الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مثقف خارج طابور الثقافة السائدة

طلعت رضوان

2017 / 6 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مثقف خارج طابورالثقافة السائدة
طلعت رضوان
يـُـعتبرد. على مبروك أحد المُـفكرين القليلين الذين انحازوا للغة العلم، ولم ينخدعوا بأية عاطفة دينية أوأيديولوجيا سياسية أوحتى (فلسفية) وأعتقد أنّ مصدرهذا التوجه (العقلانى) هـو أنهم رفضوا أنْ يكونوا مجرد نـُـسخ كربونية من الثقافة السائدة، ورفضوا أنْ يـُـختموا بخاتم هذه الثقافة، وكان الراحل الجليل د. على مبروك أحد هؤلاء المُـفكرين المُـحترمين، لذلك لم تكتشفه كاميرات الميديا المرئية، أو- بصيغة أكثردقة– لم تسمع عنه.
وعندما كنتُ أقرأ أى كتاب من كتبه، كنتُ أتساءل: لماذا يظل– دائمًـا– المُـحترمون يعملون فى صمت، مثل الزاهد الخاشع، ولكن هل هذا الزهد يـُـبرّرتجاهل هؤلاء المُـحترمين؟
ولأنّ د.مبروك رفض أنْ يمشى فى طابورالثقافة المصرية، لذلك امتلك شجاعة الاختلاف مع د. حسن حنفى (واسع الانتشار) والمُـعترف به من الثقافة السائدة، فيلتقط فقرة من كتاب د. حنفى (الدين والثورة فى مصر- ج6) التى قال فيها ((انتهى فجـرالنهضة العربية الحديثة، ولم نرضُـحاها أوظهرها وحلّ ليلها بسرعة. وسادتْ روح المحافظة الدينية، وكأنّ الصاروخ قد هبط إلى الأرض بمجرد أنْ ارتفع، ولم يستطع خرق حـُـجب السماء إلى رحاب الفضاء، فظهرتْ الأصولية الإسلامية على أنها الرصيد التاريخى الوحيد الباقى على مرالعصور، حامى حمى الإسلام ضد الغرب)) وهذه الفقرة بصياغتها المُـخادعة المُـخاتلة (المُـرهقة فى قراءتها) قد تبدوللبعض أنّ د. حنفى (ضد الأصولية الإسلامية) ولكن قراءة د. مبروك كانت مُـختلفة فكتب ((ومن هنا بالذات– فى كلام د. حنفى– فإنّ إخفاق الثورة الوطنية، وانحسارالموجة التقدمية، وبروزالإسلام كقوة أكثرفعالية، بدا لكثيرين أنه لامستقبل لثورة أونهضة من خارج الإسلام وتراثه الذى يـُـشكــّـل مخيال الأمة ومخزونها النفسى الذى لايمكن القفزفوقه، فبرزتْ ضرورة السعى لصياغة الإسلام كأيديولوجية ثورية للشعوب الإسلامية)) (الحداثة بين الباشا والجنرال– مركزالقاهرة لدراسات حقوق الإنسان- عام2003- ص52) وأضاف أنّ العائق الذى ينطوى عليه مشروع د.حنفى يتمثــّـل فى تبنى استراتيجية التحول بالأبنية التراثية من دلالاتها القديمة إلى دلالات أكثرتوافقــًـا مع العصر، ولكن بدون تفكيك الدلالات القديمة، بردها إلى السياق المعرفى والتاريخى الذى أنتجها، فبدا القفزمن دلالة أقدم إلى أخرى أحدث، دون تأسيس لأى منهما فى جملة السياقات التى أنتجتها. وذلك هو(الثابت) الغالب فى مشروع د. حنفى الذى يتكشـّـف عن ((حس نبوئى لاتاريخى . وذلك هومأزق مشروع التراث والتجديد.. ولذلك فإنه لاينبغى أنْ يـُـدهش المرء حين يقرأ قى نص نحوى أوبلاغى أوتاريخى عبارات تكاد تكون، بقاموس مفرداتها، ترجيعـًـا حرفيـًـا لمثيلاتها فى علم أصول الدين)) (ص53، 54) ولأنّ د. حنفى كان أحد المُـدافعين عن المشروع العربى/ الإسلامى، لذلك وصف أحد كتبه بأنه ((من جهد الأنا (المسلم) وإبداعه وليس من قيىء الآخر وإفرازه)) وفى الهامش كتب ((وذلك فى كتابات إشبلنجر، هوسرل، برجسون، توينبى وجارودى وغيرهم من الفلاسفة المُـعاصرين)) (مقدمة فى علم الاستغراب- ص22)
ويرى د.مبروك أنّ من مُـعوقات الحداثة، أنّ الذات العربية لاتملك خبرة التطور. وأنها ((عبثــًـا تــُـوحـّـد نفسها مع تاريخ الآخرانطلاقــًـا من مجرد التزامن معه فى لحظة واحدة، فتسلك مع الحداثة بعقلية البدوى الذى يرى (الحداثة) مجرد متاع يمكن نقله من سياق إلى آخر، تمامًـا كما تــُـنقل الخيمة فى الصحراء من وادٍ إلى آخر. وأنّ المنطقة العربية تسعى بإلحاح على استدعاء نموذج التقدم من خارجه: إما من السلف (رجوعـًـا) أومن الغرب (صعودًا) وفى كل الأحوال عبرالقفزوالتنكرللتاريخ، بينما التاريخ لاينشأ فى حضارة تقوم على شد الوثاق، بل على فك الوثاق، ولاينشأ فى حضارة إلهية، بل فى حضارة إنسانية (ص55، 56) وأضاف أنّ الخطاب العربى المعاصرلم يعرف- وعلى مدى تاريخه– إلاّمجرد التبريرمن خلال التراث، ومع ملاحظة استعارته لكل أشكال الأيديولوجيا، ودائمًـا من الجانب الآخرللبحر(أى من أوروبا) ومن هنا فإنّ عجزالخطاب العربى عن إنتاج معرفة حقيقية به، ودوام معرفته، وحتى بأشكال الأيديولوجيا التى استخدمها فى تبريراته، مجرد معرفة زائفة، حيث أنّ السعى لغرس هذه الأشكال الأيديولوجية، عبر التبريرلاتجعل الخطاب بحاجة إلى المعرفة الحقة، أى الوعى بسياقاتها التاريخية والمعرفية المُـنتجة لها، والتى لافعالية لها خارجها. وبناءً على ذلك فإنّ الخطاب العربى لم يكن له من هدف إلاّ السعى إلى الاستهلاك الأيديولوجى للتراث (ص213)
وفى فصل آخركتب د.مبروك أنّ الخطاب العربى المعاصربأسره هوخطاب أصولى. وهى أصولية يـُـراد منها كل تفكيرينطلق من أصل جاهزسابق، بصرف النظرعن مصدره، مع فرضه على الواقع بالقهر. ومن خلال سلطة مطلقة تــُـمارس على الخطاب هيمنة شاملة، لا يملك بإزائها الخطاب العربى إلا التكراروالاجترار(ص251) وفى فصل غاية فى الأهمية بعنوان دال هو(خطورة نص أم أزمة خطاب) ذكرد.مبروك أنه مع بداية قرن جديد فإنّ خطاب الثقافة السائدة فى حاجة إلى المراجعة، وإلى قراءة (جديدة) تستقصى أزمة خطاب لايعرف العرب معه إلاّ تكرارالأزمات وإعادة إنتاجها، فعلى مدى القرنيْن الماضييْن تصوّروا الحداثة- بنفس تصورالجبرتى- مجرد حيل وعجائب ومخاريق، بينما هم الآن على أبواب عالم (حداثى) تــُـبهرهم ألوانه وزخارفه، بأكثرمما تشغلهم رؤاه وحقائقه. لذلك يبدوأنّ العرب وكأنهم لم يعرفوا أبدًا إلاّمجرد الترجيع واجترارالأزمات، وحتى الحلول فهـُـم يستعيدون عند نهاية كل قرن، نفس الأسئلة ونفس الأزمات. ولعله ليس من داعٍ لتذكيرأحد بتكرارالهزائم والانكسارات العربية أمام إسرائيل فى كل عقد من العقود الخمسة الأخيرة، ومع ثبات الآلية العربية فى التعاطى معها (على أنها) عصية على أى زحزحة أوانكسار. وأنه من المؤسف أنّ العرب وهم يستعيدون أزماتهم لايستعيدونها من نفس الموقع أومن نفس النقطة، بل دائمًا من الموقع الأدنى والأكثر تراجعـًـا وارتدادًا.. وعلى سبيل المثال فإنّ أزمة كتاب ما، لم تكن تؤدى بصاحبه- عند بداية القرن- إلى أكثرمن الطرد من وظيفته، باتتْ تــُـكلــّـف صاحب الكتاب عند نهاية القرن، لا مجرد الطرد من الوظيفة، بل الطرد من الوطن بالنفى، بل ومن العالم بأسره بالموت (المعنوى) وكأنّ العرب لايسترجعون بذلك مجرد أزمات بداية القرن، بل وكل ملامح عالمهم السابق على الحداثة، حيث حرْق الكتب والإعدام للمثقفين. وهنا تتبدى المفارقة واضحة، أى مفارقة من يـُـثرثرون بمفردات ما بعد الحداثة، بينما هـُـم لم ينقطعوا مع ما قبل الحداثة. وتلك المفارقة تــُـلخـّـص المأزق والمشهد حيث (شظايا الحداثة) وهذا هوسياق المشهد العبثى، ولعلّ ذلك يرتبط – فى العمق- بكيفية انشغالهم بالاستهلاك السياسى والأيديولوجى للمفاهيم، وليس بالنظر فى إمكان دمجها بنيويـًـا ومعرفيـًـا، ضمن نظام الثقافة الأعمق.. وضرب د.مبروك مثالابما فعله الطهطاوى (رغم مرجعيته الدينية) كيف أنه اندهش مما رآه فى فرنسا، فحاول التوفيق بين ما هودينى وماهومدنى، وبين (النقل والعقل) وبين ماهوتراثى، وماهوحداثى حيث ذكرفى كتابه (تخليص الإبريز) إنّ الفرنسيين صاغوا دستورًا ((وإنْ كان غالب مافيه ليس من كتاب الله ولا من سنة رسول الله. إلاّ أننا نذكره ليعرف (القارىء) كيف قد حكمتْ عقولهم بأنّ العدل والإنصاف من أسباب تعميرالممالك وراحة العباد، وكيف انقاد الحكام (والرعايا) لذلك الدستور، فعمرتْ بلادهم وكثرتْ معارفهم وتراكم غناهم وارتاحتْ قلوبهم، فلانسمع فيهم من يشكوظلمًـا أبدًا. لأنّ العدل أساس العمران)) فكان تعقيب د. مبروك ((وإذن فإنها دولة العقل أودولة الحداثة بالأحرى)) وأضاف : أما فكرة الدستورفى الخطاب العربى الحديث، فقد ظلّ مـُـنحصرًا ضمن حدود السياسة، لايتجاوزها إلى الأفق الأرحب للثقافة. وأنّ الثقافة لم تتطورعلى نحويسمح بالاشتغال المُـنتج المُـفيد، حيث أنّ الأمرفى الخطاب العربى لم يتجاوز- مع الدستور، وغيره- حدود السعى إلى استعارة المفهوم من الآخر(من السلف أومن أوروبا) وإدراجه ضمن بناء جامد ورتيب، يتجاورفيه الشرعى مع المدنى، والنقلى مع العقلى، والتاريخى مع الأبدى، وعلى نحو كان لابد أنْ يـُـقيـّـد المفهوم (العلمى للحداثة) ويكبح عملية إنتاجه. وبالتالى صارمُـنفصلا ومعزولاعن السياق العام ومنغلقــًـا على ذاته. ولايعرف كيف ينفتح على غيره ويتفاعل معه. وأشارد. مبروك إلى ما كتبه طه حسين فى كتابه (فى الشعرالجاهلى) من أنه ((يجب ألانتقيـّـد بشىء ولانذعن لشىء)) وما كتبه فى (حديث الأربعاء) من أنّ ((قوام الحياة الصالحة لأمة من الأمم إنما هوالتوازن الصحيح بين الاستقراروالتطور. فإذا تغلــّـب عنصرالاستقرار(بمعنى الثبات) فالأمة مُـنحطة. وإذا تغلــّـب عنصرالتطورفالأمة ثائرة. والثورة عرَض والانحطاط عرَض، كلاهما يزول ليقوم مقامه النظام المُستقرعلى اعتدال هذيْن العنصريْن)) وكان تعقيب د. مبروك أنّ المشكلة- فى العالم العربى- تكمن فى أنّ ((النخبة التى حملتْ مهمازالنهضة كانت من صنع الدولة لا العكس)) (د.مبروك- مصدرسابق- من ص271- 278)
هذا عرض لكتاب واحد من كتب د. مبروك العديدة ومن بينها (النبوة من علم العقائد إلى فلسفة التاريخ) و(عن الإمامة والسياسة والخطاب التاريخى فى علم العقائد) و(ماوراء تأسيس الأصولية فى نزع أقنعة التقديس) وأتمنى أنْ تصدركتبه فى مكتبة الأسرة ليقرأها الجيل الجديد.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز


.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب




.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل


.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت




.. #shorts - Baqarah-53