الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البومة وطلاسم الليل

سعد محمد موسى

2017 / 5 / 30
الادب والفن


ذات ليلة تناهى الى مسامعي نعيب بومة من أطرافِ غابات " داندنوك" أثناء زيارتي الى دارِ إحدى الأصدقاء الاستراليين فابتهج الحضور حينها بقدوم طائر البوم وحين حط على شجرةِ الصنوبر القريبة من سياج دارهم ارتسمت الابتسامات على ملامحِ وجوههم.
بينما كان نعيب البومة في تلك الليلة أعاد لصدى ذاكرتي شعور مختلف ومتناقض ما بين الاعتقادات لرمزية هذا الطائر المتخفي وما بين الاحتفاء به !!؟؟
فالبومة في الحكاياتِ والقصص الشعبية في بلاد ما بين النهرين كان طائر يرمز للشؤمِ والموت والفأل السيء مثلما أقترن بنعيقِ الغراب.
أما الاعتقاد في أساطيرِ الهنود والرومان فأعتبروها رمزاً للفأل الحسن وللحكمة والتأمل والقدسية.
يبقى هذا الطائر دائماً يسحرني بغموضه وغرائبيته وهدوئه انه عراب أسرار الليل وطلسم البساتين والغابات والاطلال.
لاسيما بملامحِ وجهه المستديرة وبعينيه الحادتين ذات الأهداب الطويلة التي تختلف عن بقية عيون الطيور فكانت عينيّ البوم قريبة الشبه من عينيّ الانسان حتى في موقعها الامامي من الوجهِ .
ويذكرني أيضاً طائر البوم المنزويّ والحالم بحياة الشعراء والعشاق لانهم جميعاً كائنات ليلية لهم لغة وطقوس وجنون لايدركها سوى الليل فكان هذا الطائر العجيب من أكثر الطيور التي استوحى من رمزيته الشعراء قصائدهم والرسامين والنحاتين لوحاتهم ومنحوتاتهم.

وكذلك في تلك الليلة بصحبة الأصدقاء تذكرت حكاية قديمة وواقعة عن أطلالِ خربات المدينة.
حين تجمع سكان المحلة حول خربة كانت متروكة في محاذاة شارعنا بعد أن سمعوا نعيب البومة فيها .. فحضر كبار السن وشيوخ المحلة وأعوانها بعد حذروا الأولاد من قتلها لان روح البومة إذا قُتلت ستكون حينها نذير شؤم ولعنة ستحل في روحِ القاتل وسيكون الخراب في محلتنا !!
هذا ماصرح به شيخ الجامع بالاتفاق مع السيد أبو المجاهيل حين جاؤا الى الخربة.. بعد أن زجروا الصبيان وأبعدوهم لاسيما الذين كانوا يقبضون في راحات أكفهم بالحصى..أو الاقتراب من الزاويةِ التي كانت تحط بها البومة. كان شبح البومة يترأى في زاويةِ الخربة وهي تقف فوق أطلال جدار طيني .. وكانت عينيّ البومة تتوقدان مثل جمرتين لاسيما حين هاجم خفاش كبير على حين غرة موقع البومة وبات يدور حولها فبقيت البومة تحافظ على هدوئها وهي تستدير برأسها بحذر وببطيء وهي تتابع طيران الخفاش الاخرس الذي يموّه عن تواجده خلف نخلة عجفاء في باحة دار الطاشوشة وقارئة الفأل العجوز العمياء التي تعيش وحيدة وكنا نسمع من حكايات المحلة ان للعجوز علاقة بالجن وهم عادةً ما يزوروها في مناسبات معينة ويتراطنون بلغتهم وهمهماتهم الغريبة في الليالي الظلماء حين يغيب القمر .. تحت النخلة التي يعيش فيها الخفاش الشرس .. وكان حلم الساحرة العجوز العمياء هو الحصول على بيض البومة وريشها .. الذي كانت تراهن عليه بوصفتها السحرية والسرية التي ستعيد نعمة البصر للعميان.
خرجت الجارة العجوز تتدارك الطريق بعصاها نحو الخربة .. وكانت تتبعها القطط السوداء التي تعيش بدارها
وهي تراقب بفضول وارتياب هجوم الخفاش الحذر والسريع الذي مازال يحوم حول البومة.
ولكن في الجولة الاخيرة وأمام دهشة الجميع ومواء القطط وصرخة العجوز انقضت البومة بمخالبها على جناح الخفاش فمزقته بحركة خاطفة ثم التهمته.
ثم بقيت البومة للحظات تحدق في الناس وبأركان الخربة والنخلة العجفاء وبعدها طارت بخفة في سكون الهجيع الاخير من الليل بعد أن تركت نعيبها ونبؤتها في خراب المدينة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج