الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عشرون تيه بين أيار وحزيران

عدنان الصباح
(ADNAN ALSABBAH)

2017 / 6 / 3
القضية الفلسطينية


بين ايار 1948 وما اسمي في حينه بالنكبة وحزيران 1967 وما اسمي في حينه بالنكسة هزيمتين على شاكلتين مختلفتين فقد جاءت الاولى بحق على شكل نكبة لا على شكل هزيمة, نكبة كانت قائمة اصلا في وطن عربي مستعمر بالمطلق فلم يكن هناك بلد عربي واحد كامل السيادة والاستقلال بالمعنى الفعلي بل كانت جميع الدول العربية تخضع حقيقة للسلطة الاستعمارية الفرنسية او البريطانية بما في ذلك دول المواجهة والظهير كمصر والاردن زلبنان وسوريا وحتى العرق ودول الخليج العربي وبالتالي فان حجم النكبة الحقيقي بكل تداعياته كان مبررا بل وكان مسببا للنهوض لا للنكوص وعلى اثر ذلك ظهرت الحركات الاحتجاجية العربية بكل اشكالها وفي المقدمة الانماط الثورية منها فاجتاحت العالم العربي حالة من التغيير الثوري وان كان انقلابيا في كثير من الاحيان ففي مصر كانت ثورة 1952م بقيادة الجيش المصري والتي اخذت فعلا شكل الثورة بتحولاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وما رافق ذلك من تحولات في الوعي وتجلياته حتى كاد الامر يقترب من نموذج وليد يمكن ان يتنامى لفكر عربي حقيقي وظلت الحركة الثقافية في مصر تتنامى مترافقة بقراءة متقدمة للثورة وفعلها والدفاع عنها وان كانت لم تصل الى اطلاق العقل النقدي التطويري والتنموي للثورة وادائها بل اكتفى المثقفين والكتاب بدور المصفقين للثورة وادائها وغابت كليا الرؤى النقدية القارئة بعين النقد والتطوير للثورة مع ان الحال افرز عديد المبدعين الثوريين الناقدين وخصوصا في مجالات الادب وظلت القراءات الفكرية اما جنينية او مؤيدة مصفقة للطبقة السياسية وهو ما يمكن تسميته بغياب الثورة الناضجة بسبب نشوئها الانقلابي النزق الذي اعطى الجيش حق الحلول مكان الشعب وظل غائبا الغطاء الفكري للثورة بمضامينها الاقتصادية والاجتماعية وفيما عدا الفهم البدائي للاشتراكية عبر احزابها الشيوعية المدجنة سوفياتيا عبر عضويتها في الاممية الشيوعية فان القوى الاخرى جاءت تقليدية منذ الحركة العربية الفتاة المقلدة للقومية التركية والتي ظلت بكل ضعفها الى ما بعد الحرب الاستعمارية الثانية وكذا سقوط فلسطين الشرارة التي ايقظت نفس الجيوش المهزومة لتنتقم لشرفها العسكري لا لتعيد صياغة التاريخ ثوريا ومن الاساس عبر تغيير ثوري حقيقي اقتصادي واجتماعي مترافق بثورة فكرية كاملة وبذا فقد ظلت القوى القومية التي وصلت الى سدة الحكم من خلال الجيش كحزب البعث العربي الاشتراكي في العراق وسوريا تتراوح مواقفها بين يسار خجل ويمين متأصل فهي اي تلك الانظمة تقيم علاقات وطيدة مع المعسكر الاشتراكي واقمع فكره ومؤيديه في بلدانها بل وتغازل علنا احيانا القوى الدينية كالإخوان المسلمين دون ان تجد طريقا للفكاك من ارثها الديني كارث سياسي ولا للانطلاق الى فضاء الشيوعية كحلفاء جدد ولا ان تجد لها فكرها ومكانتها المتميزة ففي حين وجدت دول اوروربا الغربية بالرأسمالية وفكرها الليبرالي نموذجا ووجدت اوروبا الشرقية بالاشتراكية وفكرها الشيوعي نموذجا مناقض ظلت قوى الجيش السياسي في العالم العربي عاجزة عن اكتشاف جوهرها لا اقتصادا ولا فكرا وبذا تاه العرب جميعا فقد تاه العسكري المنتقم في مصر والعراق وسوريا وكذا التجارب في الاردن ولبنان وما ابعد حتى في الجزائر التي انقلبت على ثورتها الشعبية الاصيلة منذ بداياتها لتحول حزب الثورة الى حزب يحكم بالجيش وبدل ثوار جدد قادمين للتغيير تم تجييش الثوار بل تثوير الجيش ان جاز التعبير وظلت تونس بلد صغير غير مؤثر في البيئة الثقافية والفكرية العربي بما يضمن التأسيس لوعي ثوري مختلف وان اختلفت منطلقات وتجليات ثورتها اجتماعيا متأثرة بأوروبا الرأسمالية وفكرها الليبرالي اكثر من غيرها.
المهم ان ما صبغ صورة الوعي عند العربي في الفترة الواقعة ما بين نكبة 1948 وما قبلها وهزيمة 1967 وما بعدها هي صورة القبول بالحائط القائم ورفع مداميكه فسائر المثقفين العرب من ادباء وشعراء وكتاب وحتى مفكرين كان من المفترض ان يؤسسوا لفكر جديد اكتفوا بدور المصفقين للصانع الجديد للحكم لا للثورة فسواء في تجربة ناصر الذي رفع مستوى توقعات الامة منه مختصرا شعاراته بالقوة السياسية مستفيدا من اعلان النصر في حرب 1956م ومستندا الى انجاز واحد لم يره الشعب كمكونات جديدة للمجتمع واقتصاده بل كنصر للحكم ومؤسساته وقد رفع صناع الوعي الثقافي عبر الكلمة المكتوبة والمسموعة بل والمرئية ايضا سواء في السينما او التلفزيون سقف التوقعات من اباطرة الثورة وبدات صورة عبد الناصر كصورة البطل الخرافي او الصورة الاسطورية للبطل حتى وصل الامر بالامة لانتظار انتصار عبد الناصر لا انتصارهم هم ولا بلادهم وكانت ضخامة الصورة المصنوعة للذات والتقزيم الدائم للاعداء حد التسخيف قد بنت لدى العربي المثقف او العربي المبدع اطارا وسجنا يصعب عليه الفكاك منه الا بتعريض ذاته وفكره للموت فامتلات اصلا سجون ناصر ذاته بالكتاب الناقدين والطلبة وكان نموذج احمد فؤاد نجم والشيخ امام وصمة في تاريخ الثورة المصرية التي حملت اسم قائدها فصار لدينا ثورة ناصرية لا مصرية وقد ترسخت الحالة العاطفية في تاليه الفرد العربي فصار ناصر قائدا لكل العرب بل وصار ناصرهم وانطلقت الحناجر باسماء القاهر والظافر والناصر ولاحظوا انها تنحت اسمها من اسم الرجل الذي سيجلب لنا النصر ذات صباح ونحن نيام.
بابا نويل الثورة هذا خيب ظننا وصعقنا بما صحونا عليه صبيحة يوم الاثنين الخامس من حزيران 1967م ولم يطرق باب بيوتنا بلحيته البيضاء وسلة الهدايا بل طرق جدران بيوتنا بصواريخ الاعداء تظهر عرينا وحقيقتنا الكرتونية هذا الجبار الناصر المنقذ تحول بثواني الى رماد فانهار معه كل النافخين به وبصورته وباسمه ولذا حين حاول الرجل ان يكون بحجم ما وصفوه به وان يعترف بخطيئته منعوه ليس حبا به بل دفاعا عن كذبتهم باسمه فقد كان لا بد لهم ان يستعيدوه وان يجبروه على البقاء ليدافع عنهم لا عن نظامه حتى ولا عن البلد فقد ادركوا جيدا ان غياب ناصر سيعني قطعا غيابهم فاستعادوه واجبروه على ان يحتفظ بصورة البطل حتى قتلوه ولو بالمعنى المجازي للكلمة.
هزيمة حزيران اذن شكلت انهيارا وليس انكسارا فلم يبق حجر على حجر في بنيان الكذبة الاسطورية وتحولت دولة الاحتلال من الدجاجة التي ننتظر اكلها الى البعبع الذي ابتلعنا بين ليلة وضحاها ولان الاصل هشان ليس سياسيا فقط بل واقتصاديا واجتماعيا وبالتالي فكريا فلم نجد ما نحمي به ذواتنا من وعي فكفرنا فورا بكل شيء وبل التأسيس لفكر قاريء ناقد متمحص للتجربة وجدنا نموذجين عجيبين في التجارب البشرية نموذج الاول تبريري ترقيعي يصر على التمسك بالنموذج الفاشل نفسه وترقيعه والدفاع عنه واعادة طرحه من جديد بنفس الصفات القديمة البالية وهم مصفقين الانظمة ونموذج صارخ ناقم لاعن لا هم له سوى الشتيمة وبلا اية مضامين وبينهما جاءت الثورة الفلسطينية لتحمل لقب المقاومة ولتصر على الاحتفاظ باللقب ولتستخدم لقب الثورة بخجل وقد وجد بها الشباب الفلسطيني والعربي متنفسا وبدل ان تكون اداة للثورة في كل الوطن العربي تحولت الى متنفس للثوريين وأعطت تلك الانظمة فرصة لالتقاط الذات فلم يتشكل عنا ادب وفكر ثوري نقدي بل ظهرت نماذج للأدب الساخط الغاضب بلا مضامين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هنية يزور تركيا لإجراء محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردو


.. توقعات بموجة جديدة من ارتفاع أسعار المنتجات الغدائية بروسيا




.. سكاي نيوز عربية تزور أحد مخيمات النزوح في رفح جنوبي قطاع غزة


.. حزب -تقدّم- مهدد بالتفكك بعد انسحاب مرشحه لمنصب رئاسة مجلس ا




.. آثار الدمار نتيجة قصف استهدف قاعدة كالسو شمالي بابل في العرا