الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
دروس في تدبير القرآن لا تأويلا ولا تفسيرا 3
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
2017 / 6 / 3
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
بسم الله الرحمن الرحيم
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ{1} مَلِكِ النَّاسِ{2} إِلَهِ النَّاسِ{3} مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ{4} الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ{5} مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ{6}
تبدأ سورة الناس كالعادة في السور الأمرة بلفظ (قل) الذي يعني عند الناس أن الله خط لهم طريقة ما لها هدف وغاية ومنهجها من داخل كلمة الدلالة (قل)، البعض يرى أنها واجبة الإتباع مطلقا والأخر يرى فيها من المنهج الإرشادي للباحث عن تحقيق هدف، البعض تطرف في الفهم وقال أن المفتاح (قل) هو خطاب خاص للمناشد به وهو النبي وغيره لا يمكن أن يكون معنيا إلا باللاحقة (أعوذ برب الناس)، لكل منهم حجة والرأي أن المفتاح عام وهو خبر لمبتدأ محذوف تقديره (يا أنت).
العوذ هو الألتجاء والأحتماء بقوة قاهرة مقابل قوة لا قبل لنا فيها، فنعوذ بالأول من الثاني ونستحكم بها، والعوذة مفهوم غارق في القدم مارسه الإنسان تأريخيا بأشكال شتى وليومنا الحاضر، برموز وأشياء وموضوعات يرى فيها أنها تحصنه من بأس القوة المقابلة، الله تعالى بهذه السورة حسم الأمر قطعيا، وجعل العياذ به هو المفهوم الأسلم والأجدر لمن يخشى التطير أو الفأل السيء أو الشعور بالضعف تجاه فوة الأخر، لذلك أميل إلى أن خطاب (قل) خطاب إرشادي وأختياري وليس إلزاميا أو مولويا، لأنه خطاب تبعيضي للبعض دون الأخر.
رب الناس وليس الله محل الأستعاذة وأداتها وهذا يعود للتفريق بين مفهومين محددين الله الذي هو الرحمن الرحيم والذي جعل نظامنا الكوني التكويني مركبا من مضادات وتضادات لغرض الأبتلاء والديمومة، وبين رب الناس الذي يعني المدير والمدبر لحياة الناس، فالتخصيص هو مصدر التفريق وليس التفريق للمخالفة كما يظن البعض أن رب الناس ربما يكون هو غير الله بأعتبارأن الله رب الأرباب وقد يكون رب الناس هو واحد من الذين يستربهم الله ومسيطر عليهم، وهذا بحث طويل وغارق في الخصوصيات العرفانية.
فهذا الرب هو ملك أو مالك أو المتملك لحركة الإنسان ومسيطر عليها بالقدرة الممنوحة له من الربوبية ذاتها، فعندما يكون المالك حريصا على ما ملك يكون أكثر قوة وقدرة على حماية ملكه من تصرف الأخر وخاصة إذا كان من غير جنس الناس وهي كل المخلوقات التي لا توصف بالناس، في الآية اللاحقة نكتشف أيضا أن هذا الرب والملك هو إله الناس خاصة وليس الله كما يقرأ ظاهريا، هنا تظهر إشكالية في الخطاب الرباني من خلال تخصبص إله قد يوحي لمن يقرأ ظاهر الكتاب أن إله الناس ورب الناس وملك الناس له ماهية غيرية سواء كانت فرعية أو تبعية من الله.
الرب والمالك والأله مجموعة مفردات وردت كثيرا في نصوص القرآن بصيغ مختلفة في الدلالة الخاصة غير دلالة الله الرحمن الرحيم، ولكن ما يوحي أن الله خصص هذه المفردات لأغراض خاصة وأهداف محددة الهدف منها إخراج المتعوذ من دائرة الرحمانية المطلقة التي يتميز بها لفظ الجلالة على أنه واسع الرحمة ورب الخلائق كلها وهو الذي خلق المتعوذ والمتعوذ منه لعلل وأسباب وغايات، فأوكل القوة المستعاذ بها للجزئية المعنوية من قدرته الواسعة والمتنوعة والمتخصصة وليس إشهارا بوجود أله متعددة لكل خلقة ومخلوق إله خاص به.
هذه القوة التي تستهدف من بين ما تستهدف كل فعل مناف للخير ومعارض له على وجه التحديد، وليس نوال الخيرات والرحمة من الله وإن كان التخلص والأستعاذة من الشر في الأخر هو خير مطلق، ولكن أراد الله أن يحصر الإستعاذة فقط بالإخلال في الميزان الذي وضعه {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }القمر49 ، فالقدر هنا هو ضبط التوازن بين المخلوقات والموجدات دون أن يتقاطع شيء مع شيء لا بالوظيفة ولا بالوجود والدليل أن الله خلق إبليس وآدم في معادلة توازن {قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ }الأعراف24.
الشر المستعاذ به ليس كل شر يمكننا أن نصفه أو نعرفه أو نعتقد أنه شر، بل حدد مجال الإستعاذة بما يفعله (الوسواس الخناس)، فمن يوسوس ومن ظاهر الفهم أنه الوحي الذاتي أو الخارجي الذي يحدث الإنسان دون أن يستطيع الإنسان أن يخرجه من حالة الخنس وهو السكون الصامت الذي يتحرك في مواقف ثم يعود لخنسه كما أنه غير موجود، الإشارة بالتحديد هنا إلى المشاعر السلبية أو الإنفعالات النفسية الذاتية التي تتولد نتيجة لظروف وحالات غير إرادية في داخل النفس البشرية التي حدد محلها ومأواها ومحمولها المكاني بقوله في صدور الناس، فالوسواس الخناس أكثر تعلقا وتأثيرا على القلب والمنظومة الحسية الحيوانية الطبيعية التي هي مناط القوة النفسية الثانية والتي محلها القلب ومظاهرها الحواس الخمس، وهذا نفيا قاطعا وتأكيديا أن الوسواس لا يتعامل ولا يؤثر على العقل وقدراته ولا يمكن أن يتغلب عليه إلا من خلال إنهيار النفس الحسية.
قد يقول أحدهم أن الإنفعات تلك والوساوس وإن كانت تمس وتؤثر على النفس ولكن بوجود إشارة في أخر السورة من أن هذه البواعث مصدرها (الجنة والناس) تؤكد أن العقل ربما سهل التأثير عليه من قبل الجن ويتحول الإنسان نتيجة لذلك إلى مجنون، الجواب أن الجن يستفزون الإنسان حسيا والناس تعمل بنفس الطريقة مع أختلاف الصورة الحدوثية، أما الجنون والذي يعني ذهاب العقل، ليس مصدره سيطرة الجن على عقل الإنسان، بل بسبب إنهيار القوى النفسية الحسية التي يعتمد عليه العقل في عملية التفكر والتدبر والتعقل هي التي تنهار بفعل الوسواس وأثره، مما يجعل النظام العقلي غير قادر على الأنتظام لأن المغذيات الإدراكية غير قادرة على أن تصل بالصورة الطبيعية المعتادة، ولو تم معالجة الحال لعاد العقل إلى نظامه الطبيعي وهذا ما يحصل عادة من خلال العلاج النفسي والنجاح في إعادى التوازن لفعل النفس الحسية.
من كل ذلك نستخلص أشياء مهمة من هذه السورة القصيرة العميقة في دلالاتها العلمية والضبطية، منها أن الجنون لا علاقة له بالجن كسبب مباشر، وأن النفس البشرية بإمكانها التغلب على عوامر الأضطراب والأهتزاز الناتج من تدخل قوى خارجية في ضبط إيقاع عملها، وأن المستعاذ بها من أدوات أو تمائم أو عوذ يصنعها البشر ويعتقد أنها نافعة لا يمكنها أن تكون بديلا ناجحا وناجعا عن الأستعاذ برب الناس الذي هو المسئول الأول عن المساعدة في إصلاح الناس من خلال التقيد بروحية الأستعاذة والصدق فيها.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - الجنة والناس
طاهر مرزوق
(
2017 / 6 / 3 - 19:30
)
الأستاذ الكريم
فى شرحك الخاص لسورة الناس تقول أن الله يقول للمؤمنين أن يطلبوا الحماية ويلجأوا إلى رب الناس (لأن الأرباب كثيرة والله هو رب كل الأرباب الذين لا نعرفهم)، ليحتموا برب الناس من البواعث الشريرة التى مصدرها الجنة والناس لكنك لم تقول أن الجنة هى الجنة كما قلت أن الناس هى الناس، لكنك أدخلت الجن فى الموضوع ثم الجنون وخلصت فى النهاية أنه لا تأثير لهم على عقل الناس والعلاج الناجع هو الأستعاذة برب الناس!
لم تقول لنا أن الله كان يقصد بالفعل كلمة الجنة مثلما قصد كلمة الناس، والمنطق يقول حسب سياق السورة من المحتم أن الله كان يطلب حرفياً الإستعاذة برب الناس من البواعث السلبية التى مصدرها الجنة والناس، وهذا يجعلنا نراها سورة ساذجة الكلمات والأهداف لأنك أستاذى قد هدمت شخصياً السبب فى الأستعاذة أى المصدر حيث الناس لا تأثير لها على عقل الناس حتى الوسواس الخناس، لكنك لم تذكر الجنة وكأنها لا وجود لها وأستخدمت ألفاظ أخرى مثل الجن والجنون، فتلك البواعث فى وقتنا الحاضر لا وجود لها وأن السورة ساذجة الهدف والغرض من وجودها أو كتابتها، لأنها كلمات مناسبة لعقول وإنسان العصر الأول الهجرى.
أليس كذلك؟
2 - صباح الخير
عباس علي العلي
(
2017 / 6 / 4 - 00:37
)
صديقي العزيز أن تحكم على السورة على أنها نص بدائي وساذج فهذا رأيك الشخصي وملزم أنا بأحترامه دون أن تلزمني بالإيمان به، أما الإشكالية التي وقعت فيها فهي عدم تفريقك بين الجنة بكسر الجيم والتي هي جمع كثرة للجن، وبين الجنة مفتوحة الجيم التي هب مضاد نوعي للنار أو الجحيم، الجنة والناس كلاهما يصنعان أثرا على الإنسان من خلال وسائل التدخل أو ما يعرف بالحث النفسي، لذا أطلق الناس خطأ صفة الجنون على من به أعراض عدم التوازن النفسي في السلوك أو في الإدراك، أو الفهم والتصرف بطبيعية بشرية معتادة،النص بما حمل من مفاهيم لا يمكن نكرانها لا علميا ولا واقعيا فعلم النفس واحد من العلوم التي أشارت إلى حقيقة الأهتزاز النفسي ودرسته وفق مناهج علمية معتبرة توصلت فيه أن الإنسان كائن معرض دوما إلى حالة اللا توازن نتيجة الصعوبة في التأقلم أما مع الواقع ككل أو مع الناس وهذه نتيجة حتمية وتوصل أيضا إلى نظريا وأساليب وطرق للمعالجة، على العموم ما كتبته هو محاولة للتدبر وليس تفسيرا كهنوتيا ولا تأويلا فقهيا. وكلما أعدنا القراءة بروح ورؤية تبتعد عن التقليدية في القراءة قد نفتح أبوابا لتجديد الفهم للنص الديني بلا إلزام لأحد
3 - صباح النور
طاهر مرزوق
(
2017 / 6 / 4 - 09:44
)
أخى العزيز
محاولتك التدبر لشرح سورة الناس أخذت معانى ومفاهيم إنسانية لعلم النفس وأسقطتها على عبارة: ( شر) الوسواس الخناس، وهذا لا يتفق وواقع ومنطق النص الذى أعتبر المشاعر السلبية النفسية والوسواس مكانهم فى صدور الناس، وهذا الكلام كان صالحاً لزمان الشعوب اليهودية والمسيحية والمسلمة أى عصور الجهل والظلمة المعرفية، حتى الآن لم يصدر عن العلماء من يؤكد أن القلب هو مركز الأهتزازات والوساوس النفسية وغيرها من المشاعر السلبية، بل القلب هو مجرد مضخة تضخ الدم لأجزاء الجسم المختلفة وفقاً للأوامر الصادرة له من المخ الذى هو مركز الأهتزازات والإختلالات النفسية والعضوية التى تظهر فى سلوكيات الإنسان وأمراضه العضوية، والقلب وفقاً للدراسات والبحوث العلمية والمعملية هو مجرد عضو له دورره فى جسم الإنسان مثله مثل العينين أو الساقين واليدين مثلاً.
وكما يعرف الجميع أن الفتحة والكسرة والضمة والتنقيط جاءت فى عصور لاحقة لكتابة هذه النصوص، ما أريد التأكيد عليه أن ذلك النص لا يختلف عن غيره من النصوص القرآنية التى هى جميعاً غيبية المصدر ولا وجود حقيقى لأشياء أسمها الشياطين والْجِنَّةِ.
.وشكراً لك
4 - صباح الخير
عباس علي العلي
(
2017 / 6 / 4 - 11:43
)
صديقي العزيز القلب في علم التشريح والبيلوجيا مضخة تتفاعل مع نظام الجسم كمصدر لتدفق الدم، وقد لا تعرف أن القلب يتأثر بالكثير من الهرومنات والأفرازات التي تصدرها بعض الغدد في الجسم مثل الأدريالين الذي هو مسئول عن تحفيز القلب على ضخ الدم بصور تتناسب مع الإنفعات النفسية كردة فعل، مثلا في الفرح أو الصدمة يفرز الجسم عبر الغدد المسئولة كمية أضافية من الأدريالين حتى يتم معالجة عكسية للحالة، ومثال أخر عندما ينفعل الشخص نتيجة موقف يتعلق بالحب أو الخوف تجد أن القلب يبدأ بالضرب بشدة دلالة على تأثره بما يحدث للإنسان من شعور متجرم بالإدراك وكذلك بالخوف أو أي إنفعال حسي، فهو ليس فقط مضخه عادية ولكن يتفاعل مع الحواس سلبا وإيجابا، أما كون النص غبي فلا أعتقد يا صديقي أنك قادر على أن تحدد بالدقة مصدر الغباء أو شكله، قد يكون لك موقف ما من الدين هذا لا يعني أن الناس يشاركونك في الرأي وتبقى القضية أعتبارية لكل فرد منا
5 - أقرأ جيداً كلمتى
طاهر مرزوق
(
2017 / 6 / 4 - 18:23
)
صديقى العزيز/
مع أحترامى لشخصك الكريم أنا لم أكتب فى تعليقى كلمة غبى أو غباء، لكنى كتبت كلمة: غيبية المصدر التى فى علم الغيب ولم أقصد أتهام أى دين بالغباء، بل وأكرر أننى قلت بأن الأديان جميعاً غيبية المصدر لأنه حتى يومنا هذا لا يوجد دليل مادى أو منطقى يثبت وجود الشياطين والملائكة والجن ، وإذا كانوا نزلوا أو صعدوا من سموات مفتوحة أو مغلقة أو أنهم تكلموا مع بشر أو لا.
أما هرمون الأدرينالين الذى تفرزه الغدة الكظرية يكون فى حالات الخوف والأنفعالات العصبيةأثناء المشاجرات وغيرها من الأنفعالات السلبية أو الإيجابية، كذلك يعمل هرمون الإدرينالين على توسيع الشرايين لأستقبال كمية أكبر من الدم فتزداد سرعة نبضات القلب.
كذلك من يعانى من مرض أرتفاع ضغط الدم تكون نبضات قلبه مرتفعة ويخضع للعلاج حتى تستقيم حالته، وعند ممارسة الأنواع المختلفة من الرياضة سواء الوثب إلى أعلى أو الجرى أو الحركة السريعة تجعل نبضات القلب تزداد سرعة لتعويض النقص فى الأوكسيجين وضخ دم أكثر لمقاومة الإرهاق وأسبابه، وكل ذلك بأوامر من المخ.
وشكراً لك مرة أخرى
6 - صباح الخير
عباس علي العلي
(
2017 / 6 / 5 - 23:53
)
صديقي العزيز شكرا لردك المهذب على ردي، الحقيقة عالم الغيب عالم واسع ومعقد وقد يكون النقيض المنطقي للثنيوية الوجودية القائمة على التنوع والتعدد ليس في ماهياتها فقط بل أيضا في مصدريتها، من حقك أن لا تؤمن بالغيب ومن حقك أن تتمسك بما تجسده الحواس لك من وقائع وماديات، هذا لا ينفي أشياء تحكمها الضرورة ويحكمها النظام الشمولي، فكما في الوجود علم وجهل وماضي وحاضر وموت وحياة، هناك عالم الشهادة وهناك عالم الغيب، هذا قانون طبيعي لسنا ملزمين أن ننكر أو نسلم به بل ملزمين بمعرفة التفسير والتعليل له حتى لو لم نصل لنتيجة الآن المستقبل مفتوح على كل الأحتمالات ولكن المؤكد أننا لم تبلغ النهاية في المعرفة ولا الكمال في الإحساس..... لك كل الشكر والأمتنان
.. 2024 النشرة المغاربية الخميس 28 مارس • فرانس 24 / FRANCE 24
.. المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية تؤكد ضرورة بدء تجنيد
.. لليوم الـ11.. استمرار غارات الاحتلال والاشتباكات بمحيط مجمع
.. محكمة العدل الدولية تأمر إسرائيل بضمان إيصال المساعدات إلى غ
.. غزة.. ماذا بعد؟| نحو 20? من الأمريكيين يغيرون موقفهم من حرب