الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمَةُ أفهَام لا أزمَة حُكّام ..

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2017 / 5 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


أظنُّ أن غياب الوعي الفلسفي شبه التام وافتراق سبل الفهم لدى السوريين ، قد كشفا عن مستويات غير مسبوقة من العنف والعنف المُضاد في الحرب السورية ، وأظهرا بوضوحٍ تامٍ مقدار اليَباس الأخلاقي الاجتماعي ، والموات العقلي المعرفي اللذان كانتْ - ومازالتْ - تعاني منهما الروح الكلية لأبناء المجتمع السوري ..
وفي اعتقادي ، لا مجال إلى عودة إحياء الروح الكلية فيما بينهم ، سوى في بروز نخب فكرية واقتصادية وطنية تدعو إلى التمسك بأهداب العقل والحوار واعتبارهما هدفاً ضرورياً لازماً من أجل بقاء الوطن ونماء المجتمع ، واعتماد سبل التعليم المدني العلماني الحديث ، كوسيلة فضلى لا فكاك منها ، لتطوير تلك الأفهام المُتنازعة من أبناء هذا المجتمع المكلوم تاريخياً ..
شئنا أم أبينا ، فإن الصراع في سوريا يعود في أساسه الى صراع بين الأفهام ونزاع فكري إنفعالي قديم ، كان كامناً في الصدور الجاهلة ، وكان تراكماً دينياً واشكالياً يتغذى خفية على فُتات غول الفساد ، ويَكبر بلا وعي تحت سقف القهر والشعور بالغُبن و التهميش ، من قِبَلِ أكثر من فئة اجتماعية ..
ثمَّ حَدثَ أنْ اُستُخدمَ ذاك الوضع الاجتماعي المُريع والمعقد (الصراع والنزاع والقهر) من قبل قوى خارجية ذات مصالح سياسية نفعية ، تغلغلت أظافرها بمهارة في نسيج الأخطاء المُتراكمة للسلطات ، وأمسكت أجهزتها بتلابيب نقاط الضعف في المجتمع ، لتدفع بها بعدئذ - وضمن خطط معدة مسبقاً - إلى دوائر الصراع الإقليمي والعالمي ودواماته ، وتوظفها بنجاح في خدمة تحقيق أهدافها الخبيثة ..
وبالرغم كل هذا الضجيج لشعارات الحرية والاستقلال في القرار الذي تُروّجه هذه الأفهام السورية المُتصارعة ، لكنها تبقى - في اعتقادي – مُجرّد أدوات مُتهالكة مستعملة ، تتغذى على خطابات دينية ماضوية وعقائد تكفيرية مُغلقة ، و تتكوّن في غالبها من لَبناتٍ موغلة في القدم ومنظومات فكرية مقدسة آيلة للسقوط ..
و أرى أنها تُعبّر في حقيقتها عن أزمة ذهنية خانقة في تحليل للموضوع العياني المختلف عليه بين البشر ، والذي لن تنتهي آفاته المُستعصية – في ظني - حتى و لو تمّ التنسيق والاتفاق بين تلك الافهام المُتصارعة على هذه الأرض ..
إنّ القضاء على أيّة ازمة افتراق في الافهام بين السوريين لن تتمّ باللقاء أو الاتفاق والاختلاف على مواعيد المقابلات أو حُسْنِ إدارتها ، بل لا بدّ من توفر عدة أمور أهمّها :
1- توفّر الإرادة الحقيقية في رغبة الحل لدى الأطراف الفاعلة
2- المعرفة الحقّة لجانب الصواب لدى الطرف الآخر ..
3- السيرُ مجدداً بتلك الأفهام نحو الوحدة المنشودة عبر معرفة كل طرف حدوده ومقدرته .
4- وعي تلك الأطراف أن الروح الكلية للمجتمع السوري - في النهاية - هي من تضررت وهي المصابة بالأزمة ولها النصيب الأكبر من المعاناة والضرر ..
5- معرفة النخب المؤثرة مدى أهمية وضرورة إحياء ديمومة تلك الروح الكلية مرة أخرى في المجتمع ، لكونها الوحيدة التي يمكنها ان تعمل حقاً على التوحيد بين الفرقاء ونبذ افتراق الافهام فيما بينهم والاقتراب للحصول على الوحدة المفتقدة ..
6- توفر الوعي التام لدى جميع الأطراف المتصارعة ، ان الزمن لا حليف له على الاطلاق ..وهو في عالم السياسة مؤذٍ للغاية لغير الفاعلين بها ..
7- الوعي لدى أصحاب القرار ان لا مناص أمام السوريين لتجاوز هذه المحنة حقاً إلا في مواجهة أمرين :
اولاً : التفكر معاً بصدق في سؤال إشكالية الهوية
ثانياً : البحث في كيفية العلاقة مع الخارج ورسم حدودها
8- وجود فهم عميق لدى جميع الأطراف أن الإصرار على نصر مبين مُعجّل أو سحق تام ونهائي سريع لأحد الأطراف هو من أسخف ضروب الخيال وجهل شديد بالواقع السياسي المحلي والدولي والتاريخي ..
قصارى القول : إن حال تعاقب الأزمات ودورات العنف والاصطدام بين الافهام وعلو الصخب في افتراقها وائتلافها ، ما هو الا ضرورة تاريخية و زمانية ، واتجاه حتمي نحو غاية السير أبعد فأبعد إلى المطلق الكلي ، والذي لابد وأن يكون الطريق اليه معبداً بالمثال لدى كل طرف وفهم .. وكل ما عدا ذلك مجرد تبريرات لا قيمة لها ، يجوز لها أن تستخدم كصخب يُدهشُ ضيقي العقول وحسب . .
و كلّ ما سوف نراه من اتفاقات ( وهي قادمة لا محالة ) ، ما هي - في زعمي - إلا انسجام مؤقت ضمن الجزئيات وحسب ، فلا داعي للتفاؤل او ترك الفهم يقع في شَرَك السذاجة والقول الخاطئ تماماً ، ان الحل النهائي قد حَدَث ...
لأن الحلّ النهائي لنزاع الأفهام لمْ ولنْ يكون ، بينما حلّ الاستقرار المؤقت فسيحدث قريباً ، وأما حلّ النَّماء المنشود في سورية ككل فلن يكون – في رأي - قبل ثلاثة أجيال على الأقل ..
لذا قد يكون من الأجدر لنا أنْ نفهم جيداً ، بأن كل ما عشناه من أهوال الحرب على الدولة السورية ، وما شهدناه من عنف الجماعات الدينية الإسلامية ، ما هو إلا هنيهة من تجلّي الروح الكلية في التاريخ ..
وللحديث بقية ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: مقتل مسؤول في منظومة الدفاع الجوي لحزب الله بغارة إسر


.. قبيل عيد الفصح.. إسرائيل بحالة تأهب قصوى على جميع الجبهات| #




.. مؤتمر صحفي لوزيري خارجية مصر وإيرلندا| #عاجل


.. محمود يزبك: نتنياهو يفهم بأن إنهاء الحرب بشروط حماس فشل شخصي




.. لقاء الأسير المحرر مفيد العباسي بطفله وعائلته ببلدة سلوان جن