الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذاكرة الحقل السيكوتيني

علي المدن

2017 / 6 / 3
سيرة ذاتية


هناك مهمة كبيرة وجليلة ننتظر عراقيي الخارج أن يقوموا بها، وهي كتابة مذكراتهم حول المنافي القسرية التي جربوا العيش فيها منذ نصف قرن تقريبا. قبل شهر من الآن تحدثت مع صديق، وهو كاتب وباحث معروف، عن ضرورة كتابة مذكراته حول المنفى الإيراني الذي عاش فيه لعقود، فوجدت أنه يشاركني الفكرة ذاتها، وأنه أخذ الاستعدادات لذلك حتى إنه جمع عدد كبيرا من الصحف الإيرانية القديمة التي تتحدث عن أحداث عاصرها، وكان ينوي أن يستفيد من تلك الصحف لأغراض التوثيق، ولكنه أرغم على حفظها بطريقة مثيرة (لن أبيّن الآن تلك الطريقة بالرغم من أنها حافلة بالدلالات الموجعة!) فتلفت إثر ذلك. لو قدّر للعراقيين أن يكتبوا مذكراتهم تلك فإننا سنحصل حينها على مكتبة كاملة من النصوص التي من شأنها أن تسهم إسهاما فاعلا في إنضاج الذهنية العراقية وتوسيع أفقها وإدراكها لأوساط ثقافية وأدبية وتجارب اجتماعية وسياسية حول العالم، القريب منا والبعيد على حد سواء. لقد جرّب بعض الكتاب العراقيين الكتابة عن رحلاتهم وسفراتهم لإيران أو الأستانة أو غيرهما في بداية ووسط القرن العشرين، ولكن ما أتحدث عنه هنا شيء مختلف، إنه يتعلق بهجرة العراقيين وانتشارهم في دول العالم، والتي هي الهجرة الأوسع والأعنف والأكثر درامية في تاريخهم، وربما في العالم، الحديث. فمن أمريكا غربا إلى الهند والصين شرقا، ومن السويد والنرويج شمالا إلى أستراليا وانيوزلندا جنوبا، يقيم عشرات، وربما مئات، الآلاف من العراقيين، ولكل واحد منهم قصته وروايته. فَلَو استطعنا أن ننتج أعمالا نصية (أو غير ذلك) توثق وتشرح وتبين وتسجل كل تلك المفارقات، كل تلك المعاناة والمآسي، كل تلك الإخفاقات والنجاحات، كل تلك الأحزان والإحباطات والأفراح والمسرات، فإن ذلك سيكون شيئا عظيما لا يقدر بثمن. ولا شيء أروع من الحديث عن الأشياء عبر المعايشة والتجريب. ما قيمة حديث عن الشجاعة والجرأة من قبل منظِّر في قاعة درس مغلقة قياسا بنص في الموضوع ذاته يكتبه متسلق جبال مغامر؟! في رأيي: لا قياس!! الأمر نفسه ينطبق على السياسة، وفي التقاليد والآداب الاجتماعية، وفي الفكر والثقافة والأدب وغيرها. الكثير من الأوهام والانحيازات والأحكام السطحية مردها إلى عدم رؤية الأشياء عن قرب، وفِي المذكرات فرصة أن ترى بعيون وأحاسيس وتجارب الآخرين تلك الأشياء عن قرب. ناهيك عن القيمة الفنية والجمالية والأدبية لأمثال هذه النصوص التي تتضمن كل تلك الأحاسيس والأحداث والتجارب.
ينفرد صديقي الشاعر والكاتب مهند محمد يعقوب (هو يفضّل أن يكتب فقط: مهند يعقوب. ولا أعرف ما الذي يعجبه في هذا البتر الغريب؟!!) بابتكار مصطلح خاص به عن المنفى الإيراني، هو يسميه ب(الحقل السيكوتيني)!!. كنا، أنا ومجموعة من الأصدقاء، نصر على تذكر مهند بهذا المصطلح الذكي والمضحك والبالغ الثراء في الدلالة. مهند محمد يعقوب إنسان لا يمكن حصر ما يمتع به من هرمونات الروعة البشرية. هو مبدع وذكي ورقيق الجانب كالنسيم، ثرثار يفيض عذوبة وبلاغة، وفوق ذلك رجل مفرط جدا في نقائه وإنسانيته. من يتعرف على مهند سوف لن يفارقه إلى الأبد.
تحدثنا، أنا ومهند، بنفس الحديث الذي سبق وأشرت إليه أعلاه مع صديقي الكاتب والباحث. كان هذا بعد أن فاجأني بنصه الجديد (في بطن الدب)، فكانت سعادتي بالغة بالنص، وشجعته على أن يواصل كتابة نصوصه الأخرى حول الحقل السيكوتيني. اليوم فرحتي بالغة بنشر هذه النص، وسأفشي سر صغيرا للقراء إذا قلت لهم إن هناك نصا آخر سينشر له بعد أيام في الموضوع ذاته. وكم سيكون رائعا حين يأتي اليوم الذي تكتمل فيه هذه السلسلة ونجدها مطبوعة في كتاب مستقل، كتاب عنوانه: (الحقل السيكوتيني)!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: اجتماع أمني تشهده وزارة الدفاع حاليا


.. القسام تعلن تفجير فتحتي نفقين في قوات الهندسة الإسرائيلية




.. وكالة إيرانية: الدفاع الجوي أسقط ثلاث مسيرات صغيرة في أجواء


.. لقطات درون تظهر أدخنة متصادة من غابات موريلوس بعد اشتعال الن




.. موقع Flightradar24 يظهر تحويل الطائرات لمسارها بعيداً عن إير