الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة الفكر الديني الإسلامي بين التنوير والتمسك بالمسارات التقليدية له.

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 5 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الفكر الإسلامي التقليدي والذي توارثه المسلمون خاصة والعالم من حولنا عامة يتميز بخصيصة الإنفصام بين روح الدين الكونية من جهة وإرادة التخصيص التي يتبناها البشر من جهة أخرى، هذا الإنفصام ليس فقط ظاهريا في تنوع أطره ومجالاته، ولكنه يدخل إلى فكرة الدين عموديا وأفقيا ليعيد الصياغة العامه له مما يخرج الفكر أصلا من إطار المنشأ وهي الرسالة وعليتها وأهدافها الكلية والعامة، فهو وعموم مبناه التأريخي المستند على الرؤية والقراءات الذاتية للمفكر أو صانع الأيديولوجية الفكرية يقوم على ثلاثة أركان هي، الفكرة العبادية وأرتباطها بالإيمان الصحيح ومدى تطابق العبادات والغايات الجوهرية منها مع الأصل الفكري المجرد وهذه الجهة الأقل بروزا في مضمون الفكر الإسلامي عامة.
والثانية تأريخية روائية مستقرأة ومستنبطة أو متصرف بها بدلالة الأحداث وما نتج عنها من أفكار وطروحات تركز وتتعلق على عنصري التفاضل والتفضيل بين شخوص التأريخ وأحداثه ورموزه، وهو الجزء الأعم والأغلب في الفكر العام ومنه كان سبب الأنحدار والنكوص الفكري والأجتماعي والحضاري وتأكل أساس فكرة الإيمان وما يخلفه من طروحات تتعقد مع مرور الزمن وتتأصل وكأنها هي الدين المجرد بعينه ومعيار الإيمان به، فكل قضايا التاريخ صارت جزء من المنظومة الدينية وحلت محل المبادئ والمعطيات الأولية اللازمة له، حتى وصل الحال إلى أن المس بهذا التأريخ أو محاولة تجاوزه تعد اليوم عند الكثير مس بجوهر الدين والنظر لها على أنها جريمة تكفيرية.
والجزء الثالث والذي يحتل المرتبة الوسطى بين المعادلتين السابقتين هو صراعات المدارس الفكرية فقهية أو عقائدية محضة على ما هو سياسي محض وخارج موضوعية الإيمان، والجنوح إلى بسط مفاهيم الدين كما هو لا كما يراه الكهنوت الفقهي والتأريخي الروائي، هذا التحول ليس منفصلا عن مسيرة المجتمع الإسلامي الذي لم يشهد تأريخيا مصالحة بين أجنحته على قاسم مشترك يعيد الدين للناس ويعيد الناس له، فصارت المذاهب والملل والنحل عناوين رئيسة أنقسم عليها المجتمع ولم يعد للرسالة الدينية الأولى وجود في العقلية الحزبية، وجود يخدم قضية الإنسان والخلاص من الظلم والحيف الذي ولد مع الأنقسام الفقهي والعقائدي داخل المنظومة المعرفية الفكرية الإسلامية.
قليلا ما نجد في الواقع هناك تجرد وأنحياز كامل للدين المحمدي، وقليلا ما نجد الدعوات التي تتناول فكرة التصحيح السيروري لطريق فهمنا للدين كعامل موحد أو جامع للأمة الإسلامية، ولكن نجد من المعيب عند الكثيرين أن تنادي أو تتكلم عن المشتركات والبناء عليها وتطويرها نحو سقف واحد يضم بين أجنحته الرأي والرأي الأخر الذي لا يقسم المجتمع ويشظيه، هذا العيب في تناول فكرة الدين والإيمان كأطار عام نؤمن ونعمل عليه ليكون الثراء الفكري أس حضاري ومنهج نقدي للتخلص من عوامل الفرقة والتنازع نتيجة فشل مستمر في الولوج لقضايا أجدر أن تتفاعل وتتشارك بدل أن تتناقض وتتعارض على مفاهيم في الغالب هي أعتباطية وشخصية تمثل وجهات نظر قابلة للتغيير أصلا وقابله أيضا لولادة رؤى أكثر قدرة على لم شمل المجتمع الإسلامي.
هذا التناقض الفقهي وبواعثه ومسبباته وعلله ومصادر تكوينه والتركيز على الدعوة والعمل به أدى ويؤدي حتما إذا لم ينتبه المفكر الإسلامي الجاد والمسئول إلى خطورته وأثره على بقاء الصورة الدينية الأصيلة، سنشهد تحولات وتغيرات عاجلة يمكنها أن تخرج الكثيرين عن الإيمان به وأبعاد الناس عن مسارات وأطر الدين كما هو أصلا، وسيتحول الأخير إلى أداة هدم لذاته الموضوعية وإلى أحداث تغيير سلبي ومشوه لا ينتج عنه أخيرا، إلا أبتعاد الناس عن دينهم وإيمانهم وتعلقهم بالنتائج الموجوده في الواقع والمطروحه على أنها الصورة المثلى للدين دون أدراك حقيقي لمعنى الدين والإيمان به.
هنا يظهر دور الحركة التنويرية ومفردات منهجها القائم على النقد الموضوعي العلمي وبسلاح التجرد التام عن الميول والترسبات الفكرية سواء المعلنة أو تلك التي تعشعش في الواعي المنتمي للواقع كما هو، هذه المنهجية التي تفرق بين التأريخ الإسلامي بأعتباره نتاج حركة المجتمع متفاعلا مع الواقع الإنساني ومتأثرا به وخالقا للوعي الجمعي لمن تلقاه هكذا، وبين حقيقة الفكرة الدينية المجردة من تفاعلات الأحداث وتأثيرات الصراع الإنساني الطبيعي في مجتمع عاش في تناقضات بين سمو الرسالة وبين إحداثيات الذات المتضخمة وأنحيازها لمبادئها المتعصبة أو المنتمية لميولها الحسية.
فكلما كانت الحركة التنويرية تملك رؤية واضحة وشفافة وعلمية كانت أقرب للنجاح في إحداث التغير والتحول والسعي لبناء مفهوم بديل، مفهوم للدين وللإيمان ولدور الإنسان كمحور أولي وأساسي من محاور الإصلاح والسعي للتطور وإزالة الفوارق البينية وأشاعة روح الوحدة الإنسانية التي خاطبها النص الديني في محاولته الأرتقاء بالإنسان ونظمة وخطوط سيره في الوجود، وهنا أيضا نعول بشدة على أختيار المنهج المناسب الذي يدرس التأريخ بمعزل عن أفتراض أن ما سجل أو ما ورد إلينا خاليا من التشويه المتعمد وخاليا من التدخل في رسم واقع له قد يكون مفرطا في أحداث ومفرطا في أحداث أخرى.
على التنويري أولا أن يسترشد بما هو أهم من التأريخ ورسم الشخوص والأحداث والقضايا فيه ويركز على مفهوم فلسفي معرفي يقتفي السنة التأريخية، ويحاول الفرز بين أفكار مسطرة وبين منطق تأريخي هو بالضرورة كان عنصرا محايدا ومحاثيا للواقع التأريخي، وأن يستخرج من هذه المعادلة ما يمكن أن يعيد تراتيبة الفكر الإسلامي وفقا لأنساقه الطبيعية، نسق يبحث في تأريخ الدين ونسق يبحث في حركة التأريخ في المجتمع عموما، وأن يبين من خلال منهج النقد أن التأريخ الأجتماعي الديني لا يمكن أن يحل محل فكرة الدين في تأثيراته التطورية على حركة الإنسان، ويجب التركيز أولا على أساسيات الدين ومنهجه الإصلاحي كمقدمة أولى وأساسية لبناء المجتمع، بذلك يمكن للحركة التنويرية أن تعيد للفكر الإسلامي توازنه، وتعيد له القدرة من جديد على أعادة الوعي الكامل للإنسان المسلم بتحييد عوامل الفرقة والنزاع وأخراجها من أطارها القدسي المزيف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س