الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأبعاد الجيوستراتيجية لحراك الريف

خالد الصلعي

2017 / 6 / 4
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


أصبح مبحث الجيوستراتيتجية مبحثا هاما ياخذ بلب كبار لاستراتيجيين العالميين ، في مختلف القارات ، وصار الكون الأرضي مجالا خصبا لتنافسية لم يشهد لها التاريخ مثيلا ، رغم ان الحروب حول الأراضي والمجالات الحيوية عرفها الانسان منذ نشوب اول حرب بين قبيلتين . لكن تطور التكتيكات والأهداف والغايات ، وتعقيد المنطلقات وتداخل المجالات الكبرى التي تتأسس عليها وجودية أي دولة او حضارة ، من اقتصاد وسياسة وثقافة وامتداد . غير أن عصرنا الحالي يتميز بنوع خاص من الدراسات الجيوسترتيجية ، بدات تتخلله كثير من الطوارئ والمستجدات بحكم تطور بنية العقل البشري ، ورسوخ مبدأ الحقوق والحريات . ما جعل الصراعات حول الجغرافية تأخذ أبعادا دقيقة وجد وتنظؤ في ادق تفاصيل أي محاولة لخلخلة وضع جغرافي معين .
وبالنسبة للباحثين الاستراتيجيين ومتتبعي احداث العقدين الأخيرين فانهم يدركون ان تقسيم العالم العربي جغرافيا هو معطى قديم ، وقد تمت ترجمته العملية مع الربيع العربي الذي تم تحريفه ليتحول الى خريف عاصف ، ومع تقسيم السودان لأسباب تافهة في أساسها وكبيرة في أبعادها . اذن فتقسيم العالم العربي هو مسألة تحصيل حاصل ، وحقيقة تحدث عنها كثير من الباحثين الدوليين ، وأكدتها دراسات ووثائق ثابتة . بل ان واقع العالم العربي منذ بداية 2011 الى يومنا هذا يشهد هذا التقطيع المتعدد الأطراف تحت ذرائع شتى ، متعارضة ومتقابلة ، الى درجة أن قطعة أرضية صغيرة بات يتنازع حولها أكثر من طرف محلي بدعم خارجي واضح .
واذا كان مسألة تقسيم العالم العربي ، في سوريا وليبيا واليمن ، قد اصبحت مسألة حياة أو موت ، فالسؤال الذي يطرح نفسه ، كيف نفذ المغرب من هذا الخطر الداهم ؟ ، ولماذا تم استبعاد خطة تفتيته رغم أن شروطا موضعية عديدة تسمح بذلك ؟ . هل يعود السبب الى يقظة النظام المغربي ورسوخ شرعيته بين المغاربة ؟ ، ام يعود الى طبيعة الذهنية المغربية والى تكوين الشخصية المغربية ؟ ، ام أن الأمر أبعد من ذلك ؟ .
بعيدا عن القراءات العاطفية ، وبعيدا عن الشوفينية ، وتمجيد الذات ، وتزكيتها ، دعونا ننخرط بعقلانية في فهم االأسباب الحقيقية التي تقف وراء استبعاد تفتيت المغرب وتقسيمه . فالغرب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والنظام الصهيوني لا يهمهما من شأن المغرب شيئا ، بل ان استراتيجيتهما الثابتة هي تفتيت المفتت وتشطير المشطور وتقطيع المقطع . فمن اذن هو الطرف المتضرر اّلأول من تقسيم المغرب ودخوله في صراعات داخلية وبينية قد تعصف بالأخصر واليابس ؟ . هل يتوفر مثلا المغرب على جهاز استخباراتي قوي متمكن من تقنيات العمليات الاستباقية ؟ . فماذا عن التقارير الدولية والعربية والمحلية التي تخص تونس قبل الربيع العربي ؟ ، هل ينسى الباحثون طمأنة كبريات المعاهد الدولية للرأي العام بقوة نظام زين العابدين ؟ ، وهل ينسى الباحثون خطاب الأسد وثقته في نظامه أياما قليلة قبل ثورة الأحرار بسوريا ؟ ، بل هل يفوت ما وعد به نظام السيسي شعب مصر ؟ .
الواقع لايرتفع ، والواقع اب النظرية . كما ان الواقع هو المستقبل . كما ان الثابت الوحيد اليوم في علوم السياسة في هذا العالم هو أن التغير هو القيمة الأكثر ثباتا . وما عاشه المغرب بعيد انحسار وهج حركة 20 فبراير ، وتغول الأجهزة الأمنية وتمكن القصر من قتل السياسة بصفة نهائية ، ووصول نضال الريف مستويات غير مسبوقة يضعنا امام سؤال جوهري ، كيف يتحاشى المغرب بكل مكوناته حالة التقسيم ؟ .
ان الافرازات والتداعيات التي صاحبت تفجير الوضع في سوريا والعراق من قبل المنظمات الارهابية المتحكم فيها بدقة ، ادت لى موجة من الهروب الجماعي لمواطني هذين البلدين ، بالاضافة الى مواطني دول الساحل الافريقي وبعض دول شرق افريقيا ،كالصومال والسودان بجزئيه ، ومهاجرين من أفغانستان وباكستان . ما خلف انعكاسات لا تزال بعض دول اوروبا تعاني منها رغم حاجتها القوية لليد العاملة ، وللطاقات الشابة . حيث أصبحت تعاني دول اوروبا من تداعيات أمراض المهاجرين وأفكارهم البدائية ، وطبيعة نظرتهم الى الحياة التي تدعمها مفاهيم دينية منحرفة ، وهبوط حاد في المستوى التعليمي . ما أنتج واقعا ، كان من المفروض ان لا تتجاوز سلبياته دول افريقية ودول عربية . الى درجة ان دولة مثل فرنسا باتت تعيش تحت واقع حالة الطوارئ منذ أكثر من عامين ، وهو وضع شبيه بوضع أي دولة متخلفة ، مصر مثلا .
هكذا ولدت الجغرافية فائضا بشريا لا يمكن ترويضه او التحكم فيه أو ضبطه وتوجيهه ، مع العلم أن الانسان يبقى من أصعب الكائنات التي يمكن ترويضها أو التنبؤ بردود أفعالها وتحولاتها المستقبلية .
والمغرب ، لاقدر الله ، اذا ما انفجرت فيه الأوضاع سيعرف استنزافا بشريا لا قبيل لأوروبا ذات االفلسفة الانسانية به . فالأمر لا يتعلق فقط بساكنة ومواطني المغرب ، بل يتعداه الى ما يمكن أن يفيض عليه من شعوب افريقيا ، فضلا عن المتواجدين فوق ترابه ، ان التقديرات البسيطة تروم رقما خياليا ، اكثر من عشر ملايين يمكن أن تطأ أرجلهم أراضي اوروبا خلال أيام . وهذا عدد لا قبل لأي جهاز عسكري او سلطوي برده أو التعامل معه .
فالقضية اذن لا تقف عند حدود قوة النظام المغربي وتماسك لحمة شعبه بقدر ما يتعلق بحقائق جيوبليتكية واستراتيجية أعمق . ونحن اذا ما ذهبنا أبعد من ذلك ، وقاربنا نظرية تقسيم المغرب دون ارتدادات هذا التقسيم التهجيرية ، بمعنى محاصرة الراغبين في هجرة المغرب داخل حدوده الجغرافية ، فان هذه النظرية تسقط امام ما تجيش به صدور معظم المغاربة ، وتطلعاتهم الحثيثة لمغادرة المغرب ،سواء تعلق الأمر بالعقول الرفيعة ، كما صنع قبل أيام أحد الباحثين الألمعيين ، والذي ترك رسالة يعلن فيها اسباب مغادرته الطوعية للبلاد ، رغم أن دخله المادي كبير ومحترم .
فمن خلال ردود أفعال النظام المغرب ضد جميع الاستحقاقات المطلبية التي دبت في الجسد الاجتماعي المغربي ، يبدو جليا أن النظام لا يتوفر على خطة بديلة لتهدئة الاوضاع ، وهو يستهدف طبقات هامة من أبنائه ، مسلطا عليها شبيحته أو بلطجيته ، في انفصال تام عن مفاهيم دولة الحق والقانون ، وهو ما يؤلب شريحة هامة من المغاربة ضد بعضها ، الى درجة أن شعار عاش الشعب بدأ يزاحم شعار عاش الملك ، وهو صراع قناعات وأفكار طفت اليوم فوق سطح الواقع المغربي ، مما يستلزم دراسات جادة وقوية ، وليس الاختباء وراء كلام فضفاض يجانب حقيقة الأحداث والتفاعلات .
ما يلحظه المراقب ان الوضع بالمغرب مرشح الى تداعيات خطيرة ، فالمراقب يدهشه غياب أي استراتيجية متماسكة لتطويق الأحداث ، بل ان الدهشة تكبر والصدمة تتداعى وهو يتابع تصريحات كبار مسؤولي الدولة ، وتناقضاتها الفجة ، وسقوط مؤسسات ذات ثقل كبير في أخطاء مسطرية واجرائية بسيطة ، وغياب التنسيق بين مكونات الحكومة ، وتهلهل بياناتها ، وهي مؤشرات واضحة ذات دلالات خطيرة تؤكد بالملموس ان بنية النظام بنية هشة وضعيفة ، وأنها تفتقد الى اهم عنصر هو عنصر التنسيق والتوافق .وهذا يقود الباحث الاستراتيجي الى رفع يده من تكتيكات الدولة وخططها . في حين نلاحظ ان مبدأ السلمية الشعار القوي للحراك الريفي قد تم الحفاظ عليه الى يومنا هذا . الأمر الذي يمنح المتتبع صورة واضحة على تناقض صارخ بين مكون كان من المفترض فيه أن يعطي دروسا حول الانسجام والتنسيق و فشل فشلا ذريعا في هذا المنحى ، وبين مكون تحتفظ جميع كلاسيكيات الحراك الشعبي بواقع عشوائيتها وفوضويتها وضبابيتها ، لكنها أثبتت مع حراك الريف عكس ذلك .
لنخلص أن خطة الدولة في تصعيد الأمور لم تنجح ، لكنها عكس ذلك عمقت جراح الحراكيين في الريف . ورغم اعتقال أبرز نشطائه فان الدولة لم تتراجع ،الا تكتيكيا ، بينما أهل الريف زادوا من عزيمتهم وأعلنوها اضرابا عاما في الحسيمة .
واذا كانت الأمور الى يومنا هذا مرتبكة ولا تشير الى أي وجهة محددة ، فوضى أم هدوء وانفراج ، فان واقعة تقسيم المغرب كما عبر عنها الملك شخصيا في قمة الخليج العربي بالسعودية ، وحسب ما أفاد به كثير من الباحثين المغاربة وعلى رأسهم أحمد ويحمان ثابتة ، لأسباب ذكرناها سابقا ، لكن من يضمن هذا زهاء سنة اذا استمر الوضع على ما عليه .؟؟؟.
ان وضع جميع السيناريوهات على الطاولة ومحاولة مقاربة الوضع الحالي بالريف هو الكفيل بتجنيب المغرب مزالق خطيرة . فواقع اليوم يختلف عن واقع البارحة ، وحراك الريف لا يشبه حراك 20 فبراير ، كما أن ادوات الصراع تختلف كثيرا ، ان لم أقل جذريا عن أدوات وتكتيكات صراعات الأمس . فنحن اليوم لا يمكن أن نغفل استحضار الأبعاد التاريخية والتنموية والتكنولوجية .
فلم تبق للحدود نفس القيمة القديمة ، وأصبحت في مناطق عديدة من العالم ملغاة ، وهو ما يدفع كثيرا من دول العالم الى بناء جدارات واقية من الهجرة أو من التهريب المكثف . كما ان المعلومة بفضل وسائط الاتصال أصبحت في متناول الجميع ويمكن أن تصل في ثواني الى العالم قاطبة .
كل هذه المعطيات وأخرى تم تجاهلها في معالجة قضية حراك الريف . وهو ما جعل الدولة او النظام يقع في اخطاء ضخمة وخطيرة ، لأنه ببساطة لم يستحضر كل معطيات الجيوسترتيجية المتعلقة بمنطقة الريف وبحراكها .
وعودة الى ما هو نظري ، يمكن تسجيل اختلاف كبير بين الجغرافية السياسية والجغرافية الاستراتيجية ، فالجغرافية السياسية تقترن أساسا بالمكان كمكون أساس وجوهري لتبني سياسات مهمة ، كحالة انشاء قناة السويس ، أو ربط بريطانيا وفرنسا بنفق المانش ممتد بين الجانبين . في حين ان الجغرافية الاستراتيجية أعقد وأكثر تشعبا . فهي تمتد الى المجال النفسي ، وطبيعة البئة السكانية وقدرة مكوناتها على التأثير في محيطها وخارجه ، وشدتها أو ضعفها ، بالاضافة الى العوامل الأخرى وهي كثيرة ؛ كالمناخ وطبيعة الأرض وتاريخ المنطقة ومدى انفتاحها على اكراهات الحاضر والمستقبل .
وكخلاصة يمكن القول اننا أمام مجال أكاديمي وتخصصي بامتياز لا نصادفه في قراءاتنا اليومية . ولعل هذا الفقر المعرفي هو ما دفع الحكومة المغربية ، أو بالأحرى النظام المغربي الى تجاهل طبيعة منطقة الريف واهمية مخاضات نضالات أبنائه . فالنظام غيب تماما تأثيرات الجالية الريفية بالخارج ، كما تساهل تساهلا فجا مع لغة العصر علوم التقنيات والتواصل ، وتحولات سلوك المواطن المغربي .
فالجيوسياسية ؛حسب بعض التعاريف هي مجال يهتم بمدى تأثير المحيط الطبيعي لدولة ما على الحياة السياسية فيها سواء الداخلية أو الخارجية . ومنطقة الريف تاريخيا كانت من أولى مناطق المغرب التي عرفت نزوحا مكثفا لأبنائها نحو اوروبا بعيد الحرب العالمية الثانية ، وهي الفئة التي شكلت لوبيا قويا بأوروبا ، تستطيع كما نتابع التأثير على السياسات الداخلية للدولة او النظام المغربي .
واذا ما قامت صراعات محلية في المغرب فان منطقة الريف يمكن ان تسجل اكبر حالات الفرار والنزوح نحو اوروربا ، ومن خلال شواطئ الشمال القربية للمحيط الأوروبي يمكن لأفواج هائلة من المغاربة هجرة البلد من خلالها كما حدث ابان موجة الحريك المشهورة في تاريخ المغرب .
هذه الأبعاد هي التي ثبتت فيتو اوروبا حول تقسيم المغرب او جره الى مستنقعات الحروب الأهلية التي نلاحظ ان هشيمها قابل للحريق في أي وقت ، لا قدر الله .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فى الاحتفال بيوم الأرض.. بابا الفاتيكان يحذر: الكوكب يتجه نح


.. Israeli Weapons - To Your Left: Palestine | السلاح الإسرائيل




.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا


.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا




.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز