الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقتطف من كتاب نقد النساء - قراءة في تراجيديا عابدات باخوس

نايف سلوم
كاتب وباحث وناقد وطبيب سوري

(Nayf Saloom)

2017 / 6 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


III
المتن: قراءة النص
للمسرحية تسعة أشخاص، وهم حسب ترتيب ظهورهم على المسرح:
1- ديونوسوس: إله الخمر والمروج الخضراء، ورمز الحيوية المتدفقة في الإنسان؛ يعرف أيضاً بأسماء: باخوس، إيڤيوس، إيڤوى، ڤوى، بروميوس، ياخوس، ويظهر في صورة بشر. ثم يتجلى في صورته الإلهية قرب نهاية المسرحية.
2- الكورس: يتكون من نسوة آسيويات حضرْنَ من منطقة لوديا بمصاحبة الإله ديونوسوس وهو في صورته البشرية
3- تيريسياس: عرّاف مسنّ اعمى، يتمتع بمكانة وشهرة عالية بين أهل طيبة.
4- كادموس (قدموس): والد سِميلي التي أنجبت الإله ديونوسوس لزيوس الكريتي
5- بنثيوس ابن أجافي شقيقة سِميلي، وحفيد قدموس أيضاً، وابن خالة ديونوسوس و ابن إخيون
6- تابِع: أحد من كلّفهم بنثيوس بالقبض على ديونوسوس
7- الرسول الأول: يأتي من جبل كِثيرون طائعاً ليروي ما رآه هناك
8- الرسول الثاني: يرافق بنثيوس إلى جبل كِثيرون، ثم يعود ليروي ما حدث لبنثيوس هناك
9- أجافي: والدة بنثيوس، وابنة قدموس.
- المكان: مدينة طيبة عاصمة إقليم بيوتيا
- الزمان: أثناء حكم الملك الشاب بنثيوس.
المنظر: أمام القصر الملكي. يوجد على المسرح قبر يتصاعد من مكان مجاور له أعمدة من الدخان (سطر 6)؛ ويلتفّ حول أعمدة السور المحيط به فروع خضراء من نبات الكرمة (سطر 11 ) . أما واجهة القصر الملكي فهي على الطراز الدوري ذات أعمدة تحمل السقف (السطرين 591، 1214)."
في المنظر؛ نحن أمام قبر آسيوي يشير إلى أثر الصاعقة التي احرقت قبر سِميلي ابنة قدموس، وإلى قَصْر بناه البرابرة الغزاة الدوريين من شمال أوروبا تلتف حوله فروع شجرة الكرمة التي ترمز إلى الإله باخوس حارس الكرمة الاسيوي وقد أحاطت بالقصر."والواقع أن كنوسوس ومسّينا مجتمَعان لهما طابع "قَصْري" كما نُوِّه بذلك منذ أمد بعيد. وكنوسوس هي عاصمة الكريت القديمة، ازدهرت في القرن الحادي والعشرين قبل الميلاد شيّد فيها الملك مينوس قَصْره المشهور" يرمز المنظر إلى خليط من دين آسيوي "نباتي/ زراعي" من الشرق، وقصر للسلطة آخي -دوري بربري من الشمال والغرب-يتشبه بالقصر الكريتي في ظرف انحطاط سياسي وتحلل حضاري. والدوريون هؤلاء "قبيلة بدائية من العرق الهِلّيني غزت البيلوبونيز وأسست اسبارطة كمدينة "عسكرية". وكان الغزو الدوري قد دمّر في طريقه "نمط الإنتاج الآسيوي" تدميراً عنيفاً منذ بداية الألف الأول قبل الميلاد. والعرب تُشبّه الإبل بالقصور المبنيّة. قال في وصف النار:"إنّها ترمي بشررٍ كالقَصْر، كأنّه جِمالة صُفْر" . والشرر إذا تطاير فسقط وفيه بقية من لون النار، أشبه شيء بالإبل السود؛ لما يشوبها من الصُفْرة" والبروج، الحصون والقصور؛ قال: "ولو كنتم في بروج مشيدة" ولفظ البرج يوناني الأصل، وفي اللاتينية burgus، غير أنه ليس من المستبعد أن العرب لم يأخذوا البروج من اليونان مباشرة، بل بواسطة بابل أو إيران"
يظهر على المسرح تسعة أشخاص. والتسعة رَّهْط . وربما استعاروا للهجاء غير الوسم ، كقول "الهذليّ":
متى ما أشَأْ غير زهْو الملو كِ أجْعَلكَ رَّهْطاً على حُيَّضِ
وهذا البيت ذكره ابن قتيبة في كتاب "المعاني الكبير" وقال في شرحه: [الرَّهْط]جلد يُشقّ أسفله ويُترك أعلاه فيلبسه الصبيان، وهذا مثل، وإنما أراد: [متى ما أشأ] أسبّك وألبسك العار" وفي اللسان، الرَّهْط: جلد قدر ما بين الركبة والسرّة تلبسه الحائض؛ هو جلد تلبسه المرأة أيام الحيض، وكانوا في الجاهلية يطوفون عراة والنساء أرهاط" ولم تكن الحُيَّض من النساء تدنو من أصنامهم ولا تَمَسّح بها، إنما كانت تقف ناحية منها" . والرَّهْط: العِصابة من ثلاثة إلى عشرة. قال الخليل ما دون السبعة إلى الثلاثة نفر" جاء في سورة الإسراء (بني إسرائيل):"ولقد آتينا موسى تسع آيات بيّنات" ؛ أي الصفات السبع التي ثبتت لله تعالى وهي: الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والتكلُّم، مع القلب والروح. أمّا لمحمدٍ فيقول: "ولقد آتينٰك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم" أي الصفات الإلهية السبع والذات الجامعة لجميع الصفات. والمثاني هي ضَيفُ الذات إلى الصفات؛ فالرحمن (ضَيفٌ) نازل، وضِفته أضيفُه ضَيفاً وضِيافة بالكسر، نزلت عليه ضيفاً ، والرحيم في موقع الصفات (مضاف إليه)، فهو نزيل. والنفس الناطقة هي المنْزِل أو النُّزُل. وإنّما كانت الذات والصفات لمحمد، ولموسى تسعا لأنّه (موسى) ما أُتِيَ القرآن العظيم بل كان مقامه التكليم أي مقام كشف الصفات دون كشف الذات فله هذه السبع (الصفات) مع الإيمان والعِرْفان.
والصفات هي معرفة عين ما هو كائن؛ كمعرفة ماركس بالمجتمع البورجوازي المعاصر، بينما ترجع الذات إلى قيام جماعة بشرية مرشّحة بفعل موقعها الاجتماعي الاقتصادي، وبفعل وعيها التاريخي وتنظيمها لتجاوز هذا الشرط وتحقيق ما ينبغي أن يكون. بهذا المعنى يكون لمحمد الصفات والذات (السبع المثاني والقرار العظيم)، ويكون لموسى الصفات السبع مع القلب والروح (تسعة). إن ما يسمّى معرفة حقيقة "الشرط الموضوعي" محلّه الصفات ومقامه التكليم، وما يسمّى "الشرط الذاتي" في الثورات الاجتماعية والتحولات التاريخية محلّه الذات أو القرآن العظيم الذي هو موضع القرار التاريخي، والذي علامة ابتدائه: "اقرأ". وقرأت الريح: هبت لوقتها؛ وقرأت المرأة حملت وضدها نُسِئت.
كانت قبيلة قريش بالنسبة للمشروع المحمديّ معدن substance الذات التاريخية، وشكلت مع حلفائها كتلة تاريخية نقلت العرب من نظام القبيلة إلى نظام الدولة المركزية في إطار نمط الإنتاج الآسيوي/ التجاري ، بينما شكلت البروليتاريا الحديثة في روسيا بالنسبة لمشروع لينين الاشتراكي/الماركسي معدن ذات التغيير الحديث في سعيها لتجاوز الشرط البورجوازي الموضوعي؛ أي الشرط القائم والانتقال من نمط الإنتاج الرأسمالي الذي إسّه الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج إلى الاشتراكية/ الشيوعية. ولا يعني أنّ قريشاً بأكملها منخرطة إيجابياً في المشروع، وأنّ رجال المشروع المحمديّ حكرٌ عليها، كلا، بل كانت في قسم منها معادية للمشروع المحمديّ ، وشكلت في القسم الآخر الخزّان الأساسي لرجالات المشروع مستقطبة العديد من الوجوه القيادية الأممية كمثقفين عضويين ارتفعوا إلى منزلة العمل الجديد المعاصر. وهذا القول ينطبق على البروليتاريا الروسية سنة 1917 م ومعها بعض الوجوه الأممية من دول أوربا الشرقية.
و Muses (موسا) ربّات الفنون التسع يصدرن عن أمّهن أو إسّهن منيموزيني أو شخص الذاكرة Mnemosyne؛ في تسعة حروف. ففي الرقائق الذهبية التي يحملها المستلم في الأخوية الأورفو- فيثاغورية، يطلب من النفس ألا تدنو قرباً من نبع "لاتيه"(نبع النسيان) على الطريق الأيسر، وأن تأخذ الطريق الأيمن حيث تلقى النبع الذي يصدر عن بحيرة منيموزيني. وتُنصح النفس بأن تتوسل أمام حرّاس النبع كما يلي: "أعطني سريعاً من الماء العذب الذي يجري من بحيرة الذاكرة" والنسيان: ضد الحفظ، كقوله: "إنّي نسيت الحوت" . والنسيان: الترك؛ ترك العمل بالمعرفة المكتسبة كقوله: "ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي" ، أي ترك"
وأشخاص مسرحية إيون لـ يوريبيديس تسعة، وكذلك أشخاص مسرحية هيبولوتوس. والعدد تسعة كامل ومقدّس عند أفلوطين، صاحب كتاب "التاسوعات". وتسعة هو حاصل ضرب قوة الثلاثة الكونية لجهة الشيئية في قوة الثلاثة لجهة الذاتية (جهة الأمر)، هذا الضرب الذي يُظهر الكون في قوله " كُن فيكون".
إن الألفباء، حسب اعتقاد اليونانيين أنفسهم، تأتي رأساً من الفينيقية، ويصف هيرودوت فوينيتيكا "أحرف هذه الألفباء التي يعزو أصلها إلى قدموس الكنعاني الذي نُفيَ من صيدا فذهب ليؤسس مدينة طيبة في أرخوليدا(أرجوليد). ويجب في الحقيقة أن نرجع إلى نوعين من خطوط الكتابة "عالميين" فرضا على الشرق منذ الألف الثالث قبل الميلاد: المصري والبابلي، الأول (الهيروغليفي) مُؤكّد بكتابات عديدة ضخمة وببرديات، والثاني المسمّى المسماري، والمعروض بخاصة في المكتبة الواسعة المجموعة في نِينوى تلك المكتبة التي جمعها سنحاريب، ثمّ بكتابات القصور الحثيّة في المدن الكنعانية بعلبك (بعل باك) أو أوغاريت (رأس شمرا) أو المصرية كرُقُم تلّ العمارنة "
لقد وصلتنا مجموعة مختارة من مسرحيات يوريبيديس كانت تُدرّس في المدارس بعد وفاته. هذه المجموعة تتكون من تسع مسرحيات: هيكابي، أوريستيس، الفينيقيات، إندروماخي، ميديا، ريسوس، هيبولوتوس، الكستيس، الطرواديات. وهي تحتوي على تعليقات . كما وصلتنا مجموعة أخرى لا تحتوي على تعليقات وهي تسع مسرحيات أيضاً: إيفجينيا في أوليس، إيفجينيا بين التاوريين، المستجيرات، إيون، عابدات باخوس، كوكلويس، أطفال هيراكليس، جنون هيراكليس، الكترا" يلاحظ أنّه قد تمّ جمع مسرحيات يوريبيديس على شكل تاسوعات، وهي إشارة إلى قداسة العدد تسعة عند جامعها وعند يوريبيديس، مثلما هو العدد سبعة مقدّس عند كل من اسخيلوس وسوفوكليس؛ "من الملاحظ أن السبع مسرحيات التي وصلتنا من أعمال سوفكليس تمثل أروع ما كتب هذا الشاعر. ومن الملاحظ أيضاً أن السبع مسرحيات التي وصلتنا من أعمال اسخيلوس تضم أعمالاً فريدة" إن تقديس العدد تسعة يشير إلى انشغال يوريبيديس بمعرفة عين ما هو كائن (مقام التكليم)؛ إنشغاله بالكينونة وحقيقة المجتمع والتاريخ ، مع ما يرافق ذلك من الميل نحو الزهد والنفور من السلطة ومَقْتِها. وهي علامة على ذكرى قوية للديانة الكونية/ الطبيعية. يكتب في مسرحية إيون: "أما إذا تقدمتُ نحو مكان الصدارة في الدولة وأردتُ أن أكون شيئاً ما فسوف أصبح مكروهاً " ، ويقول عنه سارتون:"لم يشترك في الشؤون العامة وإنما كان طالباً وأديباً وفيلسوفاً إلى حد ما، وقد تأثر بهيراقليطس وأناكساجوراس كما أنّه كان صديق هيرودوت وسقراط" . بينما يعود تقديس كل من اسخيلوس وسوفوكليس للعدد سبعة إلى الانشغال بمسألة الخلق؛ الانشغال بما ينبغي أن يكون. جاء في سورة المُلْك:"الذي خلق سبع سماوات طباقاً ما ترى في خلق الرحمٰن من تفٰوُت فارجع البصر هل ترى من فُطُور" . وهذه سمة أساسية من سمات الدين التاريخي أو ديانات الأنبياء. إن تقديس الرقم سبعة جاء على الديانات الإبراهيمية بالميراث عن الديانات السامية (الآسيوية) العتيقة، لأن كثرة (تواتر) الرقم سبعة لدى عرب ما قبل الإسلام يقطع بأنهم كانوا يقدسونه أيضاً" و(فطر): يدل على فتح شيء وإبرازه. والفِطْرة: الخِلْقة. والمقصود بالآية: هل ترى إفراط في البروز أو الفطور والخلق. قال: "هو الذي خلق السموات والأرض في ستة ايام ثم استوى على العرش." "لأنّ الخلق اجتمع يوم الجمعة، وكان الفراغ منه يوم السبت (اليوم السابع). فسمّي يوم السبت يوم الراحة. وأصل السبت التمدُّد، ومن تمدّد استراح. ويقال: سبَتَتْ المرأة شعرها؛ إذا نقضته من العَقْص وأرسلته. قال أبو وَجْزة السَّعْدي:
وإن سبَّتته مال جثلاً كأنّه سدى واثلاتٍ من نواسج خَثْعما
أي إن مدّت شعرها مال والتفّ كالتفاف السّدى بأيدي نساء ناسجات" من خثعم.
إن سيّدين كبيرين موثوق بهما شرقياً يلتمعان في سماء البانثينون الهيلّيني: أبوللون وديونوسوس، الأول يكتفي وحده بتلخيص مجموعة الأديان والأساطير والطقوس المولودة في مصر وفي فلسطين وبلاد آشور وما بين النهرين. هاهو أمير الشمس هذا مختاراً من صلاة دانتي كما لو أن عابداً لإيزيس أو عشتار قد تصوّرها: أيتها الشمس، وأنت في علاك ظهراً. أيتها العذراء الأم، يا ابنة ولدك يظهر في هذه الصلاة ديالكتيك الطبيعة الأم السيّدة العذراء في الليل والشمس الابن والسيّد الخالق واهب الحياة للأرض في الظهيرة. في هذا الديالكتيك تظهر الشمس في باب أسماء المؤنّث التي لا علامات فيها للتأنيث، وهو الباب العاشر من شعر أبي نواس . الحد الرابع من شعره، وهو بابان؛ العاشر وهو في المؤنّثات، والحادي عشر، وهو في المُذكَّرات. الفصل الاول من المؤنّثات جاءت قافيته على الألف يقول فيه:
أعتلُّ بالماءِ فأدْعو بهِ لعلّها تنزِلُ بالماءِ
(وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) (وأمّا ما) أي الماء (ينفع الناس) ويُنبت المرعى (فيمكث في الأرض)
ويقول في بداية الحدّ الرابع:
مذَكَّرةُ الحذاءِ إذا استُهشّتْ لأمرٍ لم يثاقِلْها القيامُ
ويدخل لفظُها في كلّ قَلْب مَداخِلَ لا تُغلْغِلها المُدامُ
قال ابن قتيبة: في باب ما يذكّر ويؤنّث؛ "الموسى" قال الكسائي هي فُعلى، وقال غيره هي مُفْعل من "أَوسيت رأسه"، أي حلقته، وهو مذكّر إذا كان مفعلاً ومؤنّث إذا كان فُعْلى" [كـ أمْثل للمذكر ومُثْلى للمؤنث]، وتدخل الشمس في باب أسماء المؤنّث التي لا أعلام فيها للتانيث
إن أمير الشمس هو فوق ذلك معروف باسم آل - إيوس ، وهو أقرب الأقارب من الإله الخالد البابلي إيل، الذي أصبح في العربية آل-لاه (الله). ومنه "جبرَإلّ" في قراءة من قرأه بالتشديد. وقولهم جبرائيل معناه: عبد الله؛ فالجبر: العبد، والإلّ: الربوبية" ؛ هو طريق وقصد؛ الطريق عبد والقصد ربّ، وإنّه يملك الرقم سبعة، الذي هو رقم النجوم السيّارة، ولأنّه مولود في اليوم السابع من الشهر، وتحيّيه في مولده سبع بجعات بخفقات طيرانهن، مصوِّرات بذلك أيام خلق الكون السبعة، وهو الذي دعاه اسخيلوس "سباعياً" في تراجيدياه "سبعة ضد طيبة". وسيعطى الأطفال اليونانيون والرومان اسم "سباعي" (هيبا) الذي سيحمله الكثير من الأباطرة الرومان"
إن أصل اسخيلوس من مدينة أوليسِس، وهو مذكور في أسرار ديونوسوس -ديمثرا." "كان من حظ اسخيلوس أن توفّي في وسط العصر الذهبي. أما سوفوكليس ويوريبيديس فقد شاهدا في آن واحد عظمة ذلك العصر وما تبعه من انهيار وانحطاط سياسي. وتمكّن سوفوكليس من المحافظة على هدوئه بينما أصبح يوريبيديس أكثر كآبة إن لم يكن أكثر حكمة" . كان يوريبيديس عاطفياً وعصرياً أكثر منهما. أما اسخيلوس فـ "الفكرة الأساسية في مسرحياته هي فكرة الشؤم المستتر في الظلام والذي يظهر بالتدريج. فالعظمة البشرية تسبب حسد الآلهة. والزَّهو (hybris) hubris - كما في لسان العرب "الكِبْر والتِّيه والفَخْر والعَظَمة "- يتبعه الضَّلال. والكِبْر إظهار عِظم الشأن، وهو فينا – خاصّة - رفع النفس فوق الاستحقاق، والزَّهو على ما يقتضيه الاستعمال رفع شيء إياها(النفس) من مال أو جاه وما أشبه ذلك، يقال زها الرجل وهو مزهو كأن شيئاً زهاه . زهت الريح الشيء إذا رفعته، والزهو: التزيُّد في الكلام" والتِّيه أصله الحَيْرة والضلال وإنما سمي المتكبِّر تائهاً على وجه التشبيه بالضلال والتحيّر، ولا يوصف الله به، والتِّيه من الأرض ما يُتحير به" . وعندما وفد بنو أسد إلى محمد يعلنون إسلامهم كان فيهم خيلاء وعجرفة وخنزاونة (كِبْر)" . والآلهة تصيب المتكبّرين الفخورين المزهوين بالجنون والعمى. وإظهار التكبُّر وعقابه هو الحادث الرئيسي عند اسخيلوس ولكنه مخيف حتى أنه يتخذ مظهراً دينياً. والميزة الغنائية طبيعية هنا كما لو كانت في ترنيمة دينية. والمسرحية تبدو كما لو كانت رؤيا تنكشف تدريجياً أمام أعيننا كطقس ديني أو كتمثيلية تتعلق بالأسرار الدينية. والرؤيا تنكشف عن طريق الجوقة الغنائية وتعترضها المحاورة أحياناً. وتساعد هذه المحاورة على شرح ما يحدث. وتعمل في الوقت نفسه على وقف الإيقاع ووضع حد للترقب والقلق الذي قد يصبح غير محتمل" . يكتب يوريبيديس:" ليس التواضع مجرّد حكمة، وإنما المتواضع، إلى جانب هذا يتمتع بقدرة نادرة في النفاذ ببصره إلى الحق"
كان القرن الخامس قبل الميلاد كإحدى مآسي اسخيلوس يبدأ بعظمة وفخر لا يلبث أن يُغضب الآلهة ويثير حسدها. ثم ينتهي بانتقامها وبطشها بالأثينيين ودمارهم" إنه دراما كبيرة لديالكتيك صاعد يتبعه ديالكتيك هابط كما تصوّره لاحقاً الشيخ اليونانيّ! وهو الاسم الذي عُرف به أفلوطين عند العرب.
بعد وفاة أفلوطين (205-270 م) جمع فورفوريوس الرسائل، وكانت أربعاً وخمسين، وقدم لها بترجمة لحياة أفلوطين، ووزّعها على ستة أقسام في كل قسم تسع رسائل، فسُميت بالتُساعيات (التاسوعات) ، وقد قال في ذلك: "لم أرَ من المناسب أن أرتّبها مختلطة حسب أوقات صدورها، ولكن وزعتها إلى ستّ تسعات تكريماً للعددين الكاملين ستة وتسعة" وفورفوريوس (232-305م) هو ملخوس السوري المُلقّب بفرفوريوس الصوري أظهر تلاميذ أفلوطين. ولد في صور. وعرف أفلوطين في روما سنة 263 م، فلزمه واتّبع طريقته."
أوروپا ابنة أجينور ملك مدينة صور وأخت قدموس؛ أميرة فتنها (زيوس) وفضّها(فتحها) بتحوله عن صورة الثور. قال الشاعر:
ترى الثَّورَ مُدْخِلَ الظِّلِ رأسُهُ وسائره بادٍ إلى الشمس أجمُع"
أراد: "مُدخل رأسهُ الظلَ"؛ فقلب لأن الظل التبس برأسه فصار كل واحد منهما داخلاً في صاحبه" وهو كناية عن تداخل وتشاكل وتشابه السلطة مع المجتمع المدني وانقلاب الهيمنة! قال "الرّاعي" يصف ثوراً:
فصبَّحَته كلابُ الغوثِ يوسدها مستوضحون يرون العينَ كالأثرِ
وكان الوجه أن يقول: "يرون الأثر كالعين" لعلمهم بالصيد وآثاره فقلب؛ لأنهم إذا رأو الأثر كالعين، فقد رأو العين كالأثر" وهذا القلب ضرب من التهكم.
يأمر أجينور ابنه كادموس (قدموس) بالبحث عن أخته المفقودة. وتخبرنا حكاية بطولات كادموس كيف حُملت الأبجدية الفينيقية إلى اليونان وأصبحت بذلك أمّ الأبجديات الغربية بأسرها" .
وأوحى إليه فويبوس قائلاً: عليك بالمراعي النائية فسوف تقع عيناك على بقرة لم يُشدّ إلى عنقها نير ولم تضق بجرّ محراث معقوف؛ هي نفس حيوانية لم تُروّض بعقائد أو شرائع من قبل، فامضِ في أثرها واتبعها حيث تسير، وحيثما تقف شيد أسوار مدينتك وسمها بيوتيا. وهي مشتقة من كلمة بوس اليونانية التي تعني بقرة. ومعنى بَقَر: التوسّع في الشيء وفتح الشيء (انفتاح الكائن لجهة اليمين). ويقال بقِر الرجل إذا نظر إلى بقر كثير مفاجأة فذهب عقله؛ إنّه الاطّلاع على الأسرار الوجودية من دون تحضير واستعداد، والذي يقود إلى ذهاب العقل: " ولقد جعلنا في السماء بروجاً وزينّاها للناظرين، وحفظناها من كل شيطان رجيم، إلا من استرق السمع فأتْبَعه شهابٌ مبين" . فاختطف الحكم العقلي باستراق السمع لقربه من أفق العقل فنطرده ونبطل حكمه" . قال: "فإنّه يسلك من بين يديه ومن خلفه رَصَداً" أي يجعل بين يديه ومن خلفه رصداً من الملائكة، يحوطون الوحي من أن تسترقه الشياطين فتلقيه إلى الكَهَنة، حتى تُخبر به الكهنة إخبار الأنبياء، فلا يكون بينهم وبين الأنبياء فرق، ولا يكون للأنبياء دلالة" . وقد ذكر مسلم في صحيحه حديثاً انفرد به عن البخاري، في باب تحريم الكَهَانة واتيان الكُهّان. قال فيستخبر بعض أهل السماوات بعضاً حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا، فتخطف الجِنّ السمع فيقذفون إلى أوليائهم ويرمون به. فما جاءوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يقرفون فيه ويزيدون" وكان لدى العرب معتقد مفاده "أنّ لسادن الصنم رئيّ (تابع) من الجِنّ يأتي له بأخبار الغيب عن طريق استراق السمع من السماء الأولى فيخبر السادن بها (وأحياناً الكاهن) أفراد أبرشيته فيعتقدون أنه يعلم الغيب وعلى صلة بالسماء" "وقولهم في العيال البقرة: العيال الكثيرة. وقال يونس البقرة المرأة (النفس الحيوانية). البقير (وضده السليل): الولادة قبل الأوان مع موت الأم. بيقرَ: ساق نفسه أي قادها إلى النزع والموت. والسليل: الوليد. أما الخصي: فهو سليل الخصيين . لاحظ، فلدينا: زيوس الكريتي البقير وزيوس- أولمبوس (جوبيتر/ المشتري) السليل؛ سليل آلهة الطغيان والحرب. وقد أفرد القرآن الكريم للبقرة سورة (سورة البقرة) وهي الأولى في مصحف عثمان بعد الفاتحة، وهي من أطول السور وتبدأ بالحروف المُقطّعة (آلم) وعدد آياتها 286 آية؛ بالجمع الأفقي ثمانيتان(حاءان). والإمام الخامس عند الشيعة الاثني عشرية اسمه محمد وكنيته الباقر (باقر العلم). ومبقر: ناظر: "كان يرأس جماعة العهد الجديد"بريث حاداشة" (العيسويين أو الإيسينيين) كاهنان لكل منهما اختصاصه، يعرف أحدهما باسم "مباقر" أو الراعي، والذي عرف باسم (المعلم) أو (مسكيل) ومثله كان امين صندوق الاجتماع العام [المحاسب].. كان بايديهما اتخاذ القرارات حول مسائل العقيدة والنظام والطهارة والدنس وبشكل خاص مسائل تتعلق بالعدالة والممتلكات" . الأول "باقد" أي "المراقب" وهو يشرف على المسائل الدينية ويختبر الأعضاء الراغبين في الانضمام إلى الجماعة، والثاني، "مُبْقر" بمعنى "ناظر" [المحاسب] وهو الذي يتولّى الأمور المالية والإدارية" . وعندما قدم على رسول الله وفد نصارى نجران ستون راكباً. منهم ثلاثةٌ نفرٌ إليهم يؤول أمرهم: العاقب (الناظر) أمير القوم وذو رأيهم وصاحب مشورتهم والذي لا يصدرون إلا عن رأيه واسمه عبد المسيح، والسيد ثُمالهم، وصاحب رحلهم ومجتمعهم وأسمه الأيهم، وابو حارثة بن علقمة أحد بني بكر بن وائل واسقفهم وحَبْرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم"
وفي اسطورة "عنات والجاموس" الأوغاريتية الكنعانية: "عنات في بحثها عن مكان (أخيها) بعل بعد عِلْمها من خَدمه أنه ذهب للقنص (الصيد). تذهب في أثره، وحين تعثر عليه يقع في هواها ثم يضاجعها (يفتحها) في صورة بقرة." .
وأكتايون هو أحد أحفاد قدموس. وسِميلي ابنة قدموس قد حملت ببذرة زيوس الكريتي العظيم. وبنثيوس ابن أجافي خالة أكتايون وابنة قدموس أيضاً. لقد حلّت كارثة على آل أجينور. كانت جونو(هيرا) زوجة جوبيتر وأخته في الوقت ذاته سعيدة بهذه الكارثة، ذلك أنها كانت تطوي صدرها على حقد دفين لأسرة أوروپا منافستها الفينيقية من مدينة "صور". يظهر هنا التنافس التجاري الضاري بين الجزر اليونانية من جهة الغرب وبلاد الفينيق على الشاطئ الشرقي للمتوسط. يكتب جورج سارتون: "كانت التجارة الفارسية منظّمة ومتشعبة في جهات مختلفة. وقد تمكن الفرس من الجمع بين تجارة القوافل الواسعة في آسيا وشمال أفريقيا وبين تجارة الفينيقيين البحرية. وكان الفينيقيون بطبيعة الحال حلفاء الفرس في منافستهم لليونان وفي كرههم المتزايد لها" . ففي الفصل السابع عشر من الكتاب التوراتّي المُسمّى حزقيال، نستطيع أن نتأكّد من الاحترام المقدّم لفلسطين (كنعان وفينيقيا) حيث يتغنّى المؤلِّف باحترامها. وإننا لن نجد في مكان آخر، في النصوص التوراتية، نصاً تظهر فيه مثل هذه الحماسة الدنيوية: "يا صور، لقد قلتِ: أنا كاملة في الجمال. حدودك في قلب البحر، والذين بنوك قد جعلوكِ كاملة في جمالك. لقد كفيت ببضاعتك التي توزعين في أسواق ما وراء البحر، شعوباً عديدة، وأغنيت ملوك الأرض بتجارتك وثرواتك المكدّسة" ويضيف روسي: وأنت أيضاً تمجّدين الغنى والسعادة لبلد يتعاطى صِلات مربحة مع جزر إيجه وبلد اليونان، وتراقيا وسوريا، وجزيرة العرب، والهند وكلدان وآشور (حرّان الفرات، وهادن وآشور)، وأثيوبيا، الخ .. إن كتاب إيزيشيل (حزقيل بالعربية) مفهوم (مكتوب) باللغة الإغريقية، مثله مثل جميع النصوص التوراتية التي هي جميعاً بالإغريقية"
إن ديونوسوس هو ابن زيوس (الكريتيّ) من سِميلي ابنة قدموس. هكذا يكون بنثيوس ابن خالته، كلاهما من نفس واحدة هي النفس الكونية في تخصيصها كنفس ناطقة، واحدة تصعد بالإيمان وأخرى تهبط بالكفر. إن بنثيوس هو سليل زيوس (الآخي -الحربي)؛ أو هو الوجه السلطوي المتجبّرللدوريين البرابرة الغزاة المنحدرين من شمال ووسط أوربا. بنثيوس ابن إخيون أحد العمالقة المسلحين الذين عرفوا بلقب Σπαρτοι من أجافي ابنة قدموس. عندما زحفت عبادة الإله ديونوسوس نحو طيبة كان بنثيوس شاباً في مقتبل العمر وكان قد تسلم السلطة حديثاً من جده الملك قدموس"
البيت الشعريّ عند يوريبيديس خماسيٌّ، لهذا السبب يبدأ ترقيم الأبيات في المسرحية بـ (5)، ما يشير إلى نزعة الشاعر الكونية / الطبيعية. إننا نعرف التقدير الذي كانت العصور الوسطى تحمله للمخمّس، صورة تامة، وجوهراً إلهياً، أليس هو الصورة الثانية لنجمة المجوس ذات الفضائل الخمس المنطلقة في أغصانها الخمسة. "وأمر الجموع أن يجلسوا على العشب ثم أخذ الأرغفة الخمسة والسمكتين ورفع نظره إلى السماء وبارك وكسر الأرغفة وأعطاها للتلاميذ فوزعوها على الجموع فأكل الجميع وشبعوا ثم رفع التلاميذ اثنتي عشرة قفّة ملأوها بما فضل من الكِسر وكان عدد الآكلين نحو خمسة آلاف رجل عدا النساء والأولاد" . وسيكون الرياضيّ الشهير من القرن الثالث عشر كامبانوس من نافار، شارح اقليدس، الموحي لدليلين في عصر النهضة: البيرتي، والأسقف الفرنسيسكاني لوقا باتشيمولي، ولقد أهدى هذا الأخير في مؤلفه الشهير "النسبة الإلهية" إلى لودفيك المراكشي وأخذ لحسابه نظريات فيثاغورث المعروضة في تيماوس أفلاطون. إنّه سيسمّي فنّ البناء حول النسبة الذهبية مرقّمة في معادلة تحقق 5√ (جَذْر 5) ، هذه النسبة مقترنة عنده بأمر خفي، ثابت وغير معقول (في الظاهر)، إنّه على صورة الثالوث المقدس؛ على هيئة مثلث قائم وتره (5√). وأنّها وحيدة وتستمد منه العلم السريّ." وفي الكتاب المنسوب إلى الخليل: الجَذْرُ أصل الحِساب، يقال عشرة في عشرة مائة. قال الأصمعي: الجَذْر الأصل من كل شيء" قال الفرزدق:
ثلاث واثنتان فهنّ خمس وسادسة تميل إلى شَمام
فقلن له نواعدك الثُريا وذاك إليه مجتمع الزحام
فبتنَ بجانبيَّ مصرّعات وبتُّ أفضّ أغلاق الختام
ومنذ أن أعرض نصارى نجران عن مباهلة النبي، ومنذ أن قال: لو باهلوني لما حال الحَوْل على واحد منهم ولأهْلَك الله الكاذبين؛ فمن ذلك الوقت سُمِّي الخمسة أصحاب الكساء: محمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة وسادسهم جبريل وكنيته سلمان. انضمّ إليهم واندس فيهم تقرباً إلى الله بمداخلتهم. قال النبي: سلمان منّا آل البيت، وقال لينين: لم يترك لنا ماركس في رأس المال منطقاً (مجرداً) ولكنه ترك لنا منطق الرأسمال (مندساً).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في زلة لسان جديدة.. بايدن يطلب من إسرائيل ألا تقتحم حيفا


.. اعتصام أمام البرلمان في المغرب للمطالبة بإسقاط التطبيع مع إس




.. ما طبيعة الرد الإسرائيلي المرتقب على هجوم إيران؟


.. السلطات الإندونيسية تحذر من -تسونامي- بعد انفجار بركان على ج




.. خيمة تتحول لروضة تعليمية وترفيهية للأطفال في رفح بقطاع غزة