الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأنسان - الجمهور

مروة التجاني

2017 / 6 / 2
مواضيع وابحاث سياسية



- ارتبطت الأزمنة الحديثة بظاهرة هامة هي ( التجمهر ) أكوام هائلة من البشر تملاء المقاهي ، المسارح ، مترو الأنفاق ، الشوارع ، الحدائق ، وبعد الإمتلاء لاتزال هناك أعداد متزايدة تنتظر حجز مكان فارغ لها ، هذا زمان صعود الجماهير إلى الحياة العامة .لا نعني بالجمهور هنا الجماهير التي توحدت تحت هدف معين بل ظاهرة تحول الفرد العادي إلى جمهور . الفرد هو جمهور في ذاته . بمعنى إنه حامل لأفكار ونماذج وطرق عيش الجماهير الخارجية والمنفصلة عنه . ماهو تعريف الجمهور المقصود هنا ؟ .. هو كل من لا يقوم نفسه إن خيراً أو شراً بأسباب نوعية وإنما يحس بنفسه مثل سائر الناس، وهو لايقلق مع ذلك ويحس نفسه على ما يرام عند إحساسه إنه طبق الآخرين. في الماضي كانت الأقليات أو النخب المثقفة هي من تحتل المراكز السياسية وتهتم بالأعمال الفنية والأدبية ، كان رواد المسرح وأمسيات الشعر هم مجموعات ذات بعد نخبوي ثقافي ، اليوم تمكن الجمهور من إزالة هذه النخب واحتل مكانها لكن الكارثة إنه لايزال يتمسك بكونه جمهوراً ويهاجم كل ماهو مختلف وجليل وفردي ونوعي ونخبوي .




- اسلوب حياة الجماهير انتقل لجميع مناحي الحياة ، تحول التفكير الفردي لجماعي ، وفي المناطق البعيدة والقصية التي ينشدها السعداء- طالبي العزلة تسلل تفكير الجماهير إليهم ، كل ما ينتج في عالم اليوم من المادة يقع أولاً في أيدي الجمهور بل هو يصمم في البدء لهم ، لإرضاء رغباتهم الاواعية ، ولنأخذ على ذلك أمثلة من الماضي والحاضر : كانت الكتب والورق في أزمنة سابقة قاصرة على فئات مجتمعية بعينها هي النخب وكذلك في بدايات القرن حيث تم اكتشاف التلفاز ففي السبعينات والثمانينات كانت أعداد كبيرة من الجماهير لا تملك هذه الأجهزة ، اليوم تفكر شركات التقنية في انتاج اعداد هائلة وجديدة كل عدة أشهر بما يفوق توقعات قانون مور لإرضاء الجماهير ، والحق يقال هي لا ترضيهم بقدر تعاملها معهم كفئران التجارب وبغرض الربح وإلا ما تفسير أن يملك شخص يعيش على تخوم الفقر جهاز هاتف بسعر كبير .. بل أن حلمه حين يملك المال أن يقتني أحدث واكبر هذه الأجهزة لماذا ؟؟ سؤال موجه للاوعي خاصته. نحن بذلك لا ندعو لحرمان الجماهير من الحق في التمتع بالملذات بمقدار ما هو تشريح لجسد الأنسان - الجمهور .




- لم تعد الدولة والأفراد كما هو الحال في التاريخ البعيد حيث المركزية المطلقة لقبضة الدولة بل تبدلت الأدوار أو بالأحرى تغيرت منذ منتصف القرن الماضي إلى وقتنا الراهن ، في السابق كان الجميع خاضع لسلطة الدولة فهي من تنظم شؤونهم وتعمل على حل قضاياهم ، لم يختفي هذا الدور بالمطلق فلا زالت الجماهير في سائر بقاع العالم تخرج لمواجهة الدولة بمطالبها ، إنما هو تغيير جديد بالنسبة للأفراد حيث وجدوا أن الدول الحديثة مشغولة ومهمومة بقضاياها الأمنية والدفاعية وغيرها ، فكان أن تحول الأفراد لسلطة بذاتهم فتجمعوا في منظومات تعمل لوحدها على حل قضاياهم ومن ثم حل قضايا المجتمع، مثال ذلك تجمع عدد من الأفراد المصابين بالسرطان تحت راية منظومة ربما لاتتبع حتى للدولة يعملون فيها على مساندة بعضهم البعض وحل مشاكلهم دون اللجوء للدولة . ليس هذا فحسب بل تحول الفرد - الجمهور إلى مرآه عاكسة لجميع سلطات الدولة ، يقول سيدنا فوكو أن المجتمع تحول لآداه سلطة والآن تحول الفرد بذاته لسلطة عاكسة للسلطة القائمة ، فهو يعرف عن قانون ما ويسعى لتطبيقه في محيطه دون الحاجة لتدخل السلطات الرسمية ، يدرك الفرد نوعية وماهية التعليم السائد في بلاده فهو حين يقوم بإفتتاح مؤسسته التعليمية الخاصة لن يخرج عن النهج العام بل سيسعى لأن يتماشى ما يتم تعليمه مع نهج الدولة مع اخذه في الإعتبار تطورات العصر فيما يتعلق بالمنافسة ، الفرد - الجمهور هو انعكاس جميع سلطات الدولة من الشرطة والقانون والدين والثقافة دون الحاجة للتدخل الرسمي ، إنه عصره بإمتياز ، مثال ذلك إذا وجدت نفسك في محيط دائرة يلتزم بزي خارجي معين وجئت لكسر هذا التقليد فأنت لن تتلقى المواجهة والصدام الأول العنيف من الدولة بل من الأفراد ذاتهم ، عليك مقاومة الفرد - الجمهور قبل مقاومة الدولة وسلطاتها الرسمية .




- يجد الفرد - الجمهور نفسه حالياً في عصر تشبع بكل العصور السابقة وإمتلئ بحضارتها ، عالم الفرد اليوم هو الكرة الأرضية كلها ، هناك خوف من المستقبل القادم حيث يخاف الفرد هنا من اقرانه الأفراد - الجماهير ومن الغد الذي ربما يشبه اليوم أو الأمس ، بدافع هذا القلق يسعى ليكون موجوداً ، بارزاً ، يريد تحقيق النجاح بسرعة ، اليوم لم يعد الفرد - الجمهور مجرد مواطن عادي يكتفي بقليله بل يرى في ذاته بطلاً خارقاً ، نخبة مصطفاه ، هو الدولة ، وتفسر هذه النظرية جزء من تمظهرات عديدة موجودة في المجتمعات وبخاصة العربية منها ، فالفرد المنضم للدولة الإسلامية بعيد عن مسببات أخرى يسعى لتأكيد وجوده ودوره في صناعة التاريخ ، وأيضاً بعيداً عن مسببات أخرى يسعى الأفراد - الجماهير لتأكيد وجودهم في المجتمع وتكوينهم لسلطة جديدة متمثلة في المنظمات الخيرية والطوعية بعيداً عن مركز السلطة والنخب القديمة . هناك سلطات جديدة تنشأ قوامها الفرد - الجمهور .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احمد النشيط يصرح عن ا?ول راتب حصل عليه ????


.. تطور لافت.. الجيش الأوكراني يعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسي




.. أهم ردود الفعل الدولية حول -الرد الإسرائيلي- على الهجوم الإي


.. -حسبنا الله في كل من خذلنا-.. نازح فلسطين يقول إن الاحتلال ت




.. بالخريطة التفاعلية.. كل ما تريد معرفته عن قصف أصفهان وما حدث