الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صفّوا النّية

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2017 / 6 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


للاستبداد أمراض تصيب الإنسان في عمقه فتهزمه، وللحرب أمراض قد تكون مستعصيّة. إن لم نعترف بأمراضنا نكون كمن يرقص على الألم. نحن لسنا عرقاً مميزاً مثلنا مثل جميع البشر، فقد سقطت النظرية العرقية منذ المحرقة النّازية. هذا كان في أوروبا ، أمّا نحن العرب فلا زلنا نعتقد بتفوّقنا ، ولا زلنا لا نعترف بالمحرقة النازية، ولا السورية، نحن مختلفين على كلّ شيء إلا على شتم اليهود، وليس إسرائيل، مع أنّ اليهود عاشوا بيننا، وكنا جيراناً ورفاقاً.
عندما نلغي هوياتنا ونذوب في هويّة واحدة نكون قد وصلنا إلى الحدّ الأعلى من الحلم. نكون قد بدأنا العيش في مجتمع مدني يبعد الدّين عن السياسة، ويرحب بالتعدّد القومي والديني بل يتباهى به بعيداً عن القانون الذي يحكم الجميع.
عندما أقرأ في دروس تعليمية غربية ينتقدون فيها أنفسهم وفي مراحل من تاريخهم يسمونها تاريخ العار-أعني الأوروبيين- فمثلاً في السويد هناك دروس عن " السامي" وكيف تعرضوا للظلم من قبل ملك السويد، وحتى في أمريكا وكندا يكتبون عن الجرائم ضد الهنود الحمر. المسيحيون الغربيون يكتبون عن محرقة اليهود، وعن محرقة السنة العرب في سورية، وقد وزعت الكنائس في رمضان تموراً أكثر من الجوامع، عندما أذهب إلى ناد اللغة في الكنيسة أرى عدد العاملين فيها من المسلمين هم الأكثر. لماذا لا يخجل الغرب أن يتحدث كيف كان الناس العاديين يقتلون اليهود لأنّ الثقافة المتطرفة جعلتهم كذلك. عندما يقفون ضدّ شخصيّة ادعت أنها مريم العذراء، وتبشر بالكراهية وبعد أحداث مانشستر مباشرة ،وينصحون المربين أن يشرحوا للأطفال بأنّ الهجوم كان من قبل قلّة شريرة. المجتمع المدني المتنور كتب عن الحبّ، ولم يكتب عن الكراهية ،أقيلت تلك المسيح من منصبها، وشنت عليها حرباً إعلاميّة.
لا أرغب بقراءة مقالات الرأي السورية لعدم مصداقية أغلبها، لكنّني أمر عليها فأجد أننا نحن" من بنى الكون" ومرشحون لإعطاء فائض من الذكاء للغرب الذي احتضننا. ليس لدينا نقص في أي مكان، والحرب لم تشكل لنا إشكالات نفسية. في علم الصّحافة نتحدث فقط عن إحصائيات، فمن بين 200 حالة عنف أسري وقتل في السويد في عام واحد يفوز السوريين بالسبق، ويتقاسمون النسبة مع الأفغان والعراقيين، ويتراجع الفلسطينيون عن هذه النسبة فهم ربما أكثر اندماجاً لأنّهم يبحثون عن وطن، ووجدوا في الغرب وطناً لم يجدوه في ذلك الشّرق الذي قتلهم في أيّ دولة عربية حلّوا فيها.
في سوريا نوعان من السوريين الأوّل هو ما يدّعي أنّه ثوري، لكنّه رحل للغرب، ويعطي خطاباً ثورياً، والسّوري العادي الذي يبحث عن لقمة العيش، وهم الأغلبية سواء كانوا في الخارج، أو الداخل، ومن كل الأديان والقوميات.
تحدّث لي أحد الأساتذة مرّة ،وكان من الساحل السوري ويدّرس في القامشلي حيث كانت تعتبر منطقة نائية في تلك الأيّام . قال تصوري: بقيت ساعة كاملة وأنا أشرح لطالبة في البكالوريا أن أصل السريان عرب، وأن حاتم الطائي عربي، وعندما أعدت السؤال. قالت أنّها سريانيّة. هو يريدها أن تقول أنّها عربية، كما أنّه كان الحديث باللغة الكردية كان ممنوعاً، وقد تمّ إجراء تحقيق معي من قبل الأمن عندما كنت معلمة لأنّني طلبت من طالبة تجيد العربية والكردية أن تترجم لي ما يقوله التلاميذ الأكراد والذين لا أفهم لغتهم، وكان التحقيق بسبب مخالفة القانون.
الماضي مضى ، الوضع اليوم أصعب. لا أتحدّث في السياسة ولا العلم. أتحدّث في أمراض الاستبداد والحروب. هل يمكن لنا أن ننجو من الإشكالات النفسية التي يسببها الاستبداد ؟ وهل تلك العوائل التي كانت تعد بالإبداع وانكفأت إلى العزلة خوفاً على حياتها هي أمر طبيعي؟
للمجتمع المستبدّ أمراضه، ومن أمراض المجتمع السّوري ما هو قديم، وما هو حديث. القديم هو تأثرنا جميعاً بفكر المستبد حيث ننكر على الآخر هويته الدينيّة، أو القومية لأنّنا نخافه، والمستجدّ ظهور تيارات إسلامية وقوميّة مأجورة تحرّص السوريين على بعضهم البعض.
ليس صحيحاً أنّنا لم نكن طائفيين أو قوميين، لكنّنا لم نكن على هذه الدرجة من التطرّف. وربما سوف نصبح جميعنا متطرفين فمن يفقد عزيزاً قد يجد صعوبة ي البقاء على اعتداله.
في قراءاتنا الأدبية نقرأ عن أمراض البيئة المهاجرة ، واختلافها عن المجتمع الأصلي، وقد تبقى أجيالاً حتى تصبح جزءاً من النسيج الاجتماعي، نحن بشر، والبشر لديهم طريقتهم وتجمعاتهم، لكنّنا حصرنا تفكيرنا في أمرّ واحد كيف نلغي بعضنا البعض، فحرصاً على سورية الموحدة علينا أن نلغي اسم كردي، أو سرياني، أو آشوري. هو يريد أن تسميه باسمه ونحن لا نريد، مع أنّ اسم سورية نفسه مشتقّ من السريانيّة، وبالمقابل فإنّ الكثير من هؤلاء يتهمون المسلمين جميعاً بالإرهاب ، والجميع يقتل الجميع.
الحركات الإسلامية المتطرّفة تلاقي بيئة حاضنة لها اليوم، والعلمانيّة طائفيّة كذلك لها بيئتها المناطقية . هناك بقايا علمانيّة من السابق من جيل كان يسعى للتنوير، فربى أولاده على عدم التعصب الديني، لكنّه جيل خسر كل شيء بسبب الاستبداد وعدم وجود منافذ.
عندما ينتهي السوريين من قتل بعضهم البعض، ويقبل كلّ منا الآخر كما هو بلغته وعلمه، وفق قانون معين سوف يبدأ الشعب السوري بالنهوض من جديد، وسوف يكون العلاج هو العمل ضمن بيئة سليمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن