان لمبدأ وكينونة جهنمية تدميرية لا صلة لها بالمنطق والانسان والاخلاق. والواقع، انه اذا كان الغرب الميكافيللي استغل قصة الهولوكست لادانة المانيا، لمآرب لا تتصل بالتعاطف الانساني مع اليهود او غيرهم. فان الجرائم المرافقة للخروج من مصر ودخول ارض فلسطين، هي الاكثر شناعة على الاطلاق في تاريخ البشرية.
وقد اجاد الغرب الكولونيالي في استخدام الاثنين لتبرير ممارساته الوحشية باسم الاستعمار والاحتلال والهيمنة والابتزاز باسم الحضارة. فمحارق الهنود الحمر في الجزر الاميركية والتطهير العرقي الذي قامت بريطانيا في الجزر الاسترالية، وتجارة الرقيق التي استمرت ثلاثة قرون رسميا، كان روادها قراصنة وتجار بواخر واساطيل وعساكر، وغيرها الكثير مما يتحاشى الناس ذكره، تخذ من القصص التوراتية وغطائها الديني مبررا.
كانت فكرة الخروج هي مستهل ولادة شخصية [يهوه] الغريبة والمفاجئة، في سفر الخروج. وقد حاولت الاستعارة من الملحمة الاغريقية والرومانية، واجتهدت في استجداء وسائل تعذيب وتدمير، لمجرد اظهار مدى القوة والبطش – نظرية القوة- التي يتحلى بها هذا الاله الجديد، وهو يدخل سوق منافسة ضد بقية الالهة السابقة له، سواء كانت الهة المصريين ام الكنعانيين.
ان خروج [يهوه] من صحراء سيناء وبالصلة المباشرة مع اهل مديان ويثرون الكاهن، يؤكد اصوله او منابته الثقافية. ولابد من التأكد من طبيعة العلاقات بين اهل مديان ومصر الفرعونية في تلك الحقبة. لايجاد مبرر النوايا المسبقة ليهوه في تدمير مصر او محاربة شخص الفرعون.
على الصعيد الاخلاقي هي فكرة فاشلة ومخيبة ولا تضيف شيئا، غير عنصر تغييب القيم الخلقية والانسانية. وليس من المحتمل ان يقيم الناس اربعة قرون او عقود او اعوام في بلد ما، ثم يخرجون منه بشكل تدميري شامل، ويتنكروا لفضله، ويتوجوا ذلك بسرقة ذهب المصريين ونفائسهم وثيابهم الغالية. ليس ثمة منطق او مبرر.
هل هو تجسيد ميكانيكلي لفكرة القوة. لا اعتقد ان مصر الفرعونية كانت دولة ضعيفة او مضطربة عسكريا. وكل الدلائل والدراسات التاريخية تشيد بمدى الاستقرار والازدهار والحضارة والمدنية المصرية التي واصلت زهاءها حتى ظهور الرومان.
فكيف يمكن لجماعة رعوية او ممارسات سحر وطلاسم اختراع تلك القصص التي يرددها الوعاظ مثل الكاسيت من غير تعقل او تحسس وهم يحملون شهادات علمية ويردون ثيابا عصرية، ويظهرون على الشاشات والفضائيات، - مجرد بداوة فضائية، او روبوتات دينية على الطريقة الاميركية-!!..
الخروج عكس الدخول. والدخول تم من خلال اعلى سلطة ولقاء فرعون مع يعقوب البطرك، ونفحه التكريم اللازم. فكان لابد للخروج ان يكون من نفس النقطة. اعلى سلطة في البلد. ولكون موسى اميرا سابقا، فهو يعود لبلاطه، بغض النظر عن الوسيلة والاطار. ويتم تكرار طلب لا معنى له على ارض الواقع: اطلق شعبي ليعبدني في الصحراء!.. ويتكرر هذا الطلب قبل وبعد كل ضربة هوائية.
انه ينتظر قرارا خاصا من فرعون بالخروج، ينتظر مباركة فرعون بالخروج، على غرار مباركته في الدخول. وسوف يتم ابتزاز تلك البركة، في صورة سرقات الذهب والنفائس. ويذكر ان البطاركة العبرانيين لم يدخلوا او يخرجوا من ارض بغير غنائم. ولابد من غنائم هنا ايضا.
لكن قصة الخروج خرجت بفشل تام على كل صعيد..
1- الخارجون كانوا رافضين للخروج، واستمروا بالرفض، وطلب العودة الى مصر، قابلين بعقوبة الموت على مسايرة موسى ويهوه.
2- الخارجون لم يعترفوا بالوهة يهوه الذي كان يعيرهم منذ البدء انه خلصهم من ارض العبودية، ولا يشعر برفضهم الخروج.
3- الخارجون لم يعترفوا بنبوة موسى وزعامته لهم.
4- الخارجون طالبوا بالعودة تكرار الى مصر، وسخروا من وعود يهوه وموسى بانهار العسل واللبن.
5- قضاء سنين طويلة لاذلال الجماعة وترويضهم او قهرهم على القبول والمسايرة بعد قطع السبل والوسائل وبعد الزمن.
6- ممارسة انواع التهديد والقتل والتصفيات ضد الخارجين، بشكل يكمل وحشية الممارسات ضد المصريين.
7- تحريض سكان المنطقة للتحرش بهم، او دفعهم للاشتباك معهم لتعلم فن الحرب والتعلق بالحياة والدفاع عن الذات.
8- اقتياد البقية الباقية رغما عنهم بزعامة يوشع بن نون عبر الاردن.
ورغم ان العبرانيين في مصر، كما في أي مكان اخر، اختلطوا بسكان البلاد وثقافاتهم وعاداتهم، كما منعكس في طقوس العبرانيين المتراكمة والمتنوعة المصادر، فقد عادوا للاختلاط مع الكنعانيين ومصاهرتهم والتجارة معهم/ (قض 3: 5- 6)، ولم يكونوا منعزلين عنهم او في حالة حرب، كما يراد الترويج له دينيا.
وقد بحث اكثر من متخصص في مدى صحة ادعاء [وحدة العرق، وحدة الدم] واكدوا اختلاط العبرانيين بجيرانهم على مدى الجغرافيا، وعدم صحة تلك المزاعم. لقد اريد بمشروع موسى تحقيق الشروط والقواعد المطلوبة لبناء مملكة:
1- بناء شعب: النمو من عائلة الى قبيلة الى امة.
2- بناء قيم وعادات ومعتقد جامع كانت بدايته الختان ثم حفظ السبت، ثم خصوصية واله ونبي.
3- امتلاك ارض تكون حيازة قومية تاريخية.
4- بناء الدولة والتمثل السياسي على اساس المعتقد ووحدة المعبد.
ان الزمن، لا اعتبار له في النص الديني، ويلحظ خواء بعض المزاعم، ان المغول، وهم قبائل بدائية متعددة، لم يحتاجوا الى عقيدة دينة ونبي وكتب مقدسة وممارسات عداونية وتجارة احقاد ايديولوجية، لكي تكون اساسا لجعلم امةاو حصولهم على ارض او دولة.
وقد تحولت كل كجتمعات الارض من مستويات الحياة والجماعات البدائية والتنظيمات الاولية الى اقوام وامم واوطان وممالك وحضارات. وربما برزن ممارسات وحشية وعدوانية في تاريخهم في مرحلة ما، لكن ذلك لم يتعرض للادلجة والترسيخ التاريخي وتحويله الى معتقد ديني يحتقر هذا ويدين ذاك، ويلعن الاخر، ويحكمغيره بالعبودية او الشر المطلق.
ان الفاتحة التي ابتدرها المؤلف التوراتي، كانت باكورة الدين السياسي. باكورة التمييز العرقي واللوني والاانساني، وبداية ادلجة الشر والعنف والالتواء مبادئ للحياة والبقاء والهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية. فلا غرو ان تجتمع هاته الثلاثة في نقطة التوتير الراهنة، وبالالتصاق مع مبادئ توراة موسى تحديدا.
وأخيرا.. كان لابد لمازق الكاتب العبراني في تضمين قصة يوسف في خيط التسلسل التاريخي للعبرانيين من مخرج، لكي لا يبقى العبرانيون في مصر، وتتفند الوعود السابقة. فجاء الخروج وبالاتجاه مباشرة لتحقيق وعد الوطن القومي. ومن خلال سفر الخروج، تم انهاء حكاية يوسف وقطعها تاريخيا عن الاثر.
وبعبارة واحدة. ان الكاتب تنفس الصعداء، وتساوى لديه، وصول العبرانيين الى مصر ام. لكن القرائن حتى الان، لا تدعم ذلك. وكل من شخصيات يوسف وموسى وما حيك حولها من قصص، [مجرد قصص]!.

خلاصة..
ثمة التباس بين كون (يهوه) اله اسرائيل القومي، الذي اصطفاهم دون غيرهم من العالمين، وهو في نفس الوقت، رب العالمين وخالق السموات والارضين وما بينهما. ويذهب البعض ان (يهوه) هو نفسه (البعل) اله الريح الكنعاني، وكانت له معابد في كنعان وبابل وادوم. وتشكل ثنائية [الريح، النار] عنصرين رئيسين في خصائص يهوه الناري العنيف. ومن صفات الريح العاصفة والاعصار التي تشكل مادة رئيسة للعقوبات السماوية في القرآن. ويبدو انه كانت له معابد عند السينائيين، وان (رعوئيل)عم موسى كان كاهنا في معبد للبعل يدعى (يثرون) فدعي باسمه: (كاهن يثرون).
ومن ارضية هاته المرجعية التاريخية عبد العبرانيون (العجل) رمز البعل، أسوة بسكان الارض. والواقع ان العبرانيين قبل مصر وبعد مصر واصلوا عبادات الكنعانيين ومصاهرتهم، ملوكا وكهنة وعواما، كما هو جلي في على مدى الاسفار الكتابية: [قض 2: 12، 13، 1مل 16: 32، 1مل 18: 18، 21] مثالا.

ان وضع اسم (الله) ومرادفاتها في اللغات الاخرى: [god, gott, lord, theos, khoda]، ساهم في التغطية على الخلفية الحقيقية والشخصية الاصلية للرمز النصي، والمتعارف بانه (اله اسرائيل)، واسبغ عليه صفات وخصائص الرموز الالهية للثقافات الاخرى. وكان من جرائه، ترقية (يهوه) الاله القومي الى [رب السموات والارض] وهي صفة [ايلوهيم] في اول سفر التكوين. ولا يرد اسم يهوه في كل (تك). ولعلماء الكتاب دراسات مستفيضة في هذا المجال، تجعل بينهم اجماعا، لاعتبار (يهوه) من انتاج (الكهان) المتأخرين، وهو وراء قصة موسى، ولذل لا يرد اسم يهوه خارج كتب موسى، أي الكتب التي دبجها الكهان باسم موسى، وليس سفر التكوين من بينها كما سبق تأكيده.
وفي العصر الحديث كان شهود يهوه اول من اكد على اعتبار (يهوه) اله التناخ والانجيل، واعتبروا يسوع رسولا تابعا ليهوه. وفي طبعاتهم الخاصة لـ[لكتاب المقدس للزمن الجديد] تطبيق لزعمهم. وفي العقود القليلة الاخيرة، أي مع الذكرى المئوية الاولى لظهور طائفة شهود يهوه، انتشر تيار من الوعاظ الانجليز والاميركان، يروجون لاسم يهوه ويفرضونه على كل الكتاب. وقد اعيدت طباعة [الكتاب المقدس] طبعات مليونية وتحت مسميات متعددة، للترويج لاسم (يهوه) بوصفه (الله) الكتاب المقدس من البداية الى النهاية. وهو اله العالمين وخالق السموات والارض، وله كل صفات ومظاهر الالوهة العظمى.
وهذا يعني ويؤكد ان الاسفار الكتابية ليست مستقرة، وانها قيد التطوير والتغيير، تبعا للظروف والطوارئ والسياسات ومقتضيات السياسات الدولية والقوى العظمى. وترويج اسم يهوه مجرد دليل على سريان التحريف والتدجيل الذي طالما عملت قوافل من كتاب الدفاعيات في تفنيده، وادعاء وجود نسخ قديمة هنا وهناك، ولكن من غير الدراسة والمطابقة العلمية الحقة.
وقد سبق اشرت للوعاظ الانجيليين المتهودين الجدد- أي خلال العقد الاخير-، ومنهم: جون مكارثر، ديفيد جيرمايا، جاك غرام. وعموم الكنيسة الانجليزية الانجليكانية، وما خرج منها من كنائس الافارقة والهنود. ورغم اختلاف مرجعية طائفة البنتاكوست/ (الخمسينيين)، وما خرج عنها من طائفة (الكارزماتك) التي سبق لماكارثر الهجوم عليها وهرطقتها، فان كنائس الكارزماتك الافريقية/ [black church] تبنت استخدام (يهوه) الها لكل الكتاب ولكل العالم ولا يوجد اله حقيقي سواه.
وعندما اقدم هذه الملاحظات، مؤكدا ضروفها التاريخية واجواءها التاريخانية، احاول تقديم اضاءة وكشف مواضع الزور والمراءاة، لمن يعنيه الامر، ويريد الافادة, ولكني ارجو في نفس الوقت ان يدرس الشخص ادواته ومرتكزاته الفكرية والعقيدية، بعقل مستقل ومستنير وبجهد شخصي عصامي، لا يكون بوقا لاحد واذنا لغيره، وقد نهى السيد اليسوع ان نكون : [عميانا يتبعون عميانا]. واذا كانت الراسمالية الامبريالية تشيع قيم الفردية والانوية والسنغل وتهدم الروابط الاجتماعية كالعائلة والوطنية والحزبية والهوية الثقافية، فلماذا تروج لتوحيد المعتقد الديني وتصنيع القطيعية الدينية ذات المركزية الأميركية.

الاصطفاء الالهي/(تث 26: 16- 19)..
يعتبر البعض هاته الفرضية تأسيسا للنظام العبودي وفكرة العنصرية، التي تميز العبرانيين وتجعل لهم مكانة فوق البشر، وتجعل كل الامم والشعوب عبيدا لبني اسرائيل ومملكتهم الابدية المحمية والمقررة من ربهم ورب الكون المدعو بلغتهم (يهوه)/(تث 26: 16- 19).
ثمة حاجة انسانية تاريخية، تقتضي ايقاظ هؤلاء للخروج الى هواء العالم، ليس لأن الله لا يقيم في [تابوت]، ولكن ليخرج ضحايا هاته العقيدة من التابوت الى نور الحياة. ندعوهم لخلع نظارات العقيدة السوداوية المنغلقة واعادة اكتشاف البشر والعلاقات والبراءة ونبذ الاحقاد والمصالح المدمرة.
العالم يحتاج بداية جديدة.. يقظة جديدة.. رؤية جديدة.. يحتاج اعادة اكتشاف الانسانية في ذاته وتجسيدها في حياته، وليس سجنها في الارشيف او التباهي بها في حجرة الغرور الذاتي، والخوف من تطبيعها في عالم راسمالي متوحش تسكنه الانانيات والاطماع والاغراض المريضة.
ان العبرانيين في كل العالم، بما فيهم دولتهم هم أسرى قبضة الامبريالية الغربية التي وثقوا بها ذات يوم، ولم يعودوا يعرفون الافلات منها. لقد لاحظت نبرة الحزن وقسماته على وجه ناتانياهو وهو يفتخر بذكرى انشاء دولته. هذا يترجم عمق المعضلة السياسية والوجودية التي يعجز هو ومن وراءه في ايجاد مخرج لها. واعني القبضة/ الاسر الامبريالي.
والاشكالية الاعوص، انه ليس فقط، الامبريالية لن تفلت اسرائيل والعبرانيين من اسارها، وانما ايضا، لاسباب كثيرة ومتنوعة: لا احد يريد اسرائيل، ولا احد يثق باليهود، حتى لو كانوا انبياء او ملائكة او حتى الهة، كما يقول كتابهم. فما معنى القول: [اسرائيل سوف تبقى]؟.. وهي تعيش داخل سجن جغرافي اجتماعي نفسي، هل يعني: [سجن مؤبد]!..
ولا مخرج لأزمة التاريخ، واالراسمالية الامبريالية، والعبرانيين، واتباع الديانات البراهمية، بغير نفض الارضيات وتغيير الستائر، وازلة الحيطان الوهمية والنفسية والدينية المزروعة، ليس بين دين واخر، وشعب واخر، وانما داخل الدين نفسه والبلدان نفسها، وبين اتباع نفس المعتقد والبلد، بحكم اعتقادات ضارة عفا عليها الزمن.
ان الذي يستمر ويبقى، هو الشجاع والعاقل والانساني!..
وما احوج عالمنا اليوم الى الشجاعة الحقيقية، شجاعة الشجاع، وليس شجاعة الجبناء.. شجاعة الصادق الصريح الامين مع ذاته والعالم، وليس شجاعة الملتوي الطاغية المسكون بالخوف والشكوك، كما هو حال المنظومة الامبريالية المريضة بالخوف اليوم، بحيث جعلت الاجراءات الامنية المخلة بالانسان والانسانية، شعار افتخارها وهو عارها التاريخي.
تجارة الدول والمساعدات الغربية تحولت من قروض وقمح ودبابات ومدافع، الى تقنيات تجسس ومراقبة وفنون تعذيب واستفزاز وتحطيم نفسي ومعنوي. ناهيك عن حالة الدمار الاقتصادي الشامل في العالم، الذي جعل هدر الكرامة سبيلا وحيدا لاقتناء العيش.
ربما كان الدكتور عبد الوهاب المسيري [1938- 2008م] اول من نبّه الى وقوع اليهود واليهودية في كماشة الرأسمالية الغربية منذ القرن السابع عشر، وتطور ادواتها في المرحلة الامبريالية الراهنة، ومدى الابتذال الذي بلغه الغرب في استغلال (المسألة اليهودية) لخدمة اغراضه وتوسيع هيمنته ومدّ نفوذه في العالمين.
بينما أبقى اليهود ودولتهم في غيتوات مرعوبة جامدة تحت عنوان [يهودية وظيفية] مسخرة لخدمة امبراطورية الغرب التي يتسيدها رجل المال الامريكي. فاسرائيل لم تتطور منذ موت بن غوريون [1886- 1973م] وأوضاع االيهود في العالم لم تتحسن، وانما العكس.
واختلطت الحدود بين العقائد اليهودية والمسيحية، بعد ان تم تفريغها تماما من روحها الشرقية وروحانيتها السماوية، وتحويلها الى علب واجهزة وخدمات الكترونية، مرتبطين بقرنين: احدهما التجسس الغربي، والاخرى رجل المال!.
كيف تغير البشر خلال عقدين من الزمن وتمردوا على اصولهم الثقافية والوطنية وتحولوا الى روبوتات وعبيد للبرامج الاميركية؟.. ذلك ما يسأل كل انسان نفسه؟.. دون ان يغفل الانتباه الى سبب رواج الشر والموت والحروب والازمات، وسبب خوف الانسان من اخيه الانسان في البيت والشارع والمدرسة والعمل.. وسقوط اللغة والفكر في وحل المادية الانانية.. ولكن.. لا عذر لك ايها الانسان!.
ــــــــــــــــــــ
• نقلا عن نص سومري قديم يعود الى القرن الثامن عشر قبل الميلاد، مستقاة من رسالة كتبها (نور سين): السفير عند [زمري ليم: الملك في ماري الواقعة على الفرات]: نبي [أدد: اله العاصفة]، المعبود في حلب/ [Aleppo]، جاء مع (أبو حليم) وتكلم للملك كما يلي: [ألست أنا أدد- إله حلب، الذي اقامك في حضرتي وادامك على عرشك الوراثي؟.. انا لا اطلب منك شيئا. عندما تسمع استغاثة مظلوم، رجل او امرأة، تصرخ اليك، كن هناك واحكم بالعدل. هذا كل ما اطلبه منك. اذا فعلت ما طلبته منك، سوف اعطيك الارض من مشرق الشمس الى مغربها، وتتسّع تخومك!]. هذا ما قاله نبي [أدد: اله حلب] في حضور (أبو حليم). على سيدي معرفة ذلك./ تعليق المترجم: هنا تعهد بدعم سماوي لسلطان الملك، وقد ورد النص منسوبا للنبي ناثان الذي تعهد بدعم من (يهوه) لداود الملك، ان تحكم ذريته للابد على عرش اسرائيل، اذا حفظ وصاياه/ (2 صم 7: 4- 17). وقد ورد ذكر [أدد/ أدّ] في الشعر العربي القديم السابق للاسلام كما ذكر في الحديث النبوي، مما يعكس عراقة هذا الاله واستمرار عباداته في شرق المتوسط حتى ما بعد الميلاد. أن فتح ارشيف التراث الرافديني والكنعاني القديم وترجمته ونشره للملأ سوف يلقي اضواء باهرة على هذا التاريخ المعتم – قصدا-، ويكشف ألغاز وطلاسم النصوص والادبيات اللاحقة عليه، وهذا ما يقصد بسياسة [قتل الاب] و[تدمير الذاكرة] المستمر لليوم في التطبيق العراقي. ويستدعي بالضرورة ظهور اجيال عراقية وطنية جادة، تعمل على نشر وترجمة تراثنا القديم من لغاته والواحه الاصلية، ووضعه في متناول الدارسين والباحثين. وهو متوزع في متاحف البلدان الغربية ومخزنها وبعض جامعاتها. وهاته امنية الدكتور جواد علي [1907- 1987م] في اخر مقابلة تلفزية معه، داعيا الشباب العراقي للاقبال على التخصص في اللغات السومرية والاكدية والبابلية القديمة والاشورية، لمعرفة تاريخ بلدهم الزاخر وكشف كنوز ما زالت محتكرة بايد الاجانب. ومما ذكره يومها ان عدد الطلبة الدارسين يومها في قسم اللغات القديمة اربعة، وجميعهم من اليابان!. فهل تغيرت الحال منذ الثمانينيات لليوم، الجواب لدى جامعة بغداد بالتأكيد، وأي جواب!.
• ينسب جماعة شهود يهوه [سفر ايوب] الى مرويات موسى بن عمرام خلال اقامته الطويلة في سيناء، ومصاهرته لكاهن يثرون المدياني، ولذلك يرفعون عدد الكتب الموسوية الى (ستة)، والمفروض الحاقه بالكتب الاولية في التناخ، وليس في وسطه مع الاسفار الشعرية في الكتاب السائد. ويبدو ان هاته الطائفة القائمة على النظام الصارم والتنظيم في ادق تفاصيل الديانة والتبشير ومظاهر الثياب والتعامل، تنمو وتجتذب بسرعة غير عادية. ولكن الاهم في ذلك، هو خروج افكارها للكنائس المسيحانية وانتشار خطابها وافكارها ومفرداتها بين الوعاظ الكنسيين. علما ان المتأثرين بهم، سبق ان كانوا من اشد مناهضيها واعتبروها هرطقة خارجة على [الكتاب]، ومن بينهم اتباع جون داربي، رغم وحدة المشارب والغايات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القبض على شاب هاجم أحد الأساقفة بسكين خلال الصلاة في كنيسة أ


.. المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهدافها هدفا حيويا بإيلا




.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز


.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب




.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل